صناعة كراسي القش، ازدهرت ردحاً من الزمن.. الآن إلى زوال


ما بين القش والخشب، حكاية تتجدد بأنامل صيداوية، رغم قلّة الطلب عليها لكنها لا تزال في وجدان من حافظ عليها من الجيل القديم ونقلها إلى الأبناء...

قبالة مرفأ الصيادين، اختار البعض ركوب غمار البحر طلباً للرزق، لكن وفيق كوسا اختار بر الأمان، ففتح محلاً لصناعة كراسي القش، لكن تلك المهنة التي ازدهرت ردحاً من الزمن، لم تعد كذلك اليوم...

قلّة من أبناء المدينة وعائلاتها لا يزالون يعملون في مهنة الآباء والأجداد، ولكن البقية فضلوا ترك «الكار» لأنه لم يعد مورداً مغرياً للرزق، إلا أن للبعض الآخر رأى فيه تحرراً من عبودية الوظيفة وانتقال إلى امتلاك القرار...

لأجل ذلك، اختار حسين كوسا مهنة والده وشقيقه التي بدأت في أواخر السبعينيات قبالة مرفأ الصيادين في المدينة، لتكسبه خمس سنوات من العمل مهارة خاصة في سرعة الإنجاز وتطوير صنعته مواكبة لرغبات الزبائن...

«لـواء صيدا والجنوب» يُسلط الضوء على صناعة كراسي القش وملحقاتها في «عاصمة الجنوب»، حيث عاد بهذه الانطباعات...

عاد لمهنة والده

على مقربة من قلعة صيدا البحرية، الشاهدة على عصور مرت على المدينة، وقبالة مرفأ الصيادين، لا يزال المحل على حاله، رغم مرور عقود من الزمن، كانت فيه مقاعد القش عماد الحياة والممتلكات الأسرية، لكنها اليوم تحوّلت إلى مهنة لا تدر الكثير من المال بعدما حوّل عصر اكتشاف النفط البلاستيك إلى بديل عن الكراسي الخشبية.

إلى ذلك المكان، عاد حسين كوسا إلى مهنة والده، بعدما ترك العمل فيها فترة من الزمن، لينضم إلى قلّة من العاملين في هذا المجال في صيدا والذين لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة.

واقع أشار إليه كوسا بالقول: «منذ أواخر السبعينيات عمل والدي وفيق في هذه المصلحة ولا يزال حتى يومنا هذا، لكنه اليوم يركز على صناعة المفروشات، ومن ثم انضم إليه شقيقي حسن، وبعد ذلك انخرطت بهذه المصلحة، التي بات عدد العاملين فيها لا يزيد عن أصابع اليد الواحدة، فإضافة إلى محلنا، هناك ثلاثة محال في سوق النجارين يملكها كل من آل أبو ظهر والملاح والشامية».

تطوير المصلحة

وأضاف: «إن المصلحة تعتمد على الخشب وحبال القش ومنهما تصنع هذه الكراسي، والتي تتخذ أشكالاً وأنواعاً متعددة، فمنها ما هو مخصص للسفرة ومنها ما يستخدم في الحدائق، إضافة إلى كراسي الحمام الصغيرة، وطبعاً لا بد من توسيع المصلحة لزيادة الدخل، فمن هنا أضفنا عليها مصلحة الخراطة والدهان، إضافة إلى صناعة الكراسي الهزازة والطاولات التي تعلو سطحها القش».

وعن الطلب على هذه البضاعة قال: «لم يعد الطلب على هذه المصلحة كالسابق، ولكن هناك من يرغب هذا النوع من الكراسي، وخصوصاً من لديهم حدائق في منازلهم، غير أن صناعة البلاستيك هي التي أثّرت على مهنتنا، ففي السابق كان الجميع يقدم على شراء الكراسي الخشبية ومعها كراسي القش، ولكن كراسي البلاستيك أخذت من رزقتنا، سواء للمنازل أو المطاعم، لأنه نادراً ما يتم طلب الكراسي الخشبية من أصحاب المطاعم في هذه الأيام على عكس الأيام السابقة».

تحرراً من الوظيفة

وشرح سبب اختياره لهذه المهنة رغم كونها لا تدر دخلاً كبيراً بالقول: «سبب استمراري في هذه المهنة، هو رغبتي بأن أكون سيداً لنفسي على أن أكون موظفاً، وهو أمر يريحني كثيراً ويجعلني أبدع فيها، حيث قمنا بإضافة الألوان إلى الكراسي، والتي تلبي رغبة العديد من العائلات، وخصوصاً أن منظرها ملفت للأطفال، وفي نفس الوقت تعطي لنا مزيداً من الدخل لأن أسعارها أعلى، ولكن تبقى أسعار هذه الكراسي في متناول جميع الطبقات».

وأشار إلى «أن الربح لا يتعدى الـ 2000 ليرة لبنانية في الكرسي الصغير ويزيد عن ذلك بقليل في الكرسي الكبير، وبالوقت الذي تستغرق صناعة كل كرسي صغير ما يقرب من 20 دقيقة، فإن صناعة الكرسي الكبير تستغرق 30 دقيقة، ونحن تمكّنا من إدخال صناعة الكراسي الهزازة إلى المصلحة والتي يرغبها بعض الناس أيضاً، ولكن بالطبع يبقى الطلب ضعيفاً في كل الأحوال».

انقطاع التيار الكهربائي

وعن المشاكل التي يُعاني منها أصحاب المصلحة قال: «إن الكهرباء تعد مشكلة المشاكل، فالانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي يحول دون تمكن أصحاب جميع المصالح من القيام بأعمالهم، ويكون اتكال البعض على الاشتراك بالمولدات الكهربائية، ولكن ذلك يزيد التكلفة، والتي قد لا يتحمّلها الكثير من العاملين في هذه القطاعات، فنضطر إلى التوقف عن العمل بسبب انقطاع التيار الكهربائي المتكرر، ومن هنا فإن الخسارة تصبح مضاعفة في كل الأحوال، وبالتالي فإن صناعة كراسي القش والسلال لم تعد تلك المهنة التي تلقى رواجاً كما كان الحال في السابق، بل أصبحت تندرج ضمن مزاج التراث وتوضع خارج المنازل وليس في داخلها».

إخراج لكراسي القش من داخل المنازل إلى خارجها، أكبر دليل على المكانة التي باتت تحظى بها هذه الكراسي، ومعها مصلحة قلّ عدد المنخرطين فيها باستثناء من رأى في تلك المصلحة باباً للحرية أو الهروب من الوظيفة والروتين إلى الإبداع والتجديد، ليحفظ بذلك تراث بات على أبواب الانقراض في «عاصمة الجنوب».

* سامر زعيتر - saidanet


تعليقات: