«شيعة التيّار» غير مرغوب فيهم!

وزير الخارجيّة جبران باسيل
وزير الخارجيّة جبران باسيل


الجميع تقريباً يذكر كيف انتشى وزير الخارجيّة جبران باسيل حين وطأ ربوع القرى البقاعيّة المصنّفة في الجدول اللُّبناني «قرى شيعيّة» على أبواب انتخابات ٢٠١٨ النيابيّة، نشوته يومذاك قادته إلى رسمِ معادلة واضحة: «نطمح أن نكون التيّار الشيعي الثالث».

ثمّة في تلك القرى من لبّى «النّداء الباسيلي»، لظروف شتّى لعلّ الطابع المعيشي يُعد على رأس أسبابها، ثمّ أن من بين المصنّفين في الخانة الرماديّة بين حزب الله وحركة أمل أو «الزعلانين» منهما، من وجدَ ضالته في «التيّار» بظل وجودهِ «القوي» داخل السلطة، بالإضافة إلى كونهِ «تياراً موثوقاً» لا يُخالف السّياسات المرسومة لدى الطائفة الشيعيّة.

ما زادَ الطين بلّة بالنسبة إلى خصومِ باسيل داخل الطائفة الشيعيّة الحاملين لصفة حليف الحليف بالنسبة إلى التيّار الوطني الحرّ، أن الجزء العميق منهم أدركَ وجود رغبة «باسيليّة» في السعي نحو تحقيق هذا الهدف، بدليل «طحشة الأورانج» على فتح باب المكاتب وأبواب الإنتساب لدى الشيعة البقاعيين تحديداً، الذين كانوا في أوج فترة الصُراخ ورفع الصوت في وجه «الثنائي» لأسباب معيشيّة، ما حملهم إلى محاولةِ «خلق الفرص» وتوفير ظروف حصار «المد الباسيلي».

ثمّ انّ بعضاً آخر وقف على طرف نقيض وكان ضعيف الدّعاية، وجدَ في عبارة باسيل «جملة فضفاضة» لا تَصلح سوى لمادة إنتخابيّة يريد رئيس «التيّار» تعويم ثقافتها في ظرفٍ انتخابي محض، لذا لم يقم وزناً لقاعدة «التيّار الشيعي الثالث» إلّا من بابِ «نكوزة» حركة أمل التي تُعاني بقاعيّاً من تراجعٍ واضح.

إنطلاقاً من جملة هذه التناقضات، بدأ «التيّار الوطني الحرّ» يجدُ أرضيّة له في القرى الشيعيّة التي شهدت إرتفاعاً ملحوظاً في نسبةِ الإقبال، ما فرضَ لاحقاً على الوزير باسيل مواكبة التطوّرات الحزبيّة وزيارة القرى البقاعيّة ذات اللون «الشيعي»، في نيّة للإستثمار في السّياسة.

لم يكن يعلم هؤلاء المنتسبين انّ «شهر العسل» الذي سادَ خلال مرحلة الإنتخابات وما قبلها لن يستمرّ طويلاً وسينقلب فجأة رأساً على عقب، ويحل مكانهُ شعورٌ متراكم من أنهم عبارة عن أعضاء «مستوى ثاني»، وسط تراجع درجات الإهتمام بهم إلى الحدود الدنيا، ونشوء جو معادٍ لهم.

ولعلّ أسوأ السيناريوهات الذي حضرَ من خارج ما هو متوقّع، تمثّل في تخلّي قيادة «التيّار» عنهم، واعتبارهم أشخاصاً غيرَ مرغوب فيهم، بعد صدور قرار عن المجلس التحكيمي قضى بفصل ما يقارب الـ ٧٠٠ من الأعضاء الشيعة المنتسبين إلى «التيّار» في منطقة بعلبك - الهرمل، وسحب البطاقات منهم.

مصادر من داخل فريق المفصولين، أكّدت لـ«ليبانون ديبايت» أن بين ٣٠٠ و ٤٠٠ شخص تبلّغوا قرار «المركزيّة» عبر الهاتف، وإن الذريعة التي أُعطيت لهم، هي «عدم التقيّد بقرار القيادة ومخالفة توجهاتها لناحية الإقتراع للائحة التيّار الوطني الحرّ في بعلبك - الهرمل خلال إنتخابات ٢٠١٨».

المصادر لا تنفي «عدم تقيّد الجانب الأكبر من المنتسبين لقرار القيادة، والإقتراع إلى لائحة تحالف أمل - حزب الله بشكل خاص»، وترد ذلك إلى «الضعف الذي شابَ عمليّة تشكيل اللّائحة وإعلانها بالإضافة إلى غيابِ الأسماء ذات القدرة على جرّ المنافسة».

وتؤكّد مصادر فريق المفصولين أنّ «المنتسبين المسيحيين، هم بدورهم اقترعوا لصالح لائحة القوّات اللبنانيّة لذات الأسباب، بدليل الأرقام التي حازتها لائحة التيّار والتي أظهرت فوارق واضحة بين نسبة المنتسبين «البرتقاليين» و نسبة المقترعين للائحة، فلماذا ما يسري علينا لا يسري على غيرنا؟».

لكن لقيادة «التيّار» رواية أخرى «مقرونة بوقائع» تنقل النقاش إلى مكانٍ آخر. مصادرها الرسميّة تقرّ لـ «ليبانون ديبايت» بصدور قرارات الفصل الجماعيّة، لكنّها تبرّرها بـ«وجود خلل تنظيمي يعتري المنتسبين الجُدد، وان سبب الفصل بالإضافة إلى عدم التقيّد بقرارات القيادة، هو عدم المشاركة في الإجتماعات واللقاءات،ـ ووجود شكاوى بحق معظمهم».

وتشيرُ الرواية الرسميّة إلى أنّ المفصولين في غالبيتهم من المنتسبين الجدد الذين انضموا مؤخراً وأثبتوا عدم «أهليّة تنظيميّة»، وقد تبيّن أن معظمهم من السَاعين خلف خدمة أو وراء وظيفة، وقسم آخر غرّرَ به فوجدَ نفسه في مكانٍ ليس مكانه، وكان لا بدَّ من إجراء «نفضة» وعمليّة «تقويم» لجسد التيّار.

«لب» القضيّة، بالنسبة إلى أوساط المفصولين، لا تتصل بـ«مخالفة التعميم الحزبي حول إنتخابات» بل لوجود «خشية» من تعاظم دور «الطرف الشيعي» داخل جسم «التيّار» في بعلبك - الهرمل، ما قد ينتجُ عنه خللاً في الميزان «البرتقالي» الذي وبحسب قولهم، يعتمد على الثقل المسيحي.

وعلى سبيلِ الذكر، يكشف هؤلاء أن مستوى المنتسبين إلى «التيّار» لدى الشيعة إرتفعَ بشكلٍ ملحوظ خلال العام السّابق والحالي بمستوى فاقَ كميّات الإنتساب عند المسيحيين، ويبدو أن ذلك قد شكّل «نقزة» لدى القيادة، التي ظهر مؤخراً أنها لا تتقبّل ابداً دخول تغييرات بنيويّة على جسدها التنظيمي، على نحوٍ يزيل صفة «الثقل المسيحي في التيّار».

هكذا الكلام يرخي ظلالاً من الشّك حول «أساليب قمع طائفي» تحصل داخل «التيّار»، خاصة حين يؤكّد أكثر من عضو مفصول أو عاطل عن العمل الحزبي، حصول «تمييز طائفي» داخل جسد «البرتقالي»، وهو ما أسّسَ إلى نشوءِ أزمة داخل البنيّة الجسديّة للتيّار في منطقة البقاع.

اتهام تُعاكسه المصادر «العونيّة» الرسميّة، بدليل وجود «طرف شيعي وازن» داخل التيّار وبخاصة في منطقة بعلبك - الهرمل، وعلى سبيلِ المثال، صدرَ قبل أيّام قرار بتعيين مجلس هيئة في لبّايا، غالبيتهم من الشيعة، لذا تستغرب سوق هذه الإتهام وتصوير الظروف المحيطة بعمليّات الفصل وكأنّها «إستهداف للشيعة» وتجريدها من أسبابها الحقيقيّة.

ولعل التبرير الأساس الذين تسعى «قيادة التيّار» إليه لنزع تهمة «الطائفيّة» عنها، يكمنُ في قرارها إجراء «نفضة تنظيميّة» بدأت من بعلبك - الهرمل وستشمل كافة المناطق.

تعليقات: