الإمارات تمنع بعثة لبنان من مقابلة المعتقلين اللبنانيين

مصادر الخارجية: نتابع ملفّ المعتقلين، لكن نصطدم بعقلية النظام الإماراتي (أرشيف ــ بلال جاويش)
مصادر الخارجية: نتابع ملفّ المعتقلين، لكن نصطدم بعقلية النظام الإماراتي (أرشيف ــ بلال جاويش)


حظّ بعض اللبنانيين سيّئ إلى درجة أن يُعتقلوا في دولة لا تعترف بأي حق من حقوق الإنسان. أبرز مثال على ذلك 11 لبنانياً مُعتقلين في دولة الإمارات، بتُهمة التجسّس لمصلحة حزب الله. بعضهم يُعامَل بطريقة وحشية، وآخرون يُمارس الترهيب النفسي عليهم. السفارة اللبنانية تُمنع من مقابلتهم، وتفاصيل القضية لا يُكشف عنها. أما في لبنان، فلا تزال المتابعة تفتقر إلى الضغط السياسي اللازم

إذا نجحت الإمارات العربية المتحدة في «غشّ» بقية الأنظمة وشعوب العالم، «بالتطور» و«الانفتاح» والتسبب بجلبة نتيجة إنشاء «وزارة السعادة»، وغيرها من الأمور «الشكلية»، فذلك لا يعني أنّها أجرت تغييرات بنيوية على تركيبتها، وتحديداً في نظرتها إلى «الإنسان» وحقوقه. يكفي تناول قضية اللبنانيين المسجونين في الإمارات، كمثالٍ عن تعامل هذه الدولة «باحتقار» وتعسّف، مع مواطنين ينتمون إلى «بلد عربي شقيق»، علماً بأنّ أبو ظبي، لا «تستقوي» إلا على الدول التي ليس لديها نفوذ سياسي ــــ اقتصادي. ففي تشرين الثاني الماضي، أجبرَت بريطانيا (تسعى الإمارات، بحسب وزارة الاقتصاد، إلى رفع مستوى التبادل التجاري مع لندن إلى 32.7 مليار دولار سنوياً، بحلول عام 2020)، على إصدار عفو عن مواطنها ماثيو هيدجز، بعدما حُكم عليه بالسجن المؤبد بتهمة التجسّس. أما تجاه لبنان، فتتخذ الأمور منحى آخر.

الإمارات العربية المتّحدة، تسجن منذ عام 2015 مواطنين لبنانيين، وتمنع السفارة اللبنانية في أبو ظبي من زيارتهم. والقضية تنقسم إلى ملفّين. الملفّ الأول، يضم المحكومين الثلاثة: علي حسن المبدر، عبد الله هاني عبد الله وأحمد علي مكاوي، المُتهمين بـ«التعامل مع حزب الله»، وتسليم أعضاء تابعين له «أسرار الدولة» الخليجية. سُرّب في تشرين الأول الماضي («الأخبار»، عدد 15 تشرين الأول 2018)، تسجيل صوتي لأحمد مكاوي يُخبر فيه عن التعذيب الوحشي الذي تعرّض له، ويُطالب بالتحقيق بكلامه. حاولت السفارة اللبنانية لقاء المُعتقلين الثلاثة في «سجن الوثبة المركزي» ــــ أبو ظبي، من دون نتيجة. إدارة السجن، أبلغت البعثة اللبنانية بضرورة الحصول على تصريح للزيارة من الجهات المختصة، فجرت في كانون الأول مراسلة النيابة العامة الإماراتية، التي ردّت في بداية كانون الثاني 2019 برفض الطلب. حاولت السفارة مرّة ثانية، ليأتي الجواب الشفهي من النيابة العامة بأنّ الطلب يجب أن يوجّه إلى النيابة العامة الاتحادية، لأنّ القضية ترتبط «بأمن الدولة». نفذت السفارة اللبنانية المطلوب منها قانونياً، فراسلت النيابة العامة الاتحادية ووزارة الخارجية الإماراتية. إلا أنّ لبنان ينتظر منذ منتصف كانون الثاني جواباً عن مراسلاته الدبلوماسية! المؤسف، أن يكون طوال هذه المدّة، السفير الإماراتي حمد الشامسي (الآتي من خلفية استخبارية)، يسرح على راحته في البلد، ويتوجه برفقة محافظ الشمال وبعض «أصدقائه» الإعلاميين، إلى سجن القبّة في طرابلس، ليدفع غرامات مُتأخرة عن نحو 20 سجيناً، ويُصوّر الأمر بطريقة مُذلة للدولة ولكرامة المسجونين وعائلاتهم.

أما الملف الثاني، فيتعلق باللبنانيين الثمانية المُحتجزين في الإمارات (منذ شباط 2018). يُعاني هؤلاء من الرقابة التي تفرضها السلطات في أبو ظبي على ملف القضية، التي اتخذت «طابعاً سرياً». سنة كاملة من الاعتقال، ولم تتمكن الدولة اللبنانية، بشقيها الدبلوماسي والأمني، من الاطلاع على معلومات القضية. اقتصر الأمر على الفتات الذي أفرجت عنه أبو ظبي، بأنّ الاعتقال أتى على «خلفية أمنية». حتى إنّ محامي الدفاع عن اللبنانيين، مُنعوا من تكوين ملف كاملٍ عن موكليهم، وقد أُجبر المعتقلون على التوقيع على أوراق من دون معرفة مضمون ما كتب فيها، وقيل لهم إنّها لـ«إخلاء سبيل». المُفارقة، أنّهم لا يزالون بعد سنة في السجن! في 27 شباط الماضي، عُقدت الجلسة الثانية لمُحاكمة اللبنانيين الثمانية، الذين تبيّن أنّهم متهمون بتشكيل «خلية تابعة لحزب الله». وكان من المفترض أن تُعقد في 13 الشهر الجاري، الجلسة الثالثة المُخصّصة للدفاع، لكنّها تأجلّت بعدما «انسحب» أحد المحامين من القضية. وبحسب المعلومات، طلب أحد المعتقلين من النائب العام الإماراتي أن يكون السفير اللبناني فؤاد دندن حاضراً في الجلسة. فردّ النائب العام: «البعثة لا تسأل عنكم، ولا أحد يُتابع قضيتكم». فما كان من أهالي المعتقلين في لبنان، إلا أن أخبروا وزارة الخارجية والمغتربين بالتطورات، طالبين موعداً من الوزير جبران باسيل. أما من كان موجوداً من الأهالي في أبو ظبي، فقد زار السفارة اللبنانية، واُخبر أنّه «لا يُمكن القيام بشيء، بسبب عدم وجود اتفاقية قضائية بين لبنان والإمارات». وقد وُعد الأهالي في السفارة بالتواصل مع «الخارجية» في لبنان من أجل تنسيق حضور جلسات المحاكمة، «ونُصحوا باللجوء إلى منظمات حقوق الإنسان، لأنها الوحيدة التي يُمكنها أن تتدخل، بسبب حياديتها». عائلات المعتقلين الثمانية، بدأت بالفعل التواصل مع «منظمة مراقبة حقوق الإنسان»، ومنظمة «العفو الدولية»، في محاولةٍ للضغط لإنقاذ أبنائهم.

بدأت عائلات المعتقلين بالتواصل مع منظمة مراقبة حقوق الإنسان ومنظمة العفو الدولية

من جهتها، تنفي مصادر وزارة الخارجية الكلام الذي نُسب إلى النائب العام الإماراتي بأنّ الدبلوماسية اللبنانية لا تُتابع الملف، «السفير يطلب لقاء المعتقلين، من دون أن يُلبّى طلبه». حتى إنّه، «لا يوجد تفاصيل حول القضية». وتؤكّد المصادر أنّ الملف يحظى باهتمام الوزارة بكلّ أركانها، «لا يوجد تقصير أو إعطاء أولوية لقضية على حساب أخرى. ولكن، نصل إلى مرحلة، نصطدم بعقلية النظام القائم». فبالنسبة إلى مصادر «الخارجية»، لكلّ دولة خصوصيتها، «وهناك فرق بين أن تُطالب فرنسا أو سويسرا بقضية ما، وبين أن تُطالب دولة أقل ديموقراطية». أمام فشل الوسائل الدبلوماسية، ألا ينبغي تحويل الملف إلى قضية سياسية مع الإمارات، ورفعه إلى مصاف المسائل الوطنية التي تستحق المُطالبة بها من أرفع المسؤولين في الجمهورية؟ توافق مصادر وزارة الخارجية على ذلك، «سابقاً حاول المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم متابعة الملف، كما تناوله الوزير جبران باسيل، ومن واجبات الجميع في الدولة التكلّم به. فهذه مسؤولية الكلّ».

تعليقات: