في عالمهم.. نسيت عالمي!

الكاتبة ليلى رحيّل مع  ذوي الاحتياجات الخاصة في دار الأيتام الإسلامية في حاصبيا
الكاتبة ليلى رحيّل مع ذوي الاحتياجات الخاصة في دار الأيتام الإسلامية في حاصبيا


        

في ذاكرة كل الناس.. أن الصمم لم يمنع بيتهوفن من تقديم أجمل الموسيقى للعالم.. ومرض الديسلكسيا لم يمنع دافنشي من رسم أجمل اللوحات التي أدهشت العالم.. ولا منع نيوتن من وضع قوانين الفيزياء والحركة...

وفي ذاكرة كل الناس.. يحفر اسم الراحل ستيفن هوكينغ، أبرز علماء الفيزياء والنظرية والذي كان يقارنه البعض بآينشتاين ونيوتن.. وهو كان من أبرز الشخصيات على مستوى العالم بفضل عبقريته العلمية وإعاقته الجسدية الكبيرة.. بسبب مرض التصلب الضموري العضلي الذي أصابه بشلل تام...

نعم، في كل العالم.. هنا كفيف يبرع.. هناك أصم يتفوق.. وآخر بشلل نصفي يبدع.. وبطل بدون أطراف يدهش العالم.. مكفوفون في مباراة للشطرنج يتحدون باحترافية عالية.. وفريق يتحدث بلغة الإشارة يقدم عرضاً راقصاً يبهر العالم أيضاً...

في لبنان.. بعضٌ من الأمثلة.. في الإعلام والعلوم والفن والموسيقى برع وتفوق الكثير من ذوي الاحتياجات الخاصة.. وداليا فريفر نموذج الإعلامية الكفيفة التي دخلت موسوعة غينيس بتحقيق رقم قياسي في البث المباشر...

في لبنان.. تدهشنا صبية جميلة.. لا تقبل الهزيمة أبداً.. بطلة هي في القوة والإرادة والتحدي والانتصار بساق واحدة...

ويبهرنا طفل.. بعزيمة وإرادة بطل يتحدى كل الصعاب ويتفوق في الغولف في المركز الثاني ، وعينه على الأول وهو مبتور اليدين...

ويؤسفنا منذ أيام، أنهم أهانوا شاباً في الجامعة وهو ذاهب إليها يتكىء على بصيرته وعصاه، لا ليستجدي عطفاً، بل كي يتسجّل في صفوف الماجستير...

ويؤسفنا أكثر عدد هائل منهم من الجامعيين الذين يستجدون عملاً، ويطول بحثهم عن بصيص نور هذا الأمل...

نعم.. لديهم احتياجات خاصة.. لكنهم يملكون من الإرادة والقوة، ما يرسم علامات الاستفهام والتعجب والخجل عند كثيرين عاجزين عن السمع والبصر والعطاء، وهم بحواس خمس...

وكما في كل العالم.. من المعايير المهمة لتقدم المجتمعات أن نؤمن بأن لذوي الاحتياجات الخاصة:

* الحق بالحياة وتأمين المساعدة والتأهيل لهم...

* حقهم الدمج في المجتمع والانخراط في نظام التعليم، وتقديم الخدمات التربوية لهم على صعيد متكامل يراعي ظروفهم...

* حقهم.. تأمين مدارس خاصة تراعي كل فئة منهم، ومؤسسات خاصة ترعاهم على أيدي أناس مهنيين ومتخصصين، وتذليل الصعاب التي تواجههم...

* من حقهم.. المساواة في فرص العمل دون تمييز أو ظلم، وحمايتهم من البطالة...

* من حقهم.. وسائل نقل ومواصلات وإشارات تنبيه صوتية مرئية...

* من حقهم.. الدعم والأولوية في الرعاية، لا أن تتوقف ميزانيات الوزارات عن الاستيعاب عند احتياجاتهم...

منذ فترة.. لأول مرة زرتهم في دار الأيتام الإسلامية في حاصبيا.. هناك ما كنت أعرف ماذا ينتظرني.. الى عالمهم أخذني حماس وحب وإحساس بهم... وفي عالمهم، نسيت عالمي...

هناك تعلموا كيف يصنعون من البالونات وردة.. صنعها محمود وقدمها لمعلّمته.. وساعد سوزان لتصنع وردتها.. وكذلك فعل كمال مع دانيال.. وغنّت سالي فرحةً.. وقال عماد شعراً، وصفق وائل وصفقت سارة ولمى وليال تشجيعاً وفرحاً...

في عالمهم.. ورود حياة، تحتاج الى مياه الرعاية والدعم والاهتمام والتوجيه، كي تتفتح ويفوح منها عطر العطاء والإنسانية... عطر يعلن أننا نتشابه جميعاً في حق العيش الكريم في أي مكان في هذا العالم...

في عالمهم.. نسيت عالمنا.. المثقل بالاحتياجات الخاصة.. عالمنا الأبكم الأصم الأعمى المبتور الإرادة والقوة.. والذي يستبدل ورود الحياة بأشواك المصاعب والمتاعب..



تعليقات: