ابراهيم حيدر: حكومة اللون الواحد تنطلق بتصفية الحسابات… أي دور يمنحه ”حزب الله” لجميل السيد؟


تسعى حكومة #حسان_دياب الى ان تقدم نفسها حكومة اصلاحية، وانها تسعى الى محاربة الفساد وتحقيق مطالب الانتفاضة الشعبية. وبينما تقدم نفسها على هذا النحو، حتى قبل أن تنال الثقة، توجهها قوى سياسية لتصفية حسابات ضمن الفريق الذي أنتجها، أي 8 اذار المترهلة أيضاً والممسوكة من الطرف الأقوى “حزب الله” بالتحالف مع “التيار الوطني الحر” الذي يريد أن يعوض الخسائر التي تكبدها سياسياً وشعبياً منذ ما قبل انطلاقة الانتفاضة في 17 تشرين الأول. وفي خطط الحزب التي بدأت تظهر ملامحها، انه يريد ترتيب توازنات الحكم من جديد، بعدما قدم تنازلات عدة في مسار تأليف الحكومة، بهدف الامساك بالقرار بعيداً من المواجهة المباشرة، وذلك لإضعاف قوى في السلطة وعلى مقلبَي 8 و14 آذار، ثم العمل على مصادرة الانتفاضة والانقضاض عليها بأشكال مختلفة وتوجيهها ضد أطراف معيّنين عبر تحميلها مسؤولية الفساد ونهب المال العام.

ليست #الحكومة التي تشكلت على قاعدة المحاصصة، حكومة اصلاحية، ولا يمكنها العبور بالبلد إلى بر الامان، وفق سياسي لبناني متابع. ذلك أنها تشكلت بعد ضغوط مارسها الطرف الأقوى في محور الممانعة، أي “حزب الله”، لكن عملية التأليف كانت تعثرت بسبب الخلاف بين أقطاب المحور نفسه، مرة على توزيع الحصص، وثانية على فرض مواقع وصاية سياسية وثلث معطل، وثالثة مرتبطة باستحقاقات مقبلة بينها معركة الرئاسة الأولى، وأخيرة بسبب العجز الذي أصاب الطبقة السياسية وما أحدثته الانتفاضة في بنيتها، إذ ان بعض القوى كانت تريد موقعاً قوياً في الحكومة للتعويض. ولكن بعد حسم التأليف بدأت الأمور تأخذ منحى مختلفاً، إذ إن الخلاف على الحصص تحوَّل الى استخدام الحكومة لغايات سياسية حتى قبل أن تنطلق في عملها، وهي التي قدمها دياب على أنها حكومة للانتفاضة، وهذه الاخيرة تريد حكومة مستقلة انقاذية ببرنامج انتقالي يوقف الانهيار ويستعيد الأموال المنهوبة. وقد بدأنا نشهد ما تؤول اليه الخلافات بين مكونات محور المقاومة، ليس لأن الامور مرتبطة بحماية المكاسب، بل لأن أطرافاً يحاولون الاستفادة من ترهل بعض القوى التقليدية داخل الطوائف ذاتها وبين ثنائياتها، بهدف التحكم بالقرار وتغيير مركزية قرارها.

ينقل السياسي اللبناني المتابع عن مصادر سياسية موثوق بها، حقيقة المناقشات التي كانت تدور لتذليل عقد التأليف. يشير على سبيل المثال الى أن حكومة الرئيس سليم الحص عام 1998 تقررت بوصاية سورية، أي ان الهيمنة التي كانت قائمة في ذلك الوقت حسمت عملية التأليف، وكذلك حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في 2011 التي أنتجتها توازنات سياسية دقيقة بعد اسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري. ويضيف أن الطرف المهيمن اليوم هو “حزب الله” الذي يملك فائض القوة، فعندما رأى أن التأليف ضرورة لأسباب تتعلق بوضعه الداخلي وبدوره الاقليمي، عمل على تذليل العقبات، لا بل إن ضغطه ضمن البيئات الطائفية الاخرى دفع رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل الى تغيير موقفه وخطابه وعودته الى التسوية ضمن المحور ذاته، إلى تراجع “اللقاء التشاوري” والحزب السوري القومي وطلال أرسلان عن مواقفهم التصعيدية، وكذلك سليمان فرنجية، فيما كان مطمئناً الى قبول دياب بصيغة العشرين وزيراً.

تسعى حكومة اللون الواحد الى نيل ثقة مجلس النواب، ثم محاولة تهدئة الشارع برفع شعارات واطلاق وعود بالاصلاح، وهي في الاصل حكومة سياسية بدأ يتبين وفق السياسي خطها العام في السياستين الداخلية والخارجية. “حزب الله” يفرض هذه السياسة من دون أن يتدخل مباشرة، فيما يعمل على الضفة الأخرى لترتيب أوضاع التحالفات الجديدة وتوازناتها، فيتقدم مثلاً النائب جميل السيد الذي بدا أن له تأثيرا في الحكومة وفي علاقته ببعض الوزراء، وبرئيسي الجمهورية والحكومة وبالتأكيد الحزب الذي يعطيه دوراً أوسع من السابق، وهو ما يفسره البعض بأنه موجّه ضد رئيس مجلس النواب نبيه بري. لكن الاهم في هذا الامر هو أن “حزب الله” وان كان عدد وزرائه اثنين، الا ان حظوته السياسية في الحكومة كبيرة، فهو يشكل مرجعية لعدد كبير من الوزراء، فيما باسيل بتحالفه مع أرسلان مثلاً يعطيه الثلث المعطل المضمون مع وزراء من قوى أخرى.

ستواجه الحكومة الجديدة تحديات كبيرة، لكن قرارها يُتخذ من خارجها. ويشير السياسي المتابع إلى أن حكومة دياب هي حكومة العهد الأولى الحقيقية ومرجعيتها “حزب الله” بتحالفه مع “التيار الوطني الحر”، إذ إن الحزب يدرك أن هناك سلة من العقوبات الأميركية بحق أسماء ووزراء سابقين وشركات قد تعلن عنها الإدارة الأميركية، وبالتالي فإن حسم الامور الداخلية هو أولوية في انتظار تطورات في الملف الإيراني- الأميركي واستطراداً الأوروبي، لذا يجري الزج بالحكومة الجديدة لتكون شاهداً على إقرار موازنة 2020 على رغم المخالفات الدستورية التي تعتريها، حتى في أرقامها وفق ما شرحها المدير العام للمال آلان بيفاني للجنة الوزارية المكلفة إعداد صيغة البيان الوزاري، ولا تنطبق على الواقع في الإيرادات والنفقات، لكنها ستُقَر وان أدخل عليها بعض التعديلات. في حين أن البيان الوزاري لن يختلف مضمونه عن البيانات السابقة وإن كان سيدخِل بعض المصطلحات المتعلقة بالانتفاضة، فيما بند السياسة الخارجية محسوم لمصلحة محور الممانعة.

ستفتح الحكومة الحالية في حال نالت الثقة على توازنات جديدة في التركيبة السياسية الحاكمة. فالبعض سيتعاظم نفوذه ويصبح مقرراً في السياسة الداخلية تحت سقف الوصاية الجديدة أو الهيمنة. فجميل السيد مثلاً ستكون له أدوار مقبلة بالتغطية ذاتها، ويتوقع أن نشهد تجربة مماثلة لحكومة الرئيس إميل لحود الأولى في 1998، فيما توجه السهام الى الرئيس بري في الساحة الشيعية لتحميله مسؤولية الفساد وحيداً، وكأن القوى المهيمنة على الحكومة بما فيها الرئيس عون و”التيار الوطني الحر” و”حزب الله” والتي تريد تحقيق انجازات ستصوب على القوى التي حكمت منذ 28 سنة وتحميلها المسؤولية عن الفساد والانهيار، للقول إنها حققت مطالب الانتفاضة بتحييد نفسها عن شعار “كلن يعني كلن”. في حين يعرف الجميع أن الفساد والمحاصصة يطاولان الجميع، والحكومة الجديدة لا تستطيع قيادة عملية الانقاذ.

* المصدر: beirutobserver



تعليقات: