لقاء وطني في ذكرى اندلاع الحرب الاهلية اللبنانية


برعاية السيد علي فضل الله، نظّم "«اللقاء التشاوري لملتقى الاديان والثقافات»"، و«شبكة الامان للسلم الاهلي»" لقاءً وطنياً بعنوان «المشهد اللبناني بين تحصين المنجزات ومواجهة التحديات» في قرية الساحة التراثية - مطعم الساحة - طريق المطار، وذلك لمناسبة 44 عاما على اندلاع الحرب الاهلية اللبنانية، برعاية السيد علي فضل الله.

حضر اللقاء وزير الدولة لشؤون مجلس النواب محمود قماطي، منسق اللجان والروابط الشعبية في لبنان معن بشور، المطران جورج صليبا، المنسق العام لشبكة الامان للسلم الاهلي والامين العام السابق لاتحاد المحامين العرب عمر زين، عضو مؤسسة الحوار الاسلامي - المسيحي، القاضي عباس الحلبي، شخصيات سياسية واجتماعية وثقافية، ورجال دين من الطوائف الاسلامية والمسيحية وشخصيات علمانية.


فضل الله

بداية القى العلامة السيد علي فضل الله كلمة اشار فيها الى "تأرجح الوطن بين استعادة الدولة وإستيلاء اليأس." مطالبا "اللبنانيين الحفاظ على كل ما قدموه لحماية بلدهم ومساهمتهم في تحرير ارضهم من الاحتلال الصهيوني".

وأشاد "بالجيش اللبناني ودوره"، قائلا: "هذا لا يعني ان بقاء الدولة يقوم على الاستقرار الامني فقط، لأن الدولة تحتاج الى أمن اقتصادي يحمي واقعه الاجتماعي".

وحذر فضل الله من "نتائج وخيمة تنظر اللبنانيين قد تفوق نتائج الحرب الاهلية بسبب هذه الاوضاع وصراعات المنطقة وما يخطط لها". مؤكدا ان "التحدي الابرز لتعزيز السلم الاهلي هو قدرتنا على مراجعة الذات".

والمح الى "وجود وطأة حرب اهلية نخشى ما قد تؤول اليه اذا لم نعود عن اي تفكير فئوي وإثارة الغرائز".

وشدد على "الذهنية التي تحمل الخطاب الوطني والانجازات والتي على أساسها تحاسب القيادات، مطالبا الالتزام الدقيق بإتفاق الطائف، محذرا من خطورة الوضع الاقتصادي".

ودعا الى "التخلص من الارتكابات والهدر والخطايا بفعل السرقة والسمسرة في التوظيفات وتعيينات المستشارين تحدث عنها المسؤولون بأنفسهم. مركزا على "ضرورة عدم تغطية المسؤولين للمرتكبين، وفي اعادة الدور للمؤسسات الرقابية وتعزيز وتطهير السلطة القضائية والتخفيف من ثقل الازمات المعيشية.


بشور

ثم تحدث منسق اللجان والروابط الشعبية في لبنان معن بشور قال فيها:

في الذكرى 44 لاندلاع الحرب اللبنانية في 13 نيسان 1975، أضع بين ايديكم جملة أفكار استخلصتها من تجربة الحرب وما تلاها في لبنان والوطن العربي.

1- اذا كانت الحرب هي امتداد للسياسة، فأننا شهدنا في لبنان على مدى ثلاثين عاماً بعد انتهاء الحرب ان السياسة هي أمتداد للحرب، وأن ثقافة الحرب وعلاقات الحرب ما زالت تتحكم بحياة اللبنانيين خصوصاً بعد ان قام إثر اتفاق الطائف نظام تحالف مليشيات السلاح مع مليشيات المال...

2- ان الحروب في لبنان دورات موسمية، لكل جيل من اللبنانيين حربه التي يتداخل فيها الخارج بالداخل، والسياسي بالطائفي بالاقتصادي والاجتماعي، واذا توقف أزيز الرصاص لا تجر اي جهود جدية لمنع اطلاقه من جديد.... بل ربما يجري العكس... فالحرب – كما يقول السابقون – اولها كلام.... وما نسمعه من كلام لا يبشر بالخير أبداً.

3- بدون شك كان للأخرين حروبهم في لبنان، ولكن من دون شك ايضاً لم تكن لهذه الحروب ان تحقق أغراضها لولا أن التربة المحلية كانت مهيئة، بل لولا أن أطرافاً محليين تبرعوا لاشعال تلك الحروب فتحولوا الى وقود لها بعد أن ظنوا انهم قادة فيها.

4- الحروب الداخلية، كما جرى في لبنان، لا تقوم إلا حين يشعر كل طرف من الأطراف المنخرطة فيها انه قادر على الحسم لصالحه فيرفض التسوية حين يكون قوياً، وترفضه التسوية حين يصبح ضعيفاً، ليكتشف الجميع فيما بعد نفسه خاسراً. بل ليخرج الوطن أكبر الخاسرين.

ولعل أحد أسباب الاستقرار النسبي الذي يعيشه لبنان أن الاطراف القوية هذه المرة هي الحريصة على التسوية، رغم تكاليفها، لأنها تدرك أن الوضع في لبنان مرتبط بالوضع الأقليمي، وأن تحصين الوطن بوجه العدوان الخارجي، وتحديداً الصهيوني، يتطلب تحصين التسوية في الداخل.. ولعل معركة الجرود التي حررت لبنان من الارهاب أكبر دليل على أهمية هذه التسوية.

5- قليل منا يلاحظ إن لبنان بحربه الداخلية، وبالحروب المفروضة عليه، قد انتج منذ أكثر من 44 عاماً، حروباً داخلية وخارجية عاشتها وما تزال العديد من دول المنطقة. وحين دعونا في أوائل تسعينات القرن الماضي الى الاستفادة من دروس الحرب اللبنانية في محاضرة في لندن بدعوة من النادي العربي، قلنا أن الأمة كلها تعيش حروباً أهلية، بعضها بات معلناً والبعض ما زال كامناً ينتظر من يفجره ويبدو ان اول التفجير قد بدأ مع ما يسمى "بالربيع العربي" الذي عنوانه مطالب مشروعة جرى استغلالها من أجندات مشبوهة.

6- القوى الأقليمية والدولية ذات الأطماع في لبنان والاقليم، تتعامل مع الحروب في هذا البلد او ذاك وفق قاعدة إدامة الحروب، ولو بأشكال مختلفة، لكي يبقى لها دور وحصة في كل ما يجري...

7- إن أي قراءة للحرب اللبنانية ولما تلاها، لا يمكن له ان يستبعد الدور الإسرائيلي المحتضن أميركياً في الكثير مما جرى، بل أن هذا الدور حين كان يشعر أن العوامل المحلية لم تعد كافية لإدامة الحرب يعمد الى التدخل المباشر كما جرى عام 1978، وعام 1982، وعام 1993، وعام 1996، وعام 2006... وبهذا المعنى فمقاومة الاحتلال والمشروع الصهيوني لا تعطي ثمارها في تحرير الأرض وردع العدوان فحسب بل أيضا في شل يد هذا المشروع الهادف الى تدمير لبنان المجتمع والدولة، الصيغة والكيان...

8- واهم من يعتقد أن الحروب في لبنان منشأها طائفي او مذهبي فحسب، بل أن لها أيضاً أسبابها السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي كثيرا ما يختبئ المستفيدون منها من خلال إشعال الحروب الطائفية وإذكاء النزعات المذهبية.

فلنتذكر جميعاً مقدمات 13 نيسان في انتفاضة عمال غندور ومزارعي التبغ، واضراب المعلمين ، وتظاهرة الصيادين، ومواجهة الاحتكارات، لندرك خطورة ما نشهده اليوم من توترات اجتماعية متصاعدة التي أخطر ما فيها إن معظم المسؤولين لا يعيرونها الحد الأدنى من الاهتمام والحرص على المعالجة.

9- لم يكن للبنان أن يعيش مرحلة من السلام والازدهار ما بين أحداث 1958 وانفجار 1975، لولا تضافر عاملين رئيسيين، نزعة أصلاحية رافقت العهد الشهابي رغم ما شابها من ثغرات وممارسات، وقوة حريصة على وحدة لبنان كان يتمسك بها جمال عبد الناصر واركان الحركة القومية العربية... فالإصلاح الداخلي كان يستند الى قوة عربية، والقوة العربية كانت تتحصن بالمناخ الاصلاحي في لبنان.

10- ان أي مشروع جدي لتحصين المجتمع والوطن بوجه اي حروب مقبلة ينبغي أن يرتكز على جهد سياسي واقتصادي وثقافي وإعلامي وتربوي بحيث يبادر هذا الملتقى الى عقد ورش عمل متخصصة حول كل جانب من هذه الجوانب يخرج بتوصيات تصبح أساس أي برنامج للنهوض الوطني


الحلبي

القاضي عباس الحلبي عضو مؤسسة الحوار الاسلامي - المسيحي ألقى كلمة توقف فيها أمام غياب الجيل الجديد في مثل هذه المناسبات، منوها بدور بعض مؤسسات المجتمع المدني التي حاولت تسليط الضوء على ذكرى الحرب للاستفادة من عبرها لمنع تكرارها، محذرا من مخاطر الوضع الاقتصادي، مطالبا حضور هذا اللقاء بقول الكلمة الطيبة والسعي لوحدة الكلمة والحفاظ على ما تبقى من قضايا تجمعنا وهي الليرة اللبنانية.


زين

بدوره القى المنسق العام لشبكة الامان للسلم الاهلي والامين العام السابق لاتحاد المحامين العرب عمر زين كلمة قال فيها "ما يزيد من منسوب القلق عندنا على مستقبل البلاد وسلمنا الاهلي هو أن الحرب إنتهت قبل ثلاثين عاما بإتفاق الطائف، ولكن للاسف لم تنته العقلية التي اشعلت الانفجار وامدته بالوقود للاستمرار؟ وواقع الحال يدعونا للتساؤل، هل إنتهت ممارسات الحرب الاهلية، ام اننا نعيش حربا اهلية باردة؟ هل انتهى التكفير والتخوين؟ هل انتهى الشعور بالغلبة والاستواء بالخارج؟ هل وصلنا الى فهم واحد حول التسامح والتضامن، وحول قبول الاخر والاعتراف به اخرا مختلفا؟ هل صرنا الى قناعة واحدة تستبعد النبذ والالغاء والتعالي دون تطابق او تماهي او فرض او قهر؟ واخيرا هل تحققت المصالحة الوطنية الشاملة معطوفة على نقد ذاتي حقيقي لسياسات وممارسات الماضي"؟.

أضاف "نحتاج اليوم واكثر الى نغادرة العقلية الميلشياوية في التعاطي مع بعضنا البعض وفي معالجة قضايانا الامنية والاقتصادية والسياسية، ونحتاج اليوم واكثر من اي وقت مضى الى التخلي عن خطاب الكراهية واثارة النعرات من أي نوع كانت، والى الانتهاء من لعبة الاستقواء بالخارج ايا كان هذا الخارج. ونحتاج الى شراكة حقيقية ضمن اطار الوطن الواحد وتحت سقف الدولة البرلمانية الديمقراطية التعددية. كما نحتاج اليوم الى الاعتراف بأن الغلبة الحقيقية هي في تغليب الحق والعدل ولو على حساب الذات، نحتاج الى تفعيل دور مؤسسات الدولة الرقابية والى وضع القوانين الضامنة لتحقيق فصل السلطات وتوازنها والضامنة لاستقلالية السلطة القضائية، الامر لا يزال مغيبا حتى اليوم، فبغير تفعيل السلطات الرقابية ودور القضاء المستقبل لن نتمكن من مواجهة آفة الفساد الذي ينخر جسم الدولة ويكاد يجعلها حطاما."

وتابع: "نحتاج الى دولة ديمقراطية مؤسسة على المواطنة واحترام القانون، لا على المحاصصة والزبانية والى دولة تحقق الانماء المتوازن، دولة تنهض بالمدرسة الرسمية وبالجامعة اللبنانية وتأمين الخدمات الاساسية للمواطن من ماء وكهرباء وتعليم وطبابة وضمان وشيخوخة، وتوفير فرص عمل لشابات وشباب يتسكعون على ابواب السفارات طلبا للهجرة فنفرغ بلدنا من الكفاءات وهي أحد أهم ثرواتنا، ونحتاج الى مراجعة حقيقية لخياراتنا، مراجعة لا تصادر تاريخ الاخرين ومشاعرهم ولا تتعامل مع الاخر تعامل المنتصر مع المهزوم او تعامل وطني مع عميل، نحتاج الى الشعور بالمسؤولية عن هذا الوطن وشعبه والحرص على مستقبل البلاد والعباد".

وختم قائلا "نحتاج أخيرا الى ما هو ناصع وجميل في تراثنا الحضاري المشترك، وتاريخنا الوطني المشترك من قيم انسانية نبني عليها حوارنا الدائم ونعمر بها حياتنا فنثبت سلمنا الاهلي ونفتح ابواب الامل امام الاجيال القادمة".


صليبا

وتحدث المطران جورج صليبا فقال ان " 13 نيسان هو يوم للعبرة والتاريخ، ولكن للأسف فإن العرب لا يعتبرون.

وأشار الى "الخطر الصهيوني والعالم الغربي الذي يدعم اسرائيل الظالمة بالمطلق والتي إحتلت فلسطين بوعد كاذب من وزير خارجية بريطانيا عام 1917 وكأنه يبيع ويشتري من إرث أبيه. واليوم تتكرر المأساة مع ترامب."

وأكمل "آسف لعدم إتخاذ بعض الرؤساء العرب أية مواقف، لا بل أنهم مرتبطون بهذا الغرب." لافتا الى أن "داعش والنصرة هما اختراعا صهيونيا". داعيا الى "معالجة ما في أنفسنا كما يذكر القرآن الكريم".


وفي الختام صدر عن اللقاء بيانا ختاميا رأى فيه المجتمعون أن "ذكرى الحرب الأهلية هذا العام تمر في ظروف سياسية واقتصادية وأمنية محلية واقليمية حرجة جدا يبدو معها السلم الأهلي في لبنان معرضا للتهديد، رغم ما تحقق من إنجازات على صعيد طي ملف تلك الحرب وتداعياتها".

وثمن اللقاء "مواقف مختلف الفئات اللبنانية التي حافظت طوال الفترة الفائتة على السلم الأهلي وتمكنت من إجتراح التفاهمات والتوافقات ومن مواصلة العيش المشترك، وتحرير لبنان من الاحتلال الاسرائيلي ومواجهة الارهاب، وإبقاء بلدهم في منأى عن نيران الحروب المشتعلة في الجوار على الرغم من توافر الظروف التي كانت تضغط نحو الانخراط بها".

ووجه المجتمعون تحية تقدير الى "الدور المفصلي الذي إضطلع به الجيش والقوى الأمنية في حفظ السلم والاستقرار الأهليين.

ورأى اللقاء أن المشكلة الأساسية التي ينبغي معالجتها على طريق ترسيخ العيش المشترك تتمثل في مراجعة نقدية علنية وصريحة وشفافة للخطاب الطائفي والمذهبي الذي يهيمن على تفكير الكثير من القوى السياسية ويجعل البلد يعيش بين الحين والآخر في حالة حرب أهلية باردة لا يضمن عدم تحولها الى حرب ساخنة في ظل تصاعد حدة الصراعات في المنطقة، ومحاولة رسم الكبار خرائط جديدة للمنطقة تخدم مشاريعهم ومصالحهم".

وشدد اللقاء على "ضرورة أن تلتزم جميع القيادات السياسية بدستور الطائف الذي أراده اللبنانيون جميعا قاعدة وعقدا اجتماعيا وعنوانا لطي صفحة الحرب وإعادة بناء الدولة، ومدخلا لالغاء الطائفية السياسية المسؤولة عن كثير من معاناة اللبنانيين على جميع الصعد وبناء دولة المواطنة والقانون والعدالة والحريات".

ولفت اللقاء الى أنه "يكفي ما حصل من ارتكابات في التعامل مع المسألة الاقتصادية والمالية، وما أدت اليه من تفاقم الأوضاع المعيشية ومن ارتفاع مخيف في نسبة البطالة تفوق في خطورتها المشكلات السياسية والأمنية والطائفية، وهي أوضاع لا يمكن معالجتها إلا ببناء اقتصاد متين، وهو ما لن يتم إلا بقرار سياسي حاسم في مواجهة الفساد والهدر والسرقة والرشاوى يدعمه نظاما ضريبيا واقتصاديا لا يحمل الطبقات الدنيا ما لا طاقة لها به، ويشجع القطاعات الانتاجية ويوظف موارد الدخل النفطي المنتظر في ارساء بنية تحتية اقتصادية وخدماتية قوية.

وأكد اللقاء ان لا "وقف للانحدار الذي يشهده على جميع المستويات الا بعد ان تحسم القيادات السياسية امرها في عدم تغطية اي ارتكابات، وان تبذل كل ما في وسعها لتدارك ما فات من قيامها بمسؤولياتها تجاه شعبها، وبأن تلتزم بما وعدت في اعتماد النزاهة والشفافية في ادارة موارد البلاد، واعادة تفعيل كل مؤسسات الدولة الرقابية والتمسك بقاعدة الحاجة والكفاءة في التوظيف، وتعزيز استقلالية السلطة القضائية وتطهيرها من كل شائبة، وايجاد حل سريع لقضية النازحين التي تزيد من تفاقم الاستنزاف السياسي والاقتصادي والمالي للبلد".

وختم: "اننا جميعا كمواطنين وجمعيات وهيئات ومؤسسات مدنية واهلية ودينية وشخصيات حوارية، مسؤولون عن القيام بدورنا الفاعل، واستخدام كلما نمتلكه من وسائل ومنابر ومواقع وحضور، لاستنهاض الوضع الشعبي تصويبا للمسار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والديني، ليكون للبنانيين دولتهم الكريمة التي يشعرون فيها بكرامتهم وحريتهم وتحقق كل حقوقهم وطموحاتهم".



















تعليقات: