إطلاق «صدى القيد» للأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين من بيروت


قد لا يعرف المرء في حضرة أولئك الكبار الأسرى في معتقلات الاحتلال، كيف يبدأ كلامه وكيف ينهيه، وتحديدًا مع القائد الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أحمد سعدات الذي نطلق كتابه اليوم" صدى القيد" الصادر عن دار الفارابي في لبنان، ليكون توثيقًا عن همجية العدو الصهيوني، التي يمارسها ضد المعتقلين.

على وقع النشيدين اللبناني والوقوف دقيقة صمت على أرواح الشهداء، أطلقت دار الفارابي، ومنتدى غسان كنفاني الثقافي، ومركز التضامن الاجتماعي كتاب صدى القيد للأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أحمد سعدات، في قصر الأونيسكو، ببيروت، الإثنين في 24/7/2017، حيث تحدث خلال الإطلاق الدكتور حسن خليل، الدكتور سامي كليب، الدكتور سماح إدريس، الرفيقة صمود سعدات، الأستاذ مروان عبد العال، وذلك بحضور أمين سر فصائل منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح في لبنان فتحي أبوالعردات، عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين ومسؤولها في لبنان علي فيصل، ممثل حركة الجهاد الإسلامي محفوظ منوّر، ممثل الجبهة الشعبية القيادة العامة أبوموسى، أمين عام الحزب الشيوعي اللبناني حنا غريب، عضو المجلس الثوري لحركة فتح ورئيسة الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية آمنة جبريل، عضو المجلس الوطني الفلسطيني صلاح صلاح، حملة مقاطعة داعمي "إسرائيل" في لبنان الدكتور عبدالملك سكرية، الأسير المحرر أنور ياسين، المحامية فداء عبدالفتاح، عضو المجلس الوطني الفلسطيني سميرة صلاح، وعدد من الشخصيات الثقافية والإعلامية، وعدد من الرفاق والرفيقات في الجبهة الشعبية.

استهل الكلام الإعلامي أيهم السهلي، مشيرًا إلى أن كتاب صدى القيد يسلط الضوء على قضية لطالما لفتت أنظار المتابعين، ليس على مستوى فلسطين وحسب، إنما على مستوى العالم بأسره، قضية الأسر.

ثم كانت كلمة للدكتور حسن خليل، أشار فيها إلى أن صوت التاريخ لن يخفت، سيشق فضاء السموات السبع ليوصل صوتك المكبوت قسرًا. لن تنسى حجارة القدس عرق من بناها، ودماء من يسقطون اليوم دفاعًا عن الأقصى، هم جزء منها كما هي أيقونتهم. شجرة نخيل مريم ومخاضها وملاكها ومولودها ونجمتهم لن تُباع لقاء سفرة أو ليلة في حانة أو ربطة عنق. هي هي باقية وعلى وجعها وخوفها وقلقها. ستُعيد الصراخ لآلاف المرات، ستصرخ وسيصرخ أمل الولادة في وجه كل غاصب وغافل وذليل. سيعم مخاضها أرجاء الصحارى المترامية والمرمية في بحار الذل الأسود والعار الدائم. ستحمل نجمة الصبح بريق نورها، وتهيم على وجهها في البراري مفتشة عن شوكة يابسة في الفيافي المجهولة، ربما لم تصلها بعد لوثة المال والسلطة، لترمي عليها وزر من ابتُلينا بهم لعلها تخفيهم، مرّة واحدة وإلى الأبد.

ثم كانت كلمة الإعلامي الدّكتور سامي كليب، حيث أشار في مطالعته إلى التفاصيل التي يعيشها الأسير في زنازين الاحتلال الصهيوني ، مستشهدًا بما يقوله سعدات في كتابه. يقول المناضل الأسير أحمد السعدات، في الصفحة ١٠٩:

في العزل الانفرادي تختفي كل مفاصل الحياة، قد يختفي الفرح، ويختفي الشعور بمتعة المطر أو بشروق الشمس وغروبها، أو بزقزقة العصفور أو بنباح الكلب، أو رؤية الثلج أو الصقيع، يختفي الشعور بسلحفاة تحاول سرقة طعامها من حديقة، تختفي مراقبة نمو شجرة في حديقة المنزل أو بتفتح زهرة رمان في حديقة أخرى .... في العزل الانفرادي ينعدم الإحساس بالزمن وفواصله، ينعدم الإحساس بالليل والنهار، بالصيف والشتاء ، بالصباح والمساء ، بالقمر والنجوم والضباب ..... تنعدم في العزل كل مظاهر الحياة الاجتماعية.

ثم كانت كلمة لرئيس تحرير مجلة الآداب الدكتور سماح إدريس، حيث قال: إن أهمّ ما يميّز كتابَ الرفيق أحمد سعدات أنّه ليس كتابًا عن السجن بشكل عامّ، بل هو متخصّص في حالة معيّنة، ومتطرّفة، وندر أن كُتب عنها في حدّ علمي في أدبيات السجون باللغة العربيّة؛ عنيت: حالة العزل الانفراديّ في سجون العدوّ الإسرائيلي.

وحين نقول إنه "متخصص،" فذلك يعني الدقّة الاستقصائيّة الحقيقية، حتى ليبدو الرفيق سعدات أشبهَ بمحقّقٍ جنائيّ، فضلًا عن مصوِّر فوتوغرافيّ، يورد كلَّ ما تقع عليه عيناه بحذافيره وتفاصيله (المملّة أحيانًا). بل إنّ سعدات يصل إلى حدّ قياس "البرش" طولًا وعرضًا، وقياسِ الحمّام، والمرحاضِ نفسِه، والشبَكِ الحديديّ المثبّت على نوافذ الزنازين، والمربّعاتِ داخل الشبك! وهو يتتبّع أماكنَ وجود كاميرات المراقبة داخل الممرّات وغرفِ الزيارات وزنزاناتِ العزل، كأنّه مسؤولٌ أمنيّ، أو مهندسٌ داخليّ، أو قائدُ خليّةٍ يخطِّط عمّا قريبٍ لعمليّةِ فرارٍ ما! وهو يترصّد الأصواتَ القادمةَ من الخارج، ويتلمّس تسلّلَ الشمس ورؤيةَ القمر عبر شبك الزنزانة. وهو يقارن بين الزنازين التي ارتادها: فهذه الزنزتنة بلا شبابيك، وتلك بطاولاتٍ بلاستيكية، إلى آخره. وهو يذهب إلى حدّ "تشميمنا" روائح الزنزانة المختلطة؛ يقول:

"يكفي أن نتصور أنّ الأسير في هذه الزنزانة الضيّقة يطبخ ويستحمّ ويقضي حاجتَه وينام؛ ما يجعل الزنزانةَ مليئةً بأبخرة الطعامِ عند الطبخ، وبخارِ الماءِ عند الاستحمام، وروائحِ قضاءِ الحاجة" (ص94).

السعدات في ذلك كله كتلةٌ من الحواسّ الملتهبة، ولا يشعر القرّاءُ أنّ سنوات السجن الطويلة خَدّرت أيًّا منها.

ثم كانت كلمة لابنته الرفيقة صمود سعدات، عبر شريط فيديو مصور، حيث أشارت إلى الصعوبات التي كانت في حين كانت تتم عملية نقل معلومات الكتاب، موجهة الشكر إلى دار الفارابي في لبنان لطباعة ونشر كتاب صدى القيد.

وفي الختام كانت كلمة مروان عبد العال، مسؤول الجبهة الشعبية في لبنان، حيث أشار إلى القيم التي أوردها كتاب صدى القيد ومنها تلك القيمة الوطنية التي تكمن فيه، حيث قال: إن القيمة "الوطنية" للنص المبني على سيرة جماعية لا تختصّ بشخص محدد إنما تختص بتجارب غيرية بعيدًا عن الإنفرادية، أو الأناننية السائدة في ساحتنا مع الأسف. لم يسرد لنا تجربته الغنية الواسعة والمفيدة في العمل السري والعلني، السياسي والكفاحي، العائلي والحزبي، الخاص والعام. لم يقل إن نصفه لبناني، وإن أمه من الكورة، شمال لبنان، بل أخذنا إلى العزل، بوصفه "مقبرة الأحياء" أو سجن في السجن.

حدثنا عن 52 أسيرًا اغتيلوا في السجن عمداً، وعن كوزو أكوموتو الذي قام العدو بتشويه ذاكرته عن طريق العزل، ولم ينس فعنونو ولا الرفيق النموذج إبراهيم الراعي، على درب العكاوي والخواجا والذي لقبه بـ" فوتشيك فلسطين"، الرفيق الذي استشهد ولم يعترف، فكانت حياتهم تحاكي رواية" تحت أعواد المشانق" للقائد اليساري يوليوس فوتشيك الذي أعدم في سجون النازية.

* المكتب الإعلامي للجبهةالشعبية لتحرير فلسطين، بيروت، لبنان.

الثلاثاء في 25/7/2017


























تعليقات: