تبقى الماركسية أساساً لفهم النظام العالمي

كارل ماركس
كارل ماركس


تغيرت الرأسمالية خلال القرنين الآخيرين. ما زالت الماركسية خير أداة لتحليلها وفهم العالم. سيطرت الرأسمالية على العالم وتنتقل الآن الى مرحلة جديدة من أزمة طويلة المدى، ومن غير الممكن التوقف عن البحث عن بدائل لها. وكما ان الرأسمالية هي من صنع البشر فإن البدائل هي أيضاً من صنع البشر. ليست الرأسمالية من الطبيعة البشرية. استمرار الجنس البشري يتوقف على إيجاد البدائل.

كل مشروع للتحرر يتطلّب فهم الرأسمالية بأبعادها العالمية. يتطلّب كل مشروع للتحرر فهماً لآليات عمل الرأسمالية العالمية، مما سيقود إذا أمكن الى حركة عالمية مناهضة. لكن الحركة المضادة للرأسمالية لن يكتب لها النجاح إلا بما حققت الرأسمالية من نجاحات عالمية.

اكتشف كارل ماركس قانون القيمة، وفائض القيمة، والحد الأدنى للأجور، والربح الصادر عن قوة العمل، وطبيعة الرأسمال المالي المساعد للرأسمالية الصناعية. حلّل كارل ماركس نتائج القدرة الصناعية وتوقع أن يسيطر الرأسمال المالي. لكن فهم الماركسية العربية بقي عند تحليلاته للاستغلال في الثورة الصناعية وما بعدها، على الرغم من أن الصناعات العربية بقيت محدودة أو معدومة أو حتى ممنوعة. ما أعاروا الكثير من الانتباه لتضخم الراسمال المالي وسيطرته على العالم وفرضه تقسيم عمل جديد على صعيد العالم. أحيل الكثير من الصناعات من بلدان المركز الى بلدان الأطراف في أسيا وأميركا اللاتينية. العمال هناك يخضعون لما كان يخضع له زملاؤهم في المركز الرأسمالي أيام الثورة الصناعية. النقابات والتنظيمات العمالية التي حققت مكتسبات بعد الحرب العالمية الثانية في المركز الصناعي أبيدت، والبلدان الصناعية الجديدة في الأطراف لا نقابات لها. احتفظ الغرب لنفسه بالديمقراطية ومراعاة حقوق الإنسان، وثبّت دعائم الاستبداد في الأطراف. وجعل هذا الاستبداد مسؤولاً عن قمع الطبقة العاملة.

انتهت في المركز عقود الازدهار في السبعينات. دخلت الرأسمالية العالمية في أزمة (أخذت الرأسمالية الأميركية سياسة تقشف صعبة بتثبيت الأسعار في السبعينات بعد فك ارتباط الذهب بالدولار). اعتقدت الرأسمالية العالمية أنها يمكن أن تضبط النظام العالمي عن طريق منظمة التجارة الدولية (WTO) والبنك الدولي (WB)، وصندوف النقد الدولي (IMF)، واتفاقات أخرى جعلت من التجارة الحرة والخصخصة ديناً عالمياً يدين به كل من يتعاطى الشأن الاقتصادي.

جاءت النيوليبرالية (40 عاماً) بعد الثلاثين المجيدة (30 عاماً). عاشت الرأسمالية العالمية أحلى أيامها. سمّت ذلك عولمة. اعتبرتها جنة الله على الأرض. الحركات التي عارضتها لم تكن قوية. كان يمكن قمعها بسهولة في ريو وسياتل وغيرهما. بقيت الرأسمالية العالمية تنقل الصناعات الي بلدان الأطراف حيث يمكن قمع القوى العاملة من دون أن يأبه لها أحد ومن دون أن تحتج منظمات حقوق الإنسان إلا على تشغيل الأطفال؛ أما تشغيل العمال بأقل مما يكفي لسد الرمق فلا بأس. واعتقد جميع أهل السلطة أن الأمر بخير. الأموال تتراكم لدى أقل من 1% تتحكم بمصير البشرية. يسيطر الرأسمال المالي على بقية القطاعات الاقتصادية الأخرى. رؤوساء بيوت المال هم ملوك هذا العالم. العالم مشتق منهم. الجماهير العاملة تعمل حيث يكون الاستثمار. الاستثمار كلمة السر. هو المال يوزع نفسه حسبما يعتقد أنه يحقق ربحاً أعلى، أو ريعاً أعلى، أو فائدة أعلى، علماً بأن الربح والريع والفائدة تعبيرات مختلفة عن شيء واحد. ليس الربح الرأسمالي سوى ريع تم اقتطاعه من دون عمل.

مع سقوط الاتحاد السوفياتي عام 1989، سقطت الليبرالية المعهودة، ليبرالية الرعاية الاجتماعية التي كانت شائعة في الغرب الرأسمالي. لم تعد هناك ضرورة للحفاظ على مكتسبات العاملين المتعلقة بالرعاية الاجتماعية والصحية وصناديق التقاعد وتقديمات أخرى كانت الرأسمالية مضطرة لإعطائها (التنازل عنها) للطبقات الدنيا. اشتد اعتداد البورجوازية العليا بنفسها: النقابات في بلادها أشرفت على الاندثار، والحركات المعترضة كالأحزاب الشيوعية والاشتراكية تراجعت. صارت شعارات أحزابها الاشتراكية لا تختلف في يمينيتها عن أحزاب الطبقة البورجوازية. زالت الكتلة الشيوعية الشعبية التي كانت تهددها وتجبرها على التنازل والحوار والتسوية. لم تعد البورجوازية بحاجة لسماع مطالب الناس؛ تجمدت الأجور لأكثر من ثلاثة عقود من السنين. درجت موضة خفض الضرائب وضغط نفقات الدولة. الفقراء يدفعون الضرائب تلقائياً (تقتطع من أجورهم قبل قبضها). أما البورجوازية فلديها جيش من المحاسبين والمحامين الذين يجدون ثغرات في قوانين الضرائب للتهرب منها. وأنشئت ملاجىء آمنة في جزر الأطلسي والباسيفيكي وفي الأرض الأوروبية، وأصبح اكتناز المال يتم خارج حدود الدول المتقدمة والمتأخرة؛ ملاذات آمنة.

كانت مرحلة الأعوام الثلاثين التي تلت الحرب العالمية الثانية مرحلة ازدهار ونمو اقتصادي. هذا أمر طبيعي بعد الحرب، إذ يزداد الطلب وبالتالي يزداد الإنتاج. لكن الدولة كانت دولة رقابة، ورثت مما بين الحربين، وما بعد الحرب العالمية الأولى حيث اضطروا الى لجم تطور البنوك، وفصل البنوك الاستثمارية عن البنوك التي تسلف للأفراد. رسا النظام العالمي على مؤسسات دولية هي IMF،WB ،WTO، وأهمها ربط الذهب بالدولار. في أواسط السبعينات لم يعد ذلك ممكناً بنظر الأميركيين، الذين فكوا هذا الارتباط واتجه النظام العالمي الى ما يسمى العولمة. دخلت الرأسمالية العالمية في أزمة ولم يعد باستطاعتها تحمل رقابة الدولة على نشاطات المصارف والشركات الدولية. تصاعدت قوة رأس المال المالي المتحلل من أية قيود مع مجيء تاتشر، وريغان، والإسلام السياسي. وأصبحت الخصخصة بل النيوليبرالية دين العصر. تزامن ذلك مع نقل الصناعات، خاصة الى الأطراف (أسيا، وأميركا اللاتينية وأفريقيا). صارت التجارة الحرة ديناً. صارت الـWTO حكماً بين الدول. ولعب الـWB والـIMF دوراً في سياسات دول العالم المتعلقة بالمال والضرائب والبنى التحتية. صارت كلمة استثمار تعبيرا سحريا. على كل حاكم أن يفعل ما بوسعه لجلب الاستثمارات. عندما تهرب الاستثمارات تحصل كارثة مالية-اقتصادية كما حدث في عام 1997 في أسيا. إما أن تجيء الاستثمارات (القوى الرأسمالية وتفرض شروطها ) أو تترك البلد يزحف على بطنه.

مرحلة النيوليبرالية بدأت في أواخر سبعينات القرن العشرين: تسلم ريغان وتاتشر الرئاسة، كل في بلده. وبدأت سياسة Trickle Down Supply Side Economics. وهي أن تملك الطبقة العليا الكتلة المالية وتستثمر supply side. وهذا يعني كما زعموا أن يتسرب المال الى الطبقات الدنيا، فيحصل الازدهار. أي تشكيل العالم. في أواخر السبعينات أيضاً حدث احتلال الحرم المكي الشريف، وازداد السعوديون تشدداً، وحصلت ثورة الخميني، وابتدأت الحرب التي شنّها العراق في مواجهة ما يسمى تصدير الثورة الإيرانية، وحصل كامب دايفيد والدخول السوفياتي لاحتلال أفغانستان من دون مبرر، وصعود المحافظين الجدد في أميركا، والعمل على زيادة الموازنة العسكرية الأميركية الى 4.2% من الدخل القومي، وبدأ نهوض الصين (وبعد سنوات سيحسب لها حساب)، وبدأ زمن الإسلام السياسي في تركيا، بدءاً بتورغوت أوزال وصولاً الى أردوغان، وتضخم حجم البنوك، خاصة الأميركية منها، نتيجة سياسة مفروضة على اقتصادات دول المركز الأخرى، الخ… المهم أنّ تصاعد قوة المال تزامن مع صعود الدين السياسي الذي سيؤدي بالتواطؤ بين الأميركيين والسعوديين الى سقوط الاتحاد السوفياتي في العام 1989. عندها أعلنت الرأسمالية انتصارها ونهاية التاريخ (فوكوياما)، وصراع الحضارات (هاننغتون).

نتصرت البورجوازية العالمية. صارت هي التي تقرر مصير العالم. تصاعد الدين السياسي. والأهم أنهما تحالفا. كان الدين السياسي أداة تسيير في منطقتنا العربية، بل في العالم الإسلامي. نشوة النصر أدت الى انتفاخ الذات لدى المنتصرين. ضاعت الرؤية الموضوعية. وضعوا البيئة تحت جناحهم. مع مشاريع النزول على المريخ والرحلات الخاصة الى الفضاء، صار الكون تحت سيطرتهم. اشتد نزق البورجوازية العليا. أخضعوا النقابات، بل المجتمع برمته والعالم بمعظمه، بشعاراتهم والديْن. دول تتهاوى تحت تأثير سياساتهم. انتصارات هنا وهناك خاصة في المنطقة العربية والمنطقة الإسلامية برمتها. دول تتهاوى مثل بيوت القش. تفاقم الانتفاخ الذاتي. انتشرت معه التيارات الأصولية في مختلف الأديان. وفي مرحلة أخيرة تزايدت التيارات الفاشية والنازية في بلدان المركز.

كل ذلك سببه، في نظرهم، أن الرأسمالية الكبرى صارت تقرر مصير العالم عن طريق المال والدين والايديولوجيا. في المركز (الغرب) كان طبيعياً أن تشتد العنصرية. هي نظرية ان العنصر (العرق) هو الأقوى والأكثر حيوية. هي نظرية لمن يعتبرون أنفسهم استثنائيين أخلاقياً بين شعوب العالم. يحق لهم شن الحروب الاستباقية، ويصنفون البشر بين من هم معهم ومن هم ضدهم. هم أخلاقياً مدينة على جبل (تعبير أميركي عند وصول أول موجة بيرويتانية الى الولايات المتحدة). الأخلاق والقيم التي يتمتعون بها دون غيرهم تتيح لهم التصرف بالعالم، حتى ما يتعلق بالتطوّر المناخي وتعريض الكرة الأرضية للخراب؛ وأنكروا الاحتباس الحراري والتغيّر المناخي اللذين هما من صنع الإنسان. المهم بنظرهم هو المال. جني المال سريعاً. وهذا الأمر صار متاحاً لهم.

بيت القصيد هو فصل إنتاج المال عن إنتاج السلع في بلدان المركز. استثمار المال وحده يؤدي الى مزيد من المال، أي الربح، مما استدعى فكفكة جميع القيود الموضوعة على المصارف منذ ثلاثينات القرن السابق. الحقيقة هي فصل وضعهم عن العالم. هم الخالق الصانع المعيد تشكيل العالم. فكيف يمكن أن يقف أحد في طريقهم؛ بدءا من الإرهاب والأصولية والتطرف؛ وكل هذا من صنعهم. لأنهم بحاجة الى عدو.

شنوا حرباً على الإرهاب وعلى التطرف الديني. الحرب عالمية ومستمرة. استمرار هذه الحرب، بالإضافة الى الحروب بين الدول، كان ضرورياً. احتفظوا ببضاعة السلاح ليس من أجل المال فقط بل من أجل بناء الجيوش التي تفرض على العالم ما لا يقبل به، إلا بالقوة والإكراه والقسر والاعتقال والتعذيب. توظيف المال والدين السياسي لا يكفي. ضروري تدعيم ذلك بالقوة العسكرية.

في أعقاب الثورة الصناعية كان رأس المال المالي عاملاً مساعداً ولكنه لم يكن الأقوى. صار المال في أواخر القرن العشرين يقود سياسات العالم. أصحاب المال الكبار يحكمون، ويجتمعون سنوياً في دافوس وغيرها. تكونت ايديولوجيا جديدة حول الفقر. صار الفقر هو المشكلة وليس تكدّس الثروات. الفقراء لم يعرفوا كيف يحسّنون سلوكهم ويجنون المال في هذا العالم. تحوّل الضحية الى مشكلة. مع تراكم المال، لم يعودوا بحاجة الى الفقراء، وهم معظم الشعوب. حتى شعوبهم ما عادوا بحاجة إليها. لهم دور المستهلكين فقط. الإنتاج في مكان آخر. المكان الآخر مضطر الى الانسجام مع سياساتهم. الأصوليات الدينية تعمل حسب توجيهاتهم. الفاشية والنازية والعنصرية تخلق اضطرابات، لكنها ضرورية من أجل دعوى الحفاظ على الوحدة الوطنية. أرادوا أن تكون شعوبهم وراءهم، تؤمن بايديولوجيتهم، وتصلي في هياكل القومية وكره المهاجرين. تأطير جماهيري لفقراء يتضامنون معهم قومياً، وعنصرياً، وفاشياً، ونازياً. ليس غريباً أن تصدر في بلدان المركز كتب عديدة حول هذه الاتجاهات الفاشية، وحول المؤامرة على الديمقراطية. تراجع دور العقل. تصاعد الانتفاخ الذاتي لدى البورجوازيات الكبرى. ازدادت رواتب المدرين (البورجوازيين) بعد أزمة 2008 ودعم الحكومات للشركات الكبرى. لا يتعلمون من أزماتهم. لا يأخذون العبر من التاريخ. يضحكون على تعبير “العبر” في عنوان كتاب ابن خلدون. هو ومن قالوا بسقوط الدول القوية أصبحوا موضوعاً للهزل. التاريخ توقف. الحروب موضعية لدى شعوب متأخرة. هم في مأمن (الى أن حصلت اضطرابات فرنسا، بالتزامن مع بريكست، وزعزعة فكرة أوروبا).

جاءت الليبرالية الجديدة لا كشكل من أشكال الليبرالية القديمة، بل جاءت لإلغاء ما تحقق في ظل حكمها، ولم يكن كثيراً. الليبرالية اعتراف بحق العمال في المطالبة والإضرابات في سبيل تحقيق مطالبهم. وقدمت لهم بعض هذه المطالب. كانت تعترف بالظروف الموضوعية، وبأن الاتحاد السوفياتي يواجهها في الخارج والطبقات العاملة في الداخل. اعترفت بالواقع، كانت موضوعية. قدمت بعض التنازلات بما يحافظ على ركائز النظام الرأسمالي ويقدم للطبقات الدنيا شيئاً. الأنظمة الليبرالية لم تكن مثالية، بل تابعت نهج التلاعب بالأمم الأخرى والتواطؤ والتآمر واسقاط الأنظمة التي لا توافق بورجوازية المركز. لكنها كانت تعترف أنها تواجه عدواً في الخارج وآخر في الداخل.

جاءت الليبرالية الجديدة في السنوات الأربعين الأخيرة. أول ما فعلته كان تدمير الطبقة العاملة ثم تدمير العدو الخارجي. وشاهدنا سياسة Trickle Down Economics القائمة على سيادة رأس المال المالي الذي ينزل نزولاً الى الطبقات الشعبية. ما على النظام الحاكم إلا خنق الضرائب كي تحقق الطبقات العليا مزيداً من الادخار، وهذا تتسرب خيراته الى تحت بفعل طبيعة الأمور. الأسم الذي أطلق على هذا الاقتصاد هو Supply Side Economics، وهو يعني أن الرأسمال ما دام بيد المستثمرين فهولاء سوف يسثمرون. سلسلة أكاذيب أدت الى تجميد الأجور في بلدان المركز وبقائها متدنية دون ضرورات العيش البشري في بلدان الأطراف التي صدّرت إليها الصناعات، وتفكيك الدول التي لا تنصاع لوصفة واشنطن، التي أصبح الـWB، والـIMF في صدارة الداعين لها.

في الاعوام الثلاثين الأولى بعد الحرب العالمية الثانية كانت الولايات المتحدة تقدم مشروع مارشال لاعمار أوروبا، وتعيد هيكلة اقتصاد اليابان. وكانت بحاجة الى استمالة الجماهير الشعبية عن طريق التقديمات الاجتماعية، الخ… كانت الظروف الموضوعية تفرض نفسها وتضطر البورجوازية العالمية الى التنازل والاعتراف بالقوى المضادة في الداخل. وكانت تهتم بالدرجة الأولى بترويض هذه القوى المضادة، خاصة النقابات والمثقفين. بعد سقوط الاتحاد السوفياتي لم تعد بحاجة الى ذلك. عممت نموذجها النيوليبرالي في بلادها وفي بلدان الاتحاد السوفياتي سابقاً. صارت الخصخصة سياسة متبعة حتى في هذه البلدان. وظهرت طبقة من أصحاب الملايين الجدد، وجرى نهب للثروات الطبيعية وغير الطبيعية لهذه البلدان.

بدأت هذه المرحلة بأزمة بعدما ظنت أنها على رأس العالم وانتهى التاريخ. لم تعد هناك سوى حروب محلية تنتج عن صراع الحضارات. مع سقوط الاتحاد السوفياتي جرى تصعيد الروح الاستعلائية عند البورجوازية العالمية. ظنت أنها تحكم العالم. ايديولوجيا النيوليبرالية صارت الدين الجديد للعالم مدعوماً بالدين الأصولي والمشاعر الكامنة لدى شعوب المركز ضد الغرباء والهجرة والإرهاب. اعتبرت بأنها مبررة في زيادة الانفاق العسكري لمواجهة كل ذلك. أوجدت عدواً جديداً. تبريرات انتاج السلاح مبررة. الحروب المحلية ضرورية. تراكم المال لدى البورجوازية بحاجة الى حماية. الساذجون منا كانوا يتعجبون من حاجة القطب الواحد الى مزيد من السلاح مع سقوط العدو. ربما كانوا يحسبون حساب الحروب الخارجية المتفرقة، ويحسبون بدرجة أكبر تصاعد النقمة في الداخل وتوسع حركات المعارضة. فقد ازدادت الهوة الاجتماعية. هوة في المداخيل. هوة في الثروة. هوة في إمكانيات التعلم بين الطبقة البورجوازية والطبقات الفقيرة. هوة المداخيل كانت بضعة أضعاف في السنوات الثلاثين الأولى. صارت مئات الأضعاف. هوة الثروة وصلت الى درجة أن نصف البشرية لا يملكون شيئاً، و10% من الناس يملكون 99% من الثروات. والتعليم لأبناء الطبقة الوسطى لن يحصل إلا بالاستدانة. المصارف في أحسن حالاتها. حدثت أزمة 2008 وكانت داخلية. لم تتعلّم البورجوازية العالمية من غيرها شيئاً. ساعدتها الدولة بعد أن كانت على طريق الانهيار. لكنها استعادت عافيتها بفضل أموال الدولة (ضرائب مستوفاة من عموم الناس). على الرغم من الأزمة الممتدة من السبعينات، ازدادت مداخيل وثروات البورجوازية العليا، ولم تفقد استعلاءها. انتصارات النيوليبرالية في أواخر الثمانينات، وتدجين الدين السياسي حول العالم، وتدمير النقابات، كل ذلك جعل البورجوازية الكبرى تفقد تواضعها الذي كان مفروضاً عليها في السنوات الثلاثين الأولى بعد الحرب العالمية الأولى، خاصة وأن لديها أدوات جديدة هي الأصولية الدينية وحرب الإرهاب التي تضمن لها توجيه الأوامر (العقوبات) لكل شعوب العالم. من يُتهم بالإرهاب يظل من دون محاكمة. لم تعد هذه البورجوازية بحاجة الى رقابة عليها. قيود الدولة على المصارف أزيلت بقوانين برلمانية. والحرب على الإرهاب تفسح لها المجال لشن الحروب من دون رقابة البرلمانات. وصل الأمر بأمراء حربها (أريك برنس من بلاك واتر) اقتراح خصخصة الحرب. اقترح في نيويورك تايمز إعطاءه الفرصة وتكليفه بإنهاء حرب أفغانستان الممتدة منذ 18 عاماً.

فقدت البورجوازية الكبرى حول العالم تواضعها. مرت عبر أزمة 2008 من دون أضرار. الأضرار لحقت بالطبقات الدنيا. هي التي دفعت ثمن الأزمة من أموال الحكومة التي تأتي من الضرائب على الفقراء.

الآن تنتهي هذه المرحلة. الغضب الذي استخدمته يرتد عليها. بريطانيا تنفصل عن أوروبا. مظاهرات الفقراء تتوسع انطلاقاً من فرنسا لتعم أوروبا. العنصرية تتصاعد في الولايات المتحدة. نتائج ثورة العرب في 2011 ابتلعتها الثورة المضادة. والأنظمة العربية تزداد قمعاً واستبداداً ومصادرة لأموال الفقراء.

جوهر المرحلة التي تنتهي سيطرة المال على القطاعات الإنتاجية. من يملك المال يملك السلطة على العالم. الدولار عملة احتياطية تستطيع الولايات المتحدة طبع أيّ كمية من المال من دون رقيب أو حسيب. اقتصاد الأمر بالجيوش بفرض ذلك على شعوب الأرض.

سقطت ليبرالية السنوات الثلاثين الأولى التي ازدهرت بعد الحرب العالمية الأولى. ازدهرت النيوليبرالية في السنوات الأربعين التالية. استطاعت البورجوازية الكبرى مصادرة (اقتطاع) معظم ثروات البشرية. ازداد غضب الناس. الغضب تحوّل الى نار محرقة. لا تستطيع البورجوازية الكبرى حماية نفسها إلا بحرب جمركية وإثارة جمهورها لاعتناق فاشية جديدة ضد الغرباء المهاجرين وغيرهم. فليقاتل فقراء العالم بعضهم بعضاً كما في البلدان العربية التي صارت مثلاً يحتذى في الثورة وفي قمع الثورة.

سر المال

المال ليس الاقتصاد. المال المتراكم في أماكن قليلة يسيطر على الاقتصاد العالمي وعلى المجتمعات حول العالم. ليس أن المال ضروري لكل مبادلة للسلع، كبرت أو صغرت، المال أداة إجبار وإكراه وفرض إرادة القوى العظمى بالأوامر. ليس صدفة أن العقوبات التي ينزلها الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، على الشعوب الأخرى هي عقوبات مالية في جوهرها، وان سمّيت اقتصادية. الاستثمار أو عدم الاستثمار في بلد ما هو الفرق بين الجنة والنار على هذه الأرض. حتى الطبيعة لا تستطيع الوقوف يوجه المال. تراكم المال يقتضي عدم الاهتمام بالبيئة، وانكار الاحتباس الحراري، ورفض التغير المناخي. الرأسمال المالي العالمي في حالة إنكار. المعركة بينه وبين العلم. هو يواجه بالرفض النتائج العلمية التي يتوصل إليها الباحثون؛ نتائج علمية تنبيء بكارثة على الأرض لا يأبه لها أرباب المال. فقدوا تواضعهم أمام جماهير الفقراء في العالم. فقدوا تواضعهم حيال المجتمع. وفقدوا تواضعهم في مواجهة الطبيعة.

قدم الباحثون المال على أنه وسيط محايد بين قيم مختلفة لا تتفق فيما بينها. وحين جاء ماركس كانت نظريته العظيمة والكبيرة والمفصلة هي أن المال هو حصيلة التراكم الرأسمالي (هو حصيلة التبادل وفي أساس التبادل، وهو يحمل قيمة في ذاته، وهو وسيلة للاكتناز). انطلق كارل ماركس من نظرية أن القيمة الأساسية على الكرة الأرضية هي القيمة الإنسانية، وهي سواء كانت عادية أو غير عادية، قوة العمل. ليس هناك ما يعلي الأشياء، بالأحرى المنتجات قيمة، سوى العمل المتضمن فيها. المال ليس قيمة وليس تعبيراً عن قيمة، هو مسألة حسابية. هكذا تفترض الأمور عندما يكون التعامل مع قيمة السلع والعقارات والعمل البشري. تبدأ الصعوبة بالحديث عم قيمة العقارات (غير المبنية؛ والمبنية لها حديث آخر) وهي مهما قيل في العمل البشري على تنظيم والتربح، الخ… وعندما تسأل محامياً عن قيمة العقار يجيب بأنها تقاس بقيمة أقرب عقار له. معنى ذلك أن القيمة ليست في العقار بل في ما ليس هو، فيما يجاوره ويتجاوزه.

ليس للعمل البشري قيمة. هو القيمة التي تقرر القيم الأخرى. قيمة الشيء أو الفكر تُقرر حسب العمل (اليدوي أو الذهني، أو الذهني واليدوي) المتضمن في إنتاج هذا الشيء. يمكننا الكلام عن قيمة العقار وقيمة العمل. الاختلاف في الأمر هو ما يقرر قيمة العقار شيء مختلف عن العقار، كالذهب أو الفضة، أو أي شيء آخر، أو أي عقار آخر. وما يقرر قيمة العمل هو الوقت المتضمن في العمل. هو لوازم البقاء على قيد الحياة من خبز، وشراب، ومأوى، الخ…

تقرر قيمة كل هذه الأشياء بأشياء مختلفة عنها. نعود الى قصة مبادلة التفاح بالليمون، وكيف تعرف أن هذه الكمية من التفاح مساوية لهذه الكمية من الليمون. هنا يمكننا أن نقول ان المقايضة مبررة، أو أن المقايضة متضمنة ما يقرر قيمة التفاح وقيمة الليمون، وهو العمل البشري الداخل في إنتاح كل منهما.

المعضلة هي في مسألة المال. مبادلة المال بالمال لا تستأهل الحجج. مبادلة المال بكمية أكبر أو أصغر من المال هي ما يستعصي على الفهم. لذلك قامت شرائع الدين على القول ان هذه المبادلة بين الشيء وبين نفس الشيء بكمية مختلفة ضرورة لاستقرار النظام. برّر الدين ذلك على الرغم من إجماع الفقهاء على أن مبادلة شيء بنفس الشيء، ومن نفس النوعية، بأوزان مختلفة هو أمر مخالف للشريعة. لكن مخالفة الشريعة تقتضي هذه المبادلة.

في نظام المقايضة، ان كان هناك نظام لها في التاريخ، المبادلة تجري بين حاجات فريق مقابل حاجات فريق آخر (لا نعرف موازين الذهب والملح في المقايضة في أفريقيا قبل القرن السادس عشر، ولا نعرف ميزان المقايضة بين عضو مبتور وديّة هذا العضو، ناهيك عن ديّة القتيل، ولا نعرف أين العدالة في إعدام القاتل رغم ثبوت التهمة). فقدان الحياة البشرية لا يقابله ولا يعادله شيء آخر. ومهما كانت التعويضات بالمال أو بالحبس للتهدئة السياسية. وهي لا يمكن أن تكون مبادلة قيمة بقيمة. ليس في الأمر عدالة. هناك السياسة وحسب. والسياسة تقتضي قبل كل شيء أن لا تقتل، وأن تحاور، وأن يكون الحوار آخر المسار. مجتمعات القتل والإبادة والإفناء هي مجتمعات المصادرة والسلب والنهب. ليس فيها مقايضة: مجتمع الاستبداد ليس فيه مقايضة. حرية المرء لا يعادلها شيء. ليس فيها قيمة تعادل قيمة. ليس في مجتمع الاستبداد قيم. القيمة إما أن تصدر عن العمل البشري أو تكون مقياساً يرسمه الضمير. الإثنان غائبان في مجتمع الاستبداد. ليس الاستبداد جديداً على البشر. هناك استبداد يعتبر أن المجتمع يلزمه (مرايا الأمراء). واستبدادنا في المجتمع العربي يعتبر أن المجتمع لا يلزم ولا يُلزِمْ. صارت الإبادة الجماعية مبدأ عند أنظمة الاستبداد العربية. إما أنا المستبد أو الحرب “زنقة زنقة”؛ إما أنا “المستبد” أو القدرة التي لا مكان لها لأن ليس لديها برنامج أو ايديولوجيا. وكأن المستبد ترك مجالاً للايديولوجيا وللبرنامج وللمثقف الحر أو غير الحر.

سلطة المال هي ما يقرر حدود المجتمع. افترض هيجل أن للانسان إرادة، وأن الحق بالملكية هو سلطة الإرادة على ما هو موضوع الملكية، وأن المجتمع المدني هو في النهاية مجتمع أناس لهم حقوق، حتى في نظام استبدادي. في مجتمعاتنا العربية (الحالية) ليس للناس حقوق. عليهم واجبات وحسب. الواجبات ديْن. والدين ديْن. والدين أصولية. لذلك لم يكن غريباً أن يتزامن صعود الرأسمال المالي في المنطقة العربية مع صعود الدين والديْن. اعتبرنا بترول العرب للعرب، فإذا البترول ديْن على العرب.

البترول مال، كما ان الذهب مال. يُسمى الذهب الأسود. انسلخ البترول عن القيمة (العمل البشري مصدر القيمة) منذ أول بئر. انفصل البترول عن القيمة. بل صارت القيمة (هيدروكاربونية) في أوروبا وبورصة وال ستريت في نيويورك. اعتمدت شعوبنا على البترول. صارت مسلوبة القيمة والقيم لأن هذه في مكان آخر. لكنها تركت مكانها تعويضاً هاماً وسيئاً وتراجيدياً: أقصد هنا الذات الفارغة من القيمة. ذات أصولية دينية لا يعنيها المجتمع. هل ان للدين معنى إذا لم يكن في مجتمع يجتمع ويؤتلف حوله؟ من قال أن الدين بشع كله؟ تحول من قربانات الضحايا البشرية عند أجدادنا الفينيقيين الى قربانات الأضاحي الحيوانية. مع تكاثر الحجاج تحوّل الى ما بعد الحداثة وربما تقديم القرابين رمزياً.

لم يعد مقدمو القرابين بحاجة الى تقديم قرابين بشرية. قرابين الأغنام توزّع على الفقراء إحساناً. الإحسان قاعدة أساسية في نظام النهب الرأسمالي. تنهب الفقراء وتقدم لهم حسنات كي لا يقضوا الليل جائعين. قدّم القيّمون على شعائر الحج المجتمع قرباناً. هذه المرة ليس الله هو من يتقبل القربان. هي الرأسمالية. كيف؟ القربان منذ فجر التاريخ يشترط على الآلهة غفراناً من نوع ما. قربان سدنة الحج لا يشترط شيئاً على آلهة النظام العالمي، فقط البقاء في السلطة. ثمن كبير. لديهم المال وبالتالي يستطيعون اختيار الإله والقربان المقدم إليه. ليس عاصياً على هذا الإله أن تكون فلسطين هي الذبيحة، وقد حصل هذا فعلاً.

نعود الى سلطة المال. المال يصنع المال، وصناعة المال تتم من دون وبمعزل عن دورة الإنتاج. ليس لتراكم المال علاقة بما هو موضوعي. لم يعد ضرورياً أن تتواضع الذات أمام الموضوع. الذات التي تمتلك المال تمتلك كل القيم. قيمة المال تحل مكان كل قيمة. ليس المال قيمة. لكن المال يحل مكان كل قيمة. القيمة ليست في مكان أو شيء أو زمان. ليست في العالم ولا في الطبيعة. هي في الذهن. هي هذا المتخيّل الأكبر الذي قيل له اركع فلم يركع. يبدو أنه يقول للبشرية اركعي وهي تركع.

اكتشف كارل ماركس قانون القيمة وفائض القيمة كأساس للنظام الرأسمالي. واكتشف أن القيمة حصيلة عمل الناس، وأن الربح الذي يسمى فائض القيمة المقتطع منهم هو فائض القيمة، أي ما يفيض عن حاجاتهم الدنيا للعيش. واكتشف أيضاً أن المال يتحوّل من وسيلة الى غاية، من وسيلة تعامل الى غاية كل استثمار رأسمالي. من هذا التحوّل يصير الرأسمال المالي هو السيّد الذي تخضع له كل أطراف الرأسمالية الأخرى. وتحوّلت العملة المعدنية الى ورق، وازدادت الأوراق المالية الى ما لا نهاية. وارتبطت ثروة العاملين المأجورين بالرواتب والأجور التي لا يبقى منها شيء بعد استخدامها لتأمين وسائل العيش. أما المال فهو يزداد بيد البورجوازية، خاصة الكبرى، حتى ولو لم تستثمر شيئاً. وضع المال في المصرف كفيل بزيادة المال لدى البورجوازي. هو السيّد الذي لا يعمل. كل ما يميزه هو أنه يملك الملكية. فهي بحد ذاتها مصدر للمال والثروة. تتشكّل كل ثروة في الأصل من قيمة مقتطعة ثم تنقطع صلتها بهذه القيمة وتصير للرأسمال حركته الخاصة، وهذا ما يحدث في البورصات، أي في مراكز تبادل الأسهم والرموز المالية. المال يجر المال. المضاربات تزيد كمية الأوراق. التضخم الحاصل يخفض سعر ما لدى الطبقات الدنيا (لديهم قيمة ينخفض سعرها باستمرار بفعل التضخم). تتحوّل القيمة الى سعر، وتتلاشى القيمة لدى العاملين الذين لا يملكون غيرها إلا لأجل محدود ينتهي في أخر الأسبوع أو الشهر، بينما تتكدّس الأموال لدى كبار البورجوازيين لا نتيجة العمل بل نتيجة الدورة الخاصة برأس المال المالي.

ما لديهم ليس لدى غيرهم. هم قلة نجحت في اكتناز ما يحرّك البشرية. ما يُسمى الاستثمار وأموال الاستثمار هو ما تسعى إليه جميع الدول والشعوب. لا حياة لشعب ليس فيه استثمار، حتى ولو كان غنياً بالموارد البشرية والطبيعية. مع تفاقم حجم المال، صار صنماً يسعى إليه الجميع ويعتبرون القيمة تنبثق عنه. تتوقف القيمة عن أن تكون تجسيدا للعمل البشري، وحصيلة تفاعل الانسان مع الطبيعة، وحصيلة علاقات الانسان بالانسان. تصير القيمة كائناً ميتافيزيقياً، ينبثق عنه الإنسان ويخضع له ويعبده. ويصير القابض على المال بمثابة من يمتلك القوة الأساسية التي توجّه الكون.

مع تزايد الفجوة الاجتماعية، يزداد الصراع؛ هو صراع طبقي وان شارك فيه اليمين واليسار؛ اليمين بأعداد أكبر من اليسار. على كل حال ليس النضال الطبقي حكراً على اليسار. عندما كان الأمر كذلك، كان الاتحاد السوفياتي واليسار في مقدمة النضال. لم يعد هناك اتحاد سوفياتي، واليسار أصبح مشرذماً، والأخطر أنه فاقد الوعي. إن مطالب الناس الفقراء مقابل فحش البورجوازية الكبرى لا يحتمل تردداً. ليست المشكلة في شخص المناضل والى أي فريق ينتمي، بل في القضية التي يحملها والشعارات التي يرفعها. ان الطبقة العليا لم تعد تتصرف بشكل يستحق الاحترام، وهي منذ البداية لم تكن كذلك. اتهام الشعبوية الذي يصبّ ضد فقراء اليمين الذين يشاركون في انتفاضات ضد النظام ليس منصفاً. اتخذ النضال ضد النظام منحى لم يكن يتوقعه أحد. علينا تقبّله وتحليله وفهمه من أجل تكوين وعي يستوعبه. هذه معركة ليس فيها يسار ضد يمين في القضايا الاجتماعية. هذه معركة تطرح العنصرية والفاشية في جانب، والاتجاه الإنساني في جانب آخر. تحاول الرأسمالية الكبرى استمالة الفقراء عن طريق الفاشية، والغريب المهاجر، ومحاربة الإرهاب. تلاقي هذه الأمور صدى لدى الفقراء، نشاهده في صعود الفاشية. وهنا المعضلة. الشعبوية ليست عيباً إلا بمقدار ما تقود الى الفاشية، وبمقدار ما تسمح للبورجوازية الكبرى بقيادتها وتوجيهها.

الحرب العالمية التي تدور رحاها في بلادنا العربية تستدعي التفكير. أدواتها السلاح والتكفير والإرهاب والاستبداد. الأقدر على استخدام ذلك هم الأنظمة والنخب السياسية والعسكرية. ضحاياها الشعوب والمجتمعات العربية، وآمالها في العيش الكريم، وفي أن يصيروا أمة في دولة أو دول، وأن يكون الانتظام في دولة أو دول مقروناً بالحرية والتقدم، وأن يُحسب لهم حساب في هذا النظام العالمي. أمة مهزومة هذا صحيح. أمة غير موجودة؟ سؤال يبعث على التفكير. كيف نفكر؟ عبء النفط (الرأسمال المالي) وسيف اسرائيل (الامبريالية) مسلطان على رقابنا. لو كنا لا شيء لما كانت الحرب العالمية عندنا من دون غيرنا. هل كانت إسرائيل ممكنة الوجود لولا النفط وريوعه المالية وآثاره على الضمير والعقل والوعي، وسيطرة أسافل المجتمع (المال) على أعاليه (الناس)، وتفريغ الدماغ الجمعي من قضاياه ومن ملكة التفكير والتهذيب والإبداع؟ ما علاقة كل ذلك بأول ما يتبادر الى الذهن عند الحديث عن الماركسية؟ أي الصراع الطبقي. البحث في مسائل الأديان والطبقات واحد. استخدام الرأسمال المالي للدين والقومية لا نعرف خفاياه. لن نعرف إلا انطلاقاً من تحليل ماركسي للانفتاح والطبقات وأساليب الإنتاج ووسائل الإنتاج؛ وسائل تحويل البشر الى أدوات للنظام السياسي المالي.

تعليقات: