تشوّه خلقي وأبٌ قاسٍ.. ملاك انتصرت

ملاك خلال اللقاء معها. تصوير آية سلامي
ملاك خلال اللقاء معها. تصوير آية سلامي


استخدمت اسماً مستعاراً. وأخفت وجهها. لديها قصة تخبرنا إياها. قصة-رسالة يجب أن يقرأها الجميع.

ملاك ابنة العشرين سنة، ولدت بتشوه خلقي في وجهها، فلم تتقبلها عائلتها في البداية. عائلتها لاتريد "بنتاً"، فكيف ستتقبل فتاة وهي بتشوه خلقي؟! عانت ملاك كثيراً من هذا الأمر، تتذكر أقسى المواقف مع ابتسامة تخفي الكثير من الدموع، قائلة: "أخدوني مشان يعملولي بطاقة إعاقة، فكروني معاقة، بس الموظف طردون وقلن ما فيها شي البنت". كيف يمكن لأهل أن يصدروا بطاقة لذوي الإحتياجات الخاصة لابنتهم، وهي لا تعاني من اية مشكلة في قدراتها الجسدية أو الذهنية؟ هل فكروا ولو قليلاً إلى أي مدى هذا الموقف سيؤثر على ابنتهم عند تذكرها له؟

ملاك خلال اللقاء معها. تصوير آية سلامي.

تكمل ملاك رواية ذكرياتها المؤلمة، التي أضعفت من شخصيتها ومن قدرتها على مواجهة المجتمع. تذكرت ملاك اليوم الذي أرادت فيه والدتها مرافقتها إلى حفلة شقيقتها الصغرى في المدرسة، عندها فرحت كثيراً، ولكن الفرحة لم تكتمل لأن والدها رفض ذهابها، قائلة:"يمكن بيخجل فيني". هذه الذكريات أثرت بملاك لدرجة جعلتها تكره الخروج إلى الأماكن العامة، فدائماً يراودها شعور أن الناس تنظر إليها وتتكلم عنها. كيف لا، وأقرب الناس إليها يخجل من شكلها بشكل علني ويواجهها بالرفض بدل أن يساعدها في بناء شخصية قوية لمواجهة المجتمع.

ذات يوم سردت والدة ملاك لها لحظة توقف قلبها لمدة دقيقة عندما كان عمرها أربعة أشهر داخل غرفة العمليات، عندها تمنت ملاك لو أنها ماتت في تلك الدقيقة. أن يتمنى شخص الموت، فحينها تدرك كم تعرض للوجع والألم في حياته ولم يعد يقوى على العيش. وأضافت أن معاناتها مع أهلها وبخاصة والدها، جعلتها تعيش "جسماً بلا روح".

يعتبر العنف اللفظي من أسوء أنواع العنف، فكيف إذا كان من أب لابنته؟ واجهت ملاك العنف اللفظي من قبل والدها، فكان يوجه لها عدداً من الكلمات التي كانت تسمعها في كل مرة ملتزمة الصمت، وكانت تحفر في ذاكرتها وتغرز في قلبها الكثير من الأسى. من تلك الكلمات التي ذكرتها ملاك، مؤكدةً أن والدها يتلفظ بها بجدية :"هبلة، مسطولة، إنتِ نص بني آدم...". نعم، هنالك والد ينعت ابنته بقوله :"نص بني آدم"، هل تتخيّلون ما كان شعور انسان يعد من أعظم خلق الله -ملاك- لدى سماعها الكلام المسيء؟

خلال لقائي ملاك، بقيت حابسة دموعها عبر زرع بسمة على شفتيها وشبك يديها، ولكن ما إن إنتهت المقابلة حتى إنهمرت تلك الدموع على وجنتيها. ادعت بأنها نسيت كلمات والدها القاسية، ولكن إتضح أنها لم تنسَ بل تتناسى.

ملاك خلال اللقاء معها. تصوير آية سلامي.

اطلعت المرشدة الإجتماعية فاطمة سلامي على حالة ملاك، وفي رأيها أن والديها لم يتقبلا فكرة ولادة طفل مشوه في العائلة، لأن ذلك يؤثر على "الأنا" لديهما، ما ينعكس مشاكل كثيرة لدى الطفل. وتابعت أن مشكلتين تكمنا في هذه الحالة: :التشوه الخلقي والعنف اللفظي، وبالتالي ستعاني ملاك من فقدان الثقة بالنفس والعزلة والخجل ما يؤثر على الذكاء الإجتماعي وأيضاً تحصيلها الدراسي". وأضافت أن "الطفل صاحب التشوه الخلقي يحتاج عناية ورعاية نفسية خاصة لتلبية حاجة تقدير الذات وزيادة الثقة بالنفس".

من جهة ثانية، تحدثت سلامي عن تأثيرات العنف اللفظي على الطفل بشكل عام، ومنها: "الشعور بالنقص، تدني الثقة بالنفس، الإنعزالية، اضطراب القلق، أعراض الإكتئاب...". وفي عمر المراهقة "يعكس الطفل العنف الممارس عليه في الصغر على أهله بطريقة سلبية من خلال الإنتقام والتمرد والمعارضة".

تقول ملاك بألم:" البنت مين بقويها غير أهلها". باختصار، إذا لم يقف الأهل الى جانب أولادهم وساندوهم، فكيف سيبنون شخصية قوية يواجهون فيها الحياة.

هل يكفي اعتذار والد ملاك عما سببه لها ليمحي الآثار النفسية من داخلها الموجوع؟ هل الوالد أصلاً يملك نية الاعتذار؟ هل يدرك ما سببه لملاك من أذى؟ فكرت كثيراً في طرح هذه الأسئلة عل الوالد. لكن ما ردعني حتى اللحظة هو خوفي على ملاك وما يمكن أن تتعرض له من أذى اضافي. أذى بذلت مجهوداً لتجاوز بعض رواسبه... وما زالت تبذل.

انتسبت ملاك الى صف يستخدم أسلوب العلاج بالدراما للبوح عما في الداخل. البوح ساعدها كثيراً. وهي اليوم من خلال لقائي معها، تجد فيه وسيلة لتوجيه رسالة الى الاباء لادراك مدى الاذى الناتج عن #العنف_اللفظي، والى الأولاد بألا يبقوا أسيري هذا العنف.



تعليقات: