من يرعى مشروع إثارة الفتنة في الشارعين؟

ملالتان للجيش في بعلبك امس عقب عملية ضد عصابة رباعية. (وسام اسماعيل)
ملالتان للجيش في بعلبك امس عقب عملية ضد عصابة رباعية. (وسام اسماعيل)


مع بداية الشهر الاخير من السنة اليوم يكاد الرهان على ولادة الحكومة الجديدة قبل عيدي الميلاد ورأس السنة يتضاءل الى الحدود القصوى في ظل الانسداد الذي يواجه عملية التأليف وفكفكة العقد المتعاقبة التي يبدو ان آخرها كانت الاشد استعصاء على الحل. لكن المفارقة الخطيرة لا تكمن في الازمة الحكومية فحسب، بل تجاوزتها بأشواط خصوصا في الايام الاخيرة من خلال استحضار عامل مقلق جديد يضاف الى الهموم الاقتصادية والمالية والاجتماعية في ظل اثارة المخاوف من المحاولات للعبث بالامن والاستقرار التي برزت عبر توتير الشارع وافتعال استفزازات لفئات معينة كادت تتسبب بفتنة خطيرة.

ذلك ان ما جرى ليل الخميس - الجمعة في بعض مناطق الشوف شكل تطوراً خطيراً لجهة انكشاف اصابع تعمل على شحن النفوس وتهيئتها لاثارة الاضطرابات من غير ان تتضح تماماً مآرب النافخين في ابواق الشحن والتوتير الذي اتخذ طابع التعبئة حتى ضمن البيئة الواحدة. فبعدما عملت اصابع التوتير ووسائل الشحن أولا على اثارة التوتر في الشارع السني من خلال حملات التهجم على الرئيس المكلف سعد الحريري ووالده الشهيد رفيق الحريري، انتقلت جولة الشحن وافتعال التوتير ليل الخميس الى الشوف حيث استهدف بوضوح الزعيم الاشتراكي وليد جنبلاط عقب اندفاعه الى استنكار الحملة على الرئيس الحريري وادراجه هذه الحملة والقائمين بها في اطار الارتباط بالنظام البعثي السوري الامر الذي اكتسبت معه محاولة دفع منطقة الشوف الى فتنة داخلية على أيدي "جوقة مسلحة" تنتمي الى "حزب التوحيد العربي" بعداً خطيراً.

وأثارت محاولات تعبئة الشارع الدرزي ودفعه الى التقاتل دلالات بالغة السلبية من حيث تزامنها أولاً مع تصاعد التباينات والتعقيدات المتصلة بالازمة الحكومية، ومن حيث اثارتها ثانياً تساؤلات مشروعة عن "الجهة الراعية" لمخطط المحاولات المتنقلة بسرعة لاثارة الفتنة في الشارعين السني والدرزي، ذلك ان أحداً لا يمكنه تصور المضي في محاولات كهذه على يد فئة محدودة لا تحظى بدعم ضمني لاهدافها الخاصة سواءاً كانت جهة داخلية أم اقليمية.

وفي الوقت الذي كان الجيش يتهيأ للقيام بعملية نوعية في بعلبك افضت الى تصفية إحدى أخطر عصابات القتل والخطف والتزوير وباقي الجرائم المنظمة، اضطر الجيش في الوقت نفسه الى القيام بعملية احتواء سريعة لمحاولة اثارة الفتنة في الشوف ونجح في توقيف عشرات السيارات والاشخاص المتورطين قطع الطرق وحمل الاسلحة ونقلها وافتعال أعمال استفزازية كانت تشعل قتالاً داخلياً جراء استدراج الموكب المسلح لاهالي المنطقة والحزب التقدمي الاشتراكي الى تعبئة واسعة. وتحدثت معلومات عن توقيف الجيش نحو 25 سيارة و57 شخصاً مسلحاً كانوا يشكلون موكب الشغب الذي جال في الشوف وصولاً الى المختارة، الامر الذي استدعى نزول أفراد الحزب الاشتراكي الى الارض. وكادت العراضة المسلحة تتسبب باشتباك مسلح لدى بلوغها الباروك، فعمد الاشتراكيون الى قطع الطريق على الموكب بين الباروك ومعاصر الشوف بحيث حوصر تماماً. وبدأت الاتصالات بين قيادة الجيش والقيادة الاشتراكية، فاستجاب جنبلاط بسرعة وطلب من جميع المناصرين ترك الجيش وحده يتعامل مع الموقف. وعمد الجيش الى التحرك السريع فدفع بقوى الى مناطق التوتر وقطع الطرق وفتحها وعمل على تأمين خروج الموكب المحاصر من طريق البقاع وصولاً الى ضهر البيدر وأوقف 57 شخصاً من المشاركين في الموكب و25 سيارة وضبطت أسلحة وذخائر وبوشر التحقيق مع الموقوفين.

وفي الوقت نفسه كلف النائب العام التمييزي القاضي سمير حمود شعبة المعلومات في قوى الامن الداخلي اجراء التحقيق في ضوء الاخبار المقدم من عدد من المحامين ضد الوزير السابق وئام وهاب وكل من يظهره التحقيق فاعلاً أو مشتركاً أو متدخلا أو محرضاً في موضوع يتناول إثارة الفتن والمس بالسلم الاهلي من فيديو انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي يوم الاربعاء الماضي. وطلب القاضي حمود من فرع المعلومات استدعاء وهاب والاستماع الى إفادته في شأن مضمون الفيديو ليتخذ القاضي حمود الاجراء القانوني المناسب، كما قالت مصادر قضائية لـ"النهار".

وعلم ان القاضي حمود رفض تسلم الاخبار المقدم من وهاب ضد رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري. وقال النائب العام التمييزي لـ"النهار" انه رفض هذا الاخبار لأنه مقدم ضد رئيس حكومة البلاد ونائب في البرلمان اللبناني فضلاً عن انه يتمتع بالحصانة النيابية. وأفيد ليل أمس ان شعبة المعلومات استدعت وهاب للتحقيق معه.

جنبلاط

وغرّد جنبلاط عبر "تويتر": "ان حملات التشهير والتزوير وصلت بالامس الى حدود الشغب والتحدي على طرق الجبل. انني اشكر الجيش الذي فتح الطرق واعتقل المشاغبين، لكنني أوضح أن المختارة خط احمر ايا كانت الموازين الاقليمية". ثم غرد مساء نافياً "حملة اخبار مغلوطة" ومؤكداً ان "الامور هادئة منذ منتصف ليل (اول من) أمس بعدما حسم الجيش الموقف واعتقل المشاغبين وفتح الطرق".

واطلع النائب غازي العريضي رئيس مجلس النواب نبيه بري على مجريات ما حصل في الشوف وصرح بأن الامور في الملف الحكومي "لا تزال في مكانها مع الاسف، وآمل ان يستمع الجميع الى ما قاله وليد بك أكثر من مرة في ما يخص الذهاب الى تسوية باتفاق ما، طبعاً آخذين في الاعتبار ايضا ما جرى على مستوى الارض في الايام الاخيرة والانحطاط والانحدار في مستوى الخطاب السياسي الذي يؤدي الى اشعال الفتن وتعميم الفتن هنا وهناك، وآخرها ما حصل في الساعات الاخيرة ولا سيما ليل أمس على مستوى الجبل. اذا كان انحياز وليد جنبلاط بالعقل والحكمة والمنطق والحزب التقدمي الاشتراكي وبما يمثل هذا الموقع، خلال كل السنوات السابقة، الى منطق الدولة والاحتكام الى مرجعية الدولة في معالجة كل الامور، فهذا يعبّر عن حكمة وقوة وشجاعة ولا يعبّر عن ضعف. لا تزال المختارة هي المختارة ولا تزال كلمة المختارة هي الكلمة المختارة في أصعب الظروف".

الحريري وباسيل

وسط هذه الاجواء، استقبل الرئيس الحريري مساء في "بيت الوسط" وزير الخارجية جبران باسيل وتخلل اللقاء عرض للأفكار التي كان الوزير باسيل قد بحث فيها مع رئيس مجلس النواب، في إطار الجهود الرامية الى إيجاد حل لأزمة تأليف الحكومة. ومع ان اي مؤشرات لم تبرز لتقدم ما على طريق بلورة أي مخرج ضمن الاقتراحات التي يطرحها باسيل لحل عقدة تمثيل نواب سنة 8 آذار، فان مصادر "التيار الوطني الحر" حرصت على التأكيد ان أجواء النقاش كانت ايجابية وان هناك العديد من الحلول على طريق النقاش. وكان الرئيس الحريري أعلن خلال رعايته احتفالاً لاتحاد جمعيات العائلات البيروتية "أن العقد التي أثيرت أخيراً في وجه تشكيل الحكومة تتم معالجتها"، مؤكداً في المقابل أن "موقفه واضح ولن يتراجع عنه".

تعليقات: