عصابات لبنانية في ألمانيا


تصدرت الصحف الألمانية خلال الفترة الماضية “مانشيتات” عريضة عن بدء محاكمة أفراد من إحدى عصابات أفراد من عائلة عربية (رمو). وتتهم النيابة العامة الموقوفين بسرقة قطعة نقدية من أحد متاحف برلين تحمل صورة لوجه الملكة اليزابيث الثانية صدرت في كندا عام 2007، يبلغ قطرها 53 سنتيمتراً، ويقترب وزنها من 100 كيلوغرام، وتصل قيمتها إلى 4 ملايين يورو يعتقد أنها أذيبت وهرِّبت إلى خارج الدولة.

اعترف المتهمون الثلاثة أمام المحكمة وسط ذهول المجتمع الألماني من قدرة هذه العصابة على اختراق تحصينات متحف حكومي، وسرقة القطعة النقدية الذهبية من “فيترينة” من الزجاج المقاوم للرصاص، وهم وسام واحمد ووجيه رمو، بارتكاب الجريمة بتنسيق مع أحد الحراس الذي ساعدهم على تخطي أنظمة الإنذار.

أثارت المحاكمة مجدداً موضوع الجرائم التي ترتكبها عصابات عربية تطاردها السلطات الأمنية منذ سنوات، وتقوم بعمليات السطو على المصارف والقتل والابتزاز والاتجار بالمخدرات والبشر وإدارة شبكات الدعارة. وكانت صدرت عام 2017 قرارات قضائية بمصادرة 77 شقة ومسكناً ومحلات تجارية وعقارات مختلفة تقدر قيمتها بعشرة ملايين يورو تعود ملكيتها إلى عائلة (رمو) بعد ادانتها بغسيل الاموال. عام 2014 قامت إحدى هذه العصابات في وضح النهار بسرقة مجوهرات وساعات باهظة الثمن من محل ضخم في برلين بلغت قيمتها أكثر من 800 ألف يورو.


عصابة الدم: المافيا والشرف

عصابة الدم… هو العنوان الذي اختارته الصحافية الاستقصائية الألمانية كرافت شونينغ لكتابها الذي كان صدر قبل 5 سنوات وتحدثت فيه عن هذه العائلات العربية في ألمانيا. في حديث لها مع شبكة “دويتشه فيلله” الألمانية قالت شونينغ: “إن أفراد هذه العصابات يتحدثون كثيراً عن الشرف، إلا أنهم يفضحون بعضهم بعضاً عند التحقيق معهم مع رجال الشرطة”، وأضافت “إنهم أنانيون، يعشقون الظهور، وتسود بينهم منافسة حامية غير شريفة لتزعم المافيا، كل واحد منهم يسعى ليصبح الزعيم”.


من هي هذه العائلات؟

تعود أصول هذه العائلات إلى قبائل وعشائر قديمة سكنت في منطقة جنوب تركيا وشمال سوريا، بحسب رالف غضبان الذي أعد دراسة حول اللاجئين اللبنانيين وتاريخهم في ألمانيا، وذلك خلال حوار معه أجرته وكالة انباء “دويتشة فيلله”. وكانت هذه العائلات هاجرت من ماردين التركية إلى لبنان، ومن ثم إلى ألمانيا مع اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية، ويتحدث أفرادها العربية وبعضهم التركية.


عائلة ميري

تعتبر هذه العائلة إحدى أكبر العائلات التي ارتبط اسم أفراد منها بالعمل مع هذه العصابات في برلين، كما ذكرت شونينغ، وقالت: “إن ما يميز أفرادها هو شعورهم بعدم الانتماء لأي هوية او بلد، فهم لم يكتسبوا الجنسية الألمانية، على رغم أنهم ولدوا في ألمانيا، ولا يحملون الجنسية التركية، أو اللبنانية”. الزيجات في هذه العائلة تتم وفق قواعد الشريعة الإسلامية، ولا تعترف بها السلطات الألمانية المعنية”.


عائلات أبو شاكر والزين وعميرات

يتركز وجود هذه العائلات ونشاطها في 4 ولايات ألمانية هي: العاصمة برلين، بريمن، وشمال الراين- ويستفاليا وساكسونيا السفلى. وكذلك في مدن أخرى مثل: ايسن، دورتموند ودويسبورغ. وبحسب تقرير لقناة “إن تيفاو” الألمانية فإن “عدد أفراد هذه العائلات الفعالين في برلينوحدها، يصل إلى 4 آلاف شخص، وفي ايسن 6 آلاف، وبريمن 2500.


عائلة رمو

قدرت الميديا الألمانية عدد أفرادها بنحو 500 شخص ينشطون في برلين. وأشارت إلى وجود ما لا يقل عن 12 عائلة أخرى يتزايد نفوذها ودورها في الجريمة المنظمة.

يشير تقرير صادر عن الشرطة الفيدرالية الألمانية إلى أن الجريمة المنظمة التي تديرها عصابات لبنانية وكردية وتركية في البلاد تحولت إلى ظاهرة خطيرة وأخذت تكتسب طابعاً دولياً، بما فيها الجرائم البدائية والمألوفة مثل سرقة السيارات وعمليات الاحتيال الهاتفية والسطو على المصارف والمساكن والمراكز التجارية، وتهريب المخدرات والمواد ذات الاستخدام المزدوج. ووفقاً للتقرير فإن ثلثي المجموعات الإجرامية عناصرها من أصول أجنبية، منبهاً إلى أنها أخذت تشكل تهديداً جدياً للمجتمع والاقتصاد وأمن الفيدرالية. وتفيد بيانات رسمية بأن 36 في المئة من أفراد هذه العصابات يحملون وثائق ألمانية، و10 في المئة منهم مهاجرون. وينتشرون في مناطق آهلة بالسكان، فيها جاليات عربية كبيرة، وهذا يسهل عملية الاختراق والقيام بالجرائم المختلفة.

وتواجه السلطات الأمنية الألمانية ظاهرة جديدة، تتمثل في محاولات هذه العصابات تجنيد اللاجئين الجدد من أصول عربية في صفوفها، وقال الناطق باسم اتحاد نقابات الشرطة الألمانية بنيامين يندرو “إن المشكلات التي يعاني منها اللاجئون الشباب تسهل ضمهم ودفعهم إلى الانخراط في الجريمة المنظمة”. ويتضح من تقارير وزارة الداخلية ارتفاعاً ملحوظاً في كمية الجرائم التي يرتبكها لاجئون، فعام 2016 وصلت نسبة منفذي الجرائم من المهاجرين الجدد إلى أكثر من 50 في المئة مقارنة بعام 2015. كما أن الجرائم المرتبطة بالعنف ارتفعت بمعدل 6.7 في المئة، وهو ما ينطبق على جرائم الاغتصاب. ونقلت صحيفة “دي فليت” عن تقرير لوزارة الداخلية أن 35.5 في المئة من أعمال السرقة والنهب ارتكبها لاجئون ومهاجرون، وكذلك 14.9 في المئة من عمليات الاغتصاب.


مشاهد تحاكي المافيا الأميركية

في 13 أيلول/ سبتمبر الماضي تجمع أكثر من 200 شخص، معظمهم من الرجال الأصحاء والاقوياء في المقبرة الاسلامية في برلين لتوديع نضال ربيع ( 36 سنة)، وهو أحد أفراد إحدى العصابات العربية قتل في ظروف غامضة. وقالت صحيفة “شتيرن” الألمانية: “إن المشهد الذي بثته القنوات التلفزيونية يحاكي أفلام المافيا الأميركية”. نضال ربيع ولد في لبنان وهو أحد (أمراء) هذه العصابات التي تتسيد العالم السفلي في برلين، بحسب الصحيفة. وذكر الصحافي في وكالة الانباء الفرنسية “فرانس برس” يانيك باسكيه أن “أصول هذه العائلات من لبنان وهاجرت إلى ألمانيا في أواخر السبعينات من القرن الماضي”. وقال الباحث في الشؤون الإسلامية والعربية ماتياس روخيه إن “أحد أسباب تحول هؤلاء إلى الجريمة هو عدم حصولهم على التعليم والعمل”، إضافة إلى “سيادة المنظومة الأبوية المغلقة” في هذه العوائل المهاجرة.

تتهم وسائل الإعلام الألمانية السلطات الفيدرالية بالتهاون في تنفيذ القانون وفرض سلطته على هذه االعصابات، وذلك تحسباً وخوفاً من اتهمامها بالعنصرية والتمييز. ووصفت الناشطة الألمانية آنا- ماريا فركيكي هذه العصابات في تصريح لصحيفة “شتيرن” بأنها “مجتمعات موازية في قلب ألمانيا”. ورأت أنهم “في الوقت الذي يحرصون فيه على أداء الشعائر الدينية الإسلامية والصلاة في المساجد، والسفر إلى مكة بغية أداء فريضة الحج، نراهم يضخون بائعات الهوى إلى الشوارع ويديرون شبكات كبرى للدعارة!”.

* محمد خلف - صحافي عراقي

* المصدر: daraj.com

تعليقات: