العبرة في شهدائنا


لعل اكثر ما عجز الانسان عن مواجهته والتغلب عليه هو الموت، والذي تعلمنا منذ نعومة اظفارنا انه حق، وانه حتمي لا مفر منه، ولا يسعنا اتجاهه الا الاستعداد لملاقاته براحة ضمير وعقل منفتح وقلب مفعم بالايمان، وهو ما يخفف عن كاهلنا اية احمال تثقل علينا في آخرتنا، بل حتى في دنيانا.

قد يثير هذا الموضوع في البعض منا شيئاً من الامتعاض، او بعضاً من خوف او استهتار، او شعور بالابتعاد عن قراءة هكذا كلام، ولكن معرفة مناسبته او المقصود منه قد يخفف من وطأته في نفوسنا، ذلك انه يتعلق بنا كأبناء بلدة واحدة، يصيب الفرد منا ما يصيب الجماعة، ويصيب الجماعة ما قد يرتكبه البعض منا

ومناسبة هذا الكلام يعود الى العادات والتقاليد والمظاهر التي ترافق مناسبات العزاء بموت أحد أبناء البلدة، بحيث تصبح هذه العادات والمظاهر عرفاً ملزماً يفرض نفسه على أهل المتوفي، بغض النظر عن امكاناته المادية، وقدرته على تحمل أعباء مادية هو بغنى عنها، في ظل اوضاع معيشية خانقة وصعبة، وفي ظل حالة نفسية ومعنوية حزينة لخسارة عزيز. والمثال عن تلك المظاهر، إقامة مآدب الطعام المكلفة عن روح المتوفي، وتوزيع المعمول والمصاحف وغيرها ...واضطرار أصحاب العزاء لدفع تكاليف اخرى يعرفها الجميع وينؤون تحت حملها، ولا داعي لذكر تفاصيلها هنا، الا أن المستغرب في الامر أننا لا نجد من يحاول التصدي لهذه الاعراف ويقف وقفةً شجاعة في وجه استمرارها وتطورها نحو الأسوأ، وهذا الأمر مطلوب من أصحاب الشأن العام في البلدة، من رجال دين ورجال حكمة ورجال علم ومعرفة وجاه إجتماعي، لا من أهالي العزاء الذين لن يتجرأوا على نقض الأعراف، مخافة اللوم والكلام الفارغ الذي سيطالهم ان هم أقدموا بشكل فردي على ذلك في مناسبات عزائهم، وسوف يفسر ذلك على انه تهرباً من القيام بواجب الفقيد

ان تلافي هكذا مظاهر وعادات يوفر على عدد كبير من أهل البلدة الاحراج والعبىء المادي والمعنوي، ويتيح لعدد كبير أيضاً من التبرع بالأموال لصندوق خيري يخصص من أجل جمع مساهمات وتبرعات أصحاب المناسبات الذين يرغبون بالتصدق عن ارواح امواتهم وبحسب امكاناتهم المادية، وبعيداً عن أي مظاهر سوف تؤثر حتماً وبشكل سلبي على المجتمع الخيامي، وتفتح الباب امام منافسات فارغة لن تجد لها مكان، خاصة في بلدة مثل بلدة الخيام

ان اعادة النظر في بعض الامور التي توارثها ابناء البلدة والتي تشكل عبئاً ضاغطاً عليهم، تساعد الجميع في تلافي اكلاف وأعباء لا نستطيع تحملها الا مرغمين، وهذا يتطلب - كما ذكرت سابقاً - موقفاً مسؤولاً من القيمين على البلدة وعلى سعاة الخير، ولو تطلب ذلك بعض الالحاح وبعض التكرار لكي تستوي الامور سريعاً، وأذكر في هذا السياق ان أحد مشايخ الكبار في الخيام دعى في مناسبة ذكرى أسبوع والدته، الى الاكتفاء بذكرى الأسبوع فقط وجعل مناسبة ذكرى الاربعين شأن عائلي خاص جداً تقام مراسيمه لعائلة الفقيد فقط، وهو لذلك لم يقم مراسم ذكرى الاربعين لوالدته، وهو موقف كبير يسجل له، ولكن عليه ان يستتبعه بمواقف متكررة اخرى لاعادة الامور الى ما يجب ان تكون عليه، والعبرة في احترام امواتنا والتصدق عن ارواحهم، لا في مظاهر البهرجة والتكلف والتصنع، واعبرة في شهدائنا.

تعليقات: