ميشال مكتّف: الآلاف طلبوا مني قبل الثورة تهريب أموالهم

ميشال مكتّف، مدير وأحد مساهمي شركة مكتّف لتحويل الأموال
ميشال مكتّف، مدير وأحد مساهمي شركة مكتّف لتحويل الأموال


كثر يجهلون آليات ومسارات دخول الأموال وخروجها من لبنان وإليه. ورغم الشكوك بتحويل ملايين الدولارات إلى الخارج، هرباً من الأزمة المصرفية، لم يَثبت على أي سياسي أو متمول حتى اللحظة ضلوعه في تهريب أمواله بعد تاريخ 17 تشرين الأول 2019. وهو التاريخ "المخادع" الذي بنت عليه لجنة الرقابة على المصارف تحقيقاتها، ولكن تبقى شركات شحن الأموال الحلقة الأساس في سلسلة مسار الأموال. فتلك الشركات، ومن بينها إحدى أكبرها شركة مكتّف، تملك التقديرات الأكثر واقعية لما تم تحويله تحت سقف القانون إلى الخارج، كما تختزن الكثير من "الخبايا" عن محاولات تهريب أموال، بطرق ملتوية منذ بداية العام 2019 وليس منذ تاريخ انطلاق الثورة.

تلك الخبايا لم يُخفها ميشال مكتّف، مدير وأحد مساهمي شركة مكتّف لتحويل الأموال، خلال حواره مع "المدن" (شركة مكتّف ش.م.ل. تعد أكبر شركة تحويل في لبنان، مقرها عوكر ولا تملك أي فروع أخرى)، إذ أكد تلقيه آلاف الاتصالات منذ بداية العام 2019 من غالبية السياسيين والمصرفيين والنافذين لتسهيل تحويل أموالهم إلى الخارج بطرق غير قانونية...

وفي ما يلي نص الحوار مع مكتّف:

ما هي الآلية القانونية لنقل الأموال من لبنان وإليه؟

شركات الشحن، ومنها شركة مكتّف، تختص بشحن الأموال والسبائك الذهبية فقط، من وإلى لبنان. والشحن يتم بموجب ترخيص مسبق من مصرف لبنان، وتحت رقابة لجنة الرقابة على المصارف. أما الأموال التي ننقلها فهي ملكنا مهما كانت سواء بالدولار أو الاسترليني أو اليورو أو غيرها من العملات، بمعنى إذا أردنا نقل الأموال من لبنان إلى الخارج نقوم بشرائها (كبضاعة) ونحولها إلى الخارج. لكن الأهم أن شحن الأموال يتم حصراً من وإلى مؤسسة مصرفية أو مالية. كما لا يوجد سقوف للشحن، إنما الأمر يرتبط بقدرة وملاءة شركة الشحن على شراء الأموال.

ومنذ العام 1994 دخلنا بمرحلة رقابة ذاتية داخل الشركة compliance office فتتم مراقبة كافة العمليات من شحن أموال وذهب للخارج والداخل، إضافة إلى أننا توقفنا منذ نحو عشر سنوات بموجب اتفاقية بازل، عن تنفيذ حوالات بين أشخاص طبيعيين. وأصبح عملنا محصوراً بتحويل الأموال من المؤسسة المصرفية إلى نفسها. على سبيل المثال نشتري الأموال من المصرف ونحوّل بقيمتها الأموال له من جديد، لكن في حسابه خارج لبنان. والعكس بالعكس صحيح. أي أن المؤسسة تبيعنا الأموال في الخارج ونقوم بدورنا بتسليم الأموال النقدية للمؤسسة نفسها في لبنان. وكي تكون مؤسسة الشحن قانونية، يُمنع عليها تحويل الأموال لطرف ثالث. بل يجب أن يكون الشخص البائع للأموال هو نفسه الشاري لها.

كيف يتم التعامل مع الصرّافين نظراً لعدم حيازتهم حسابات مصرفية؟

بالنسبة إلى الصرافين، فهم لا يملكون حسابات مصرفية لا في الداخل ولا في الخارج. لذلك نتعامل معهم كشركات شحن فقط، مقابل عملات. بمعنى أن الصراف يملك دولار أو يورو أو أي عملة أجنبية يبيعنا العملات، ومقابل العملات ندفع له نقداً بالدولار.. أو العكس أي أنه يبيعنا الدولار ونحن نبيعه عملات أجنبية حسب حاجته.

وفيما خص التعامل بالليرة، فإننا كشركة شحن توقفنا عن التعامل بالعملة المحلية، ابتداء من شهر شباط الفائت، أي قبل الأزمة بأشهر. علماً أن الأزمة الفعلية بدأت قبل الثورة بوقت طويل.

كيف تمارَس الرقابة على شركات الشحن؟

مؤسسات الشحن خاضعة لرقابة لجنة الرقابة على المصارف التابعة لمصرف لبنان. وكافة الأرقام التي نتعامل بها شهرياً، تُرفع إلى مصرف لبنان، بما فيها التحويلات المصرفية. لاسيما أننا نشكّل 50 في المئة من حجم النقد في لبنان، والباقي موزع بين المصارف والصرافين الذين يشحنون الأموال. كما أن كافة العمليات تتم بموجب عقود. ويتم توثيق كل تفصيل مرتبط بعمليات شحن الاموال.

بما أنكم تشكّلون نصف حجم النقد في لبنان، كم يبلغ مجمل حجم النقد برأيك حالياً؟

يتم احتساب حجم النقد في لبنان من خلال احتساب أرقام تداولاتنا كشركات شحن مضاعفة مرة واحدة. وبما أن أرقامنا تشير إلى ما يقارب مليار دولار "كاش" (نقداً) خلال العام 2019، فذلك يعني أن حجم النقد الإجمالي في لبنان يبلغ ملياري دولار فقط.

وكل الحديث عن وجود 2 أو 3 أو 4 مليار دولار في أيدي الناس هو كلام غير صحيح. فالسياسيون لم يلمسوا يوماً وضع الناس المعيشي بشكل صحيح. إذ أن غالبية المواطنين وضعهم المعيشي صعب. والحديث عن تخزين أموال أمر مبالغ به.

إلى أي مدى تأثرت أعمال الشحن سلباً مؤخراً؟ وهل تحمِّل السياسيين أم الثورة مسؤولية تردي الأوضاع؟

أنا أؤيد الثورة من دون أدنى تردّد. فالسياسة المتبعة منذ سنوات طويلة هي ما أوصلنا إلى الأزمة الحالية. وأعتقد أن تلك السياسة المتبعة لا يمكن أن تنجح، لاسيما أنها خاضعة لقرارات خارج الحدود اللبنانية. والحقيقة، أننا فشلنا باستقطاب أشخاص كفوئين لإدارة البلد والمحافظة عليه.

وبعد 17 تشرين لم يتأثر سوق التحويلات بشكل كبير. إذ أن الأزمة بدأت منذ خمس سنوات وتفاقمت مع بداية العام 2019، من هنا وصلنا إلى وقت انعدم فيه الطلب على الليرة. الأزمة المالية ضربت كافة الشركات التي تراكمت ديونها. حينها انطلقت الثورة من الناس والعمال والفقراء، فشكلت الثورة نتيجة وليس سبباً.

خلال الأزمة المصرفية هل تلقيت اتصالات من قبل سياسيين أو نافذين لتحويل أموالهم إلى الخارج؟

تلقيت يومياً فوق مئة اتصال من غالبية السياسيين والمصرفيين والمقتدرين.. يطلبون مني تحويل أموالهم إلى الخارج. بدأت المحاولات والاتصالات منذ بداية العام 2019، وعلى مدار أشهر بشكل يومي من الساعة 7:30 صباحاً ولغاية 8.30 مساء.

حتى أن البعض عرض التنازل عن نسبة 30 في المئة من قيمة الأموال مقابل تحويلها إلى الخارج.. وهنا، لا بد أن أسأل: كيف يمكن لشخص تعب في جني أمواله وبشكل قانوني أن يلجأ لتحويلها إلى الخارج مع خسارة بنسبة 30 في المئة؟ ذلك يعني أنه من غير الممكن أن تكون تلك الأموال قد جُنيت بالطرق القانونية.

هناك شركات أخرى عملت على تحويل أموال سياسيين ونافذين إلى الخارج. وتردّد أن البعض اشترى شيكات بعمولة 30 في المئة من قيمتها، مقابل تحويل الأموال إلى الخارج. لكني لا أملك معطيات ملموسة. كما أنه ليس هناك من عائق أو حاجب يمنع المصرف وشركة الشحن من التواطؤ لتحويل أموال من دون توثيقها. لكن الأمر بغاية الصعوبة. إذ لا يمكن أن يتم ذلك إلا بتواطؤ فريق كبير من المدراء والموظفين في المصرف لتمرير اي عملية مخالفة.

بماذا يمكن وصف السياسيين الذين هرّبوا أموالهم إلى الخارج؟

الأزمة لمسها السياسيون منذ بداية العام 2019، وبدأوا تهريب أموالهم إلى الخارج، بماذا يمكن وصفهم... مؤسسة تخسر مالياً على مدى 20 عاماً مبالغ هائلة، ألا يجب أن تتغير إدارتها؟ هناك مؤسسة تخسر أكثر من مليار دولار سنوياً، لم تتم محاسبة أحد فيها. فلماذا محاسبة المحوّلين وليس السارقين.

يجب محاسبة من جنى أمواله بالسرقة، وساهم بانهيار البلد مالياً، ثم قام بتحويلها وتهريبها إلى الخارج بعد علمه بانهيار الأمور نهاية العام 2019. فالمصارف والمواطنون والمؤسسات جميعهم ضحايا السلطة.

برأيي، المصارف تعتمد خفض سقوف السحوبات للحفاظ على أموال مودعيها. ولكن التطمينات جميعها لم تفلح في ثني الناس عن المطالبة بأموالهم. إذ أن الثقة بين المواطن والسلطتين السياسية والنقدية فُقدت. كما أن التواصل مع الجمهور مفقود. فهم يعتبرون أن الناس غير موجودين، ولا داعي للشرح لهم أو استيعابهم. وهو ما قالوه مع بداية الثورة حين اعتبروا "كم شلعوط" نزلوا إلى الشارع. والنتيجة، أن الثورة مستمرة منذ أشهر وستستمر. ما لا تفهمه السلطة أن المواطنين يريدون الخلاص منهم، مهما كانت الأثمان.

تعليقات: