كتاب مفتوح إلى دولة الرئيس الدكتور حسان دياب

 دولة الرئيس الدكتور حسان دياب
دولة الرئيس الدكتور حسان دياب


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،

في العشر الأخير من شهر رمضان المبارك ، وفي ظل التعبئة العامة والإقفال العام للبلاد جراء الكورونا ، وفي زمن الانهيار المالي والاقتصادي والنقدي والاجتماعي والسياسي ،

فوجئ المسلمون في لبنان وأهل طرابلس بصورة خاصة بما أدلت به عقيلتكم الكريمة الدكتورة نوار المولوي خلال حديثها لإذاعة لبنان عن عملها في الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية لإقرار قانون مدني للزواج والطلاق والإرث !!! منطلقة من أن "الدين بينك وبين ربك" !!!

وإننا بغض النظر عن العلاقات العائلية والتاريخية الطيبة مع أسرة زوجتكم الكريمة وآل المولوي الأكارم عموما ، يهمنا أن نؤكد أمورًا عديدة كون المسألة تتعلق بدين الله تعالى ثم بالرأي العام وبأمر تشريعي بالغ الدقة وذلك على النحو الآتي :

أولا : في الشكل :

إن مشاركة زوجتكم الكريمة في الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية ليست لأنها مواطنة لبنانية ، بل لأنها زوجة رئيس الحكومة المسلم السني ، وبناء عليه فإن ما تدلي به من آراء يحملكم جزءا كبيرا من المسؤولية القانونية والسياسية والأدبية والمعنوية.

ثانيا : في الأساس :

١- إن الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية التي تتبع قانونيا لمقام رئاسة الوزراء لا تملك حق تجاوز النصوص الدستورية والقانونية المرعية الإجراء ، فواجبها أن تعمل تحت سقف المادة التاسعة للدستور التي تنص على أن "..الدولة بتأديتها فروض الإجلال لله تعالى تضمن للأهلين على مختلف مللهم احترام أنظمتهم في الأحوال الشخصية "، وهو ما يوجب على دولتكم مسؤولية دستورية وقانونية وتاريخية لجهة ضبط إيقاع مسار عمل الهيئة المذكورة والحؤول دون تجاوزها حد السلطة المتاحة لها وفق مراسيم إنشائها ، وهذا ما لفتنا إليه الرؤساء السابقين

٢- إن الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية ليست سلطة تشريعية ولا لجنة نيابية للعدل ، كما تحاول دائما أن توحي بأنها الجهة المولجة حصرا بتشريعات المرأة والطفل والأسرة ، فهي جهة استشارية وتنفيذية ، ومن غير المقبول أن تنشغل بتحضير اقتراحات قوانين وتشريعات غير دستورية ، مهدرة بذلك مع أحكام الدستور المال العام الذي يُنفق عليها في زمن الافلاس الكبير .

٣- إن الجهة المولجة بالتشريع في مجال الأحوال الشخصية للمسلمين السنة في لبنان هي حصرا المجلس الشرعي الاسلامي الأعلى وهذا ما عززه القانون الصادر عام ٢٠١١ الذي عدل نص المادة ٢٤٢ من قانون المحاكم الشرعية وجعل من قرارات المجلس المذكورة نصوصا آمرة للمحاكم الشرعية السنية في لبنان ، وبالتالي فهي قرارات ملزمة لكل مسلم في مجال الأحوال الشخصية ، وإن صدور أي تشريع عن غير هذا المجلس في مجال الأسرة يجعله منعدما حكما .

٤- إن محاولة إقرار الزواج اللاديني المسمى زورا بالزواج المدني هي محاولات إقصائية للتشريع الإسلامي المصان دستوريا في مجال الأحوال الشخصية ، ولا يرضى مسلم أسلم دينه لله تعالى أن يعطل أحكام "الدِّين" لصالح مشاريع وأجندات أممية هادمة للأسرة تسوّق لها الهيئة الوطنية لشؤون المرأة برئاسة السيدة "كلودين"!!

٥- إن القانون اللاديني في الزواج والطلاق والإرث الذي تدعو لإقراره حرمكم المصون هو ببساطة منظومة تحليل الحرام وتحريم الحلال ، وهذا ما أثبته كبار رجالات القانون والفقه في لبنان و بالدليل والبرهان في المؤتمر المنعقد في جامعة طرابلس عام ١٩٩٨ بمشاركة كريمة من المرجعيتين الاسلاميتين السنية والشيعية في لبنان ، وما أثبتناه على مدى قرابة الربع قرن من الزمان من البحث العلمي والمحاضرات والندوات والمطالعات القانونية والفقهية التي زودنا بها الرؤساء المتعاقبين ، فهل ترضى حرمكم المصون ابنة الدكتور رضوان بترك رضوان الله والعمل على إقرار منظومة تحليل الحرام وتحريم الحلال ، وخاصة في زمن غرق سفينة لبنان ؟!

٦- إن من العبارات الموفقة التي صدرت عن حرمكم المصون هي قولها إنها نشأت على اعتبار "قيمة الأسرة مقدسة" ، ونود أن نبني على هذه العبارة الهامة جدا للقول بأن أمر قداسة الأسرة نابع من قداسة تشريعاتها الربانية الخالدة والمعجزة ، وبغير ذلك لم يبق في الغرب - الذي أقر الزواج اللاديني - أسرةٌ ولا قداسة، فهل المطلوب تقليدهم في الانهيار الأسري والمجتمعي !!

٧- وإن من العبارات الموفقة أيضا قولها "..إنها مؤمنة ومتدينة فلنحافظ على ديننا وليحترم كل إنسان دينه"، ونحن ندعوها إلى العمل بما قالته والحفاظ على دينها واحترامه عبر العمل بتشريعات الله المصانة دستوريا في مجال الأحوال الشخصية لا عبر العمل على هدمها وإلغائها.

٨- أما الانطلاق من القول بأن "الدين بينك وبين ربك " للوصول إلى تعطيل الدين الاسلامي في ساحة التشريع المصان دستوريا ، فهذا توزيع اختصاص مردود يجري فيه حرمان رب الناس ملك الناس إله الناس من هداية الناس وأمرهم ونهيهم، بما يحقق سعادتهم في بلد يشكل المسلمون فيه ما يشكلون في تركيبته السكانية، إلى جانب شركائنا المسيحيين الذين تعتبر مرجعيتهم الدينية أن الزواج سر مقدس

بناء على ما سبق ، فإننا نتمنى عليكم المبادرة العاجلة إلى وضع الأمور في نصابها الدستوري والقانوني والإعلامي الصحيح

رحم الله الرئيسين الشهيدين رشيد كرامي ورفيق الحريري اللذين امتنعا عن المضي في هذا المشروع الفتنة ، وحفظكم من ذلك

وتفضلوا بقبول تحفظاتنا واحترامنا

* بقلم الأستاذ الدكتور رأفت محمد رشيد الميقاتي

الأمين العام للمؤتمر الاسلامي الدائم للشريعة والقانون في لبنان

الدكتور رأفت محمد رشيد الميقاتي
الدكتور رأفت محمد رشيد الميقاتي


تعليقات: