كلام في رياضة المنتخــب


يثير منتخب لبنان الدهشة وكأنه دخيل على كرة القدم، جاء من كوكب آخر، حتى ان الذين تابعوه وهو يؤدي دوره المعتاد اكتشفوا هشاشة هذا الدور الذي بات يرتبط بالأزمات التي طالت كل القطاعات، كما يصح التعبير، ومن بينها اللعبة، ويثير هذا المنتخب الفضول ايضا لمعرفة مستوى التقييم الذي يتصل عادة بالحيثيات التي قام عليها وتشكل من خلالها.

كانت كرة القدم نسخة مبتذلة عما تعانيه من اضطهاد فكري وفني وإداري، فالقيمون على المنتخب متطوعون بالمجان «وكثر الله من أمثالهم» وأبقاهم سنداً للعبة، إذ بفضلهم فقط تمكنا من المشاركة في التصفيات، ولا عتب عليهم اذا كنا على هذه الشاكلة وظهرنا بهذا المظهر. والإمكانيات المتوفرة، لإعداد المنتخب لا تكفي لسد رمق لاعب، اذا ما قورنت بغيرها في بلدان تنعم بالمال والأمن والسلطة، وتتقاضى اجهزتها الفنية آلاف الدولارت، ويتوفر لللاعب كل الظروف لتهيئته نفسياً وبدنياً.

ولنفترض ان الوضع الحالي لما يمر به البلد «على كف عفريت» وأن الوقت غير ملائم للحديث عن إخفاقات أو إنجازات، وأن الناس التي تتلاعب بأعصابها التصاريح السياسية، لا تعير المنتخب أوغيره أي اهتمام ، نظرا لمعاناتها المعيشية وتخوفها اليومي على امنها ووجودها وكيانها، ولنفترض ان هذا هو الواقع الذي يتحكم بالجميع، فهل يجوز ان نكون على هذه الصورة في مكان آخر من الازمة، لنزيد من إحباط الناس، ولنبعث اليأس والملل في نفوسهم.

وكان من الممكن ان تكون كرة القدم مبعثاً للأمل والطمأنينة في لحظات العصبية والتهور، ومحور ارتكاز للسلام والبسمة، مثلما فعل النادي الرياضي، في دبي، عندما اعاد الفرحة الى شفاه العابسين، والعابثين بمصير الناس والرياضة والرياضيين.

جاء المنتخب ليكون بمقوماته الفنية والجسدية هزيلاً مجرداً من الحياة، فلا خطة ولا نقلة ولا صوت ولا صورة... «ولا من يحزنون»، كنا نتوقع ان يكون فريقاً عامراً بالنجوم، ولديه نوع من الجمالية المقنعة، والأداء المبهر، لكن خيبتنا كانت كبيرة وسط تساؤلات كثيرة، اين اللاعبون الذين يشبهون نصرت الجمل وموسى حجيج ونبيل بعلبكي، وحسن معتوق، ويوسف محمد، وغيرهم، وأين هي البقية الباقية الواعدة، التي «نخروا» رأسنا بها، على أنها تباشير المستقبل، ونواة المنتخب، ومتى يحين الوقت كي نعدّ منتخباً قادراً على تمثيل هذا البلد المنكوب نفسياً يوماً بعد يوم وساعة بعد ساعة؟.

أسئلة كثيرة يمكن ان تشكل متنفساً صغيراً للحالة السيئة التي بدونا عليها امام فريق بدا أنه لا يبتعد عنا الا لمسافة لا تتعدى منطقة الجزاء، ولا تبلغ منتصف الملعب، قد نتغاضى عنها هذه المرة لأن الفرصة ما زالت سانحة لتصحيح الكثير من الاعوجاج ، «وعفا الله عما مضى»...

* كاتب ومحلل رياضي - من الخيام

تعليقات: