«فيتو طائفي» لحماية الجرّاح وشقير

طلب شقير من الحاج حسن تأجيل جلسة لجنة الاتصالات بسبب سفره مع الحريري الى الإمارات، واعداً بأنه سيحضر الجلسة اللاحقة (هيثم الموسوي)
طلب شقير من الحاج حسن تأجيل جلسة لجنة الاتصالات بسبب سفره مع الحريري الى الإمارات، واعداً بأنه سيحضر الجلسة اللاحقة (هيثم الموسوي)


انتقل تيار المستقبل من الدفاع إلى الهجوم. لا يملك في جعبته من وسائل سوى «غيرة الدين». هذه المرة كان دور قطاع الاتصالات. وقد وجد أن أفضل طريقة لمواجهة ما تكشفه لجنة الاتصالات من وقائع ومعلومات هو في التركيز على أن الوزارة مستهدفة في طوائف وزرائها!


الحريري يرفع الفيتو الطائفي: المحاسبة في قطاع الاتصالات ممنوعة

انتقل تيار المستقبل من الدفاع إلى الهجوم. لا يملك في جعبته من وسائل سوى «غيرة الدين». هذه المرة كان دور قطاع الاتصالات. وقد وجد أن أفضل طريقة لمواجهة ما تكشفه لجنة الاتصالات من وقائع ومعلومات هو في التركيز على أن الوزارة مستهدفة في طوائف وزرائها!

استراتيجية تيار «المُستقبل» في منع مُحاسبة الفاسدين والعابثين بالمال العام لا تتغيّر. في كل مرّة تُفتح فيها «الدفاتر المالية» ويكون أحد رموزه من بين «المُشتبه» فيهم، يذهب الى أمر من اثنين: إما القول بأن العملية هي تصفية حساب مع السياسة الاقتصادية للرئيس الراحل رفيق الحريري، أو حرف الأنظار كلياً عن المسار الحقيقي وتحويلها الى قضية مذهبية، المُستهدف فيها «الطائفة السنية ورجالاتها». أوراق الابتزاز هذه يشهرها هذا التيار، مستفيداً من ظرفين: الأول إدراكه أن جميع القوى السياسية تتمسك بسعد الحريري رئيساً للحكومة، والثاني والأهم حذر الطرف المقابِل من الانزلاق في الاتجاه الطائفي، ما يجعل الأمور تسير عكسَ ما يشتهيها من رفعوا لواء محاربة الفساد، وتجعلهم كمن يسير في حقل ألغام.

لم تمُر فترة طويلة على تجربة حسابات الدولة التي أنهت وزارة المال التدقيق فيها وإعادة تكوينها، فاستقرت مخالفاتها في أدراج القضاء. وها هي تعاد اليوم مع ملف الاتصالات الذي يريد «المُستقبل» ضبضبته، في ظل الاشتباه في «تورّط» اثنين من وزرائه بالفظائع المرتكبة فيه. ففيما رفض كل من الوزيرين محمد شقير وجمال الجراح علناً تلبية دعوة المدعي العام المالي القاضي علي إبراهيم للاستماع إليهما بشأن بعض المعلومات التي أثارتها لجنة «الإعلام والاتصالات»، كان الحريري يفعّل اتصالاته سرّاً في اتجاه حزب الله للتساؤل عمّا إذا كان استدعاء الوزيرين شقير والجراح حصراً، وتحييد وزراء آخرين من غير تيارات (المقصود هنا الوزير السابق نقولا الصحناوي)، هو استهداف سياسي لـ«المستقبل»، علماً بأن النائب حسين الحاج حسن (رئيس لجنة الإعلام والاتصالات) سبقَ أن أكد في أكثر من تصريح أن ما تقوم به اللجنة «ليسَ استهدافاً سياسياً لأحد، بل إن ما يحصل له خلفية إصلاحية». هذه اللغة استخدمها شقير نفسه مع الحاج حسن، إذ اتصل بعضو كتلة «الوفاء للمقاومة»، وذهب في محاولاته بعيداً لفرملة عمل اللجنة، من خلال الادعاء أن استدعاءه وسلفه الجراح من قبل المدعي العام المالي علي إبراهيم يُظهر كأن الاشتباك في ملف الاتصالات هو سنّي - شيعي، خصوصاً أن إبراهيم شيعي، والملف سينتقل أيضاً إلى ديوان المحاسبة الذي يرأسه قاضٍ شيعي، وتبحث فيه لجنة الإعلام والاتصالات النيابية التي يرأسها نائب في حزب الله. كذلك علمت «الأخبار» أن شقير الذي كان تياره يشتكي من «هيمنة نائب البقاع جميل السيد على اللجنة ويبدو كأنه يديرها طوال الوقت»، طلب من الحاج حسن تأجيل الجلسة التي كانَ مقرراً عقدها يومَ أمس بسبب سفره مع الحريري الى الإمارات لحضور مؤتمر استثماري، واعداً بأنه سيحضر الجلسة اللاحقة. يأتي ذلك في ظل عودة رئيس لجنة الاتصالات عن قرار المشاركة في مناظرة مفتوحة على الهواء مباشرة مع شقير في برنامج «صار الوقت» على قناة «أم تي في». فما الذي يجري؟ وهل هناك توجه لركن هذا الملف على الرف؟

ادعى شقير أن استدعاءه الجرّاح من قبل القضاء يُظهر كأن الاشتباك سنّي - شيعي

تساؤلات كثيرة طرحها أعضاء في اللجنة حول ما إذا كان وزير الاتصالات يسعى الى كسب الوقت، خصوصاً أنه في اليومين الماضيين لم يتوقف عن «تطمين» محيطه بأن «القصة بالسياسة وتحل بالسياسة». ويعتبر هؤلاء أن «قرار الحزب عدم المشاركة في هذه المناظرة هو نتيجة تخوف مشروع وتجنّب لمواجهة مذهبية يريدها المستقبل، لكون شقير لا يؤتمن جانبه، وربما يذهب فعلاً الى تغليب اللغة الطائفية والمذهبية خلال الحلقة على حساب الجانب التقني والمالي لتضييع الحقيقة». لكن لا بد من الأخذ في الاعتبار أن «تمرّد وزير الاتصالات ومن يقف في ظهره لا يُمكن النظر اليه أو التعاطي معه على أنه سلوك مؤقت، بل تمرد متكرر ستستمر اللجنة في مواجهته من خلال استكمال دورها الرقابي كما ينص النظام الداخلي لمجلس النواب، من أجل محاسبة المسؤولين عن هدر المال العام والتأكيد أن محاربة الفساد ليسَت مجرد شعار».


هكذا وصل ملف الاتصالات إلى النيابة العامة المالية...

أخذ ملف الاتصالات منحىً مختلفاً منذ أن كُشف عن استدعاء المدعي العام المالي القاضي علي ابراهيم لوزير الاتصالات محمد شقير وسلفيه جمال الجراح وبطرس حرب. فسلوك تيار «المستقبل»، إثر الاستدعاء، يوحي بأنه وجد ضالته للتحرر من الضغط الذي يواجهه نتيجة الوقائع المعروضة في لجنة الاتصالات.

أعلن الوزير محمد شقير أنه والجراح لن يذهبا «إلى المدعي العام المالي لا لشرب القهوة ولا لشرب الشاي»، داعياً إلى الاستماع إلى كل وزراء الاتصالات منذ العام 1992.

على المنوال نفسه غزل الجراح، معتبراً أن إبراهيم تجاوز المدعي العام التمييزي، بينما كان يجب أن يطلعه على الملف. لكن في المقابل، تكشف مصادر مطلعة أن ذلك يتناقض مع سياق القضية الذي يؤكد أن المدعي العام التمييزي السابق كان أحد أضلعه.

بدأت القصة في جلسة مناقشة الموازنة التي عقدت في حزيران الماضي. حينها، وبعد أن أثار النائب جهاد الصمد مجموعة من القضايا المرتبطة بالقطاع، توجه الرئيس نبيه بري إلى وزير العدل ألبرت سرحان بالقول: خذ كل المعلومات من الصمد... و«بدي نتيجة».

وعليه، زار الصمد سرحال، عارضاً عليه كل المعطيات التي يملكها، فما كان من الأخير إلا أن خاطب بدوره النائب العام التمييزي (السابق)، داعياً إياه إلى التوقف عند بعض المخالفات التي أثيرت، معدداً بعضاً منها. وبحسب المعلومات، فقد حول المدعي العام التمييزي، بدوره، الملف إلى المدعي العام المالي علي إبراهيم، الذي استمع إلى الصمد في 27 آب الماضي. ولما كانت إفادة الصمد في الملف، الذي أخذ فيه صفة الإدعاء الشخصي، قد ركّزت على موضوع «أوجيرو» تحديداً، فقد ارتأى إبراهيم أن يتوسع في الملف، ربطاً بما يتم كشفه في لجنة الاتصالات وفي الاعلام.

في سياق المواجهة المستقبلية، كان شقير قد أعلن الخميس أنه منع إدارة «تاتش» من حضور جلسة للجنة الاتصالات يوم الإثنين (كانت جلسة أمس مخصصة لمناقشة ملف الشركة)، مشيراً إلى أنه «إذا أرادوا أن ينزل أحد فأنا سأفعل ذلك بالتأكيد». قال ذلك، كما لو أنه لا يفوّت أي جلسة، هو الذي سبق أن تغيّب ثلاث جلسات متتالية، من دون أي عذر شرعي سوى أنه ينزعج من وجود النائب جميل السيد الذي «يتهجّم عليّ بطريقة شخصية». أما الكارثة، فكانت ضرب شقير للحق الرقابي الذي يمارسه مجلس النواب، من خلال تسخيفه لعمل اللجنة واعتباره أن الملفات التي تناقشها «ساهمت في هدر 75 في المئة من وقت المدراء العامين»، مشيراً إلى أنه «ليس لدي المزيد من الوقت لإضاعته».

المدعي العام المالي استدعى الوزراء بناءً على إشارة من النيابة العامة التمييزية

في غياب مسؤولي الشركة، كان بديهياً أن تؤجّل الجلسة، خاصة أن شقير لا يحضر، لكن، بشكل مفاجئ، اتصل وزير الاتصالات برئيس اللجنة حسين الحاج حسن، معتذراً عن عدم حضوره لجلسة أمس.

خطوة وزير الاتصالات جاءت متأخرة، بحسب مصادر في اللجنة، إذ تشير إلى أن الجلسات الأخيرة، التي لم يشارك فيها ولم يعتذر عن عدم حضورها، شهدت مجموعة من المعطيات التي تؤكد تورّط أكثر من وزير بالضغط على إدارتي شركتي الخلوي لتنفيذ عقود خلافاً لإرادتيهما، إن كان في ملف مبنى «تاتش» أو في ملف محطات الإرسال، أو في ملف الألياف الضوئية أو عقود الصيانة، إضافة إلى الكثير من الملفات التي كلفت الخزينة مئات ملايين الدولارات.

بعدم الاستماع إلى الوزراء المعنيين، إضافة إلى اعتراض المستقبل على عدم دعوة الوزراء السابقين، ولا سيما الوزير نقولا صحناوي (وهو اعتراض محق، بحسب أكثر من مصدر معني بالقطاع)، تكون القضية قد وصلت إلى طريق مسدود في النيابة العامة المالية، ولا يبقى بالتالي سوى لجنة التحقيق النيابية التي وقّع عدد من النواب على طلب تشكيلها.

ولأن التجاوزات والارتكابات وصلت إلى مستوى يصعب إخفاؤه، فإنه يتوقع أن تستمر هذه الحملة «المستقبلية» لتطال لجنة التحقيق المنتظرة، والتي يفترض أن لا يتأخر الرئيس نبيه بري قبل أن يعرض طلب تشكيلها على الهيئة العامة. لكن مع ذلك، بدأ القلق ينتاب المتحمسين لوصول الملف إلى الكشف عن مكامن الفساد، انطلاقاً من أن النبرة الطائفية التي تواجه الملف كفيلة عملياً بإسقاطه.

الوزير جمال الجراح
الوزير جمال الجراح


استراتيجية تيار «المُستقبل» في منع مُحاسبة الفاسدين والعابثين بالمال العام لا تتغيّر
استراتيجية تيار «المُستقبل» في منع مُحاسبة الفاسدين والعابثين بالمال العام لا تتغيّر


نائب البقاع جميل السيد
نائب البقاع جميل السيد


تعليقات: