ابراهيم الأمين: أنقذونا من الزعران!


يمكن أن يكون هذا العنوان علامة ثابتة في مسار الفوضى القائمة في مناطق كثيرة من لبنان، حيث يختلط الفقر بالإهمال، والجهل بالجريمة، والفلتان بعمليات النصب والاحتيال. وحيث تسقط الكثير من الضوابط التي يفترض بالدولة أن تقوم بها، ولا يمكن المؤسسات الاجتماعية القائمة على العائلة والعشيرة معالجتها.

في الضاحية الجنوبية لبيروت، تجمّع خلال خمسين عاماً أكثر من نصف مليون مواطن ومواطنة. مع الوقت، اختفت معالم الضاحية الهادئة، لمصلحة انتشار عمراني قائم على الفوضى، وتفريخ عشوائيات لإيواء الهاربين من عوز الريف، ومن الحروب المتعاقبة داخلياً، ومع العدو. لكن أهم ما في الأمر، أن هذه البقعة بقيت، على الدوام، مسرحاً وخزاناً لغالبية القوى المناضلة ضد الظلم والاحتلال. فكان نصيبها العقاب المفتوح من الدولة على اختلاف سلطاتها.

في ربع القرن الأخير، نجح حزب الله، دون غيره من الأحزاب، ليس في مدّ نفوذ سياسي واجتماعي كبير فحسب، بل في استقطاب أبناء الضاحية الأساسيين، أو الأصليين، وصارت له تركيباته التنظيمية والاجتماعية والخدماتية التي لم تتعارض يوماً، مع كون الضاحية تمثل مركز القيادة الأساسية للمقاومة سياسياً وعسكرياً وأمنياً. ولم يحصل يوماً أن خرج أبناء الضاحية يطالبون الحزب بالرحيل عنه، رغم كل الدمار الذي أصابهم، وظلت التضحيات كبيرة وكبيرة جداً. لكن هذه الكتلة البشرية صارت، منذ سنوات، تطالب الحزب بدور أكبر. وبعكس ما يروّج له خصوم الحزب، فإن السكان أرادوا منه تولي مسؤولية إدارة شؤونهم كافة، وأن يحلّ فعلياً محلّ الدولة التي لا تأتي أبداً. كان الناس، وربما لا يزالون، يريدون من الحزب الإشراف على إدارة الأمور اليومية في ما خص الكهرباء والماء والهاتف وتنظيم الأسواق وإدارة الخدمات العامة، وتولي الأمن اليومي، وليس الأمن السياسي أو العسكري.

لكن ما تطور مع الوقت، هو أن التدهور الاقتصادي الكبير في البلاد أصاب أبناء هذه المناطق كما غيرهم، فانتشرت الآفات الاجتماعية الناجمة دوماً عن الفقر والتسرب المدرسي والفوضى وغياب السلطة الرسمية الواضحة. وخلال السنوات الخمس الأخيرة، صار أبناء هذه المنطقة يتداولون أخبار جرائم القتل والخطف والبلطجة، والحديث عن أسواق الممنوعات من مسروقات ومخدرات، وحتى الدعارة التي يفترض أنها تتناقض مع البيئة الضاحيوية المحافظة. وكان على الحزب أن يتصدى لهذه المهمة.

وفي كل مرة يرفض فيها الحزب هذا الدور، كان يحاول استدراج الدولة لتولي المسؤولية. لكنْ مجنونٌ من يعتقد أن في السلطات المتعاقبة على إدارة البلاد من يهتم لهذا الأمر. أكثر المشاريع تكاملاً، قدمه رفيق الحريري تحت اسم «إليسار»، لكنه كان مشروعاً منسوخاً عن مشروع سوليدير، وكان هدفه إبعاد الناس عن هذه المنطقة، لا يهم إلى أين، وتحويلها إلى منطقة خدمات لمركز العاصمة الميت أصلاً. وهو ما فرض مواجهته بقوة، لكن من دون بدائل.

المهم أن الأمر وصل إلى حدود صار فيها الفقراء المحرومون من الدولة يشكون قلة الأمن الاجتماعي إلى أبعد الحدود، ولم يعد بإمكان الحزب السكوت. لكنه ليس الطرف القادر على تحمل المسؤولية. كل ما عليه هو عدم وضع أي فيتو، ولا سيما أنه أطلق منذ فترة طويلة ورشة إعادة ترتيب الأمور في الضاحية، وأطلق ورشة «ضاحيتي» التي تعمل بإشراف اتحاد بلديات الضاحية الجنوبية، وغايتها تنظيم الحركة اليومية ومنع المخالفات. وهو عنوان مهمة الجيش اللبناني فجر أمس في موقف حي السلم.

من الطبيعي أن يكون الحدّ الفاصل بين الفقر والجريمة دقيقاً للغاية. وسيكون من الصعب ضبط الموقف في حالة الدعوة إلى علاج كامل للأزمة. لكن بات من الصعب رهن الأمور كلها بخطوة واحدة. ومن دعا إلى معالجة الظواهر الأمنية في مناطق شبيهة من حيث الواقع الاجتماعي والاقتصادي، كما جرى في طرابلس أو مخيمات لبنان، عليه أن يكون أكثر وعياً وهو يتحدث عمّا جرى أمس في حيّ السلم. أما الرهان من فريق 14 على زعران لمواجهة حزب الله، فهذا مفهوم في قاموس هؤلاء!

..

«الدولة» تدخل «حيّ السلم»: الفقير الكبير يأكل الفقير الصغير!

يارا سعد

على عكس ما أشيع، يؤكد أحد سكان المنطقة أن ما جرى تداوله عن ظهور مسلح «عار من الصحة» (مروان طحطح)

بدأ الأمر في الثالثة فجراً. ربما في الرابعة، أو أقل بقليل. حضر الجيش، بطلب من بلدية الشويفات، لإزالة المخالفات في «موقف حيّ السلم». أزيلت المخالفات. صباحاً، ذاب الثلج وبان المرج. المعترضون هم المخالفون. أحرقوا ما أحرقوه، وعادت الأمور إلى طبيعتها. فقراء، وهذا قد يكون صحيحاً، إلا أن المعترضين على المخالفات أشدّ فقراً بكثير

الناس في حيّ السلّم، الذي يحدث اسمه وقعاً ثقيلاً، ليسوا كما يقال على مواقع التواصل الاجتماعي. هناك آثار حريق في «الموقف» الذي يبدو أشبه بساحة. هكذا يعرّف سكّان الحيّ مكان الأحداث: «الموقف». هذه نقطة ينبغي توضيحها. ما حدث لم يحدث في «حي السلم»، بل في «موقف حيّ السلم». من يعرف المنطقة يمكنه تمييز الفارق.

رغم آثار التكسير والحرائق على الأرض، وآثار «التعاطف» الطارئ على «فايسبوك»، الناس كانوا راضين. يأملون خيراً. ظهراً، انتهى كل شيء في الواقع، واستمر على «المواقع». ما قد يفاجئ كثيرين هو أن سكان المنطقة يريدون «الدولة». يؤكدون ذلك. العبارة ترد على ألسنة كثيرين يؤكدون أنهم مستعدون للالتزام والانضباط. يريدون «الدولة» التي تخلّت عن مسؤولياتها، وتخلّت عنهم، تاركةً الساحة فارغة أمام أحزاب «غير مبالية»، وأشخاص باسم العشائر يأكلون «أخضر الطرقات ويابسها».

سئم الناس المخالفات. الخوّات. البلطجة. غياب الأمن. من الأكثرية؟ الذين سئموا أم المخالفون؟ لا يحتاج الأمر إلى إحصاء. اجتماعياً، الجميع فقراء. قد ننحاز إلى الجميع، في قياس الأسباب. ولكن، في القانون، المخالفون يتكاثرون.

«ما يحدث يحدث باسم العشائر»، يقول أحد أصحاب المحال التجارية في الموقف: «يفرضون علينا الخوّات وعلى العاملين السوريين أيضاً». كان ينتظر الفرصة ليعلن موقفاً معاكساً لما ظهر على الشاشات: «يأخذون من كل عامل ألفي ليرة عن اليوم الواحد، ويبلغ عدد هؤلاء العمال نحو ستين». من هم؟ «الزعران»، يجيب. ليس خائفاً. لا يمثلون العشائر، هذه صفة يحاولون أن يلصقوها بأنفسهم. يقول آخر بين كومةٍ من الخراب: «يزعجون الزبائن ويمنعوننا من ركن سياراتنا أمام محالنا، أما المخفر فإنه لا يسمن ولا يغني من جوع». لهذه الأسباب تدخل البلديات والقوى الأمنية والجيش؟ ربما. حديث الناس مدخل أساسي لفهم المعترضين على إزالة المخالفات. وهؤلاء المعترضون، في الأساس، تبلغوا القرار قبل شهر عبر البلديات. أسئلة كثيرة يجب أن تسأل عن «تسوية أوضاعهم»، وعن عدم جواز «المساواة» بينهم. وهم، في جميع الأحوال، يستحقون إجابة واضحة عن سؤال يسألونه دائماً: «ما البديل؟». لكن الناس ضاقوا ذرعاً بالمخالفات، ولا بد من بداية.

الاعتراضات وافرة. مِن أمام محله، يضيف رجل مرحّب بالحملة: «يبنون محالّ غير شرعية على الطرقات العامة ويؤجّرونها بما يقارب ألف دولار، متناسين أن خلف محالهم المزعومة محال لأناس آخرين». المخالفات كبيرة. والفقراء يأكل بعضهم بعضاً كالسمك. الكبير يأكل الصغير. ثمة «قطبة» مخفية. علاقات القوة في حيّ السلم لم تعد قائمة على العلاقة مع الدولة. الدولة غائبة. العلاقة تقوم على «الغابة». هناك درجات في «الاستضعاف». الذين ينتمون إلى العشائر يستقوون بهذا الانتماء. لا يعني ذلك أن العشائر موافقة. أبناء الجنوب ليس لديهم «حظوة» في حيّ السلم. وهناك رجل من طائفة أخرى يدفع الخوّات، ويخاف أن يتحدث. محله الشرعي يقبع قرب محل غير شرعي مهدّم. هل إزالة المخالفات بارقة أمل؟ ربما. لا يملك الناس هناك إلا الأمل.

على عكس ما أشيع، يؤكد أحد سكان المنطقة أن ما جرى تداوله بخصوص الظهور المسلح «عار من الصحة»، ويقول جازماً إنه لم يسمع «طلقة رصاص واحدة». وثمة من يحب أن يسجّل موقفاً سياسياً: «مع المقاومة حتى النفس الأخير»، ثم يستدرك معاتباً: «كنا نظن أن حزب الله نسينا، لكن الآن بإمكاننا أن نقول حزب الله عاد طالما الدولة عادت». أحد الواقفين يجد الأمر فرصة ليطالب بـ«سرية لقوى الأمن الداخلي أو الجيش لحل كافة المشاكل وفرض السلطة والقانون». الناس تعبوا. من جهة أخرى، رفض كثيرون التحدث عمّا جرى، تفادياً «لوجع الرأس» أو تخوّفاً من «أيّ ردّ فعل تجاههم». الحملة ما زالت في بدايتها. في حيّ السلم، تكفي الناس مشاكلهم. المياه والكهرباء والأوضاع المادية وضيق الطرقات والأحوال. يخشون أن تكون الحملة «غيمة صيف»، وأن يتركوا وحدهم، كما اعتادوا... «بلا دولة».

نغادر «موقفِ حيّ السلم»، كما دخلناه. لا مسلّحين. ولا جيش. ولا شيء من خيال «الناشطين» على فايسبوك. ما استقبلك ستجده في وداعك: أعلامٌ صفراء وخضراء ترفرف هنا وهناك. دراجات نارية تسير «عكس السير» المزدحم دائماً. على الأطراف سيارات مركونة بفوضى. شرائط الكهرباء المتشابكة تأكل السماء. أكياس النفايات على الطرقات. ألم تجد من يلمّها منذ الصباح؟ تسأل، والناس يسألون «ماذا بعد الحملة؟»، على أمل أن تحل بركة «الدولة» على هذه المنطقة. في حي السلّم الجميع يعترض. المخالفون والذين أرهقتهم المخالفات. الفقر ينسحب على الجميع.

..

«ضاحيتي»: آمال معلّقة على حبال الانتظار الطويل

وهذا المكان هو «إزالة المخالفات والتعديات»

رحيل دندش

فجأة، أعلن «اتحاد بلديات الضاحية» عن مشروع تنموي واجتماعي وتجميلي للضاحية بعنوان: «ضاحيتي». في البداية، تفاوتت آراء القاطنين هناك، بين يائس من التغيير ومتأمل خيراً. الناس في الضاحية ملّت الوعود، وتريد حلولاً عملية. كنا، قبل أحداث حيّ السلم أمس، قد حملنا هذه الأسئلة إلى رئيس الاتحاد محمد درغام، للوقوف على تفاصيل الخطة التي كان لا بد أن تبدأ من مكانٍ ما.

تشتمل خطة «ضاحيتي»، كما يقول رئيس «اتحاد بلديات الضاحية» محمد درغام، على أربعة محاور: خطة السير، التجميل والإنارة والنظافة، إزالة التعديات عن الأملاك العامة، وقمع مخالفات الدراجات النارية والحافلات. تبدو هذه العناوين غير معقدة، وهي لا تدخل إلى الجذور الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها المنطقة. أحداث أمس تسمح بطرح هذه الأسئلة.

يجيب درغام بأن على الناس أن يعرفوا أن البلديات ليست مخوّلة قانوناً معالجة كل المشاكل، ولا تقع معالجتها ضمن إمكانياتها المادية، «وعلى عكس ما يتصور كثيرون ممن يحمّلون البلديات المسؤولية، فإن غالبية المهمات تقع على عاتق الدولة ومؤسساتها. ونحن كاتحاد نعمل فوق طاقتنا لنسدّ تقصير الدولة».

السؤال الضروري المطروح دائماً: أين الدولة؟ يؤكد درغام أن لا أحد يحول دون ممارسة الدولة دورها في الضاحية. لا الفعاليات السياسية ولا «قوى الأمر الواقع»، بل هناك تنسيق في كثير من المسائل. «الدولة يجب أن تفرض هيبتها». أما لماذا لا تتدخل؟ فهو سؤال للدولة: «هناك كتب خطية إلى وزير الداخلية نناشده فيها التدخل وحضور الدولة الدائم وليس المؤقت، ونحن نطلب من الدولة أن تكون حاضرة من خلال خطة ضاحيتي لقمع المخالفات وإزالة التعديات».

لم يأتِ مشروع «ضاحيتي» فجائياً كما يؤكد درغام، وإن أُعلن عنه فجأة. قبله، عمل الاتحاد مع شركة «خطيب وعلمي» على إنجاز خطة سير تتضمن شقين؛ شق تستطيع البلديات القيام به ضمن إمكانياتها من قبيل ضبط اتجاه السير والإشارات، والآخر يحتاج إلى متابعة مع الدولة لتنفيذه؛ فالأشغال وبناء الجسور والأنفاق وغيرها ممّا اقترحته «خطيب وعلمي»، يقع تنفيذها على عاتق مجلس الإنماء والإعمار ووزارة الأشغال العامة.

معالجة الأزمة من الداخل

النقل المشترك، أو ما يسميه درغام «النقل الحضري»، شقّ أساسيّ من الخطة. وهذا النقل سيأخذ في الاعتبار «الفانات» القانونية التي يجب أن تدخل ضمن تصوّر النقل المشترك. وكذلك الأمر في ما يتعلق بمصلحة النقل المشترك والسكك الحديد التي يعمل الاتحاد من خلال الخطة على دفع الدولة لإعادة تفعيلها، إضافة إلى إدارة دخول الآليات التي تفوق زنتها 9 أطنان إلى الضاحية وخروجها منها، «لأننا يجب أن لا ننسى أن الضاحية منطقة سكنية وصناعية وتجارية». يؤكد درغام غير مرة، أثناء الحديث، أن استنباط حلول للمنطقة يكون من خلال التعامل مع واقعها. فالضاحية تحتل مساحة جغرافية صغيرة مقارنة بالاكتظاظ السكاني الذي تعاني منه ووجود مخيمين فلسطينيين داخلها. إلى ذلك، هي ولدت من رحم الحرب. معظم قاطنيها انتقلوا إليها من البقاع والجنوب وبنوا بيوتهم عشوائياً من دون تنظيم مدني. التعامل مع الموضوع من خارج الواقع، بحسب درغام، يستلزم على سبيل المثال إزالة الكثير من الأبنية. أما لماذا لا يتم شراء هذه العقارات وإزالتها من أجل التنظيم؟ فلأن ذلك «ليس ضمن إمكانيات البلديات، وهي إمكانيات متواضعة عموماً». وهنا يعرض لإشكالية كبيرة تتعلق بحصة المنطقة من أموال الصندوق البلدي المستقل، إذ إن هذه النسبة تتحدّد وفقاً لعدد الناخبين وليس القاطنين. والناخبون في الضاحية لا يتجاوز تعدادهم 200 ألف، فيما يقطن فيها حوالى 750 ألف نسمة... «كيف سأقوم باحتساب الميزان التجاري وموازنة الإيرادات مع المصروفات؟»، يسأل درغام، وعلى «الدولة» أن تجيب.

المشاريع

رغم ذلك، يؤكد رئيس «الاتحاد» وجود حجم «مهول» من المشاريع في الضاحية يتجاوز حجمها ملايين الدولارات، بين محطة الكهرباء وأشغال البنى التحتية ومشروع استجرار مياه سد بسري ــــ الأوّلي. ولكن لماذا تحفر الشوارع أكثر من مرة في السنة الواحدة؟ يضرب مثالاً حسيّاً: «مشروعا الماء والكهرباء منفصل أحدهما عن الآخر، لأنهما من وزارتين مختلفتين. كبلديات نعمل قدر المستطاع على التنسيق بينهما. ورغم أنه ليس لنا سلطة الإشراف على هذه المشاريع، فرضنا سلطتنا عبر خلق فريق استشاري مع الاستشاري الذي تعتمده الدولة للمتابعة وملاحقة تنفيذ المشاريع». لكنه يؤكد أن هناك «استحالة فنية أن تجري بعض الأعمال في الوقت ذاته، كأشغال الماء وأشغال الكهرباء، ما يدفع إلى حفر الطريق أكثر من مرة».

أزمة المياه الطويلة

المياه، أحد أسباب المعاناة في الضاحية، والتي تقوم الصهاريج إلى حدّ كبير بسدّ فجوة انقطاعها. يشير درغام الى أن الاتحاد فكّر في حفر آبار لتوزيع المياه وشبكات المياه، «لكن لا مصادر المياه متوافرة ولا القانون يسمح باستخراج المياه وبيعها. وجيولوجياً، مياه الضاحية الجنوبية كبريتية». أما واجب البلديات في هذا الخصوص فهو المتابعة مع الجهات المعنية، لأن مصادر الماء مشاريع استراتيجية على مستوى الدولة وليس على مستوى بلديات... «راجعنا المسؤولين في مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان، فقالوا إن مسؤوليتهم تنحصر في توزيع الماء، لكن تأمين مصادر الماء يقع على عاتق الدولة». مجدداً، الدولة هي المسؤولة. السؤال نفسه: أين الدولة؟

لا إجابة. طيب. ماذا عن مصادر مياه «السيترنات»؟ يؤكد درغام أن صهاريج الماء تُعبّأ من آبار خاصة من خارج نطاق الضاحية، وأنها «غير ملوثة». بالنسبة إلى كثيرين، هذا «تفاؤل مبالغ فيه». غير أن درغام يعترف بأن نسبة الملوحة فيها عالية «كما هي حال الماء التي تأتي من «مصلحة مياه بيروت». لم يوافق درغام على تعبير «المافيات» في ما يعني «سيترنات» المياه، مؤكداً استعداد بلديات الضاحية لمؤازرة مؤسسة (مياه بيروت) لإزالة المخالفات عندما تطلب ذلك. والناس ينتظرون المياه.

النظافة من الإيمان

أزمة النفايات في الضاحية من أبرز المشاكل الظاهرة، نظراً إلى تكدّسها على جوانب الشوارع. يقول درغام إن هناك حجم نفايات مهولاً في الضاحية، حتى إن حاويات النفايات تمتلئ أكثر من مرة في اليوم، نظراً إلى كونها منطقة صغيرة مكتظة سكنياً. أخيراً، تسلّمت شركة «سيتي بلو»، بعد «سوكلين»، عملية تجميع النفايات، لكن المشكلة كما يشير رئيس الاتحاد تكمن في الكنس، لأن مجلس الإنماء والإعمار لم يلزّم الكنس لأحد. لا شركة تكنس الطرقات، وهذا ليس في الضاحية فقط، بل في كل محافظة جبل لبنان. ويشير إلى «أننا ضغطنا على الشركة لإنزال 120 موظف كنس لتنظيف الشوارع، ولكن ذلك غير كاف، لأن الضاحية تحتاج إلى نحو 300 موظف».

متى نلمس على الأرض نتائج خطة «ضاحيتي»؟ يَعِدُ درغام بأن ذلك سيكون خلال مهلة تتراوح بين 3 إلى 6 أشهر. فهي، كما يؤكد، تسير على سككها السليمة، وإن كانت، من دون شك، ستواجه مشاكل خلال التنفيذ. أمس بدأ الأمر في حيّ السلم، والطريق طويلة، كذلك فإن المحاسبة ضرورية، في نهاية الطريق. الناس ينتظرون «تقريش» الخطط الطويلة.

تعليقات: