مشاورات التمديد لـ«يونيفيل»: مندوبة لبنان «تخالف» أم «تتآمر»؟

مندوبة لبنان لدى الأمم المتحدة أمل مدللي
مندوبة لبنان لدى الأمم المتحدة أمل مدللي


«نعم. أمل مدللي تتبنّى تماماً الموقف الأميركي في شأن العمل على تغيير تفويض «اليونيفيل» وقواعد عملها في لبنان». هذا ما أكّدته مصادر دبلوماسية لبنانية رفيعة المستوى في بيروت لـ«الأخبار» حول ما أثير عن الموقف الملتبس لمندوبة لبنان لدى الأمم المتحدة في المداولات الجارية في المنظمة الدولية عشية التجديد للقوات الدولية العاملة في لبنان نهاية الشهر الجاري. المصادر أوضحت أن التعديلات التي يعمل عليها الأميركيون «تطال خفض موازنة اليونيفيل وتقليص عديدها وإعادة النظر بالتفويض الممنوح لها عبر توسيع مهماتها بما يسمح لها بالدخول الى الملكيات الخاصة... أي باختصار كشف ظهر المقاومة».

وبحسب مصادر دبلوماسية في نيويورك، فإن مدللي «شاركت في مشاورات أميركية - سعودية - ألمانية من أجل اقتراح قرار بإدراج حزب الله على قائمة الأمم المتحدة للارهاب»، مشيرة الى أن اقتراحاً كهذا «من الصعب جداً أن يمرّ في وجود الفيتو الروسي والصيني، وهو ما يدركه من يعدّون له. لذلك، فإن التوجّه الآن ينصبّ على محاولة إدخال تعديل على ولاية اليونيفيل وقواعد عملها، في ظل شبه الغيبوبة التي تعاني منها الحكومة اللبنانية تحت ضغط الازمة الاقتصادية وجائحة كورونا، ما يعطي المندوبة هامشاً كبيراً من الحركة في تعديل فقرات من قرار التجديد لليونيفيل».

وبعد جلسة مغلقة عقدها مجلس الأمن بواسطة الفيديو، أول من أمس، لمناقشة أحدث تقرير للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش حول تنفيذ القرار 1701، واستمع خلالها إلى إحاطة من المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش، حضّت واشنطن أعضاء المجلس على إعادة النظر في التفويض الممنوح لـ «اليونيفيل» بغية السماح لها بتنفيذ المهمات الموكلة إليها. وكتبت المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة كيلي كرافت، على «تويتر»، أن «على مجلس الأمن أن يعمل لضمان أن تكون («اليونيفيل») قادرة على العمل كقوة فاعلة ومؤثرة»، إذ «لا يزال ممنوعاً على هذه القوة أن تنفذ تفويضها»، كما أن «حزب الله تمكن من تسليح نفسه وتوسيع عملياته ما يعرض الشعب اللبناني للخطر». ورأت أن «على مجلس الأمن إما أن يسعى إلى تغيير جاد لتمكين اليونيفيل، أو أن يعيد تنظيم العاملين لديها ومواردها بمهمات يمكنها تحقيقها».

وأشار غوتيريش في تقريره الى أن «امتلاك أسلحة خارج نطاق سيطرة الدولة يشكّل انتهاكاً مستمراً للقرار 1701». ودعا الحكومة اللبنانية إلى «اتخاذ كل الإجراءات الضرورية لضمان التنفيذ الكامل للأحكام ذات الصلة من اتفاق الطائف والقرارين 1559 و1680 التي تطالب بنزع سلاح كل الجماعات المسلحة في لبنان». كما طالبها بـ«التزام سياسة النأي بالنفس، بما يتفق مع إعلان بعبدا»، ودعا «جميع الأطراف اللبنانية إلى الكفّ عن المشاركة في النزاع السوري وغيره من النزاعات في المنطقة». وشدّد على أن «حرية تنقل اليونيفيل في جميع أنحاء منطقة عملياتها في غاية الأهمية». فيما لفت كوبيتش، أكثر من مرة، وبوضوح، الى «التذمر الاسرائيلي من موضوع الأنفاق والأحداث التي تجري على الخط الأزرق».

ومعلوم أن تعديل ولاية اليونيفيل يحتاج إلى قرار جديد يتبناه مجلس الأمن الدولي. وتطالب الولايات المتحدة، منذ عهد باراك أوباما، استجابة لمطالب اسرائيل، بتطوير عمل هذه القوات وتوسيع صلاحياتها لتشمل تفتيش المنازل في الجنوب والدخول إلى أي مكان بشكل مفاجئ. إلا أنها اصطدمت دائماً برفض الدول الأخرى الأعضاء لا سيما روسيا والصين، وفي كثير من الحالات بمعارضة فرنسا صاحبة المشاركة الأكبر في القوة الدولية، وكذلك دول تشارك في اليونيفيل، لخشيتها من أن يغضب أي تعديل حزب الله مع ما لذلك من إنعكاسات محتملة على العلاقة بين القوة الدولية والأهالي على الأرض.

مصادر دبلوماسية لبنانية: مدللي تتبنّى الموقف الأميركي في تغيير تفويض «اليونيفيل»

المصادر الدبلوماسية اللبنانية أكّدت أن مندوبة لبنان لم تنسّق خطواتها الأخيرة مع وزير الخارجية اللبناني أو مع أي موظف في الخارجية، مشيرة الى ضرورة «القيام بأمر ما»، موضحة أن على الحكومة استدعاء مدللي فوراً ومساءلتها بشأن مواقفها الأخيرة، مستغربة عدم إصدار الخارجية أي توضيح لما تقوم به السفيرة في نيويورك. ولفتت المصادر الى أن مندوبة لبنان «على ما يبدو تتصرف وفق أجندة خاصة، إذ أن أي طرف سياسي في لبنان، بما فيها الطرف الذي تحسب مدللي عليه، لم يعبّر يوماً عن موافقته على تعديل تفويض عمل اليونيفيل». واستغربت عدم إبلاغ مدللي وزارة الخارجية بطلب فرنسا، اثناء المداولات الأخيرة، من مجلس الامن الاستعداد لمساعدة لبنان على الخروج من الأزمة الاقتصادية، «وهي عندما سُئلت عن الأمر أجابت بأنها اعتبرت الأمر غير مهم»!

في المقابل، ينقل دبلوماسيون عن مدللي نفيها أن تكون قد اتخذت أي مبادرة أو أعلنت أي موقف خارج الموقف الرسمي اللبناني، فيما قال دبلوماسيون آخرون لـ«الأخبار» إن مخالفة مدللي تكمن في كونها دخلت في المشاورات، من دون إبلاغ الخارجية بذلك، إلا انها لم تتبنّ أي موقف بشأن ما يُقترح. ويستدل هؤلاء على كلامهم بالقول إن اقتراح تعديل مهمة اليونيفيل لا يزال يحتاج إلى وقت قبل وضعه على طاولة المفاوضات الجدية.

مدللي عُينت في منصبها قبل عامين خلفاً للسفير نواف سلام، وهي عملت سابقاً «مستشارة إعلامية» للرئيس سعد الحريري، وممثلة له في واشنطن، فضلاً عن كونها قدّمت خدمات للديوان الملكي السعودي في العاصمة الأميركية، لجهة تسويق سياسة الرياض وتأمين تواصل مع شخصيات أميركية. ويؤخذ عليها قلة التنسيق مع الخارجية باستثناء «أجنحة قريبة منها سياسياً». ويُنقل عن موظفي بعثة لبنان في مجلس الأمن أنها «كفّت أيدي جميع أعضاء البعثة عن متابعة أي ملف وحصرت كل الأمور السياسية والمالية وغيرها بها وحدها». كما يؤخذ عليها قلة انتاجيتها، «ففي عهد السفير سلام كانت البعثة تراسل الخارجية مرة شهرياً على الأقل، ليتراجع عدد المراسلات في عهد مدللي الى نحو ست سنوياً، علماً أن لبنان موجود على جدول أعمال مجلس الأمن في أكثر من قرار، وهو يندرج ضمن المجموعة العربية وكتلة عدم الإنحياز، وتصدر قرارات سنوية في الجمعية العامة تعني لبنان واللبنانيين مباشرة وغير مباشرة».


تعليقات: