قراءة أميركية للتطورات اللبنانية

السفير الأميركي السابق في لبنان جيفري فيلتمان
السفير الأميركي السابق في لبنان جيفري فيلتمان


نشر معهد بروكنز دراسة للسفير الأميركي السابق في لبنان جيفري فيلتمان تناولت الإحتجاجات في لبنان، معتبراً أن "الاحتجاجات في لبنان بيّنت أنّ ما كان غير وارد في السابق قد يصبح الآن ممكناً".

وأشار إلى أن "هذه التوجّهات واعدة، مع أنّها ناشئة وهشّة، وتتماشى إلى حدّ كبير مع المصالح الأميركية".

وجاء في "الدراسة" ما يلي:

"بيّنت الاحتجاجات في لبنان أنّ ما كان غير وارد في السابق قد يصبح الآن ممكناً، إذ يُبدي وكلاء إيران وسوريا في لبنان، بعد سنوات من التضامن، إشارات تباعد أوّلية. ومع نزول متظاهرين شيعة حتّى إلى الطرقات ومع عدم الانصياع لدعوات الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله بالتفرّق، تظهر بعض التصدّعات على واجهة حزب الله التي لا تُقهَر، وقد ردّ الجيش اللبناني والقوى الأمنية بشجاعة باهرة وضبط للنفس واستقلالية في تحدّي نداءات قادة حزب الله والمناشدات الخاصة من القصر الجمهوري لإخلاء الطرقات. في المقابل، ومع انتقاد علني ولا مسبوق لحزب الله، يزداد الدعم الشعبي للجيش اللبناني.

وهذه التوجّهات واعدة، مع أنّها ناشئة وهشّة، وتتماشى إلى حدّ كبير مع المصالح الأمريكية، لكن عوضاً عن تعزيزها، قام البيت الأبيض، في قرار أتى توقيته بشكل غير مناسب على الإطلاق، بتعليق مساعدات أمنية بقيمة 105 ملايين دولار للمؤسّسات ذاتها التي تحدّت مطالب حزب الله بإنهاء التظاهرات. وتُعطي الخطوة التي اتخذتها إدارة ترامب لدمشق وطهران على حدّ سواء هديّة تقديم رسالة موحِّدة موجّهة إلى اللبنانيين حول عدم موثوقية الولايات المتحدة كشريك.

وتقوّض الخطوة أيضاً الحجّة القائلة إنّ الجيش اللبناني، الذي بات يتحلّى بقدرات متحسّنة بفضل الدعم الأمريكي بشكل أساسي، يؤمّن أمناً أفضل وأكثر احترافياً من صواريخ حزب الله، التي لا تُفضي سوى إلى المخاطر عوضاً عن تأمين حماية حقيقية. (أولئك الذين يقولون إنّ الجيش اللبناني مجرّد غطاء لحزب الله أو مساعد له يقلّلون من شأن الانزعاج المتزايد الذي يصيب ضباط الجيش، الذين يعرفون إلى أيّ حد تنامت قدرات الجيش بفضل الولايات المتحدة، مع غطرسة حزب الله وتقليله الدائم من قدر الجيش، ويهدّد كبرياء الجيش اللبناني وقدراته، المرتبطة كلها بسنوات من الدعم الأميركي، من "رواية" المقاومة لدى حزب الله.)

وطوال سنوات، تلاقت بالإجمال المصالح والتكتيكات الإيرانية والسورية في لبنان. وهي تهدف إلى تكذيب وتقسيم ما يُعرف بحركة "14 آذار" التي برزت ضدّ دمشق وطهران عقب اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري في العام 2005، وتهدف أيضاً إلى "مقاومة" الجهود الأمريكية والفرنسية لتعزيز السيادة والاستقلال اللبنانيين وإلى استغلال لبنان لتهديد إسرائيل.

في غضون ذلك، وسّع حزب الله نفوذه في المؤسّسات اللبنانية المحلّية وسيطر عليها في بعض الأحيان، وذلك من خلال ورقة التفاهم التي أبرمها في العام 2006 مع التيّار الوطني الحر، وهو حزب مسيحي. وأعطى التيّار الوطني الحر حزبَ الله، وهو مجموعة إرهابية شيعية مدعومة من إيران، صبغة الشرعية السياسية الوطنية العابرة للطوائف التي افتقر إليها قبلاً. وردّ حزب لله الجميل عبر دعم مؤسّس التيّار الوطني الحرّ ميشال عون للوصول إلى سدّة الرئاسة منذ ثلاث أعوام خلت، ومنذ العام 2006، كان عون وصهره وزير الخارجية جبران باسيل واجهتَين موثوقتين لمصالح حزب الله وبالتالي مصالح إيران في لبنان. وحتّى مؤخراً، لم يرَ عون وباسيل على الأرجح أي تناقض بين تحالفهم مع حزب الله/إيران ومصالح دمشق في لبنان.

وللتظاهرات الراهنة الإمكانية لزعزعة أُسس التضافر الإيراني السوري في لبنان والعلاقة بين حزب الله والتيّار الوطني الحر، ولجأ نصر الله إلى خطابات مليئة بالتلميحات وإلى قطّاع طرق على درّاجات نارية في محاولات غير ناجحة حتى الآن لتقويض التظاهرات والحؤول دون استقالة حكومة سعد الحريري. في المقابل، بقي بعضٌ من حلفاء سوريا التقليديين في لبنان، من بينهم سليمان فرنجية، صديق الطفولة لبشّار الأسد، صامتين بشكل واضح أو حتّى أرسلوا أقرباء لهم للانضمام إلى التظاهرات. وقد أصدر جميل السيّد، مدير الأمن العام السابق المعروف، وأحد منفّذي السياسات لسوريا في فترة سيطرتها على لبنان قبل العام 2005، بيانات تتعاطف مع مطالب المحتجّين المناهضة للفساد و/أو للمؤسّسات.

علاوةً على ذلك، رأى الناشطون السياسيون اللبنانيون دلالة في غياب اجتماع ثنائي بين عون أو باسيل مع الوفد السوري على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة لهذا العام. وأفيد عن مثل آخر عن الطريقة التي يُظنّ أنّ دمشق ترى عون وباسيل فيها، إذ لم يحضر أيّ مسؤول سوري رفيع المستوى خطاب عون في الجمعية العامة للأمم المتحدة. فقد تهاوت قيمة الصبغة المسيحية التي أمّنها التيار الوطني الحر لحزب الله، وأصبح باسيل الآن هدفاً مُفضّلاً للمتظاهرين كرمز لكلّ ما يصيب لبنان من علل.

وربّما بدأت إيران وسوريا تنظر الواحدة إلى الأخرى بعين الشكّ في لبنان. فلن تكون هذه المرّة الأولى التي تستعمل فيها الجهات الفاعلة الخارجية لبنان مسرحاً للمنافسة في ما بينها. فقد طرح سياسيان لبنانيان نظرية تحكي عن علاقةٍ بما يجري في المناطق السورية العلوية، حيث قد يرى بشار الأسد النفوذ الإيراني والدعوات الشيعية خطراً لقاعدته العلوية العلمانية.

وقد يمتعض أيضاً الأسد، الذي كان ليعتبر حزب الله شريكاً صغيراً في فترة الاحتلال السوري للبنان قبل العام 2005، من القوّة والحضور الراهنَين لحزب الله في سوريا. فأيّ جهة باتت شريكاً صغيراً الآن؟ وما مدى السيطرة التي يتحلّى بها الأسد على حزب الله في سوريا؟ ونظراً إلى أنّ الأسد ما زال بحاجة إلى مساعدة إيران وحزب الله في سوريا، بإمكانه استعمال لبنان لبعث رسالة، بحسب هذه النظرية.

ومن الممكن التصوّر الآن أنّه في حال أودت صحّة ميشال عون المتراجعة إلى فراغ رئاسي الآن، سيبرز أيّ تباعد سوري إيراني بشكل أوضح، مع دعم حزب الله (وإيران) باسيل ومع رغبة سوريا في استعادة سيادتها في لبنان من خلال شخص مثل فرنجية. وسيكون الترشيح المفترض لقائد الجيش اللبناني جوزيف عون، مع مصداقيته المتزايدة بالاستقلالية، متماشياً أكثر مع رغبة الشارع. لكنّ الرئيس اللبناني ينتخبه البرلمان وليس الشعب، وفيما يعكس البرلمان اللبناني الراهن المؤسّسة ذاتها التي يريد المتظاهرون إسقاطها، يأمل المرء أن يفكّر النوّاب في آراء المتظاهرين في حال باتوا في موقع الاختيار بين دمشق أو طهران أو ناخبيهم اللبنانيين.

وعلى الرغم من عظمة التظاهرات الراهنة، من الصعب التحلّي بالإيجابية عندما لا يبرز قادة بمصداقية عابرة للطوائف لتوجيه طاقة الطرقات بشكل بنّاء. ويزيد الوضع الاقتصادي والمالي الأعباء. مع ذلك، تبرز الإمكانية لتحقيق تغيير إيجابي بشكل لم يكن وارداً أبداً قبل بضعة أسابيع. ولا ينبغي علينا أن نسهّل الأمور على القوى المؤيدة لسوريا ولإيران لتخطّي أيّ خلافات والانتصار على الاحتجاجات في نهاية الأمر".

تعليقات: