تركيا تمنع استيراد الخردة من لبنان خوفاً من الإشعاعات!

خردة يتم تهريبها من سوريا إلى لبنان (Getty)
خردة يتم تهريبها من سوريا إلى لبنان (Getty)


قررت الحكومة اللبنانية مقاطعة بعض البضائع التركية، حفاظاً على مصلحة البضائع اللبنانية، فردّت تركيا بالمِثل في 15 تشرين الثاني الماضي، ومن دون سابق إنذار، فإختارت منع إستيراد "السكراب"، اي الخردة المعدنية، معلنة خوفها من الإشعاعات. معلّلة ان هذا السكراب "يحتوي مواد إشعاعية ضارّة". لكن في حقيقة الأمر، ان القرار التركي جاء رداً على القرار اللبناني، ليس إلاّ، ولم يفلح لبنان، على مدى نحو أسبوعين، بتغيير القرار التركي.

سياسة ليّ الذراع

يعرف الجانبان التركي واللبناني بأنّ قرار منع إستيراد الخردة، هو تطبيق لسياسة ليّ الذراع، لأن لبنان لم يقابل التساؤلات التركية حول قراره منع دخول المنتجات التركية، بإيجابية. فالجانب التركي بحث مع لبنان إمكانية التراجع عن القرار. واستغرَب الأتراك منع دخول بضائعهم التي تدفع رسوماً جمركية، وتدخل بصورة شرعية إلى لبنان، مقابل دخول البضائع ذاتها من الدول العربية دون تعرفة جمركية. كما أن قرار المنع لم يلغِ دخول البضائع التركية بعد تهريبها عبر الأراضي السورية، وهو إجراء يحرم الخزينة اللبنانية عائدات مالية.

دليل السياسة التركية تجاه لبنان، هو "عدم إتخاذ الجانب التركي قراره عبر مجلس الوزراء، وبصيغة قانونية واضحة، وإنما عبر قرار من وزارة التجارة فقط، والتي تركت الباب مفتوحاً مع الجانب اللبناني لنقاش الخطوة"، حسب ما يوضحه أحد تجار ومصدّري السكراب إلى تركيا، رشيد كسرواني.

واختارت تركيا السكراب، وليس منتجات أخرى، بسبب إرتفاع حجم تصدير السكراب من لبنان، مقارنة ببضائع أخرى، حيث تشكل صادرات هذا القطاع نحو 66 في المئة من حجم الصادرات اللبنانية إلى تركيا، والتي بلغت قيمتها في العام 2017، نحو 90 مليون دولار.

ويصدّر لبنان "نحو 300 ألف طن سنوياً من السكراب"، وفق ما يقوله كسرواني في حديث مع "المدن". وهذه الكميّة تشغّل عشرات آلاف العائلات، بين جامعي الخردة والتجار وسائقي الشاحنات. وعليه، فإنّ توقّف تصدير السكراب "سيؤدي إلى قطع أرزاق هذه العائلات التي تعيش بمعظمها في حالة فقر كبيرة، وأغلبها في منطقة الشمال، وهذا ما جعل معدّل تصدير السكراب عبر مرفأ طرابلس أعلى من معدّل التصدير من صيدا وبيروت، ويبلغ 70 في المئة من نسبة التصدير. وفي الشمال هناك خمسة مُصدّرين وفي الجنوب مُصدّر واحد، وكذلك في بيروت".

خسائر لبنان

منذ بدء سريان تطبيق القرار التركي، "خسر لبنان نحو ثلاثة ملايين دولار، لأنّ البضائع محمّلة في البواخر وتنتظر الحل". ويلفت كسرواني النظر إلى ان التجّار "عرضوا البضائع على دول أخرى، مثل مصر، لكنها رفضت البضائع بحجّة انها لا تستوفي الشروط لناحية النوعية، وليس الشروط الصحيّة. كما انه ليس من مصلحة التجار اللبنانيين بيع البضائع إلى مصر، لأن الكلفة متدنّية هناك، ولن تعطي التجار حقّهم، فضلاً عن أن كلفة التصدير إلى مصر هي 50 دولاراً للطن الواحد، في حين أن كلفة تصديره إلى تركيا تتراوح بين 30 و35 دولاراً، وكلما ابتعدت المسافة، كلما زادت الكلفة".

الذريعة المصرية تضعها أيضاً بعض الدول الأوروبية، لأن "جودة السكراب اللبناني لا تضاهي جودة السكراب الأوروبي، إذ لا يوجد لدينا معدّات لمعالجة السكراب بطريقة أفضل. وعليه، كلّ ما يمكن تصديره إلى دول أخرى، لا يتجاوز 20 في المئة من حجم السكراب الموجود". والوضع القائم يعني أن "لبنان سيواجه نفايات إضافية ستتكدّس لديه، وتزيد من الأزمة البيئية".

سلامة الخردة اللبنانية

لا يتم تصدير الخردة من لبنان "دون إجراء فحوصات إشعاعية لها، وضمن المواصفات التي تضعها الوكالة الدولية للطاقة الذريّة"، حسب ما يؤكّده مدير الهيئة اللبنانية للطاقة الذرية (LAEC)، بلال نصولي، الذي يشير في حديث مع "المدن"، إلى ان الهيئة "منذ 15 عاماً، تقوم بالتعاون مع الجمارك اللبنانية، بفحص شحنات الخردة المعدّة للتصدير في مرافىء طرابلس وبيروت وصيدا. وتمنع الهيئة خروج أي شحنة يُشتبه بأنها تحوي مواد مشعّة. وفي حال اكتشاف أي مواد مشعّة، تقوم الهيئة بأخذها ومعالجته بطريقة آمنة".

وينفي نصولي المزاعم التركية، لأن "صحة هذه المعلومات تعني حق تركيا برفع دعوى قضائية ضد لبنان، لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهو ما لم يحصل". كما انّ لبنان يصدّر الخردة نفسها إلى دول مثل الصين، هولندا، الهند... وغيرها، "وكل هذه الدول تطلب شهادة تُثبت خلو الخردة من الإشعاعات، فلماذا لم تعترض باقي الدول؟".

يقول الجانب التركي بأن الخردة التي تحتوي على مواد مشعّة تأتي مهرّبة من العراق وسوريا، وهذا أمر لا يمكن نفيه بشكل قاطع، "لكن بمجرّد وصول تلك الخردة إلى لبنان، أصبحت خردة لبنانية، ولا تخرج من لبنان إلاّ بشهادة تثبت خلوّها من المواد المشعّة، فيما تبقى المواد المشعة في لبنان".

ويوضح نصولي أن المواد المشعّة في الخردة "تأتي من بعض الأدوات، مثل الأدوات الطبيّة التي تتخلّص منها المستشفيات. فبعض جامعي الخردة يأخذون تلك الأدوات ويبيعونها للتجّار".

الكرة الآن في ملعب الحكومة اللبنانية، هذه هي الخلاصة التي يتّفق عليها أهل هذا القطاع، والذين يطالبون وزارة الإقتصاد والتجارة بالتواصل مع الجانب التركي لحلّ الأزمة. فالأسباب واضحة، وكذلك الحلول.

تعليقات: