رصاصة أفقدت المتظاهر عبد الرؤوف أحد أعضائه.. من يعوّض له؟

عبد الرؤوف المصري في المستشفى
عبد الرؤوف المصري في المستشفى


لم يكن الطالب عبد الرؤوف المصري يدري بأن انضمامه إلى "أسبوع الغضب" في طرابلس، سيمرّ دون خسارة أليمة في جسده. أحيل الشاب (18 سنة) جريحًا إلى "مستشفى مظلوم"، حيث خضع لعملية جراحية دقيقة إثر رصاصة أصيب بها خلال مشاركته في الاحتجاج وقطع الطريق. الإصابة حرجة والخسائر كبيرة، فهذا الرصاص الذي يتضمن ثلاث وحدات، أدّى إلى استئصال خصيته اليمنى، وإصابة عضوه التناسلي، واستقرار الرصاصة في فخذه الأيمن بعدما خرقت فخذه الأيسر.

في إحدى غرف المستشفى الّتي تعجّ منذ يومين بالجامعيين وبأفراد عائلته، يستقبلنا عبد الرؤوف بابتسامة شاحبة تخترق مأساته الصحيّة والمعنويّة. يضطر الشاب المصاب إلى ترك الغرفة، فيتنقل بخطوات عسيرة يحاول السيطرة على وجعها، وينتقل معه رفاقه الذين تحلّقوا يكملون رواية تلك الظهيرة المشؤومة.

في التفاصيل، يروي عبد الرؤوف أنّه انضم مع زهاء 30 طالباً جامعياً من كلية الهندسة في الجامعة اللبنانية، لقطع طريق البحصاص. هناك، قرابة الساعة الثانية عشرة ظهرًا، حاول "فان" اختراق الطريق، فاعترضه الشبان. ثم ظهرت سيّارة سوداء X6 مموّهة بالزجاج الأسود، كانت تصرّ على المرور، فشكّل المتظاهرون سلسلة بشرية، تتقدّمها الشّابات، لمنع السيارة (رقم 522000- جبيل) من الصعود إلى الرصيف، لكنها نجحت بالتسرب إلى جهة مجهولة. الحاجز البشري حمل عناصر الجيش إلى رفع أدرعتهم ودفع المتظاهرين ليفضّوا السلسلة. حول اللحظة الأليمة، يتابع عبد الرؤوف: "انهمرت عليّ وعلى رفاقي حجارة صغيرة لم نعرف مصدرها، ووقفنا بجانب عناصر من الجيش رافعين الأيادي. ثم استمرّ مجهولون برشقنا بحجارة كانت مركونة لتبليط الرصيف، حينها وبدون إنذار، يطلق أحد العسكريين رصاصة على بعد عشرة أمتار تقريبًا، فيصيبني".

عنف ضد العزّل والسلميّين

فيديو يتناقله رفاق عبد الرؤوف يظهر أنهم كانوا عزّلاً، وبأنّ الشاب المصاب كان يرفع يديه في الهواء قبل أن تطلق عليه الرصاصة، وتعلو صرخاته فيما يقفز من ألمه، فينقله شبان بواسطة أحد الموتوسيكلات إلى المستشفى. في فيديو آخر، يظهر أحد عناصر الجيش بجانب محطة OJM، يقف القرفصاء للحظات، يصوّب عن وعي وإدراك على الشّاب، ثم يفرّ راكضًا باتجاه معاكس بينما انشغل الحاضرون بالجريح.

هذه الرّواية يصادق عليها رفاق عبد الرؤوف الذين كانوا شهودًا عيانًا أصرّوا على تضمين أسمائهم: عبد الكريم نخوة، ولاء غانم، علي الزين، ورضا علوش.

والدته، السيدة سميّة العتر، تفيدنا بأنّ والده محمد المصري تواصل من طوارئ المستشفى مع المحكمة العسكرية، فتنصّلت من الموضوع وأحالته إلى قوى الأمن الداخلي الّذين بدورهم أكملوا سيناريو تراشق المسؤوليات. لم يحظَ عبد الرؤوف بأيّ اعتراف رسميّ يأخذ على عاتقه هذا المصاب، سوى من عناصر في قوى الأمن الداخلي زاروه لكتابة محضر، ثم زاروه لأخذ توقيعه. وتشير الوالدة بأنّ الطبيب الشرعي أكّد بأنّ هذه الرصاصة من الأنواع المحرمة دوليًا، وهي من نوع "بيل" المستخدم عادة في صيد الحيوانات البرية.

وبالرغم مم تعرض له عبد الرؤوف، لا يطلق الشاب الضحيّة العنان لنقمة على الجيش، "نحن والجيش وحدة حال، لكن عليهم أن يتعاملوا بسلميّة مع المتظاهرين لأنّنا سلميّون"، مضيفًا أنّ القوى الأمنية أطلقت الرصاص من دون سابق إنذار، ولم تطلقه مثلًا في الهواء لتفرقة المتظاهرين. وعلاوة على لامسؤولية المعتدين، يتابع عبد الرؤوف علاجه على نفقة الضمان الاجتماعي الّذي لا يغطي الكلفة الاستشفائية كاملة، ما يحتّم على الوالد سداد المبالغ المتبقيّة، هو الّذي يعمل شيف حلويات في أحد المطاعم ليعيل أسرته الصغيرة المكوّنة من زوجة وولدين.

ويفاقم من مرارة الرّواية أنّ الثلثاء المشؤوم تزامن مع يوم ميلاد عبد الرؤوف الثامن عشر. تقول والدته: "كنت أحاول الاتصال بوالده لنحضر قالب حلوى ونحتفل بعيده، لكنني اتصلت به لأخبره بأنّ ابننا في العناية الفائقة"، هناك حيث حرص رفاقه على إحياء عيد ميلاده عدة مرات، يحاولون بالضحكات وقوالب الحلوى التخفيف من معاناة رفيقهم الذي كاد يخسر مستقبله الجنسي والتناسلي جرّاء رصاصة أمنيّة تقتصّ ببطش وجبروت، من شاب يعبّر بسلميّة عن حلم بوطن أفضل، كانت "جريمته" أنّه قطع الطريق بجسده الغضّ، الّذي لم يدخل بعد ربيعه العشريني.

في حساب طرابلس، كان ذلك "يوم الغضب"، أما في حساب عبر الرؤوف، فتلك كانت لحظة النّضج الّتي اختصرت عليه سنوات ليفهم بأنّ "ميزان العدالة والمسؤوليّة مختلّ في وطن بلا دولة اسمه لبنان".

joudy.asmar@gmail.com

عيد ميلاد عبد الرؤوف المصري في المستشفى
عيد ميلاد عبد الرؤوف المصري في المستشفى


تعليقات: