جورج ويا.. من لاعب كرة قدم إلى رئيس للبلاد


ألم نحدثكم بأن السياسة تبدأ من ملاعب كرة القدم! ألم تتنبأ ملاعب تونس بثورة الياسمين! أو لم تنتقل الحروب السياسية إلى ملاعب كرة القدم؟! ألم يخترق احتقان السياسة الملاعب؟ - ألم تدخل بدورها تشنجات المدارج إلى معترك الحكم؟ فلماذا تصرون على رفض العلاقة بين الرياضة والسياسة؟ هل تعتقدون بالفصل بينهما كما يحلو للبعض المناداة بالفصل بين السياسة والدين؟ ذاك موضوع آخر لنا فيه حديث طويل... وهذا موضوع جديد قديم لنا فيه قصص وأساطير!

سيداتي سادتي الكرام أحدثكم في رحلة جديدة لاكتشاف مفاجآت الحياة وخيالها الواسع، حيث نعجز عن فهم تجلياتها أحيانا، عن ذلك الرجل الذي يعتبره كثيرون أفضل لاعب أنجبته القارة السمراء على الإطلاق. لقبه الزعيم الراحل نيلسون مانديلا "فخر أفريقيا" ويلقبه أبناء بلده بالأسد الملك أو الملك جورج!

اسمه جورج مانيه أوبونغ أووسمان ويا (اسم الشهرة: جورج ويا) ولد في الأول من تشرين الأول - أكتوبرمن العام 1966، في مدينة مونروفيا الليبيرية. هو لاعب افترس الهجوم والهجمات وأيقن باكرا سر الشباك وسرعة التسديد فلا مبرر للتخاذل أو التراجع كان من كان أسد المكان! "ويا" من لاعب أسطوري إلى لاعب القرن في أفريقيا. فنجم من نجوم القارة السمراء.

من لاعب كرة قدم إلى رئيس البلاد!

"ويا" صبي صغير في بلد فقير يدعى ليبيريا بقلب القارة الإفريقية السمراء، فقر وتهميش وعنصرية وجهل وأمية، كلمات تخلص واقع المكان والزمان حيث ولد هذا "الأعجوبة"، بلد يغرق في بحر من الأزمات الإنسانية والسياسية، مناكب ومشاكل لا ينجو منها إلا من رحم ربي قلة قليلة ممن يحترفون كرة القدم فتنتشلهم من غياهب الفقر والجهل والتهميش.

من رحم حي "كلارا تاون" المعدوم والفقير، ولد "ويا" وهناك ترعرع ودرس وتعلم. عمل كتقني في شركة الاتصالات الليبيرية. وتحصل على البكالوريوس من جامعة باركوود في لندن، المملكة المتحدة. ولد ويا مسلماً ولكن جدته التي ربته جعلته يعتنق المسيحية لاحقا. لم يكن لهذا الصبي الصغير أن يحلم بأكثر من "حذاء متواضع" كهدية. لم يكن يعلم أنه سيصبح الشخص الأبرز في ليبيريا بل في القارة الإفريقية بأكملها بفضل موهبته الكبيرة في كرة القدم والتي جعلت اسمه يصارع أبرز وأشهر الأسماء في عالم الساحرة المستديرة! "ويا" أحد أساطير القارة الإفريقية في كرة القدم واللاعب الوحيد من القارة السمراء الذي توج بلقب أفضل لاعب في العالم.

استهل "ويا" مشواره في الملاعب مع فريق "ينك سرفايفر" الليبيري قبل أن ينتقل إلى عدة أندية بليبيريا ثم انتقل إلى فريق "تونيري ياوندي" الكاميروني. احترف بعد ذلك وانتقل إلى أندية عالمية، حيث لعب "ويا" بأندية "مانشستر سيتي"، و"تشيلسي" الإنجليزيين، و"باريس سان جيرمان" وموناكو الفرنسيين بالإضافة إلى فريق ميلان الإيطالي.

امتدت مسيرته في الملاعب أكثر من 15 عاما، وضع اسم بلاده على خريطة الكرة الأفريقية. أصبح "جورج ويا " أول لاعب غير أوروبي يمنح جائزة "الكرة الذهبية" وذلك سنة 1995. تزامن ذلك مع حصوله على ثلاثة ألقاب في ذات العام وهي على التوالي "أحسن لاعب في العالم - أحسن لاعب في أوروبا- أحسن لاعب في أفريقيا. بالإضافة إلى حصوله على لقب أفضل لاعب أفريقي في القرن العشرين عام 1998، ليصبح بذلك اللاعب الوحيد في العالم الذي جمع في شخصه الألقاب الثلاثة. وفي العام 2002 قرر "ويا" اعتزال كرة القدم بعد خسارة منتخب بلاده أمام نيجيريا ببطولة أمم أفريقيا التي أقيمت بمالي.

وبعد اعتزاله الملاعب أصبح الرجل رمزا إنسانيا وسياسيا في ليبيريا، كان له دور هام في الحياة المجتمعية والجمعياتية بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة لرعاية الطفولة "اليونيسيف" حيث تكمن أهمية هذا الرجل كشخصية بارزة وإيجابية أكثر من كونه لاعب كرة قدم.

من شغب الملاعب إلى معترك السياسة

بدأت الخطوات رصينة واثقة ثقيلة لكن أيضا هادفة كما عهدناها منه في معشوقة الجماهير "كرة القدم" ولعبته المفضلة. خاض "ويا" تجارب مختلفة جمعت بين العمل الاجتماعي والسياسي. قرر الترشح للرئاسة في ليبيريا عامي 2005 و2011. لم يكن ذلك بمحض الصدفة، ربما لم يحن الوقت المناسب بعد حيث خسر السباق في المناسبتين لصالح سيرليف.

أكتوبر/تشرين اول 2017 : هجمة مرتدة تهز الشباك.. في رصيده السياسي!

ازداد "اللاعب الأفريقي" عنادا واشتد صلابة سياسية جعلت منه زعيما لائتلاف المعارضة الرئيسي في ليبيريا المسمى الائتلاف من أجل التغيير الديمقراطي. جاء اليوم الموعود وفاز "ويا" في سباق الرئاسة على منافسه نائب رئيسة ليبيريا السابقة جوزيف بواكاي، ليكون خلفا لـ «سيرليف» صاحبة الـ 78 عاما والتي تشغل المنصب منذ العام 2005، وتعتبر أول سيدة تشغل رئاسة الدولة في أفريقيا. وهكذا انتقل أسطورة كرة القدم الليبيرية "جورج ويا" من الملاعب إلى سدة الحكم مع أن طبيعة المشجعين الرياضيين المتعصبين غالبا ما تبقيهم ملتفين حول ملاعبهم أكثر من اهتمامهم بباقي مناحي الحياة. لكن الوضع مختلف مع "ويا" وقد حاز إعجاب جماهير الملاعب وفاز بأصوات المنتخبين في الوقت ذاته... أليس بأعجوبة أن يحدث أمر كهذا؟

انتخاب "جورج ويا" رئيسا لليبيريا جعلني أسعى لاكتشاف نموذج جديد في ثقافة السياسة الكروية! التي يعتقد البعض أنها قد تغير قيما وعادات وسياسات اعتادها كثيرون في القارة السمراء! هل يعاود التاريخ نفسه في "ليبيريا" أخرى شمال أفريقيا مثلا! طبعا ليبيريا بلد يقع في غرب أفريقيا، تجاورها سيراليون من الغرب وغينيا من الشمال وكوت ديفوار من الشرق.

تنقسم ليبيريا إلى 15 مقاطعة والتي تنقسم بدورها إلى ضواحي وعشائر. ليبيريا هي جمهورية وحدوية دستورية وديمقراطية تمثيلية على النحو المنصوص عليه في الدستور. تتكون الحكومة من ثلاثة فروع متساوية: السلطة التنفيذية والتي يرأسها رئيس الدولة والسلطة التشريعية وتتألف من مجلسين والسلطة القضائية وتتكون من المحكمة العليا وعدد من المحاكم الدنيا. رئيس البلاد يرأس الحكومة وهو أيضا قائد للدولة، وهو القائد العام للقوات المسلحة. ومن مهامه أيضا تصديق أو معارضة القوانين التشريعية ومنح العفو وتعيين أعضاء مجلس الوزراء والقضاة وغيرهم من الموظفين العموميين. ينتخب الرئيس ونائبه لولاية مدتها ست سنوات بأغلبية الأصوات في نظام انتخابي من جولتين ويمكن أن يخدم لولايتين رئاسيتين.

اقتصاديا، تعد ليبيريا من أكبر الدول الأفريقية إنتاجاً للحديد، فهي رابع دولة فى العالم في إنتاجه فضلاً عن الذهب والماس. كما أنها تعد بلداً زراعياً حيث يعمل 70% من السكان بالزراعة. وتعتبر ليبيريا أيضا من أفقر دول العالم وأكثرها انتشارا للفساد: "89% من الليبيريين يدفعون رشوة وهي أعلى نسبة وطنية في العالم وفقًا لمؤشر الفساد العالمي في عام 2010". تاريخيًا، اعتمد الاقتصاد الليبيري اعتمادًا كبيرًا على المساعدات الخارجية والاستثمار الأجنبي المباشر والصادرات من الموارد الطبيعية مثل المطاط والحديد الخام والخشب.

هذه ليبيريا التي يرأسها لاعب كرة قدم! لم يكن لاعبا اعتياديا بل كان مهاجما أسدا... تراه المراوغ أم المدافع أم المهاجم في سياسة البلاد وسدة الحكم فيها؟!


تعليقات: