غرباء في بلدتنا الخيام.. إلا عن الشجر

الدكتور يوسف غزاوي: نزور الخيام غرباء، لا نعرف الأوجه
الدكتور يوسف غزاوي: نزور الخيام غرباء، لا نعرف الأوجه


بتنا غرباء في الخيام.. نزورها تبعاً لما تسمح به ظروفنا وأوقاتنا.

ننظر في الأوجه والقامات، فلا نرى ما يجمع سوى الانتماء العدديّ إلى هذه البلدة التي تحوّلت إلى مدينة تجهل وجوه من تركها مرغماً منذ عقود، منذ زمن التهجير والتدمير والجنون الطائفيّ والقتل والمجزرة الصهيونية الرهيبة بها (تصادف ذكراها هذا الشهر).

كنا أطفالاً أبطال البلدة حضوراً وانتماءً ووجوداً وشيطنة.

انقلبت الأشياء والأدوار والأمكنة والأمزجة والوجوه بسبب عامل الزمن والتحوّلات الكبرى الرهيبة.

نزورها غرباء، لا نعرف الأوجه، ولا تعرفنا، اللهمّ إلا من شاهد صورنا على الفيسبوك ووسائل التواصل الاجتماعيّ، وعرف تقلبات الزمن عليها وبها ومعها ومنها..

من كانوا أصدقاء طفولتنا توزّعوا في غياهب الأرض والكون والوطن والآخرة. أصبحنا عملة نادرة من ذاك الجيل المخضرم الذي عرف التعدّد السياسيّ والحدود بين الفقر والغنى، بين الجهل والعلم، بين الانصهار الطائفي في مقاعد الدراسة وبداية الوعي الوطنيّ والقوميّ والسياسيّ والفنيّ وأفول الطغيان العائلي المحليّ والبكواتيّ..

نزور الخيام، فلا نجد سوى الأرض والشجر الذي نقوم بزرعه ورعايته، رفيقاً لنا ومؤنساً وفعل مقاومة وطنيّة ووجوديّة. نعرفه، ويعرفنا. نتبادل وإيّاه الحبّ والعطاء والشكوى والهمّ والسكوت الناطق الدال كالذي نمارسه عند زيارتنا لأضرحة من فقدنا من أحباء وأهل في المقبرة أسفل البلدة، "الميدان"..

غرباء في الخيام، باستثناء من نتواصل معهم افتراضيّاً على صفحات التواصل الاجتماعيّ من أبناء البلدة المشتتين والموزعين على أصقاع الأرض، يجمعهم حبُّهم وذكرياتهم للبلدة المطلة على بياض جبل الشيخ، الذي أصبح نادراً في هذه الأيام كالصداقة، وعلى خضرة المرج التي تحوّلت، وتتحوّل، إلى ألوان الرماد شوقاً إلى من كان يلونها ويُغنيها حباً وعطفاً وعرقاً وقصصاً لم يعد يرويها إلا العدم. البلدة الحارسة والمؤتمنة على شروق الشمس كلّ يوم دون تلكوء..

تكفينا صداقتنا للشجر وإعادة العزّ للتين والعنب والزيتون منه المزروع على خجل وحنين..

أذهب إلى الخيام متوجّهاً نحو "كرمي" المتواضع الذي يُجسّد خيامي التي رسمتُ غرنيكاها في قلبي وكتابي وأفئدتي وهذه التربة الطيّبة التي ستأوينا بعد حين.. أدوّن حضوري كموظف حكوميّ يوقّع على سجّل يوميّ يُدعى "التربة" قبل التقاعد من الوظيفة... والحياة..

إذا لم أرَ شجراتي أتخيّلها بانتظار اللقاء الثاني.. هذه هي خيامي الحالية..

د. يوسف غزاوي

الدكتور يوسف غزاوي: من كانوا أصدقاء طفولتنا توزّعوا في غياهب الأرض والكون والوطن والآخرة
الدكتور يوسف غزاوي: من كانوا أصدقاء طفولتنا توزّعوا في غياهب الأرض والكون والوطن والآخرة


الدكتور يوسف غزاوي:  خيامي.. رسمتُ غرنيكاها في قلبي وكتابي وأفئدتي
الدكتور يوسف غزاوي: خيامي.. رسمتُ غرنيكاها في قلبي وكتابي وأفئدتي








تعليقات: