خطف الدروز في درعا: تعددت الأطراف..والمصلحة واحدة

الظاهرة بدأت على شكل عصابات محدودة (انترنت)
الظاهرة بدأت على شكل عصابات محدودة (انترنت)


ما زالت حوادث الخطف المتبادل بين محافظتي درعا والسويداء، تؤرق المجتمع المحلي منذ سنوات، من دون أن يتمكن أي طرف مسيطر من المحافظتين على وضع حد لها. ولم تعد أبعاد هذه الحوادث تقتصر على الجانب الجنائي فقط، بل أصبحت ذات أبعاد اقتصادية بعدما تحولت إلى تجارة تُدار فيها مئات الملايين من الليرات، وأبعاد مجتمعية وصلت أو كادت بالعلاقة بين المحافظتين إلى حد التهديد من المرور في مناطق التماس بينهما.

الخطف المتبادل بين المحافظتين بدأ منذ منتصف العام 2012، وتركز حينها على خطف المجندين في قوات النظام وعناصر الشرطة في وزارة الداخلية بذريعة عملهم في مؤسسات النظام، وكان أبرز هذه الحوادث في أيار/مايو 2012 عندما تم خطف 12 شرطياً من أبناء السويداء، ونقلهم إلى درعا، لتُقابل هذه الحادثة باحتجاز 10 من أهالي درعا من قبل مسلحين في السويداء. وتعتبر تلك الحادثة الشرارة الأولى لتدهور العلاقة بين المحافظتين والدخول في دوامة من عمليات الخطف المستمرة حتى اليوم.

الناشط محمد الحسين، من منطقة اللجاة، والمتابع لملف عمليات الخطف بين المحافظتين، أوضح لـ"المدن"، أن الانفلات الأمني وفوضى السلاح في المحافظتين ساعدا على تنمية ظاهرة الخطف المتبادل، مضيفاً: "الظاهرة بدأت على شكل عصابات محدودة، وعندما بدأت تدر على الخاطفين أموالاً ضخمة ومع غياب أي أطراف لمحاسبتهم، انتشرت بشكل أوسع ودخلت فيها أطراف متعددة". ويشير الحسين إلى أن المنطقة بين ريف السويداء الشمالي الغربي وريف درعا الشمالي الشرقي، أي منطقة التماس بين المحافظتين، هي أبرز منطقة تتم فيها عمليات الخطف، "نظراً لوعورتها وصعوبة ملاحقة الخاطفين والبحث فيها".

وقد طورت عصابات الخطف من أسلوب عملها خلال السنوات الماضية، يضيف الحسين: "تقسم العصابة نفسها إلى مجموعات، مجموعة داخل محافظة السويداء تقوم على استدراج الشخص أو متابعته حتى يصل إلى منطقة محددة ليتم اختطافه، ثم يتم تسليمه لمجموعة أخرى في محافظة درعا ليُصار إلى إخفائه فيها، وغالباً ما تكون هذه العملية بمقابل مادي بين المجموعتين".

ويتم اقتياد المخطوفين الدروز واحتجازهم في بلدات ناحتة وبصر الحرير والكرك الشرقي والمليحة الغربية، وقرى في منطقة اللجاة، وجميعها بلدات وقرى متاخمة لمحافظة السويداء، وفي بعض الحالات تم احتجاز المختطفين في بلدة الغارية الشرقية، التي يعمل عدد من وجهائها على الوساطة في عمليات إطلاق سراح المختطفين من الجانبين. وتستمر عملية الاحتجاز في بعض الأحيان لأشهر، يتخللها محاولات من الخاطفين للضغط على ذوي المخطوف من خلال تسجيل مقاطع فيديو لعمليات تعذيب ومناشدات من قبله لذويه لدفع الفدية.

تتنوع هذه الفديات المطلوبة لإطلاق سراح المختطفين، ويتجاوز بعضها حدود الـ20 مليون ليرة سورية (حوالي 45 ألف دولار أميركي)، رغم أن مطالب الخاطفين، في معظم الحالات، تبدأ بأرقام مضاعفة. ويجد ذوي المخطوف في السويداء صعوبات في تأمين مبالغ كهذه، ما يدفعهم إلى الخطف المضاد. يقول الحسين: "في حال نجاح ذوي المخطوف بتحديد الجهة الخاطفة واختطاف شخص مقرب منهم، فإن العملية تتحول إلى تبادل مختطفين، أما في الحالة العامة فإن ذوي المختطف يلجأون إلى خطف مضاد لأشخاص من درعا وطلب فديات مالية بمبالغ صغيرة بهدف جمع المبلغ الكبير المطلوب لإطلاق سراح ذويهم".

وبعد وصول الجانبين إلى اتفاق لدفع الفدية المالية، يتم تحديد منطقة ضمن الأراضي الزراعية في منطقة التماس بين المحافظتين وتتم خلالها عملية التبادل التي في الغالب يقوم بها وسيط عن الخاطفين مع ذوي المخطوف مباشرة، أما في حال وجود عملية لتبادل المختطفين، فإن الوسطاء من الطرفين يلعبون الدور الأبرز فيها. يقول الحسين: "هؤلاء الوسطاء بالغالب يجتمعون في بلدة خربا التابعة إدارياً لمحافظة السويداء والخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة في درعا، وهم من وجهاء بلدات في درعا، وخوري الكنيسة في بلدة خربا، ووجوه دينية من السويداء، وهم الطرف الضامن لإتمام العملية ويتم تسليم المختطفين من الجانبين لهم".

وبعد المئات من عمليات الخطف المتبادل بين المحافظتين، بات الناشطون يلاحظون تنوعاً في هذه العمليات، التي أصبحت تُصنف إلى أقسام متعددة، تُعتبر المرتبطة بالبحث عن الفدية المالية أكثرها انتشاراً، ثم العمليات التي يحاول الخاطفون من خلالها الضغط على ذوي المختطف بهدف الإفراج عن معتقلين لهم في سجون قوات النظام أو مختطفين لدى عصابات أخرى.

ويؤكد محمد الحسين أن "الفروع الأمنية لقوات النظام باتت تشارك في عمليات كهذه أيضاً، إذ يتم اختطاف الشخص والتفاوض مع ذويه والضغط عليهم بأسلوب العصابات المعتاد، وعندما يتم الإفراج عنه يتضح أنه كان محتجزاً لدى فروع أمنية في درعا أو السويداء، وقد شهدنا أكثر من حادثة من هذا النوع".

الفترة الماضية شهدت ظهور نوع جديد من العمليات، يتم الإعلان عن اختطاف شخص ما وبث مقاطع فيديو له تؤكد الاختطاف، وتبدأ أطراف مقربة من العائلة مساعيها بالتفاوض أو بعمليات خطف مضاد، ليتضح لاحقاً أن حادثة الاختطاف ملفقة بهدف الحصول على الأموال.

"دار العدل في حوران"، بصفتها القضائية في محافظة درعا، ما زالت عاجزة عن إيجاد الحلول الجذرية لعمليات الخطف. واعتبر رئيس "دار العدل" الشيخ عصمت العبسي، في حديثه لـ"المدن"، أن الأسباب ترجع إلى "قلة الإمكانيات المادية واللوجستية من جهة، وإلى تمركز عصابات الخطف في المناطق المتاخمة لمناطق سيطرة قوات النظام، ما يصعب مهمة المحكمة في تحريك الأرتال واعتقالهم دون التدخل باشتباك مع قوات النظام من جهة أخرى، بالإضافة الى أن المناطق المذكورة وعرة يسهل الهروب والتخفي فيها". وأكد الشيخ عصمت أن المحكمة تبذل جهدها لحل هذا الموضوع مع شخصيات من محافظة السويداء وذلك من خلال "التواصل مع ذوي المخطوفين وبعض الوسطاء من وجهاء المحافظة".

وأكد الشيخ عصمت أن لدى "دار العدل" خططاً لتفكيك عصابات الخطف والقضاء عليها، وقد "تم فعلاً إلقاء القبض على بعض متزعمي هذه العصابات وأفرادها، ولكن الأمر ما زال يحتاج إلى منظومة عمل متكاملة، والقضاء هو جزء فقط من هذه المنظومة".

ويواجه من تثبت عليهم تهم الخطف، وطلب الفدية المالية، عقوبات قاسية لدى محكمة "دار العدل"، وأشار الشيخ عصمت إلى أن "حكمه يحدده قانون العقوبات في القانون العربي الموحد، وهو ارتكاب جرم الحرابة والإفساد، والذي تتفاوت عقوبته بين السجن حتى القتل حسب الحالة"، مؤكداً أن الحكم لا يُفرق في دين أو طائفة الشخص المخطوف "ما دام إنساناً مدنياً" بحسب تعبيره.

الهدوء يسود على الحدود الإدارية الفاصلة بين محافظتي درعا والسويداء، التي لا تشهد أي مواجهات عسكرية بين قوات النظام وفصائل المعارضة، ولكنها من الناحية الأمنية لا تقل خطورة عن الجبهات العسكرية المشتعلة، بعدما حوّلت عصابات الخطف تلك المنطقة إلى ثقب أسود، تمارس فيه عمليات الخطف والابتزاز المالي وربما القتل، مهددة بذلك مئات السنين من التعايش السكاني والمجتمعي بين سهل حوران وجبل العرب.

تعليقات: