عودة المستعربين: فخّ الانتفاضة المتكرر

يحاول المتظاهرون التملص من فخاخ المستعربين بسلسلة إجراءات استقوها بالملاحظة ومن الميدان (أ ف ب)
يحاول المتظاهرون التملص من فخاخ المستعربين بسلسلة إجراءات استقوها بالملاحظة ومن الميدان (أ ف ب)




سنوات من الحضور والغياب وتعدد المهمات وكذلك الإخفاقات، هي مسار عمل وحدات المستعربين الخاصة التي يطلقها العدو الإسرائيلي في الأوقات الحساسة. وكما أنه لا شك في تأثير وجود مستعربين متخفين بين المتظاهرين الفلسطينيين، رغم الخبرة التي اكتسبها هؤلاء في كشفهم، فإن لذلك دلالات عدة، مع ما يتصل بالتقييم العام لدى القادة الإسرائيليين للمظاهرات الفلسطينية

عبد القادر عقل

سلفيت | يواصل العدو الإسرائيلي ابتكار أساليب متعددة لقمع المظاهرات الفلسطينية المستمرة، ومنها إعادة تفعيل عمل وحدات المستعربين، الذين ينصبون الفخاخ المتكررة للمتظاهرين، بآلياتٍ متنوعة يعتمد جلّها على المفاجأة أو تنفيذ المهمة بالضربة الخاطفة. وخلال الأيام الماضية، ظهرت هذه الوحدات بعد غياب لنحو عامين ــ قطعتهما بعض العمليات الخاصة ــ لكنهم لا يحققون دوماً أفضل النتائج في المهمات الكبيرة، إذ سبق أن انقلب السحر على الساحر، ووقعوا في سلسلةٍ من الإخفاقات أدت إلى تعليق عملهم.

رغم ذلك، عكست حادثة اختطاف قوة من مستعربي العدو ثلاثة شبّان فلسطينيين خلال مواجهاتٍ في البيرة، قرب مستوطنة «بيت إيل» قبل أيام، أبعاداً خطيرة على شبّان المقاومة الشعبية من جهة، وإصراراً إسرائيلياً على استمرار إقحام هذه الوحدات في خطوط المواجهة الساخنة من جهة أخرى. والمتابع لتسلسل الأحداث يُلاحظ تركيز المستعربين على اختطاف المتظاهرين، وربما تتطور الحال إلى حدّ استعمالهم مسدسات الحماية الخاصة بهم لإطلاق النار على المحتجين قبل اعتقالهم، كما حدث مع أحد المعتقلين من طلبة جامعة بيرزيت في المظاهرات الأخيرة.

ووفق إفادة عدد من المشاركين في المظاهرات بصورة دائمة، فإن وحدات المستعربين غابت عن نقاط التماس لسنوات، نظراً إلى غياب مواجهاتٍ عنيفة بوتيرة ثابتة، كالأحداث التي رافقت الهبّة الشعبية عام 2015 («انتفاضة القدس»)، ولأن موجة المواجهات الجارية لا تزال في بدايتها. لكن النجاح الطفيف لها في «بيت إيل» سيدفع، في تقديرهم، إلى عودة واسعة لهم، خاصة أن وجودهم يربك الشبان ويتسبّب في تفريق المظاهرات بسرعة بدلاً من إنهاك الجنود بالزي الرسمي.

دليل على التقدير الإسرائيلي لخطرها

وفي تقرير لموقع «واللا» العبري نشر في نيسان من العام الماضي، كان تقدير القيادة الإسرائيلية أن «أحد عناصر الخريطة الحرارية للقضاء على المواجهات والعمليات الفردية هو تركيز عمل وحدات المستعربين التي ظهرت فعاليتها بين الفلسطينيين، وخوف المتظاهرين من مثل هذه العمليات».

اختطاف وقتل واغتيال

طبقاً لإحصائية حصلت عليها «الأخبار»، اقتحم المستعربون المستشفيات الفلسطينية أكثر من أربع مرات ما بين عامي 2015 و2017، بهدف اختطاف فلسطينيين، أبرزها: عملية اختطاف كرم المصري، أحد منفذي عملية «إيتمار»، من المستشفى العربي في نابلس، وعملية اختطاف عزام شلالدة، منفذ عملية طعن قرب «غوش عتصيون»، من المستشفى الأهلي في الخليل، التي تخللها استشهاد ابن عمه الذي رافقه في المستشفى ولم يكن الهدف من العملية.

وثمة أمثلة أخرى لعمليات المستعربين خلال العامين الماضيين، منها اختطاف شاب خلال مواجهات في بيت لحم، ثم غابوا لأربعة أشهر قبل أن يعودوا عام 2016 في مواجهات المدخل الشمالي للمدينة حيث اختطفوا ثلاثة شبان. وبعد نحو عامٍ هاجموا للمرة الأولى في منطقة البالوع شمال البيرة.

يقول المتخصّص في الشأن الإسرائيلي محمد أبو علان إن «أساس عمل وحدات المستعربين يقوم على المفاجأة أو التسديدة الخاطفة، وهو أشبه بالفخ أو المصيدة... نجاح عملياتها ينعكس سلباً على خصمها، ولذلك يعتمدها العدو عادةً في بداية ضرباته».

مراقبون آخرون يتفقون مع أبو علان في أن العملية الأولى كانت بعد أيامٍ على اتساع رقعة المواجهات بوتيرة متسارعة، وذلك لتفريق التظاهرات وتحجيم التفاعل مع المجريات، ولتحقيق ردع نفسي للمشاركين. لكن الاعتقال أو الاختطاف ليسا الهدفين الوحيدين لقوات المستعربين، فقد نُفّذت مئات عمليات الاغتيال بحق المقاومين الفلسطينيين، إبّان الانتفاضتين الأولى والثانية. ويفرض العدو تعتيماً على طبيعة عمل هذه الوحدات، ويتكتّم على قوامها وبنيتها وعدد ضحاياها. مع ذلك، كشفت دراسة فلسطينية أن المستعربين نفّذوا أكثر من 50 عملية اغتيال خلال أربع سنوات من الانتفاضة الأولى، و74 عملية اغتيال أخرى خلال الانتفاضة الثانية.

وتتشكل «القوة المستعربة» للعدو من خمس وحداتٍ خاصة، أبرزها وحدة «دوفدوفان» العاملة في الضفة، و«شمشون» و«ريمون» في غزة سابقاً، ووحدة «يمام» التابعة لـ«حرس الحدود» التي تعمل في القدس وأحياناً في بعض مناطق الضفة، وكذلك وحدة «إيغوز» التي تحولت من وحدة خاصة تم تشكيلها عام 1993 إلى مستعربين، وذلك لتجاوز سلسلة الإخفاقات أمام حزب الله في جنوب لبنان، إذ أعيد انتشار الوحدة عام 2001 في بعض مناطق الضفة خلال عملية «السور الواقي» واجتياحات المدن الفلسطينية. إضافة إلى ذلك، ثمة وحدات «الدائرة العربية»، وهي إحدى وحدات «البالماخ»، و«شكيد»، و«كفير»، وأيضاً «مسادا» (تابعة لمصلحة السجون الإسرائيلية) و«جدعون» (للشرطة).

في المقابل، يحاول الشبان المقاومون التملص من فخاخ المستعربين عبر سلسلة من الإجراءات استقوها بالملاحظة والتجربة الميدانية؛ فمثلاً، مشاهدة ناقلة مدنية أو «البوسطة» التي تنقل الأسرى تدل على تجهيز هجوم مستعربين، كما يوجّه الشبان نداءات متكررة بعضهم لبعض عبر مواقع التواصل بضرورة ارتداء «الفانيلا» الداخلية والتخلي عن «التيشيرت» خلال المواجهات، لأن المستعرب لا بد أن يحتفظ بمسدسه على خصره تحت ثيابه.

وتشرح مصادر متطابقة أنه رغم هذه الإجراءات لا وجود لحل سحري لمكافحتهم، فبعض الحلول قد تنجح في الصيف كارتداء «الفانيلا»، لكنها تفشل في الشتاء بحكم البرد، كذلك فإن كشف المستعربين يكاد يكون مستحيلاً في نقاط المواجهة القريبة من المدن، لأن المتظاهرين يختلفون في اللهجة والبيئة وبسبب عددهم الكبير، على عكس المواجهات داخل القرى والمخيمات، التي تكون في مناطق محصورة جغرافياً وثقافياً، والناس يعرف بعضهم بعضاً جيداً من ملابسهم أو طبيعة الصوت.

سلسلة إخفاقات

رغم النجاح الذي يحرص إعلام العدو على تضخيمه عقب كل عملية للمستعربين، فإن هذه الوحدات مُنيت بإخفاقاتٍ كبيرة على ثلاثة أصعدة: الأول باستهداف أشخاص خارج نطاق المهمة، ومن ذلك حادثة تدريباتٍ في قرية رمون قرب رام الله عام 2012، حيث أطلق الجنود النار على ثلاثة أشقاء تعاركوا مع المستعربين لأنهم ظنّوهم لصوصاً قرب منزلهم، كما منع المستعربون الإسعاف من الوصول إليهم لمدة نحو ساعة.

أما الإخفاق الثاني، فهو إصابة المستعربين زملاءهم نتيجة خلل في تشخيص الهوية عند التنكر، حيث إذ قُتل مؤسس ومسؤول وحدة المستعربين التابعة لـ«حرس الحدود»، إيلي أبرام، عام 1992، برصاص مسدس صديقه أثناء ملاحقة مطلوبين في قرية برطعة الشرقية قرب جنين، بعد أن كشفت أمرهم عجوز فلسطينية.

والثالث هو «كابوس أبو هنود» الذي مُنيت به وحدة «الدوفدوفان» عام 2000، إذ نجح المقاوم من «كتائب القسام» محمود أبو هنود في اكتشاف المستعربين واشتبك معهم، فقُتل ثلاثة جنود من الوحدة، ونجح الشهيد في الانسحاب جريحاً من قريته عصيرة الشمالية نحو مدينة نابلس عبر الجبال، هذا إلى جانب إخفاق مهمات كثيرة إثر اكتشاف المدنيين للمستعربين أو سياراتهم ومهاجمتها بالحجارة، وتنبيه المقاومين في المنطقة، فضلاً عمّا لم تعلنه قيادة العدو طوال السنوات الماضية.

«عربٌ ليسوا بعرب»

ورد في أحد التقارير التفلزيونية الإسرائيلية التي كانت تسرد مميزات وحدات المستعربين أنهم «يهتمون بأدق تفاصيل التنكر، إذ لا يجيدون الحديث باللغة العربية باللهجة المحكية فقط، بل يُعلّقون سجادة صلاة أمام مقعد سائق المركبة، ويضعون الميداليات والألعاب على مرآة السيارة الداخلية، كما يتقنون لبس الكوفية، تماماً كما يفعل المواطن الفلسطيني».

«أسلوب التنكر يُدعّم الركيزة الأساسية، وهي الضربة الخاطفة، إذ يتيح للمستعربين التحرك بحرية لتنفيذ مهماتهم من أجل مباغتة الهدف، سواء أكان مطلوباً للعدو أم جماعة تتظاهر، ولا توجد آلية ثابتة للتنكر، رغم وجود ملامح عامة عن طبيعة عملهم»، يقول محمد أبو علان.

وفق المتابع للشأن الإسرائيلي، تختار قيادة الاحتلال جُلّ المستعربين بملامح شرقية وبشرط أن يجيدوا اللغة العربية بلكنة فلسطينية غالباً، كما أنهم ضليعون بثقافة المنطقة المستهدفة وعاداتها وعائلاتها، ويخضعون لتدريبات مكثّفة تؤهلهم للسيطرة على الخصم بلياقة بدنية عالية وبحرفية في الأداء. أما المستعربون ذوو الملامح الغربية، فيمكنهم التنكر مثلاً بهيئات تناسبهم كناشطين أجانب أو صحافيين غربيين. يضيف أبو علان أن تنكّر المستعربين يختلف وفق اعتبارات عدة، منها طبيعة المنطقة وماهية المستهدف؛ فأحياناً قد يُضطرون إلى أن يكونوا ممرضين وأطباء أو مصابين، وتارةً يكونون باعة متجولين أو نسوة حوامل، وقد يتنكرون بهيئات عجائز أو شبّان ملثمين أو فنيي صيانة.

تعليقات: