تطعيم الأشجار المثمرة.. شروطها وتقنياتها


ل المتغيّرات المناخية التي بدأنا نشعر بآثارها، تتزايد أهميّة التطعيم كعمليّة إنتقاء لما هو الأفضل والأحسن والأطيب والأقدر على الصمود في وجه الأمراض والآفات والتأثيرات البيئيّة.

تطعيم النبات يشكل حلقة أساسيّة في سلسلة الأمن الغذائي، الأمر الذي يستدعي تأهيل عدد كبير من الفنّيين الزراعييّن والمزارعين، وتدريبهم على طرق التطعيم المختلفة والمتخصّصة لكل نوع من النبات.

تعريف التطعيم

التطعيم هو نقل جزء من نبتة أولى إلى نبتة ثانية بحيث ينمو هذا الجزء على النبتة الثانية ويعرف بإسم الطعم، بينما تعرف النبتة الثانية بإسم الأصل. يستخدم التطعيم لأنه الطريقة المثلى والأسرع في إكثار أصناف النبات ذات الإنتاجيّة العالية والمواصفات الجيّدة. وللتطعيم فوائد كثيرة أهمّها: الحصول على ثمار خلال فترة أقصر (النباتات المطعّمة تعطي ثمارًا قبل النباتات التي تمّ إكثارها بطرق أخرى)، مكافحة الأمراض والحشرات المستعصية، وإكثار الأصناف التي لا تتكاثر بالبذور (كالبرتقال أبو صرّة الذي يتم تطعيمه على أصول الحمضيات المختلفة).

شروط نجاح التطعيم

لكي تنجح عملية التطعيم، هناك مجموعة من الشروط يجب مراعاتها مثل:

- أن تكون الشجرة التي يؤخذ منها الطعم ذات مواصفات جيّدة.

- أن يكون الطعم والأصل من عائلة نباتيّة واحدة (التفّاحيّات، اللوزيّات الحمضيات...) وبالتالي أن يكون هناك توافق بين الأصـل والطعــم.

- أن يكون الطعم والأصل خاليين من الإصابات بالحشرات والأمراض.

- أن يكون للأصل والطعم سرعة النمو نفسها في الربيع، وإذا تعذر هذا الأمر، فإن سرعة النمو يجب أن تتوافر للأصل، كما يجب ألاّ يجفّ الطعم.

- أن تتمّ تغطية الجروح في الأصل والطعم بالماستيك وربطها بإحكام.

أنواع التطعيم

هناك نوعان أساسيّان لتطعيم الأشجار المثمرة والكرمة في لبنان هما: التطعيم بالقلم (تركيب) أو مزلوف، والتطعيم بالبرعم (العين) أو القمحة.

• التطعيم بالقلم (تركيب) أو مزلوف:

تستعمل طريقة التطعيم هذه خلال أشهر الشتاء التي تشهد سكون العصارة في النبات وسقوط أوراقه، وحتّى بداية تحرّك هذه العصارة، أي ما بين كانون الأول وأواخر آذار، وتبيّن أن التطعيم بهذه الطريقة في الجزء الأخير من مرحلة سكون النبتة أي قبيل تحرّك العصارة وبدء النمو في الربيع (آذار)، يعطي أفضل النتائج. ولا بدّ في هذا السياق من الذكر أن هناك عدّة طرق للتطعيم بالقلم سنعرض بعضًا من أكثرها نجاحًا وسهولة:

1- التطعيم بالشقّ:

تستعمل هذه الطريقة في المشاتل ولتطعيم الأشجار الكبيرة ذات الفروع العريضة التي يراوح قطرها بين 3 و10 سم، كما لتطعيم شتول الكرمة المزروعة في الأرض الدائمة، وتتمّ عملية التطعيم وفق هذه الطريقة على الشكل الآتي:

- التطعيم في المشتل: يقصّ الأصل على إرتفاع يراوح بين 5 و10 سم فوق سطح التربة، حيث نجري بسكّين التطعيم شقًّا عموديًا بعمق نحو 3 سم ثم نفتح الشقّ بخشبة سكّين التطعيم، وندخل قلم التطعيم الذي يحمل 2إلى3 براعم ونقصّه بشكل مائل فوق البرعم، ثم نبري قلم التطعيم من الجهتين الداخليّة والخارجيّة بحيث يكون رفيعًا من الداخل وغليظًا من الخارج ثم نغطّي مكان التطعيم (بالـماستيك) ونربطه (بالرافيا) بإحكام.

- تطعيم الأشجار الكبيرة السن: تنشر فروع الشجرة في أمكنة خالية من العقد والفروع الجانبيّة - على المستوى نفسه - بمنشار حاد من أجل الحصول على أقلام تطعيم متساوية النمو، ثم يجري التطعيم وفق ما ذكر آنفًا.

- تطعيم أصول الكرمة الأميركيّة المزروعة في الأرض الدائمة: تتمّ هذه الطريقة بنشر الأصل على إرتفاع 2 إلى 3 سم فوق سطح التربة، ثم نجري شقًا عموديًا وندخل الطعم كما شرحنا سابقًا ونربطه بالرافيا ونغطّي الجروح بالماستيك. بإمكاننا أن نضع قلمًا واحدًا أو أكثر حسب قطر الأصل ثم نغطي قلم أو أقلام الطعم بالتراب الناعم ونسقي المطاعيم بهدف توفير تربة رطبة حولها. ويستمر ذلك حتّى ظهور النموّات الخضريّة فوق سطح التربة حيث نكشف على منطقة التطعيم بتأنّ كي لا نتسبّب بكسرها، ونزيل بسكّين حادّة الجذور النامية على أقلام التطعيم. وفي حال نمو أكثر من قلم نبقي على الأقوى ونزيل الأخرى بحيث تبقى الغرسة على فرع واحد.

يجدر بالإشارة أن أفضل توقيت لعمليّة التطعيم هذه هو قبل بداية سريان العصارة بحوالى 15إلى20 يومًا أي خلال شهر آذار، وبعد إنقضاء إحتمال إنخفاض الحرارة إلى ما دون الصفر والصقيع.

تستعمل طريقة التطعيم بالشق على أصول التفّاحيّات (التفّاح والإجاص والسفرجل) واللوزيّات (الخوخ والكرز) ولكنها لا تستعمل على أصول الدرّاق والمشمش خوفًا من التصمّغ في منطقة التطعيم.

2- التطعيم (التركيب) اللساني:

تستعمل طريقة التطعيم هذه عندما تكون أصول الأشجار المثمرة والكرمة ذات قطر صغير يراوح بين 6 و12 ملم، والأفضل أن يكون قطرا الطعم والأصل متساويين، وتستعمل هذه الطريقة بشكل خاص في المشاتل ولتطعيم الكرمة الأميركيّة.

3- التطعيم (التركيب) اللحائي أو القلفي:

يطبّق هذا النوع من التطعيم في الربيع عندما يكون فصل القشرة (اللحاء) عن الخشب أمرًا سهلاً، أمّا بالنسبة إلى أقلام التطعيم فتؤخذ في الشتاء عند التقليم وتحفظ في البرّاد حتّى الربيع. تستعمل هذه الطريقة في تطعيم فروع الأشجار الكبيرة على الشكل الآتي:

تنشر الفروع بشكل متساو في مكان أملس وخال من العقد، ثم نقوم بشق القشرة على طول 5 سم إلى الأسفل بحيث يمكن إدخال قلم التطعيم الذي يقطع من الأعلى إلى الأسفل، ثم يقطع من الجهة المقابلة أيضًا على أن يكون أحد المقطعين أطول من الآخر.

4- التطعيم باللصق:

يطبّق هذا النوع من التطعيم في أنواع النباتات وأصنافها التي يصعب تطعيمها، وذلك بقشط جزء من قشرة الأصل وخشبه، وقشط جزء من قشرة قلم التطعيم وخشبه ولصقهما في منطقتي القشط، ثم ربطهما وتغطية الجروح بالماستيك. تستعمل هذه الطريقة بشكل واسع في حدائق الزينة.

• تطعيم البرعم (العين) أو القمحة:

يتحقّق هذا النوع من التطعيم من خلال أخذ برعم (قمحة) من الطعم ووضعه على الأصل, وذلك في فترة سريان العصارة وعندما يكون فصل القشرة أمرًا سهلاً.

ويتطلّب نجاح هذا التطعيم تقارب سماكتي الأصل والطعم بحيث تتطابق أنسجة الكامبيوم فيهما، وهناك عدّة طرق للتطعيم بالبرعم سنذكر أهمّها وأسهلها تطبيقًا:

1- التطعيم الدرعي:

تستعمل هذه الطريقة في تطعيم الغالبيّة العظمى من الأشجار المثمرة باستثناء تلك التي تتميّز بقشرة سميكة كالتوت والجوز. وتطبّق على الأصول ذات الأقطار التي تراوح بين 5 و25 سم، وتتمّ عمليّة التطعيم على الشكل الآتي: يجري التطعيم على إرتفاع يراوح بين 10و20 سم فوق سطح التربة (حسب نوع الشتول في المشتل)، أمّا في حال تطعيم فروع عالية على أشجار كبيرة، فيتم التطعيم في الجزء الأسفل من الفرع بعمل قطع أفقي بطول 1.5إلى 2سم بسكّين تطعيم حاد، وبحيث لا يتجاوز عمقه سمك القشرة، ثم ننفّذ شقًا طوليًا عموديًا من منتصف الشق الأول، فيتكوّن حرف T. بعد ذلك نفصل القشرة من جانبي الشق الطولي عن الخشب مع الحرص على عدم تمزيقها، وبمساعدة خشبة سكّين التطعيم نجعل البرعم ينزلق من الأعلى إلى الأسفل بين شفتي قشرة الأصل والخشب، ثم تضمّ قشرة الأصل على طرفي البرعم بحيث يصبح هذا الأخير بين شفتي قشرة الأصل، يربط الطعم بخيطان الرافيا أو البولي إتيلين.

يمكن تقسيم هذا النوع من التطعيم حسب موعده إلى:

- التطعيم الخريفي أو التطعيم بالعين النائمة: ينفّذ من منتصف تمّوز وحتّى تشرين الأول ويطبّق على جميع الشتول والأشجار المثمرة باستثناء ذات القشرة السميكة (الجوز والتوت) وذات الأقطار التي تراوح بين 5 و 25 سم. تترك المطاعيم حتّى شهر شباط أو آذار حيث يتمّ قصّ الأصل فوق الطعم لتحفيز البرعم على النمو مع بدء سريان العصارة.

- التطعيم الصيفي أو التطعيم بالعين اليقظة: ينفّذ مع بدء نضج البراعم وحتّى قبل دخولها طور السكون، ويكون ذلك بشكل عام من بداية حزيران حتّى منتصف تمّوز.

- التطعيم الربيعي أو التطعيم بالعين اليقظة الناضجة: تأتي هذه التسمية نسبة إلى البراعم الناضجة المأخوذة من الشتاء السابق والمحفوظة خلال هذه الفترة في البرّاد. تستعمل هذه الطريقة في بداية نيسان بعد تحرّك العصارة وعندما يصبح بالإمكان فصل القشرة عن الخشب.

2- التطعيم بالرقعة:

تطبّق هذه الطريقة على الأشجار المثمرة ذات القشرة السميكة كالتوت والجوز، وتتم عبر أخذ البرعم ومعه قطعة من القشرة على شكل رقعة، حيث تقوم سكّين خاصة ذات نصلين متوازيين بعمل شقّين متوازيين في قشرة الأصل وقلم التطعيم وبعرض يراوح بين 2.5 و4 سم.

بمساعدة هذه السكّين نقوم بشقّ رقعة مساوية للأولى على الأصل ثم نزيل رقعة الأصل ونضع مكانها رقعة الطعم، ثم تربط بالرافيا بشكل محكم وتغطّى الجروح بالماستيك.

إختيار الأصل الملائم لتطعيم الأشجار المثمرة

• الأصول المناسبة لتطعيم الكرز هي: مازارد (كرز حلو) وهو مناسب للأراضي العميقة والرطبة والحامضية والفقيرة بالكلس، والمحلب وهو مناسب للأراضي الكلسيّة والمبحصة والجافة والبعليّة، والكرز الحامض أو الوشنة وينصح به في الأراضي ذات الصفات المتوسطيّة والقليلة الكلس، ولا يستعمل في الأراضي الثقيلة والطينيّة والرطبة.

• الأصول المناسبة لتطعيم اللوز هي: اللوز المر وهو أفضل الأصول خصوصًا في الأراضي الرمليّة والكلسيّة، ويتميّز بنمو قوي وجذور عميقة ومقاومة عالية للجفاف، والمشمش للأراضي الثقيلة والدرّاق للأراضي الخفيفة. ولكن لا بد من الإشارة هنا إلى أن نقطة الإلتحام تكون في الحالتين ضعيفة ما يعرّض الأشجار للكسر بفعل الرياح.

• الأصول المناسبة لتطعيم الخوخ هي: المشمش وهــو مقــاوم للكلــس إلاّ أنّــه حسّــاس على زيادة الرطوبة لذا يصلح للأراضي الخفيفة وسهلة الصرف، والجنارك وهو مقاوم للرطوبة ومتحمّل للجفاف ولكنّه ينمو جيدًا في الأراضي العميقة والسهلة الصرف.

• الأصول المناسبة لتطعيم الدرّاق هي: الشتول البذريّة للدرّاق وتعطي غرسات قويّة ومقاومة للنيماتود، والشتول البذريّة للمشمش التي تتحمّل التربة الثقيلة أكثر من الدرّاق البذري، والشتول البذريّة للوز التي تعطي أشجارًا صغيرة الحجم وقصيرة العمر.

• الأصول المناسبة لتطعيم التفّاح هي: أصول بذريّة وخضريّة. البذريّة منها تتميّز بقوّة نمو كبيرة تمدّها للطعم وبإطالة عمر الشجرة وتكوين مجموع جذري قوي وعميق وبمقاومة جيّدة للصقيع والجفاف والأمراض، أمّا الخضريّة فمعظمها ناتج عن تهجين التفّاح مع أصناف أخرى.

• الأصول المناسبة لتطعيم الإجاص هي: الأصول البذريّة التي نحصل عليها من بذور الأنواع البريّة والبلديّة والأصل البرّي (كومينوس) الذي يؤمّن قوّة نمو كبيرة حيث يصل إرتفاع الأشجار المطعّمة عليها إلى ما بين 10 و15 مترًا، والأصول الخضريّة من السفرجل وهي تتميّز بنمو سريع ومتجانس وذات قدرة كبيرة على التجذر.

• الأصول المناسبة لتطعيم السفرجل هي: السفرجل نفسه سواء كانت المطاعيم من مجموعة إيست مالينغ أو منتجة من أصناف بلديّة لا فرق سواء كانت متكاثرة بذريًّا أو خضريًا، وشتول الزعرور خصوصًا في الأراضي الجافة والمحجّرة.

• الأصول المناسبة لتطعيم العنب هي: 41 B المقاومة لحشرة الفيلوكسيرا وB 8 أو k 5 أو BB (أو غيرها) المقاومة للديدان الثعبانيّة، وأصل 41B X chasselas لمقاومة الجفاف، وأصل 1616 C المقاوم لزيادة الرطوبة في التربة. وإختيار الأصل المطلوب يجب أن يتم على أساس الظروف المناخية والبيئية للتربة وأنواع الأمراض والحشرات الأكثر خطرًا، أما الأصل الأكثر إستعمالاً في لبنان فهو R44 الفرنسي والذي يطعّم عليه العنب بجميع أنواعه.

عدم التوافق بين الأصل والطعم

يؤدّي عدم التوافق بين الأصل والطعم إلى عدم إلتحامهما بشكل تام وبالتالي إلى فشل التطعيم، بسبب عدم القدرة على النمو الطبيعي. تأتي ظاهرة عدم التوافق نتيجة للإختلاف في الإنتماء البيولوجي بين الأصل والطعم ونتيجة للتباين في معدّل النمو بينهما، كما أنها قد تكون بسبب زيادة النمو عند منطقة الإلتحام أو فوقها أو تحتها.

* الدكتور حسين حمود (أستاذ في الجامعة اللبنانية كلية الزراعة)

المصدر: مجلة الجيش











تعليقات: