صناعة الكراسي الخشبية تنمو بسبب غلاء البدائل

«تقشيش» الكراسي«تقشيش» الكراسي - كامل جابر
«تقشيش» الكراسي«تقشيش» الكراسي - كامل جابر


عاد العزّ إلى الكراسي الخشبية بعد مضيّ سنوات على نسيانها، يعود الناس إليها بسبب الغلاء. فاليوم، لم تعد لدى هؤلاء القدرة على شراء الكراسي المعدنيّة والبلاستيكيّة، الأمر الذي جعل ورش الكراسي الخشبيّة تعاود نشاطها وتسترجع مجدها في عدد من المدن، وخصوصاً مدينة صيدا.

أكثر من ثلاث ورش لصناعة الكراسي الخشبيّة في صيدا لا تكاد تتوقف عن الإنتاج هذه الأيّام، وسبب هذه العودة المفاجئة مردّه إلى غلاء البلاستيك والحديد من جهة، وإلى النوعيّة الرديئة للبلاستيك، وخصوصاً أنّ الكراسي البلاستيكيّة لا تعمّر كثيراً كما الخشبيّة. وفي هذا الإطار، يشير وفيق كوسا، الذي يعمل في محترف متواضع على الأوتوستراد البحري قبالة قلعة صيدا البحرية إلى «أنّ الكرسي الخشبيّ قد يعمّر أكثر من مئة عام، لأنّه يمكن ترميمه بسهولة في أيّ لحظة».

وبعيداً عن صيدا، التي لم يعد أهاليها يهتمّون بالتراث الذي ورثوه عن أجدادهم، مؤثرين «الصوفا لأنّها تُستعمل للجلوس والنوم»، يزداد الطلب على الكراسي الخشبية نحو شرق بيروت ومنطقة المتن بشكل لافت. لكن، رغم الطلب المتزايد على هذه الكراسي، فقد باتت الورش مضغوطة، إذ إنّ العاملين في صناعتها باتوا قلائل، بسبب تراجعها في الربع الأخير من القرن الماضي، وعدم إقبال الفتية أو ورثة الحرفة على تعلّمها وإتقان صنعها. لذا من يعمل اليوم في ورش صيدا هم بعض ورثتها الذين تخطوا سنّ الأربعين. ومن حافظ على مهنته، يوضح أنّ المهنة ليست سهلة، فكوسا يحتاج إلى ثلاثة أيام متتالية لتجميع القش للكرسي، «وخصوصاً أنّ العمل يدوي 100% ولا تدخل الآلات بها». أمّا بالنسبة إلى سعر الكرسي، فيقول كوسا «إنّه يبلغ 7 آلاف ليرة، يعني أن أجرتنا اليومية تراوح بين 15 ألف و20 ألف ليرة لبنانية». وعن سعر الكراسي في السوق، فهو يراوح بين 6 آلاف ليرة و150 ألف ليرة، والسعر الأخير هو للكرسي الضخم «المقشّش». ويشتري الحرفيّون القش من محلة الدورة في بيروت، إلّا أنّهم يشكون من غلاء هذه المادة، إذ «صارت البالة البالغ وزنها 60 كيلوغراماً بـ180 دولاراً بعدما كانت بنحو 160 دولاراً، وهي مرشّحة للارتفاع أكثر». أمّا خشب الكرسي، فيشترونه قطعاً كبيرة من محالّ النجارة، ويقومون بتفصيله حسب الحاجة، وهو عادةً من شجرتَي السرو والحور.

تتوزّع أنواع الكراسي المصنّعة من الخشب والقشّ بين «كنبة وكرسي السفرة وكرسيّ الاستخدام الخارجي أو الداخلي». ويستعين الحرفيّون في بعض الأوقات بـ«النايلون» الملّون، بدلاً من القشّ، ويعود هذا الأمر إلى مزاجية المشتري الذي يقرّر قبل التصنيع ماهية «الطلبيّة».

لكن تبقى الأولويّة للقشّ، فقد كان المادّة الأولى في صناعاتهم، واستخدم الصيداويّون سابقاً قشاً فرنسياً، ثم آخر مستورداً من سنغافورة، بسبب غلاء الأول في صناعة كراسي الخيزران. واستخدموا أيضاً في الصناعة بعض النقوش مثل «عين الشمس» و«الطاووس». وتترافق مع صناعة الكراسي، صناعة باتت هي الأخرى نادرة، وهي حرفة «التقشيش»، فأصحاب هذه المهنة يعملون فقط في تقشيش الجديد أو في ترميم القديم. وثمّة أنواع أخرى غير النايلون والقش، إذ في بعض بيوت صيدا كراسٍ خشبية من قصب عريض كان يُطلق عليه سابقاً اسم «رابعات»، وعنه يقول كوسا: «هو عريض قدر إصبع، ينبت قرب المستنقعات أو قرب الساحل اللبناني، يُقطف ويوزّع كسبل السيكار، شغله أصعب ويحتاج إلى روح طويلة، إذ لا يتجاوز طول سبلته المتر الواحد، وهو يحتاج إلى وصل مستمر».

عاد الطلب على الكراسي الخشبية «الشعبية في صيدا، إنما لم يُعِد ذلك إحياء بعض المحترفات والدكاكين التي أقفلت سابقاً بسبب تراجع الإقبال عليها»، لكن من بقي يأمل أن تعود «الحياة» إلى صناعة الكراسي، أقلّه لتستعيد مقاهي صيدا تألّقها، بعدما احتلّت الكراسي البلاستيكيّة معظمها.

تعليقات: