إسرائيل والقوات تحرّضان على الحكومة


نتنياهو يحذر العالم: حزب الله انضم إلى الحكومة اللبنانية:

لم تخرج التعليقات الإسرائيلية على تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، كثيراً عن التوقعات، على رغم زيادة جرعات التحريض المتبعة ضد الساحة اللبنانية، وتحديداً ما يرتبط بوزارة الصحة، و«التحذير» من أن يُحدث حزب الله فرقاً مؤثراً فيها.

بما يرتبط بتل أبيب، إعلان لبنان الانتهاء من تشكيل الحكومة، هو عملياً فقدان فرصة عدت عنصراً من عناصر إشغال حزب الله عنها نسبياً، ودفعه للتركيز أكثر على الداخل اللبناني، وإن ثبت أن هذا الرهان غير مجد في سياق المواجهة بأشكالها غير العسكرية بين الجانبين في فترة التشكيل الطويلة، التي كانت مشبعة بالتطورات و«شبه الاحتكاك»، بعد أن أوحت إسرائيل أنها كانت متوثبة لتغيير قواعد الاشتباك في الساحة اللبنانية.

بالطبع تشكيل الحكومة ولو بعد مخاض، يُفقد إسرائيل تعقيدات و«لايقين» كان يشهدها لبنان، ومن شأنها زيادة مستوى الاشتباك الداخلي، وهو الوضع الذي كانت تراهن على استمراره أطول مدة ممكنة، للتضييق أكثر على حزب الله. خسارة تفسر مسارعة رأس الهرم السياسي في تل أبيب، أي رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو، للتحذير من إشراك حزب الله في الحكومة، بوصفها حقيقة ما تسميه تل أبيب، «سيطرة إيران على لبنان».

تدرك تل أبيب أن التحذير من إشراك حزب الله في الحكومة لن يعني بعد أن تشكلت، إمكان العودة إلى الوراء. هذا التحذير يتعلق باليوم الذي يلي التشكيل، وهذه المرة مع محاولة إيجاد عائق أمام اختبار من نوع جديد يُقدِم عليه حزب الله، عبْر توليه حقيبة الصحة، وإمكان تحقيق إنجازات فيها، الأمر الذي يستتبع تعزيزاً لمكانته في لبنان، فيما النقيض من ذلك هو المطلوب إسرائيلياً، في فترة ما بعد التشكيل.

على هذه الخلفية، تعمَد إسرائيل إلى التحذير مما تسميه السيطرة الإيرانية على لبنان في أعقاب تولي حزب الله وزارة الصحة، كرد فعل استباقي من قبلها على إمكان إنجاز أهداف في التخفيف من معاناة اللبنانيين في قطاعي الاستشفاء والدواء.

ولتحقيق ذلك، تلجأ إسرائيل إلى التناغم مع نفسها أولاً، والولايات المتحدة ثانياً، وثالثاً مع الذين «تتقاطع» معهم في المصالح ضد حزب الله في الساحة اللبنانية، وعبر التغذية المتبادلة في ما بينها وبينهم، في تسويق فذلكات التحذير على اختلافها، وإحداها التنبيه من سيطرة إيران على لبنان وتوصيف الحكومة بحكومة حزب الله وغيرها.

على هذه الخلفية، وفي سياق هذه الأهداف، جاءت تعليقات إسرائيل، ومن بينها ما صدر أمس عن رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو، في تعليق لافت جداً في مضمونه ومستوى تحريضه، وكأنها المرة الأولى التي ينضم فيها حزب الله إلى الحكومة في لبنان، الأمر الذي يؤكد أكثر من السابق هدف التحريض ومساعي استدراج الضغوط الخارجية للتضييق على لبنان بوصف حكومته أداة في أيدي إيران!

يشنّ العدو هجمة «استباقية» على إمكان تحقيق حزب الله نجاحاً في وزارة الصحة

كلام نتنياهو ورد أمام وفد من أربعين سفيراً أجنبياً معتمدين لدى الأمم المتحدة، وصلوا إلى تل أبيب بدعوة من حكومته لمعاينة «تهديد حزب الله» ميدانياً. قال رئيس حكومة العدو: «يطرأ تغيير كبير في الشرق الأوسط وهو عبارة عن صعود الثيوقراطية العدوانية في إيران التي تسعى إلى احتلال الشرق الأوسط وإلى تدمير إسرائيل وإلى الاستحواذ على أجزاء كبيرة أخرى من العالم. إيران تمتلك عدداً كبيراً من الوكلاء وأحدهم هو حزب الله الذي انضم الآن إلى الحكومة اللبنانية. هذا هو فعلاً توصيف خاطئ، فحزب الله هو من يسيطر بالفعل على الحكومة اللبنانية ومغزى ذلك هو بأن إيران تسيطر على الحكومة اللبنانية. (...) نحن ندافع ليس عن إسرائيل فحسب بل عن الدول المجاورة لنا وعن سلامة العالم أجمع أيضاً».

وفي السياق نفسه، قال مصدر أمني إسرائيلي رفيع المستوى في حديث لصحيفة يديعوت أحرونوت إن «كل ما يهم إسرائيل هو حزب الله وقيادته، وعلى هذه الخلفية لا يهمنا حكومة لبنان، لكننا نشخص الانتقادات من قبل اللبنانيين تجاه سياسييهم نتيجة تأخير التشكيل، وكذلك نشخص في الموازاة بصمات إيران أيضاً في عملية تشكيل هذه الحكومة، والصعوبات التي وضعت في طهران عن قصد، من أجل تأجيل الحياة السياسية في لبنان، قدر الإمكان».

وفي تقرير آخر ليديعوت (وإن كان سخيفاً في مضمونه، لكنه يظهر إرادة التحريض على حزب الله بأي ثمن، وتحديداً ما يتعلق بتوليه وزارة الصحة التي تثير قلق تل أبيب من إمكان نجاحه فيها)، حذرت الصحيفة من فرضية توزيع أموال الوزارة على أعضاء حزب الله، ومن تولي عناصره الوظائف فيها، الأمر الذي يمكنهم من استخدام واستغلال الوزارة ومواردها وخدماتها من دون علم الوزير، كي لا يثيروا سخط الولايات المتحدة!

على ذلك، بات بالإمكان التأكيد، أنه كلما رفع صوت التحذير والفبركات عالياً من قبل الثلاثي المذكور: إسرائيل وأميركا وشركائهما، كلما عنى ذلك ارتفاع مستوى القلق لدى هذا الثلاثي من إمكان نجاح مهمة حزب الله المعلنة في الحكومة اللبنانية. معادلة ستهيمن على مقاربة إسرائيل العدائية وشركائها تجاه حزب الله في مقبل الأيام، ما يعني توقع المزيد من الفبركات ورفع الصوت بالتحذيرات.


القوات تحرّض الأميركيين على الحكومة: خاضعة لإملاءات محور حزب الله ــ عون ــ باسيل:

بالتماهي مع المواقف الاسرائيلية والأميركية الأخيرة من حزب الله، منذ زيارة وكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية ديفيد هيل إلى لبنان، منتصف الشهر الماضي، ثم وزير الخزانة لشؤون مكافحة تمويل الإرهاب مارشال بيلينغسلي الأسبوع الماضي، بدأت القوات اللبنانية حفلة تحريض علنية، في العاصمة الأميركية، ضد حكومة «محور حزب الله - ميشال عون - جبران باسيل».

«المركز اللبناني للمعلومات» في واشنطن، وهو أحد أذرع الفريق الأمني القواتي الذي توزّع بين الولايات المتحدة واستراليا بعد حل حزب القوات عام 1994، وصف في بيان نشره في 31 الشهر الماضي الحكومة الجديدة بأنها «أبعد ما تكون عن حكومة وحدة وطنية. (وهي) تخضع بشكل مقلق لإملاءات تحالف مزعزع للاستقرار، يتألف من محور حزب الله والرئيس ميشال عون وصهره وزير الخارجية جبران باسيل». وحث واشنطن على العمل مع «الرئيس سعد الحريري والقوات اللبنانية، الحليفين الوحيدين الموثوقين للولايات المتحدة في لبنان، لمنع سيطرة هذا المحور وداعميه الاقليميين، ايران وسوريا، على لبنان».

المركز الذي يرأسه «رئيس مقاطعة أميركا الشمالية في القوات اللبنانية» جوزف الجبيلي، تربطه علاقات وثيقة بعدد كبير من أعضاء الكونغرس الأميركي ومسؤولي وزارة الخارجية الأميركية. وهو يشير بوضوح على موقعه الالكتروني الى انه «مصدر موثوق للمؤسسات الاعلامية والسياسية الأميركية» في ما يتعلق بالشأن اللبناني، ويعمل ضمن «المجلس الاستشاري لمكتب مدير الامن القومي». ويشغل «مدير الأمن القومي» المنصب الاستخباري الأعلى في الولايات المتحدة، إذ يرأس المجلس الذي يضم رؤساء 16 جهاز استخبارات اميركي ويتولى التنسيق في ما بينها. وجرى إنشاء هذا المنصب كأحد «الإصلاحات» التي أقرّت بعد 11 أيلول. كما تربط المركز القواتي علاقات وثيقة بعتاة المحافظين الجدد، وأبرزهم جون بولتون «الشجاع في وجه قوى الشر بمن فيهم الارهابيون الايرانيون» على ما وصفه في بيان، عقب تعيينه مستشاراً للأمن القومي الأميركي في نيسان الماضي.

البيان الذي أصدره المركز في 31 الشهر الماضي، فور إعلان تشكيل الحكومة، أشار الى أن «محور حزب الله - عون - باسيل» قد «ناور على مدى تسعة اشهر للوصول الى حكومة يكون فيها لرئيس الجمهورية وتكتله النيابي حق الفيتو بالحصول على ثلث مقاعد الحكومة، وسعى الى احتكار تمثيل المسيحيين في الحكومة عبر تهميش حزب القوات اللبنانية، وليفرض على رئيس الحكومة الذي وقف ضد حزب الله إعطاء حلفاء الحزب وزيراً من حصة السنة في الحكومة. وللأسف نجح هذا الثلاثي في الأهداف الثلاثة». ولفت الى أن «حزب الله حصل على حقائب وزارية مهمة من بينها وزارة الصحة العامة التي تمتلك اكبر موازنات القطاع العام وتحصل على مساعدات من الحكومة الأميركية ومنظمات دولية. وتعزّز تأثيره على وزارة الدفاع عبر تعيين الياس أبي صعب المعروف بتعاطفه مع الحزب على رأس هذه الوزارة». كما ان للحزب «وزيرين تابعين له ضمن الـ 11 وزيراً الذين يزعم جبران باسيل انهم حصة تكتله في الحكومة».

«حزب الله نال حقائب مهمة بينها وزارة الصحة وتعزّز تأثيره في وزارة الدفاع»

ولفت الى أن الحكومة الجديدة «تأتي في توقيت مقلق، مع تراخي القبضة الأمنية الداخلية والخارجية. فالجيش اللبناني طُرد من منطقة بعلبك (؟) معقل حزب الله. كما أن الجنود اللبنانيين والدوليين التابعين لليونيفيل يقفون متفرجين، فيما يواصل الحزب توسيع حضوره العسكري على طول الحدود الجنوبية مع اسرائيل. وقد قامت هذه الميليشيا بحفر أنفاق عبر هذه الحدود في خرق للقرار الدولي 1701، ما يثير مخاوف من نزاع جديد ومدمر بين البلدين».

بيان «جماعة القوات» في أميركا لفت الى «تحديات كثيرة» أمام الحكومة، «أولها الاتفاق على البيان الوزاري الذي سيصر حزب الله والمقربون منه على ان يتضمن معادلة الجيش والشعب والمقاومة، التي تعني منح الدولة اللبنانية تغطيتها لأنشطته. ومع توسع قوة الحزب في لبنان، سيكون تضمين هذه العبارة في البيان الوزاري أكثر خطورة من أي وقت». و«للحفاظ على العلاقات الوثيقة بين لبنان والولايات المتحدة، بما يحفظ مصالح البلدين»، دعا المجلس الحكومة الأميركية الى الزام الحكومة الجديدة، «وأقوى الشخصيات تأثيراً فيها، وتحديداً عون وباسيل»، الى «الالتزام بسيادة لبنان عبر احترام القرارات الدولية الصادرة عن الامم المتحدة، ونزع أسلحة الميليشيات، والتوقف عن تعزيز قوة حزب الله بمنحه غطاء حكومياً، ومقاومة الضغوط التي يمارسها الحزب في التعيينات في المراكز العسكرية والأمنية». كما حثها الى العمل بشكل أوثق «مع معارضي محور حزب الله - عون - باسيل، وتحديداً مع الحريري والقوات اللبنانية (...) وألا يوفروا أي جهد لمنع سيطرة هذا المحور وداعميه الاقليميين». وفي الوقت نفسه، «على الولايات المتحدة العمل على فرض سيادة لبنان عبر انسحاب اسرائيلي من قرية الغجر، ومساعدته في مفاوضاته على الحدود البرية والبحرية مع اسرائيل لكي تعطي للبنان حقوقه».




إسرائيل والقوات تحرّضان على الحكومة
إسرائيل والقوات تحرّضان على الحكومة


تعليقات: