إستقالة عبدالله بعد حكم الفاخوري فماذا عن مسؤولية البقيّة؟

الصورة من العام 2017، لزيارة وزير الدفاع يعقوب الصراف للمحكمة العسكرية ويبدو العميد عبدالله والقضاة المدنيون رياض أبو غيدا، صقر صقر، طاني لطوف، هاني حلمي الحجّار
الصورة من العام 2017، لزيارة وزير الدفاع يعقوب الصراف للمحكمة العسكرية ويبدو العميد عبدالله والقضاة المدنيون رياض أبو غيدا، صقر صقر، طاني لطوف، هاني حلمي الحجّار


بعد ساعات قليلة على إصداره مع أربعة مستشارين آخرين، الحكم بكفّ التعقّبات عن العميل عامر الفاخوري، راودت رئيس المحكمة العسكرية الدائمة العميد الركن حسين عبدالله فكرة التنحّي عن هذا المنصب، وازداد قناعة بقراره مع انتشار حالة الغضب الشعبي من إفلات أحد كبار العملاء من العقاب، خصوصاً وأنّ عبدالله ابن بلدة الخيام الجنوبية، فيما الفاخوري كان الآمر الناهي في تعذيب كلّ المعتقلين والأسرى في معتقل موجود في الخيام، وهو في الأصل ثكنة عسكرية تابعة للجيش اللبناني إحتلته القوّات الإسرائيلية عند اجتياحها في العام 1982.

وما لبث العميد عبدالله أن اتخذ قراره الحاسم والنهائي بترك مركزه في رئاسة محكمة استثنائية، وهو الذي يستعدّ لتعيينه ملحقاً عسكرياً في دولة أوروبية في صيف العام 2020، حيث يكون قد بلغ السابعة والخمسين من عمره، فيمكث في الخارج سنة واحدة إلى حين تقاعده نهائياً من المؤسّسة العسكرية في سنّ الثامنة والخمسين في العام 2021.


تواضع وتهذيب

وبكلمات معبّرة بأبعاد مختلفة، قال عبدالله في كتاب التنحّي إنّه "إحتراماً لقسمي وشرفي العسكري، أتنحّى عن رئاسة المحكمة العسكرية التي يساوي فيها تطبيق القانون إفلات عميل، ألم أسير، تخوين قاض".

وكلّ من يعرف العميد الركن حسين عبدالله الذي تولّى رئاسة المحكمة العسكرية في العام 2016، يستوقفه تهذيبه الجمّ، وتواضعه التام، ولياقته في التعامل مع الناس، وحكمته في إدارة جلسات المحكمة العسكرية الدائمة في كلّ الملفّات التي عرضت عليه ونظر فيها بطريقة شفّافة وقانونية، وبعضها يتعلّق بالإرهاب ولا يخلو من المخاطرة، إلى أن كان ملفّ العميل عامر الفاخوري مع ما فيه من ضغوطات وتدخّلات سياسية كبيرة من الداخل والخارج.


تدخّلات سابقة

وينقل عارفو العميد عبدالله عنه أنّه كان في صدد التنحّي عن النظر في دعوى الحقّ العام على الفاخوري وقبل أوّل جلسة محدّدة، لكنّه تراجع عن موقفه من دون أن تتضح الأسباب الفعلية، وقد كانت للعميد عبدالله سابقة في "مقاومة" تدخّلات لأفرقاء سياسيين محلّيين والولايات المتحدة الأميركية تحديداً في ملفّ يتعلّق بالصحافية حنين غدّار، فبعدما صدر حكم بإدانتها على خلفية مشاركتها في لقاء حضره مسؤولون إسرائيليون في الولايات المتحدة الأميركية، عادت المحكمة العسكرية بعد فترة زمنية وجيزة وأصدرت قراراً باعتبار أفعال غدّار من اختصاص محكمة المطبوعات!


عبدالله ليس مسؤولاً بمفرده

ويرى متابعون لخفايا ملفّ الفاخوري أنّه كان بمقدور العميد عبدالله أن يتنحّى عن النظر فيه، وأقلّه أن يدوّن مخالفة قانونية صريحة يظهر فيها موقفه كما يفعل عادة قضاة لا يتفقون في النظرة والنتيجة مع زملائهم في المحكمة عند الشروع في وضع حكمهم في ملفّ ما، وهو أمر معتاد في كلّ المحاكم ويبيحه القانون.

ولا يمكن تحميل العميد عبدالله بمفرده نتيجة الحكم على الفاخوري، لأنّ المحكمة العسكرية الدائمة تتألّف من خمسة أشخاص هم الرئيس وأربعة مستشارين بينهم قاض مدني وثلاثة ضبّاط، وبالتالي فالعميد عبدالله يملك صوتاً واحداً حتّى ولو كان رئيساً للمحكمة، وهذا يعني أنّ مسؤولية الحكم تقع على جميع أعضاء الهيئة الحاكمة وهم: عبدالله، والقاضي ليلى رعيدي، والعقيد الياس أبو رجيلي، والعقيد هيثم الشعّار، والعقيد الركن شادي نخله.


رعيدي تخالف مجلس القضاء

وثمّة سؤال لا بدّ من طرحه ويتعلّق بالقاضي رعيدي، فما دامت وزيرة العدل الدكتورة ماري كلود نجم ورئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود قد أصدرا أربعة تعاميم بتواريخ 3 و6 و13 و16 آذار 2020 بتعليق الجلسات في كلّ المحاكم كتدبير احترازي ووقائي من تفشّي فيروس"كورونا"، فلماذا خالفت القاضي رعيدي وهي قاض مدني في محكمة عسكرية، تعاميم مجلس القضاء الذي تتبع له؟

ولماذا حضرت رعيدي إلى العمل في وقت كانت فيه كلّ المحاكم بما فيها محاكم الجنايات في كلّ لبنان مقفلة ومعطّلة ومتوقّفة؟ ولماذا جاءت إلى المحكمة دون أن تعير التعاميم القضائية أيّ اهتمام وشأن؟ ألا تستحقّ مخالفتها مساءلة ما من المسؤولين في وزارة العدل ومجلس القضاء الأعلى، أم أنّ التعليمات والضغوطات تفرض التغاضي تسهيلاً لتمرير حكم عن عميل جزّار؟

الجواب معروف ولا يحتاج إلى عناء تفكير ولا انتظار.. إنّها "مصلحة الدولة العليا" حيث السياسة تتقدّم، لا بل تتفوّق على القانون كمؤشّر واضح على أنّ العدالة في لبنان ليست بخير!


* المصدر: mahkama.net

تعليقات: