الحريري ـ جنبلاط ـ جعجع: لا جبهة معارضة

لدى الحريري وجنبلاط شعرة لا يُريدان قطعها مع حزب الله وبرّي (هيثم الموسوي)
لدى الحريري وجنبلاط شعرة لا يُريدان قطعها مع حزب الله وبرّي (هيثم الموسوي)


وليد جُنبلاط في وادٍ، وسعد الحريري في وادٍ وسمير جعجع في وادٍ آخر. لا بوصلة تجمَعهُم، وإن كانَ الهدَف واحِداً، فالمسار مُختلِف والاعتبارات مُختلفة. المُحصلة: زمَن ١٤ آذار ولّى... لا جبهة مُعارضة ولا مَن يحزَنون

في أيلول 2018، جمَع النائِب نعمة طعمة في منزلِه وليد جنبلاط وسمير جعجع. كانَت مُناسبة طرَحَ فيها رئيس القوات اللبنانية على الطاوِلة فكرة إنشاء جبهة مُعارضة ضد عهد الرئيس ميشال عون. مضَت أعوام كثيرة على تحالُف ثورة «الأرز» لم يتنبّه جعجع خلالها إلى أن جنبلاط ما عادَ مُغامراً ولا مُبادراً، قبلَ أن يحسِمها «البيك» بأنه «لا يُريد الدخول في سياسة المحاوِر».

منذُ أيام لا تتوّقف التحليلات عن جبهة مُعارضة سينضمّ إليها رئيس الحكومة السابِق سعد الحريري، إذ تزامَنت عودته من باريس مع تصريحات هجومية للقوات والاشتراكي تنال مِن العهد وحكومة الرئيس حسان دياب، ومع حركة تقوم بها السفيرة الأميركية الجديدة دوروثي شيا على القيادات «الصديقة» لبلادها في بيروت.

حينَ يُنظَر إلى هذا التزامُن من زاوية التكهّنات، يصير الحديث عن مشروع كهذا «ببلاش». لكن كِلا الأمرين لا يلغيان واقِع أن لا زمان يسمَح لأن اللحظة السياسية التي وُلدت في ٢٠٠٥ انطوَت، ولا مكان يجمَع، فهذا فندُق «البريستول» حيث أسرار وخفايا ما عُرف يوماً بـ«فريق 14 آذار» ودّع ماضيه منُذ أيام...

كُل المؤشرات تُفيد بأن البلاد مُقبلة على اضطرابات سياسية وشعبية شرسة. وحتى ذلِك الحين، يتناوب الثلاثي جنبلاط - الحريري - جعجع على المعارضة وفقَ مشتركات أساسية، أبرزها تصفية حساب مع العهد والحكومة، والحفاظ على ودائعهم داخِل النظام السياسي والمالي، ولا سيما أن المسار الذي تتبعه الحكومة بالتناغم مع سياسة رئيس الجمهورية، يجعلهم يشعرون بالخطر، على صعيد الإجراءات التي يلوّح بها فريق رئاسة الحكومة، كما لجهة التعيينات المالية حيث الطاقم القديم يشكل العمود الفقري للسطوة الأميركية على الساحة الداخلية. كذلك يرى الثلاثي نفسه معنياً بالدفاع عن كبار المودعين (بعضهم من هؤلاء «الكبار»)، وعن رياض سلامة الذي لطالما مدّ مصرف الحريري بالدعم، على شكل هندسات مالية أو غيرها. يُضاف إلى ما سبق أن التعيينات المالية، وخاصة في مصرف لبنان، تمثل أهمية قصوى للحريري وجنبلاط، لأسباب لها صلة بالمحاصصة، كما لإراحة سلامة، فضلاً عن «الامتثال» للأمر الأميركي بإعادة تعيين محمد البعاصيري في منصبه السابق، نائباً ثالثاً لحاكم مصرف لبنان. ولدى جنبلاط مطلب خاص يجعله يخوض حروباً كلامية يُلبسها لبوساً «عالمياً» أحياناً: الأخذ برأيه لتعيين قائد للشرطة القضائية.

ما سبق يجعل الثلاثي يلتقي على المواقِف نفسها، من دون أن يعني ذلِك إحياء منطِق ١٤ آذار، إذ تنعدِم المقدرة على صوغ مثل هذا التحالف نتيجة اعتبارات عديدة:

أولاً، لدى الحريري وجنبلاط شعرة لا يُريدان قطعها مع حزب الله ورئيس مجلس النواب نبيه بري. الاثنان يعلمان بأن تحالُفاً من هذا النوع يستفزّ الثنائي ويجعلهما أكثر تشدداً، خصوصاً أن جعجع بالنسبة اليهما هو بمثابة «شبهة». لذا يلعَب كل من الحريري وجنبلاط منفردين، وحدود لعبتهما انتقاد العهد والحكومة والتحريض عليهما، والإعداد لركوب موجة أي انتفاضة مُقبلة.

ثانياً، لا يزال الحريري يُراهِن على العودة إلى الرئاسة الثالثة. وهذا الرهان ينتظِر انتهاء أزمة كورونا، ويعوِّل على إسقاط حكومة دياب في الشارع. ولأن الحريري يعلَم بأن لا حظوظ له من دون غطاء حزب الله، فلن يُغامِر في ارتكاب خطوة تستفزّه.

ثالثاً، ليس جنبلاط في وارِد الخروج عن السكة التي رسمها لنفسه منذ ٢٠٠٨. يمشي «جالس» مُحاذراً التوتر مع الحزب، ومحافظاً على العلاقة التي تربطه ببري. لذا فإن الابتعاد عن «سياسة المحاور» لا يزال الخيار المُفضّل لديه. وإن تقاطعت تغريداته مع مواقف «المُستقبل» و«القوات» ضدّ طرف سياسي محدّد، العهد أو حسان دياب، لكنها لا تعني أن «خصم خصمي حليفي».

ليسَ جنبلاط في وارِد الخروج عن السّكة التي رسمَها لنفسه منذ 2008

رابعاً، الاعتبار الأهم الذي يحول دون إنشاء هذه الجبهة، هو العلاقة السيئة بين الحريري وجعجع. فباعتراف مصادِر الطرفين «الأمور تحتاج إلى الكثير من المعالجة». القوات تشعر بأنها المخدوعة، ولم تتخطَّ العلاقة العميقة التي جمعت الحريري بالوزير السابِق جبران باسيل. أضِف إلى ذلك أن الحريري لم يتعافَ من الضربة التي وجّهتها القوات له بإخراجه من الحكومة، ثم رفضها تسميته لتأليف حكومة جديدة بعدَ استقالته، فضلاً عن جرح «الريتز» الذي لم يندمل بعد.

صيدا أعادت الحريري

دفعت عودة الحريري إلى الافتراض بأنها تتعلّق بتفعيل عمله السياسي، وإطلاق جبهة معارضة للحكومة. لكن هذه العودة ترتبط بشكل أساسي بما حصلَ في صيدا أخيراً، والحديث عن تواصل بينَ الرئيس الأسبق للحكومة فؤاد السنيورة ودياب ودعوته إلى صيدا، ومن ثم تدخل النائبة بهية الحريري الذي أدى إلى تجميد زيارة رئيس الحكومة ووزير الصحة حسن حمد إلى صيدا. ليسَ تفصيلاً بالنسبة إلى الحريري خسارة أحد أعضاء نادي رؤساء الحكومات السابقين الذين يستنِجد بهم كلما دعت الحاجة، فضلاً عن البلبلة التي أصابت جمهوره، في ظل أزمة كورونا والشح المالي. وقد وصلت إلى مسامِع الحريري في باريس (قبلَ عودته) أن الناس في المرحلة المُقبلة ستركض إلى الشارع منتفضة ضد سياسة التجويع، وأن خطاب العصب الطائفي لم يعُد ينفع، لأن الناس لا تريد أن تقاتِل بل تريد أن تأكل. أما بالنسبة إلى الحركة التي تقوم بها السفيرة الأميركية، فلا ارتباط بينها وبين عودة الحريري، كما أنها لا تأتي في إطار لمّ الشمل أو توحيد البوصلة عند الفريق الأميركي السياسي في لبنان، خصوصاً أن الإدارة الأميركية تُدرك أن أحصنتها القديمة في لبنان لن تجتمع لجرّ عربة مواجهة حزب الله. حركة السفيرة لا تزال في إطار التعارف وجس النبض، في انتظار أمر عمليات لم يصدر بعد، على ما يقول قريبون من الثلاثي ومن السفارة في عوكر.

تعليقات: