وعود مزيفة بعدم فرض ضرائب

الضرائب والرسوم تأخذ حيّزا مهماً في سياق إنجاح عملية خفض الإنفاق وزيادة الإيرادات (ريشار سمور)
الضرائب والرسوم تأخذ حيّزا مهماً في سياق إنجاح عملية خفض الإنفاق وزيادة الإيرادات (ريشار سمور)


وضعت وزارة المال لمساتها الأخيرة على مشروع قانون موازنة العام 2019، بانتظار تحديد مجلس الوزراء مواعيد جلسات مناقشة الموازنة ودراستها. مشروع موازنة 2019 مدروس بالكامل و"مُفَصفص" بالنقطة والفاصلة، حسب تأكيد وزير المال علي حسن خليل، وهو بالتأكيد خال من أي رسم أو ضريبة على الفئات الشعبية.

ومن المرجّح أن تصل الموازنة إلى مجلس النواب قبل نهاية آذار المقبل، على أن تحال فوراً إلى لجنة المال والموازنة النيابية، لتتم مناقشتها، تمهيداً لإقرارها في مجلس النواب، قبل نهاية العقد العادي الأول في شهر أيار المقبل.

تأكيد خليل خلو موازنة 2019 من أي رسم أو ضريبة على الفئات الشعبية، يلتقي مع تأكيد الغالبية الساحقة من النواب، الذين عبّروا عن "تعاطفهم" مع الفئات الشعبية المتوسطة والفقيرة، مطلقين الوعود بالتصدي لأي ضرائب جديدة عام 2019. ما يعني، أن الحديث عن رفع إيرادات الموازنة يجب أن يتم من أبواب الإصلاحات الموعودة، أولها سد مزارب الهدر والفساد، وضبط عجز قطاع الكهرباء. ولكن هل فعلاً ستنجح الحكومة بسلوك طريق الإصلاح الفعلي، وعدم الاستسهال بزيادة الإيرادات عبر فرض ضرائب جديدة؟ لا جواب دقيقاً اليوم، يقول مصدر نيابي، ولكن الأيام المقبلة ستثبث عدم صدقية الوعود لأكثر من سبب. كما أن هناك العديد من المؤشرات، التي تؤكد التواطؤ الضمني بين الفرقاء السياسيين على فرض ضرائب ورسوم جديدة لاحقاً، في إطار تطبيق الإصلاحات المنشودة.

تطمينات ولكن!

تطمينات كثيرة صدرت عن مسؤولين، لعل أبرزها إطلاق رئيس مجلس الوزراء، سعد الحريري، وعدًا بعدم التعرض للموضوع الضريبي، وعدم فرض ضرائب جديدة، لا على المؤسسات ولا على المواطنين، في مقابل العمل على إعادة النهوض بالاقتصاد، وبصورة خاصة عن طريق برنامج "سيدر"، الذي يتضمن متطلبات عديدة تساعد على النهوض. وهنا بيت القصيد.

المتطلبات الكفيلة بإعادة النهوض، والحديث عن زيادة الإيرادات، هي أبرز ما لفت نظر النائب زياد حواط، الذي عبّر عن مخاوف من نوايا مضمرة لدى الحكومة، بزيادة الإيرادات عبر فرض ضرائب ورسوم جديدة. وبالنظر الى تفاصيل متطلبات "سيدر" وشروطه التي تتعامل معها الحكومة على أنها "منزّلة"، فإن زيادة الضرائب والرسوم تأخذ حيّزا مهماً في سياق إنجاح عملية حفض الإنفاق وزيادة الإيرادات.

والحال أن التناقض بين وعود المسؤولين من جهة، والتسليم بشروط "سيدر" من جهة أخرى، يجعل من تلك الوعود مجرّد خطابات شعبوية غير واقعية، لاسيما أن مجموعة الدعم الدولية تفرض على الحكومة اللبنانية الالتزام بتحقيق هدف ضبط عجز المالية العامة، بنسبة خمسة في المئة، بمهلة خمس السنوات، من خلال "مزيج المداخيل بما فيها الضرائب وخفض الإنفاق، لاسيما في قطاع الكهرباء، الذي من شأنه أن يؤمن وفراً مهما". وفي ذلك، إشارة واضحة إلى مزيد من الضرائب التي ستُفرض على اللبنانيين.

الشروط نفسها، شدد عليها أكثر من مرة مسؤولون في البنك الدولي، عبر ربط إصلاح قطاع الكهرباء برفع سعر التعرفة، بما يكفل خفض الدين العام، المرتبط بجزء كبير منه بديون الكهرباء، وربط زيادة الإيرادات بتحسين التحصيل الضريبي، وفرض إجراءات ضريبية جديدة، منها زيادة الضريبة على القيمة المضافة، والضرائب على المحروقات.

الضرائب والموازنة

زيف وعود المسؤولين حيال فرض ضرائب جديدة عام 2019، لا ينفي حقيقة عدم إدخال أي ضرائب أو رسوم في موازنة 2019، فما أعلنه خليل عن خلو الموازنة من الضرائب والرسوم هو كلام دقيق. لكنه لا يعني أن الحكومة بعيدة عن فرض رسوم إضافية في وقت لاحق. وهنا تختلف الآراء والهواجس. إذ يرى العديد من خبراء الاقتصاد، ومن بينهم الخبير الإقتصادي غازي وزني، بأن الحكومة يمكنها رفع مستوى الإيرادات بشكل كبير، من دون فرض أي رسوم أو ضرائب جديدة، فيما لو نفّذت البنود الإصلاحية المتمثلة بخفض عجز الكهرباء، والتشدد في الجباية الضريبية، وتطبيق القوانين المتعلقة بالأملاك البحرية، التي من المتوقع أن تدر على الخزينة ما لا يقل عن 500 مليار ليرة. وبرأي وزني، بات ملحاً تجميد عملية التوظيف، وتعليق الزيادات التلقائية السنوية للرواتب. والأهم، إجراء تفاهم بين الحكومة والقطاع المصرفي ومصرف لبنان، يتيح للمصارف الاكتتاب بفوائد متدنية تقارب الصفر على غرار ما حصل عقب مؤتمر باريس 2.

في المقابل لا يخفي البعض مخاوف من تمرير الحكومة لموازنة 2019، من دون أي ضرائب أو رسوم، لتعيد فرضها لاحقاً بحثاً.. عن الموارد. وقد عبّر النائب سامي الجميل عن شكوكه في جدية الحكومة تنفيذ إصلاحات وسد منافذ الهدر، لاسيما أن جلستها الأولى أسفرت عن إقرار 25 بند سفر، غالبيتها تمت في وقت سابق، من دون إذن الحكومة! كما تم إقرار قروض جديدة غير مرتبطة بـ"سيدر"، وترجّح مصادر حزب الكتائب لجوء الحكومة إلى رفع بعض الضرائب والرسوم، لزيادة الإيرادات تماشياً مع متطلبات سيدر.

تعليقات: