لماذا فشلت بلدية صيدا في معالجة مكب نفايات المدينة والجوار؟

جانب من جبل نفايات صيدا
جانب من جبل نفايات صيدا


من موقع عشوائي مؤقت إلى جبل خطر... ودائم الانهيار..

صيدا :

من جملة العناوين الأساسية التي خاض المجلس البلدي الحالي لمدينة صيدا معركته الانتخابية على أساسها، بند تخليص أهل المدينة من مكب جبل النفايات الجاثم على صدور الصيداويين منذ أكثر من 30 عاما والذي لم يجد طريقه بعد الى الزوال...

مضت أكثر من 3 سنوات من عمر المجلس الحالي وجبل النفايات يزداد ارتفاعا، بالإضافة الى اتساع قاعدته بالطول والعرض.

خطر مكب صيدا البيئي والصحي في البر والبحر لا يقف عند حدود. في الصيف ينقل سحب الاوبئة لكل الجوار من حوله، وفي الشتاء ينهار اكثر من مرة في البحر، بكميات ضخمة تعادل آلاف الأطنان.

آخر هذه الانهيارات حصلت قبل أيام حيث سقط نحو 200 طن في البحر وسببت أضرارا لا تحد ولا تحصى للبيئة البحرية وللأسماك وللصيادين تحديدا. هذا عدا عن كونه قنبلة بيئية قد تنفجر في اية لحظة بسبب غاز الميثان الشديد الاشتعال المتوفر في أعماقه، وقد بلغ ارتفاعه، حسب آخر المعلومات، اكثر من 35 مترا!

اصبح مكب نفايات صيدا مضربا للأمثال عند الجمعيات البيئية المحلية والدولية بسبب الملوثات العضوية الخطيرة التي يتكون منها والامراض التي يسببها ان عبر الهواء، او من خلال البحر او من خلال المياه الجوفية بعد ان تسللت الى اعماق الرقعة التي يربض فوقها عصارة لزجة من التلوث طيلة 3 عقود ووصل صيت نفاياته ومخاطرها الى دول البحر الابيض المتوسط المجاورة.

مسؤولية البلدية

مجلس بلدية صيدا برئاسة الدكتور عبد الرحمن البزري حاول ايجاد الحل واجتهد منذ وصوله في سبيل ذلك وله في مقصده أجر... حين سعى من خلال هبة مالية قدمتها مؤسسة الامير السعودي الوليد بن طلال وقيمتها 5 ملايين دولار... لكن الامور لم تصل الى خواتمها السعيدة.. ولذلك قصة تبدأ من تاريخ تلزيم إزالة وإزاحة الجبل الى شركة الجنوب للاعمار التي يرأس مجلس ادارتها المهندس رياض الأسعد، على اساس «ان يبدأ العمل فورا».. لكن مضى ما يزيد عن 3 سنوات من عمر ولاية المجلس ولم يحصل أي تطور يلامس او يقترب من نفايات المكب باستثناء بعض الاشغال اللوجستية.. وحتى ان احاديث في صيدا اشارت الى ان كلفة هذه الاشغال وصلت الى نحو مليون دولار او اقل بقليل من اصل هبة الـ5 ملايين دولار.. وتوقفت الاشغال عن هذا الحد.

وفجأة طار اسم شركة الجنوب للاعمار كملتزم إزالة المكب ولم يعد يرد اسم المهندس رياض الاسعد بتاتا! لا بل اكثر من ذلك فقد بدأت البلدية رحلة البحث من جديد عن اسم آخر للتعاقد معه (وقد بدأتها فعليا) لازالة المكب في ما تبقى لمجلسها من عمر، خاصة ان هناك معلومات تحدثت عنها اوساط مطلعة في بلدية صيدا بشكل جدي واكيد تشير الى طريقة يطلق عليها «الباطن» حيث سيتم تلزيم ازالة ومعالجة نفايات جبل صيدا الى متعهد آخر أي «تعهد بالباطن» لتنفيذ الاشغال من ضمن هبة الـ 5 ملايين دولار، لكن بآلية مختلفة واقل عرضة لتأثيرات العرقلة والتعطيل؟!...

وهكذا كأننا امام فصل جديد من قصة «ابريق الزيت»، التي لا تنتهي، وتتحول الى قصص «الف ليلة وليلة».

البزري يوضح

رئيس بلدية صيدا الدكتور عبد الرحمن البزري اراد عبر «السفير» وللمرة الأولى ان يضع النقاط على الحروف ويروي قصة المكب والعرقلة والتعطيل والأسباب، ويضع حدا لكل التأويلات حول هذا الملف الشائك جدا والملوث جدا في المدينة مؤكدا «ان هذه المنطقة من صيدا اختيرت لرمي النفايات في منتصف السبعينات (1975) وذلك نتيجة لنقل الدباغات ووجود المسلخ القديم فيها. انما الجبل بدأ تشكيله فعليا عام 1982 بعد الاجتياح الإسرائيلي واحتلال مدينة صيدا حيث نقلت إليه كل ردميات الدمار الذي حل بالمدينة والمنطقة إضافة لعمليات فتح الشوارع والطرقات وتنفيذ مخططات تنظيمية قديمة للمدينة في ذلك الوقت». يضيف: «ومع مرور الزمن، ونتيجة لاستمرار هذا الوضع الذي اعتبر في البداية مؤقتاً، وتحول لاحقا إلى شبه دائم وعشوائي، لا سيما أن البلديات المتعاقبة اعتمدت في السابق سياسة الفلش والطمر للنفايات، فأخذ هذا المكب العشوائي هيكلية الجبل الذي بدأ يرتفع بشكل تدريجي. وقد استخدمت بلدية صيدا والمناطق المحيطة بها هذا الموقع العشوائي للتخلص من نفاياتها المنزلية والاستشفائية وللتخلص أيضاً من كافة أعمال الحفريات والردميات في هذه المناطق حيث يعتبر هذا الموقع المكان الوحيد لأكثر من 300.000 مواطن للتخلص من نفاياتهم وبقاياهم بشكل عشوائي وغير مدروس».

لماذا تحصل الانهيارات؟

ويحدد البزري النسيج العضوي الذي يتشكل منه هذا الجبل على الشكل التالي: 70 ٪ منه ردميات وأتربة. وبفعل عوامل طبيعية ترسبت العصارة العضوية من النفايات ضمنه فحدث تخلخل في بنية المكب مما إلى أدى حدوث تشققات تهدد بانهياره وتشكل خطراً على العاملين فيه. وانه منذ سنوات عدة قامت الشركات المتعهدة لجمع ورمي النفايات بإرسال عدة كتب للبلديات السابقة في مدينة صيدا تنذر بوجود خطر شديد واحتمال وقوع كارثة في حال الاستمرار باستخدام هذا المكب لأنه أصبح يعتبر جبلاً حجمه /000,570/م2 وعلوه من 30م الى اكثر من 35م وداخله طرقات لحركة الآليات والجرافات الثقيلة ويحيطه غرباً دون أي حماية البحر وعلى واجهة تزيد عن 375 م وشرقاً الأوتوستراد السريع وجنوباً مجرى نهر عين الزيتون.

الخطر في العصارة

ويشير البزري الى انه قد جرت انهيارات عدة في المكب في السابق وحتى الامس. فإذا انهار الجبل غرباً سقط في البحر، وشرقاً، عطل حركة المرور، وجنوباً، على مجرى عين زيتون. وكونه يتشكل من مواد عضوية قديمة وجديدة ما زال ينبعث منه غازا الميثان والكربون. وهو أيضاً مهدد بخطر الاحتراق والاشتعال وأحياناً الانهيار وهذا ما يفسر تكرار ما حدث في السنوات الأخيرة، حيث كان يحترق ويلوث البيئة والهواء في المدينة ومحيطها.

ويعتبر البزري ان الضرر الأكبر من المكب ليس في خطر الانهيارات البحرية ولكن في العصارة العضوية التي لا تزال تتسرب الى البحر منذ سنوات طويلة بما لا يزيد عن 25 عاماً، والتي تتسرب أيضا إلى التربة المحيطة بالمكب... وقد أدى ذلك إلى ضرر بيئي كبير وإلى تراجع وموت البيئة البحرية في محيط المكب وحوله.

حلول البلدية والعقبات

ويؤكد البزري أنه في السابق لم يكن يتوفر أي حلول جدية لمعالجة هذا المكب، فقام المجلس الحالي للبلدية بمقاربة الموضوع من ثلاثة اتجاهات هي:

1 ـ الحصول على التمويل اللازم وتم ذلك من خلال هبة من مؤسسة الوليد بن طلال الإنسانية وما زالت موجودة ومتوفرة وإن لم تستخدم حتى هذه اللحظة.

2 ـ الحصول على كافة التراخيص والتصاريح اللازمة من كافة الإدارات ووضع المخططات العلمية والتقنية للمعالجة.

3 ـ البدء بأعمال المعالجة فور توفر كافة الشروط.

الا ان الأعمال، على أهميتها، كانت قد تعرضت للكثير من العقبات وذلك لأسباب عديدة، منها ما هو إداري ومنها ما هو سياسي ومنها ما هو بيئي، يتعلق بعلاقات لبنان ومعاهداته الدولية كمعاهدة برشلونة... لذا فإن البدء بمعالجة المكب قد تأخرت رغم تأهيل الساحات المحيطة بالمكب حيث قامت البلدية الحالية بتأهيل مساحات تقدر بـ 15.000 م2 بمحاذاته، لتحضير الأعمال للمعالجة والفرز وأزالت كل المخالفات من الأملاك البحرية والأبنية المحيطة من أجل تسهيل إدخال وإخراج الآليات والمعدات الضرورية للمعالجة وإيجاد المساحات المطلوبة للقيام بهذا العمل.

الخطة المتعثرة

وكانت الخطة السابقة لمعالجة المكب التي تم إيقافها وتعطيلها تقتضي التالي:

ـ إغلاق مكب صيدا.

ـ إغلاق مكب آخر في كسارة مهملة وغير مستعملة في منطقة زغدرايا حيث تتخلص سبع قرى من نفاياتها بشكل عشوائي ونقلها إلى مكب صيدا لمعالجتها مع نفايات صيدا.

ـ فرز محتويات المكب ومعالجته ونقل المواد العضوية والعوادم إلى أماكن متخصصة تحددها وزارة البيئة، إلى بعض المناطق المرخص لها. في حين أن الأتربة المعالجة يتم فحصها في مختبرات علمية معترف بها دولياً ومحلياً لتنتقل في ما بعد إلى كسارة زغدرايا لإعادة تأهيل الكسارة وزرعها بالأشجار لتصبح منطقة حرجية ثم يتم شراء الكسارة من أصحابها الحاليين وهم من المواطنين الصيداويين وتقدم إلى بلدية القرية كونها في خراج تلك المنطقة لكي تتسلمها كسارة مستصلحة ومزروعة.

ويعلن البزري ان الهدف من هذه الخطة كان الإفادة البيئية من عدة نواح اهمها إغلاق للمكبين العشوائيين في صيدا وزغدرايا لاستصلاح كسارة وتأهيلها وتشجيرها. وإنهاء حالة نزاع قضائي قائمة بين ما يسمى الأملاك العقارية الخاصة والأملاك العامة.

إلا أنه ولأسباب عديدة تم تعطيل هذا المشروع وتأخيره. وعلى هذا الأساس فإن بلدية صيدا تقوم بإعداد التفاصيل النهائية بمقاربة جديدة للمعالجة.

الحلول البديلة... سرية

ويعترف البرزي انه «بعد عدة تعسرات وتأخر دام لأكثر من سنتين، لدينا حاليا جو من التفاؤل يسود بلدية صيدا باحتمال تجاوز كافة العقبات والبدء بأعمال المعالجة في المستقبل القريب ضمن مخطط يتفادى التأثر بعناصر متعددة بإمكانها عرقلة الأعمال». من دون ان يفصح عن خطة البلدية المقبلة التي يحيطها بالسرية ومن دون اية اشارة «لشركة الجنوب للاعمار» التي يرأسها الأسعد.

الانهيار الاخير

وحول الانهيار الاخير لكتل من النفايات في البحر قال البزري: «قبل نحو اسبوع انهار جزء من المكب يقدر بـ 200 طن من الرمول والنفايات في البحر مباشرة نتيجة للزلازل والهزات والذي أحدث تشققات هامة وأساسية في بنية المكب بالإضافة إلى العاصفة القطبية الأخيرة التي اجتاحت المنطقة».

وأكد «أن مثل هذه الانهيارات ستبقى قائمة ومحتملة الحدوث طالما أنه لم يتم معالجة مكب النفايات بشكل جدي ونهائي وكونه لا يسمح لصيدا بما سمح لغيرها.

فالجميع يعلم أن مكب النورمندي تم التخلص من جزء منه في البحر في حين أنه منع على صيدا أن تقوم برمي الرمول المعالجة والسليمة في البحر بحجة وجود معاهدة برشلونة التي تمنع ذلك». ويتساءل البرزي باسم بلدية صيدا: «لماذا تطبق معاهدة برشلونة على مكب صيدا ولا تطبق على مكب النورمندي».

الرد على الاتهامات بأسئلة

ويختتم البزري حديثه لـ«الســفير» بجملة من الأسئلة التي تطالب بلدية صيدا الجهات الرسمية المختصة في الدولة بالإجابة عليها بشكل جدي وسريع وهي:

ـ ما هو مصير معمل معالجة النفايات المنزلية الصلبة في جنوب المدينة وما هي آلية تفعيله،خصوصاً بعد التأخير من قبل أصحابه في القيام بتنفيذ تعهداتهم لأكثر من سنتين على العقد الأساسي الموقع بينهم وبين بلدية صيــدا في العـام 2003؟

ـ ماذا سيحصل للنفايات الجديدة التي تنتجها صيدا ومحيطها والقرى التي تستفيد من مكب صيدا بعد إغلاقه ؟

ـ ما هو مصير الخطة الشاملة التي وعدت الحكومة ومجلس الإنماء والإعمار بوضعها وبتنفيذها، وأين تقع مسؤولية الدولة اللبنانية في هذا الخصوص؟

ـ لماذا تركت بلدية ومدينة صيدا وحدهما لتتحملا مسؤولية معالجة وإزالة هذه المشكلة البيئية الضخمة في حين أن الدولة اللبنانية قامت في السابق إما بشكل كلي أو بشكل جزئي في معالجة مشاكل بيئية شبيهة؟ وعلى سبيل المثال لا الحصر مكبات النورمندي، وطرابلس وزحلة؟

وقال ان هذه الأسئلة تضعها البلدية في متناول الرأي العام وبين أيدي الصيداويين للتساؤل حولها وإيجاد الحلول مع إصرار وتأكيد البلدية أنها لا تتهرب من مسؤولياتها فهي مستعدة كل الاستعداد للقيام بأعمال المعالجة مدعومة بالهبة المالية من مؤسسة الوليد بن طلال الإنسانية مع الدراسات والخبرات التي استثمرتها وأعدتها خلال ثلاث سنوات.

 جرافة البلدية تحاول «معالجة» الانهيار الأخير
جرافة البلدية تحاول «معالجة» الانهيار الأخير


تعليقات: