فضل الله: العمل بالقوانين في المغتربات جزء من الالتزام الإسلاميّ‎

لعلامة السيّد علي فضل الله
لعلامة السيّد علي فضل الله


في رسالةٍ متلفزةٍ للجالية في ديربورن – أميركا

شدَّد العلامة السيّد علي فضل الله على أنَّ العمل بالقوانين في أميركا وغيرها من المغتربات، جزء من الالتزام الإسلاميّ، داعياً الجاليات الإسلامية في ديربورن إلى أن تكون سفيرة خير وانفتاح.

جاء ذلك في رسالة متلفزة في العشاء السنوي لمدرسة "بينات" في ديربورن – أميركا، جاء فيها:


"في البداية، لا بدَّ من أن أحيّي فيكم اهتمامكم بهذه المؤسَّسة التعليميَّة التي نتطلَّع جميعاً إلى أن تشكّل إضافة نوعية في الولايات المتحدة الأميركية، وأن تتكامل مع بقية المؤسسات التربوية، وهي التي تهدف في كل ما تهدف إليه، إلى بناء جيل واعٍ بدوره؛ جيل يمتلك الذهنية العلمية التي تمكّنه من أن يطوّر ويبدع في الواقع الَّذي يعيش فيه، جيل يحمل القيم الروحية والإنسانية بأصالتها، جيل ينفتح على الله، ومن خلاله ينفتح على الإنسان الآخر وعلى الحياة كلّها، جيل يعيش الإحساس بأنَّ الآخر هو من مقومات إنسانيته التي لا تكتمل إلا بالتواصل معه، جيل يلتزم بما يؤمن به، ويكون بعيداً كل البعد عن كل ألوان التعصب الذي يمتدّ في هذا الزمان إلى كلّ مكان وتحت عناوين مختلفة...

ونحن كلّنا نعرف أهميَّة وجود مؤسَّسة تحمل هذه القيم وهذه المعاني، لأنَّنا في عالم نحن أحوج ما نكون فيه إلى الإنسان الذي يعيش القيم والإيمان والمحبة والعطاء والانفتاح، فبهذا الإنسان يُبنى المجتمع والحياة، ومن دونه سيعاني كما نعاني في كلِّ واقعنا.. عندما استغرقنا في لعبة المصالح والحسابات الخاصَّة وتقديس الانقسام..

لقد عملنا دائماً وسنبقى نعمل بوحي هذه الرسالة الإنسانيَّة، واعتبار التنوّع الدينيّ والثقافيّ والاثنيّ مصدراً لإغناء الحضارة الإنسانية، لا مصدراً للتناحر والنزاعات، وأن جميع البشر سواسية، وكل المجتمعات متساوية في الإنسانية، ونحن في كلِّ موقع نتواجد فيه أو مؤسَّسة يكون لنا دور فيها، لن نكون يوماً إلا رسل سلام، والسَّلام لا يبنى بادّعاء هذه الفئة أو تلك أنها مركز العالم، أو بادعاء أنَّ هذه الجماعة أو تلك مصطفاة من الله... إنّ ادّعاء الأفضليّة لا يستقيم إلا بمقدار الالتزام بقضايا الإنسان في الوطن الَّذي نعيش فيه وبخير الإنسانيَّة جمعاء.

إنَّ الاختلاف جزء من طبيعة الحياة، وتباين الأفكار أو نهج الحياة أو التعامل مع الأحداث أمر من صميم التكوين الإنساني. نعم، قد يكون هناك اختلاف، والحياة طابعها طابع اختلاف، وهذا أمر نجده دائماً، ولكن المسألة تتَّصل بكيفيّة إدارة هذا الاختلاف، هل نديره بالحوار؟ وهل نعتمد المعايير العلمية والأخلاقية والإنسانية لتحديد الخير والشرّ أو الصّواب والخطأ؟ إنّ الاختلاف لا يبرّر الحقد أبداً، ولا الكراهية، ولا كلّ مظاهر العداء للآخر، في أيِّ جانب من جوانب حياته.

وعلى هذا الأساس، وجدت هذه المؤسّسة التي أردنا لها، ومنذ تأسيسها، أن تشكّل مظهراً لهذا الانفتاح، وأن تكون سفيرة تربوية وعلمية وأخلاقية للمؤسّسة الأم في هذا البلد في أميركا، ونريد لكلِّ العاملين فيها أن يكونوا سفراء طيبين لأهلهم ولطلابهم من جهة، وللمجتمع الذي يعيشون فيه من جهة ثانية.. وأن يفهموا خصوصيات هذا الإنسان وهذا المجتمع، لتؤدي رسالتها التربوية والتعليمية والأخلاقية على أكمل وجه، وخصوصاً اختيار الأسلوب المؤثّر والمناسب في تحقيق الأهداف.

وهنا، نعيد التأكيد على ما كنا أكَّدناه على كل أبنائنا وأحبتنا، وهو الالتزام بالقوانين في هذا البلد الذي تعيشون فيه، وفاءً لعهد عاهدتموه حين قررتم أن تكونوا مواطنين في هذه الدولة أو تلك، فهذا جزء من الالتزام الإسلامي بمنظومة قيم الخير، وليس العكس، وخصوصاً تلك التي تستهدف حماية الإنسان، وتعيش قضايا مجتمعها وهمومه، وتتفاعل معه في سبيل حياة أفضل للجميع".

وتوجَّه سماحته إلى من يدير هذه المؤسَّسة قائلاً: "نأمل أن تكون المدرسة برعايتكم وبعهدتكم، وأن تشعروا بأنها مؤسّسة للجميع، وهي تحتضن في داخلها كلّ القدرات وكلّ الطاقات، هي ليست مؤسَّسة خاصة، وإنما هي دائماً مؤسسة منفتحة تتنفَّس من كلّ احتضان المجتمع لها، ومن عطاءاته وخيراته، وهي تنمو من نقده البنّاء حين يسعى إلى أنّ يطوّر قدراتها، ويغني تجربتها، ويفعّل مسارها".



تعليقات: