الموازنة الأكثر تقشفاً بتاريخ لبنان والكهرباء بلا هيئة ناظمة

سقطت عشرة اقتراحات قوانين معجلة مكررة (علي علّوش)
سقطت عشرة اقتراحات قوانين معجلة مكررة (علي علّوش)


كانت منتظرة أو متوقعة من الشرق فأتت من الغرب. هذا التوصيف ينطبق على الجلسة التشريعة التي عقدها مجلس النواب، حيث كان المتوقع أن يكون نجم الجلسة مشروع قانون تمديد العمل بالقانون 2882014، المتعلق بخطة الكهرباء التي أقرتها الحكومة منذ أسبوع، فإذا بالجلسة ووقائعها تتحول إلى "منصة" للقوى السياسية المشاركة في الحكومة للدفاع عن نفسها، وعن الإجراءات التي يجري البحث فيها، تمهيداً لإعداد الموازنة التي ستكون "الأكثر تقشفاً" في تاريخ لبنان، حسب كلام رئيس الحكومة، سعد الحريري.

هذا التحول في مسار الجلسة فرضته التحركات التي واكبت الجلسة في الشارع، ولا سيما الاعتصام الذي نفذته القطاعات النقابية وموظفو الإدارات العامة في ساحة رياض الصلح، المحاذية لمجلس النواب.

وعليه فإن السؤال الجدي الذي ينتظر الإجابة عليه،هو: ما هي حقيقة الأفكار والمقترحات التي تمت مناقشتها خلال الاجتماع الذي دعا إليه الرئيس الحريري يوم الأحد الماضي في بيت الوسط، وحضره ممثلون عن جميع القوى السياسية المشاركة في الحكومة؟ ولماذا الدفاع عن أفكار لم تطرح؟ ومن صاحب المصلحة في تسريب معلومات مجتزأة أو مغلوطة؟ ولماذ دائماً تحميل المسؤولية لوسائل الإعلام؟ ولماذا لم يُعلن رئيس التيار الوطني، الوزير جبران باسيل، حقيقة المواقف التي قال عنها، لمختلف القوى خلال اجتماع بيت الوسط؟

اتهام الإعلام!

تحول الجزء الأكبر من الجلسة التشريعة لمجلس النواب إلى منصة للدفاع من جهة الحكومة وقواها عن الإجراءات القاسية التي تجري مناقشتها من أجل تخفيض العجز في الموازنة ، فيما كانت هذه الإجراءات وما جرى تسريبه منها أو الحديث عنه، منصة هجومية من قبل بعض النواب الذين تحدثوا في الأوراق الواردة .

فهذا رئيس مجلس النواب ​نبيه بري​ يستبق النقاش بالتأكيد على مسلمات أساسها عدم المس لا بالطبقة الفقيرة ولا حتى المتوسطة، ويُشدد على ضرورة تطبيق القوانين وعدمِ تعطيلها، مع شمول التخفيضات المقترحة الرواتب الخيالية، ومنع قبض أكثر من راتب من الدولة، وتخفيف ِالإنفاق على السفر وغيره، إضافة إلى وقف التقاعد المبكر في بعض القطاعات، ووقف التوظيف نهائياً، بفعل التخمة في الموظفين الذين يُمكن الاستفادة منهم، وتوزيعهم على الإدارات والوزارات، التي تحتاج إليهم. ووقف بدعة وجود الموازنات الملحقة، التي لا معنى لها، طالما أن هناك موازنة عامة.

أما رئيس الحكومة سعد الحريري الذي تحدث داخل القاعة خلال الجلسة وبعد إنتهائها عن الإجراءات المالية، فقد أقر بأن الموازنة التي يجري إعدادها وتحضيرها من قبل الحكومة هي الأكثر تقشفاً في تاريخ لبنان، مشيراً إلى أن من واجبه أن يكون صادقاً، وواضحاً في الحديث عن إتخاذ إجراءات تقشفية صعبة ستكون على حساب الإنفاق في الإدارة العامة .

ويلتقي الحريري مع بري بالتأكيد على عدم المسّ بذوي الدخل المحدود، ولو أنه ألمح في أكثر من مرة إلى أن وضع البلد ليس سليماً اقتصادياً. صحيح أنه ليس في "وضع انهياري"، ولكن إن لم نتخذ الإجراءات اللازمة فسنصل إلى وضع لا نحسد عليه.

الحريري الذي أكد أن مكتبه مفتوح أمام جميع من لديه وجهة نظر في موضوع الأرقام، قال بصريح العبارة إن جميع القوى والأطراف أقرت بوجود فساد وهدر، وبضرورة اتخاذ إجراءات تطال ربما بعض المصاريف الإضافية التي تستنزف الإدارة العامة. وبالتالي، عدم اتخاذ إجراءات صعبة قد يوصل إلى الوقوف "دقيقة صمت" على البلد، كما ذكرت النائب بولا يعقوبيان في مداخلة لها، حسب الحريري.

أما وزير المالية علي حسن خليل، الذي عقد مؤتمراً صحافيا على هامش الجلسة، لينفي فيه كل ما تم تداوله من أفكار منسوبة إليه، فأكد لـ"المدن" أن كل الأفكار والاقتراحات لا تزال قيد النقاش ولا مس بالطبقات الفقيرة والمتوسطة وذوي الدخل المحدود.

وجزم خليل بأن مشروع الموازنة، المقدم من قبله، لا يتضمن ما يُحكى عن تخفيضات ٍعلى الرواتب بنسبة خمسة عشر بالمئة، داعياً المواطنين إلى الحكم على هذا الأمر عند إصدار الموازنة التي لم يتم إقرارها أو التوافق عليها .

ولم يكن وزير الخارجية جبران باسيل بعيداً عن السياق، إذ كان السبّاق في طرح الأفكار عبر الإعلام، ليكرر تحميل المسؤولية لبعض وسائل الإعلام، في إجتزاء ما قاله، مشدداً بعد الجلسة على أن هذا الأمر يتطلب جرأة وشفافية وبُعد نظر.

وقال: "بعض وسائل الإعلام والسياسيين اجتزأوا ما قلته في موضوع رواتب القطاع العام. وهو يشمل خمسة أمور: حجم الدين الذي يشكل جزءاً يسيراً من الموضوع، وخدمة الدين والتهرب الضريبي والجمركي والكهرباء والضرائب التي يمكن أن تستوفى من أصحاب الجيوب الكبيرة.

ولفت إلى أن الجميع يتحدث عن إجراءات صعبة، لكنها موقتة ولا تشمل ذوي الدخل المحدود. موضحاً، أن كثيرين كانوا يتنكرون لمكامن الخلل، واليوم بدأوا يقرون بها.

هذه المواقف والتصريحات تقاطعت في تحميل المسؤولية لوسائل الإعلام بتحريك وتحريضه، إن كان عبر كلام الرئيس الحريري عن مسؤولية الإعلام في نقل بعض المعلومات، أو عبر كلام الوزير جبران باسيل الذي طلب من الإعلام التفتيش عن الرواتب العالية في وزارات وإدارات الدولة، لنرى أين التخمة، حسب تعبيره.

الكهرباء والاقتراحات وباسيل

بالتوازي، فتح مجلس النواب الباب أمام ​خطة الكهرباء،​ عبر إقرار قانون، يمكّن من تنفيذها، وبخطوات ربما تضمن نجاحها، من خلال التوصية بتعديل القانون 462 بما يسمح بتعيينِ الهيئة الناظمة للقطاع، خلال ستة أشهر، ومرور دفتر الشروط عبر دائرة المناقصات وصولا إلى تعيين مجلس إدارة لمؤسسة كهرباء لبنان خلال ثلاثة أشهر.

مر المشروع بعد التوافق على إقراره في لجنة الأشغال العامة والنقل والطاقة البرلمانية وإجراء الضوابط الممكنة، رغم محاولات بعض النواب والكتل إدخال بعض التعديلات عليه، خصوصاً لجهة تقصير تمديد المهلة إلى ستة أشهر أو سنة بدل ثلاث سنوات. إلا أن هذا الإقتراح الذي تقدم به نواب القوات، ونال تأييد بعض النواب الآخرين سقط بالتصويت وكذلك الأمر بالنسبة لمحاولة تعديل المادة الثانية من القانون حول شروط التلزيم والمناقصات.

هذه المحاولات ربما استفزت الوزير جبران باسيل الذي تحدث من موقعه النيابي مؤكداً أن تكتل التغيير والإصلاح تقدم بإقتراح قانون لتعديل القانون 462 منذ 7 سنوات، ولو سمعوا منا حينها لكانت حلت مسألة الهيئة الناظمة.

النقاش الذي جرى حول مشروع الكهرباء والهيئة الناظمة دفع النائب ألان عون إلى وصفه كالخلاف حول جنس الملائكة أو حول إذا البيضة تأتي قبل الدجاجة أو العكس.

وقد ضبط رئيس المجلس نبيه بري إيقاع النقاش، عبر تسجيله في محضر الجلسة بأن تعيين مجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان لا علاقة له بالهيئة الناظمة، ويجب أن يحّل خلال ثلاثة أشهر، كما أن الوزارة هي التي تعد دفتر الشروط وترسله إلى دائرة المناقصات، التي تضع ملاحظاتها. وإذا لم توافق عليه يرفع إلى مجلس الوزراء لبت الأمر.

سقوط بالضربة القاضية

وبينما كانت الجلسة تدور في فلك الكهرباء والموازنة وإيقاع التحركات في الشارع، سجلت الوقائع إقرار اقتراح تعديل المهل للترشح لعضوية المجلس الدستوري وأعطى فترة 15 يوماً بدلاً من شهر، إضافة إلى إقرار ثلاثة مشاريع واقتراح قانون إنشاء محمية حرج بيروت الطبيعية، بينما سقط بالتصويت على صفة الاستعجال كمن يسقط في الضربة القاضية نحو عشرة اقتراحات قوانين معجلة مكررة. وتأجل البحث باقتراحين يرميان إلى إنشاء المناطق الاقتصادية الخاصة في صور والبترون.

هذا السقوط استفز عدداً من النواب في مقدمهم الوزير جبران باسيل، الذي غرد عبر حسابه على "تويتر" قائلا: "بعد أن تم التصويت في الجلسة العامة على قانونيّ رفع السرية المصرفية ورفع الحصانة اللذين لم يقرّا، وقد طرحا لأهمية وعجلة الأمر لمكافحة الفساد، لم أتمكن من معرفة من صوت معنا. لذا أتمنى على زملائي النواب إعلان ما كان موقفهم من طرحنا هذا".

فرد عليه زميله، وزير الدفاع الياس بو صعب، عبر تغريدة مماثلة بالقول: "كوني كنت جالسا بالمكان المخصص للحكومة، استطعت أن أرى أن الأيادي التي ارتفعت مؤيدة للطرح، اقتصرت على أعضاء تكتل لبنان القوي إضافة إلى أربعة نواب آخرين" .

كذلك أستفز الأمر النواب بولا يعقوبيان وهاكوب ترزيان وعلي فياض وغيرهم، الذين هالهم موقف زملائهم في عدم تفهم العجلة مثلاً في تخفيض الغرامات على متأخرات الرسوم البلدية، أو فرض إلزامية فرز النفايات من المصدر، وغيره من الاقتراحات.

في الخلاصة، تقارير لديوان المحاسبة عن واقع الكهرباء، وتقارير أخرى لمؤسسات عن رواتب خيالية لبعض المدراء والمستشارين، وهيئة وطنية لحقوق الإنسان شُكلت ولم تبدأ عملها، وهيئة وطنية لمكافحة الفساد تنتظر إقرار قانون إنشائها و43 قانوناً تنتظر التنفيذ، فأين هي الشفافية والوضوح في الحديث عن التضحيات من أجل إنقاذ لبنان من السقوط؟

تعليقات: