الضاحية و«جيرانها»: الاكتظاظ مستمرّ رغم الخوف من الآتي


في الأحياء الداخلية للضاحية الجنوبية، الالتزام بالتعبئة «نص بنص». ففي مقابل الخائفين من فيروس كورونا، هناك من يتركها «على الله». في «قلب» الضاحية، وعلى أطرافها، حيث تقبع المخيمات الفلسطينية، أناس يفتقرون إلى أبسط إجراءات الوقاية

تكاد تكون الحياة طبيعية في الأحياء الشعبية في الضاحية الجنوبية لبيروت. قد تكفي جولة واحدة في مناطق الأوزاعي وحيّ السلم وبرج البراجنة وسواها من المناطق والأحياء الشعبية للقول بأن لا شيء يوحي بأن ثمة كارثة وباء تتهدد حياة الناس. ورغم أن كثيراً من المتاجر أغلقت أبوابها امتثالاً لقرار التعبئة العامة للحد من تفشي الفيروس، إلا أن محال المأكولات والخضر والملاحم والميني ماركت والبسطات وأسواق الخضر ما زالت على ما اعتادته من اكتظاظ قبل الوباء. الشوارع مزدحمة بالناس، وأسواق الخضر أيضاً، فيما تغيب معايير النظافة والسلامة. أما في الزواريب الضيقة، فتتفلت الأمور أكثر. يتجمهر الناس عند أدنى فرصة متاحة، وخصوصاً عند قدوم مرشّات التعقيم. في سوق الخضر في حي السلم، يقول أحد المتسوّقين بسخرية: «لدينا مناعة من أفتك الأوبئة. يكفينا ما اكتسبناه من نهر الغدير»، فيما يجيب آخر عن غياب الكمامات «سعر الكمامة أغلى من ربطة الخبز. ما حدا بيموت ناقص عمرو»، مضيفاً إن الكلام عن حجز الناس في بيوتها «هراء... وهنا ليس لدينا ما نخسره». في تلك الأحياء، تندر رؤية وجوه «مكمّمة»، باستثناء بعض العاملين في بعض المحالّ، لكن هؤلاء يبقون قلة.

يعزو رئيس خلية الطوارئ للحدّ من انتشار كورونا في الضاحية، زهير جلول، قلّة الالتزام إلى واقع الكثافة السكانية العالية ضمن مساحات صغيرة، حيث «عدد سكان برج البراجنة وحدها بحدود 300 ألف نسمة». لكن «وجود الناس في الشوارع أقلّ بما لا يقاس مع ما كانت عليه الحال قبل كورونا، علماً بأن الضغط الأكبر يتركّز صباحاً ليقلّ ظهراً، فيما تصبح الحركة شبه مشلولة بعد الظهر». هناك انضباط إلى حد ما، بحسب جلول، «لكن ليس كما هو مطلوب. وهذا ما يتطلب وعياً أكبر من الناس». مع ذلك، يبرر لهؤلاء عدم انصياعهم «لحاجة الناس إلى العمل حتى تأكل وتشرب، فلو أن الحكومة بدأت بتوزيع الحصص التموينية ومبلغ الـ 400 ألف لكان ساعد في بقاء الناس المستنزفة من جراء الانهيار الاقتصادي في بيوتها».

إزاء هذا الواقع، لا تملك البلديات إلا أن تسيّر دوريات للشرطة (شرطة البلديات والقوى الأمنية) لقمع المخالفات. مع ذلك، يبقى عديد تلك القوى ضئيلاً وغير قادر على تغطية كل المنطقة، وخصوصاً أنها مقسمة إلى ثلاثة دوامات، إذ «يستحيل وجود دوريات في كل شوارع برج البراجنة والرويس والرادوف والمنشية وكرم رحال والتحويطة والأوزاعي والرمل العالي...». في مقابل هذا العديد، فإن عدد المحال كبير جداً. «ففي برج البراجنة وحدها يوجد نحو 600 محل لبيع الخضر والمواد الغذائية». من هنا، فإن «ما نركز عليه هو توعية المواطنين، من خلال الجولات بسيارة شرطة في الأحياء، حيث نوجّه رسائل صوتية نؤكد فيها على التوعية والوقاية ولبس الكمامات». كما تجول «المفرزة الصحية وسلامة الغذاء على المؤسسات الغذائية لإعطاء التوجيهات والإنذارات، وأحياناً نسطّر محاضر ضبط».

المخيمات الفلسطينية: القنبلة الموقوتة

يمضي شاب على دراجته النارية إلى مخيم برج البراجنة من أحد المداخل الأربعة التي حددتها لجان الأزمة في المخيم مع بداية إعلان حالة التعبئة. يقول في وصف حال التزام الناس بيوتها في المخيم: «هنا لا نعرف البيوت إلا كمكان للنوم. الناس يقضون أوقاتهم في أزقة المخيم والشوارع والفسحات، فيما كثير من الناس مياومون يعملون في الخارج، وكثير منهم فقدوا أعمالهم». الواقع في مخيمات الشتات متشابه، ووضعها ما قبل تفشي الوباء مأسوي لناحية الكثافة السكانية والبنى التحتية وتراجع تقديمات الأونروا وغيرها من الجهات المعنية باللاجئين الفلسطينين في لبنان. ووفق منسق البلديات مع المخيمات في خلية أزمة كورونا، حمزة البشتاوي، فإن «التزام الحجر في المخيمات ضعيف نظراً إلى الضغط السكاني، يعيش في مخيم شاتيلا وحده نحو 30 ألف نسمة في كيلومتر مربع واحد، وفي مخيم عين الحلوة في مساحة أقل من كيلومترين يعيش تقريباً 80 ألف نسمة». تضاف إلى الكثافة السكانية «الأوضاع الاقتصادية الضاغطة وقلّة تحويلات المتبرعين من الخارج. وما زاد الطين بلة، النزوح الفلسطيني من سوريا إلى مخيمات لبنان». القلق الكبير من المخيمات وعليها. فأي إصابة بالفيروس تعني كارثة محققة إن لم يتم احتواؤها بسرعة. وفلسطينياً، تشكلت مع بداية تفشي الوباء لجنة طوارئ مركزية لكل المخيمات، تضم السفير الفلسطيني في لبنان وممثلين عن الفصائل الفلسطينية، ومدير الأونروا وجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني. وفي كل مخيم، شكلت لجنة طوارئ تعقد اجتماعات دائمة مع اللجنة المركزية. وتتمثل أبرز إجراءاتها في تحديد مداخل المخيمات لضبط الحركة، إضافة إلى نصب حواجز صحية لفحص الداخلين إلى المخيم من قبل الدفاع المدني الفلسطيني وجمعية الشفاء وتقديم المساعدات العينية وتسيير سيارات تدعو الأهالي عبر مكبرات الصوت إلى التزام المنازل وتوخّي أساليب الوقاية.

يعيش في مخيم شاتيلا وحده نحو 30 ألف نسمة في كيلومتر مربع واحد

ولا ينقطع التنسيق في ما بين اتحاد بلديات الضاحية وبلديتي برج البراجنة والغبيري مع الفصائل واللجان الشعبية والمؤسسات الأهلية في المخيمات الفلسطينية نجم عنه خلية تنسيق مباشر. وقدم الاتحاد مواد وتجهيزات للوقاية من كورونا شملت مرشات تعقيم ومواد خام من المعقمات والمنظفات وموازين للحرارة وغيرها من تجهيزات الوقاية، إضافة إلى آلاف البروشيرات التوعوية. كما جرى تدريب لشبان وشابات من المخيمات على التعقيم وسلامة الغذاء للإشراف على المحالّ الموجودة في المخيم. وتجري الهيئة الصحية الإسلامية دورات تخصصية للعاملين في مجالات الدفاع المدني والصحة في المخيمات. ووفق رئيس بلدية الغبيري، معن الخليل، الذي زار مخيم صبرا «فإن الفلسطينيين متعاونون من بداية الأزمة، وأعطوا البلدية صلاحية إقفال أي مؤسسة مخالفة».

إلى الآن، لم تكتشف أي إصابة داخل المخيمات. «الفصائل تفعل ما يقدرها الله عليه والبلديات تواكب معهم» يقول جلول. أما «كل ما نحتاج إليه الآن فهو مساعدات غذائية، وهي ملحّة لأن الوضع خطير جداً. لحد الآن، الله ساترنا ولاطف بعباده. لكن من يدري؟»، يقول البشتاوي.

تعليقات: