طباعة كميات جديدة من الليرة يُنذر بانهيار العملة وفقدانها قيمتها!

الكميات الجديدة المطبوعة تتجاوز الكميات المسحوبة من السوق بأضعاف (Getty)
الكميات الجديدة المطبوعة تتجاوز الكميات المسحوبة من السوق بأضعاف (Getty)


مرّ خبر طباعة 9 أطنان من العملة الوطنية لفئتي الـ50 ألفاً والـ100 ألف ليرة لبنانية، ونقلها بتاريخ 24 كانون الأول عبر آليات عسكرية تابعة للجيش اللبناني من مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت إلى مصرف لبنان المركزي، مرور الكرام، غير أن مفاعيلها لن تكون كذلك.

فلعملية طباعة العملة الوطنية مخاطر كبيرة، على الرغم من تأكيد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة خلال اللقاء الشهري بين مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف وجمعية المصارف، الذي انعقد بتاريخ 3 كانون الأول 2019 بأن المشكلة ظرفية وتعود إلى اعتبارات لوجستية محض، رغم ربطها كذلك بكثافة السحوبات على مصرف لبنان خلال الشهرين الماضيين بمعدل قارب 165 مليار ليرة يومياً.

ظروف الطباعة

تُعد طباعة العملة من قبل البنك المركزي عملية معقدة اقتصادياً، حسب خبراء الإقتصاد، كما أن كل وحدة نقدية مطبوعة لا بد أن يقابلها رصيد من احتياطي النقد الأجنبي، أو رصيد من الذهب أو سلع وخدمات حقيقية تم إنتاجها في الاقتصاد. بمعنى آخر، يجب ان يتناسب ضخ العملات النقدية في السوق مع حجم الاقتصاد والانتاج المحلي. وذلك بهدف جعل العملة المتداولة في السوق ذات قيمة حقيقية وليست مجرد أوراق مطبوعة.

وفي حالات الدول النامية، عادة ما يتم تجاوز هذه القواعد، ويتم طباعة نقود بمعدلات تفوق المسموح به، أي ضخ عملات نقدية بشكل يفوق حجم الاقتصاد. وتكون النتيجة تراجعاً في القيمة الشرائية للعملة وارتفاعاً بالأسعار وتالياً ارتفاع التضخم. وهو ما يعيدنا إلى تجارب دول سابقاً، ومنها تجربة زيمبابوي التي شهدت تدهوراً كبيراً في قيمة عملتها وانهيارها لاحقاً، نتيجة إسهاب السلطات في طبع العملة الوطنية.

تضخم أم تحريك اقتصاد؟

وفي حين يصرّ عدد من خبراء الاقتصاد، لاسيما منهم "خبراء السلطة"، على أن طباعة كميات جديدة من العملة الوطنية من الممكن أن تساهم بإعادة تحريك الاقتصاد، ورفع مستوى الاستهلاك. كما يمكن للكميات الجديدة أن تسهم بتأمين رواتب موظفي القطاع العام، وبعض التزامات الدولة بالليرة اللبنانية.. يحذّر آخرون من التداعيات السلبية التي ستتركها طباعة 9 أطنان من العملة مؤخراً، لاسيما على مستوى تصاعد مستوى الأسعار الاستهلاكية وارتفاع التضخم. ويحذر هؤلاء من أن الكميات الجديدة المطبوعة تتجاوز الكميات المسحوبة من السوق بأضعاف.

وإذ يجزم أحد خبراء الاقتصاد، في حديث إلى "المدن"، أن ضخ العملة اللبنانية في البلد سيزيد التضخم كثيراً "ومن شأن التضخم زيادة العبء على القروض، لاسيما على أولئك المقترضين بالدولار الأميركي. إذ ستزيد تكلفة العملة عليهم مقابل الدولار". ويذكّر بأنّ أحد أبرز الأسباب التي أدت الى انهيار الليرة بين أواخر الثمانينات ومطلع التسعينات، هو قرار شراء أسلحة للجيش اللبناني من الموازنة العامة، وآلية تمويله الخاطئة. إذ تمت طباعة الليرة اللبنانية بكميات كبيرة لشراء الدولار من السوق، لتمويل صفقات الأسلحة. حينها غرقت السوق اللبنانية بالليرات فانهارت العملة. وعلى الرغم من اختلاف الظروف التي أدت اليوم بمصرف لبنان إلى طبع كميات جديدة من العملة، وفق الخبير، إلا أن الحالة العامة السائدة اليوم في البلد متشابهة جداً مع تلك التي سبقت إنهيار العملة في نهاية الثمانينات، لاسيما لجهة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، إضافة إلى المضاربات على العملة في السوق السوداء.

من هنا يحذر الخبير الاقتصادي، الدكتور إيلي يشوعي، في حديث له، من ضخ العملات في السوق اللبنانية. إذ "سيكون هناك كتلة نقدية بالعملة اللبنانية هائلة في مقابل احتياطات تقل يوماً بعد يوم من العملات الأجنبية. وهذا ما سيتسبب بتراجع سعر صرف الليرة تجاه الدولار في السوق المحلية".

مكمن الخطر

في المقابل، يرى خبراء اقتصاد، ومن بينهم الدكتور لويس حبيقة، أن المشكلة لا تكمن بطباعة كميات جديدة من العملة، وإنما في إدخال تلك الكميات إلى السوق اللبنانية. بمعنى أن الخطر يكمن في زيادة العرض لليرة اللبنانية. فمصرف لبنان، وفق حديث حبيقة لـ"المدن"، لم يكن أمامه من خيارات لتعويض النقص الحاصل بالليرة اللبنانية في السوق، نظراً إلى حجم السحوبات الكبير وتخزينها في البيوت، "فالمصرف المركزي طبع كميات جديدة من العملة لتعويض ما تم تخزينه في المنازل. والخطر يكمن في ضخ الكميات الجديدة في السوق ثم استعادة السوق للكميات المخزنة من الليرات في وقت من الأوقات. حينها يزيد الضغط على الليرة وتتعرّض لمزيد من التراجع".

ويرجّح حبيقة ألا يضخ مصرف لبنان الكميات الجديدة من العملة في السوق دفعة واحدة. فالوضع دقيق جداً، ومن المتوقع أن يعمل على ضخها تدريجياً، ليتبين كيفية تجاوب السوق معها، إلى حين تشكيل الحكومة، وبعث بعض الاطمئنان بين الناس، واتضاح الرؤية حينها حيال كمّ السيولة المطلوب ضخها في السوق.

تعليقات: