الشهيد شكرالله كرم.. بقي مع ناسه الطيبين ومع الفقراء لآخر لحظة

وهل من هو أجدر بالبقاء مع الناس الطيبين، مع الفقراء والبسطاء والمساكين؟
وهل من هو أجدر بالبقاء مع الناس الطيبين، مع الفقراء والبسطاء والمساكين؟


بدماء المقاومين تخضّب هذه الهضاب، وينبت فوقها الأقحوان، أينما التفتّ تراها زهرةً إثر زهرة...

هؤلاء من رووا بعطر أنفاسهم غليل ذكرياتنا، وشادوا ببطولاتهم قصور أحلامنا...

من عليائهم يفرحون بما أينع به زرعهم.. ومن عليائهم يفخرون بما حققته مقاومتهم. رعوها وسعدوا بها ظلالاً وارفة، تذود بأردافها تراب الوطن وتغرس في الأرض عنفوانها. وهل أحلى من عنفوان، الأرض غرس قدميه والسماء منه الجبين. وهو في هذا وذاك تواضع القادر وعطاء السادر والحلم الجميل.

وهل من هو أجدر بالبقاء مع الناس الطيبين، مع الفقراء والبسطاء والمساكين؟ هؤلاء من يستحقون، وهؤلاء ملكوت السماء يرثون. وقد حرموا من نعم الأرض وضاقت عنهم خيراتها. هؤلاء هم الغالبون...

لن أطيل، وسأروي بعضاً من ذكرياتي مع من نحتفل بهم اليوم. في الخمسينات من قرن سلف، وكنت في عمر التساؤل والحيرة، سألته لمَ نحن لا نمارس أية شعائر والكل ممن نعرفهم يمارسون.. أجابني بصوت المتفهّم: في مكتبتي إنجيل وتوراة والقرآن الكريم ونهج البلاغة وكتاب للمؤرخ الشهير ه. ج. ولز عن الأديان المقارنة، وبعد انتهائك منها جميعاً تعالَ لنتناقش...

أخذني ذلك ردحاً من الزمن وكدت أظن أنه نسي ما طلب. وفي العام التالي سألني أين أصبحت، فشدّني ذلك للمتابعة. ولما أنتهيت جلسنا عدة جلسات نناقش وهو يفسّر ويعطي من مفهومه للأمر نكهة. وخلصت وخلصنا الى كم أن أوجه الشبه بين الأديان كبيرة، وكم هم متقاربون أنبياؤها العظام...

أما عن شهداء مجزرة 1977 المروّعة، فقد وجّهت كتاباً لأمين عام الأمم المتحدة آنذاك، النمساوي كورت فالدهايم، من مواطن وأستاذ جامعي يوثق جريمة ضد الإنسانية، فلم أتلقَ جواباً، وبعده أعدت الكرّة مع خافيير بيريز دي كويار المكسيكي، والجواب هو ذاته: لا جواب!

عام 1992، في مؤتمر الجمعية العربية الأميركية لمكافحة العنصرية، التي كان السناتور جيمس أبو رزق من الكفير أحد مؤسسيها، ثم ، في ذلك العام الصديقان الدكتور زياد عسلي والدكتور صفا رفقه رؤساء لمجلس أمنائها، وأمام حشد من المهاجرين العرب بلغ الآلاف، حكيت قصتها وكنت أرى الدمع في عيون الحاضرين. حاول بعضهم رفعها للإدارة الأميركية ولكن الآذان بقيت صمّاء...

عام 2000، وكان لي شرف الانتخاب لرئاسة الهيئة العامة لمنظمة الصحة العالمية، أدرجتها على جدول أعمال المؤتمر السنوي، وناقشنا وسجلت المناقشات، ممّا أثار حفيظة إسرائيل وداعميها الذين حجبوا عني الدعم، لمّا رشحتني الدول العربية والإسلامية لرئاسة المنظمة عام 2003...

هذا هو تاريخي مع أهلي وإخوتي وجنوبي وبلدي. وأنا منذ 17 شباط 1977 أردد: " كيف أطمئن وحولي آلاف البائسين. إذا تركتهم من يقرأ ميزان الحرارة ومن يتسمّع نبضات القلب؟ لم يبقَ لي أكثر من ذلك أعطيهم، أفيحقّ لي أن أمنعه؟ سيطلع فجرٌ وقد ارتاحت الأرض من مغتصبيها وأشرقت على وطننا شمس السلام"..

أتى هذا اليوم بعد ثلاثة وعشرين عاماً. لم تطأ قدماي هذه الأرض، وجئتكم أتطلّع في وجوهكم، أرى في كل منها وجه من أحببت...


* كلمة ألقاها الدكتور كرم كرم في 17 آذار 2018 بذكرى مجزرة الخيام، واغتيال والده الشهيد الدكتور شكرالله كرم

الدكتور كرم شكرالله كرم يلقي كلمته
الدكتور كرم شكرالله كرم يلقي كلمته


يقفون إجلالاً أما ضريح والده الشهيد
يقفون إجلالاً أما ضريح والده الشهيد


الدكتور كرم كرم في نادي الخيام الثقافي الاجتماعي - مجمع الدكتور شكرالله كرم
الدكتور كرم كرم في نادي الخيام الثقافي الاجتماعي - مجمع الدكتور شكرالله كرم


تعليقات: