محاضرة لفاعور في النبطية عن جغرافية جبل عامل بين الهجرة والمقاومة


حاضر العميد البروفسور علي فاعور في "المؤتمر الجنوبي الثاني" عن: "جبل عامل تاريخ وواقع"، بعنوان "مقدمة في جعرافية جبل عامل"، والذي نظمته "هيئة تكريم العطاء المميز"، مع "التجمع الوطني للثقافة والبيئة والتراث"، في مطعم قصر الملوك في النبطية - كفرجوز، وفي حضور عدد من عمداء الكليات واساتذة جامعيين والشخصيات الاجتماعية والفكرية والسياسية.

بعد النشيد الوطني القى رئيس "التجمع الوطني للثقافة والبيئة والتراث" أنطوان أبو جودة كلمة شدد فيها على أهمية المناسبة. وأما رئيس "هيئة تكريم العطاء المميز" كاظم نور الدين فشدد في كلمته على "أهمية إنعقاد هذا المؤتمر الجنوبي الثاني، ودوره في الحفاظ على تاريخ جبل عامل، ودور الحركة الثقافية في إحياء التراث العاملي".

فاعور

ومن ثم تحدث فاعور في الجلسة الثانية عن جغرافية جبل عامل، وقال: "...إنها بين الماضي والحاضر، هي في الجوهر جغرافية الصمود في مقاومة الإحتلال، وأيضا في وجه الحرمان الذي عانت منه المناطق الجنوبية، وهي ما زالت تعاني نتيجة فشل السلطة السياسية في تنظيم الجغرافية وحماية الأرض والحدود. إن ثمة حقيقة أصبحت ثابتة، على رغم النزوح والهجرة والتهجير المستمر، وهي الإرتباط بين الإنسان والأرض. ولقد إستمد الجنوب شخصيته من أرضه ومناخه ومياهه وتربته. ولعل في هذه الموهبة سر بقائه وحيويته وصموده".

وتضمن البحث مقدمة في الجغرافية التاريخية عن تطور منطقة جبل عامل (أو عاملة) بين الماضي والحاضر، ومن ثم اصل التسمية من جبال الخليل أو الجليل، أو بلاد بشارة، كما دعيت في الكتب القديمة، وكما ورد في المعاجم التاريخية من خلاف في تحديدها ومساحتها الجغرافية، وبخاصة بعد سلخ الكثير من قراها وضمها إلى المناطق الشمالية في فلسطين المحتلة. وقد بلغت مساحة "جبال عاملة" بحسب تقديرات بعض المؤرخين نحو ثلاثة آلاف كيلومتر مربع، ويرتفع هذا الرقم إلى ثلاثة آلاف ومئتي كيلومتر مربع، الى اعتبار ان طول الجبل يبلغ ثمانين كيلومترا وعرضه أربعون.

كما تناول البحث دراسة المعالم الطبيعية لمنطقة الجنوب اللبناني، وتوزع الأراضي فيها بين السهول الساحلية والهضاب المتوسطة والجبال العالية، والتي تمثل من حيث مساحتها حوالي خمس مساحة لبنان (2019 كلم2)، ومن ثم توفر الموارد المائية والأنهار من الأولي في الشمال حتى الليطاني في الوسط، والحاصباني عند الحدود الشرقية المحاذية لجبل حرمون، بينما هي تفتقر لمياه الري والشرب، وتواجه مخاطر تصحر الأراضي لتراجع كميات الأمطار وجفاف الينابيع لعدم القدرة على تنظيم إستخدامات الأراضي وعدم إكتمال مشروعات الري بحيث أن الجنوب الذي كان مصدرا للحبوب والخضار والحمضيات والموز والزيت وعسل النحل، قد تحول منذ عدة سنوات إلى تصدير القوى البشرية والهجرة الزاحفة من الأرياف الجنوبية الفقيرة والمدن الصغيرة نحو ضواحي العاصمة بيروت والمدن الكبرى في الداخل وبلدان الإغتراب في الخارج.

وتضمن البحث أيضا دراسة عن تزايد عدد السكان البالغ نحو خمس سكان لبنان، ففي عام 1970، بلغ عدد السكان المقيمين في الجنوب 249,945 ساكن، يمثلون نحو 11,7 في المئة من مجمل سكان لبنان (ما عدا اللاجئين في المخيمات الفلسطينية)، بينما كانت هذه النسبة تبلغ نحو 13,2 في المئة عام 1964، وفي عام 1996، وبعد أكثر من ربع قرن فقد إرتفع عدد السكان المقيمين في محافظتي الجنوب والنبطية، ليبلغ حوالي 488,469 ساكن، يمثلون 16 في المائة من مجمل سكان لبنان.

ويرتفع العدد بحسب سجلات النفوس ليبغ نحو 668،126 نسمة، يمثلون 22 في المئة من مجمل سكان لبنان. أما في عام 2004، فقد إرتفع العدد ليبلغ نحو 623,043 ساكن، يمثلون حوالي 16,6 في المئة من سكان لبنان (منهم 10,7 في المائة في محافظة صيدا، و5,9 في المئة في محافظة النبطية).

وعام 2018، بلغ عدد المسجلين في لوائح الشطب لإنتخابات 2018، نحو 781,477 ناخب (وهم يمثلون عدد الناخبين ممن أعمارهم 21 سنة وأكثر)، بحيث يمكن تقدير مجمل عدد السكان المسجلين في سجلات النفوس في الدائرتين (أو في أقضية الجنوب اللبناني ال7) بنحو 1,350,000 نسمة، يمثلون أيضا نحو 22 في المئة من مجمل سكان لبنان.

كما وتضمنت المحاضرة تأكيد الإرتباط بين الهجرة والمقاومة التي أصبحت علامة بارزة في تاريخ الجنوب المقاوم، وهي التي شكلت خط الدفاع الإستراتيجي عن وحدة لبنان. فالجنوب في الواقع ليس مكانا للهجرة المغادرة بمعناها المطلق، والتي أرادتها إسرائيل من خلال عمليات التهجير وإفراغ القرى من أهلها، بل هو مكان للمقاومة بأشكالها من التشبث بالأرض إلى الهجرة العائدة، والتي أخذت تعمر القرى والمدن الجنوبية التي تكبدت خسائر جسيمة أثناء الإختلال. وهي ظاهرة فريدة، تستحق أن تدرس بعناية ليستصفى منها جوهر شخصية الجنوب الجغرافية، حيث سقطت نظريات الهجرة القسرية التي إعتمدتها إسرائيل طيلة أكثر من ربع قرن خلال فترة الإحتلال، بهدف إفراغ الجنوب من سكانه فيسقط نهائيا ويتآكل مع الزمن أمام توسع عمليات الإستيطان.

وختم فاعور: "بات من الضروري اليوم في مناهج البحث الإستراتيجي أن نتحول من دراسة الهجرة المغادرة في الشتات، إلى دراسة آثار الهجرة العائدة وسبل بناء الجسور وتوثيق العلاقات مع المهاجرين لتأمين مشاركتهم في مشاريع إعادة الإعمار وكل ما يتعلق بعمليات التخطيط الإقليمي وتنظيم إستخدامات الأراضي".

تعليقات: