عبدالمجيد الرافعي: حكيم طرابلس يرحل بعثيّاً عنيداً

رحلةٌ شائكة وشيّقة حمل فيها الرافعي ألقاباً كثيرة
رحلةٌ شائكة وشيّقة حمل فيها الرافعي ألقاباً كثيرة


رحل الدكتور عبدالمجيد الطيب الرافعي، عن عمرٍ ناهز التسعين (1927)، الأربعاء في 12 تموز، ليطوي معه آخر صفحات النضال في رحلة مليئة بالمواقف الوطنية والقوميّة.

رحلةٌ شائكة وشيّقة، حمل فيها الرجل ألقاباً كثيرة. "حكيم طرابلس" الذي فتح المستوصفات وحمل حقيبة أدويته وجال بها في بيوت أبنائها فقراءً وأغنياء لمعالجتهم وخدمتهم أيّام الحرب. "ابن الشعب" الذي دخل البرلمان نائباً وظلّ منه ومعه في المعارك والنضال. "البعثي العنيد" الذي لم يتبدّل إيمانه بمدينته ووطنه وأمته العربيّة، وفي مقدمها فلسطين والعراق، وهو الذي كان يردد مع رفاقه ضد الإنكليز والفرنسيين والصهاينة النشيد الأحبّ إلى قلبه: "بلاد العرب أوطاني من الشام لبغداد ومن نجد إلى يمن إلى مصر فتطواني فلا حد يباعدنا ولا دين يفرقنا لسان الضاد يجمعنا بغسان وعدنان".

صورةُ عبدالمجيد الرافعي مقسومة إلى وجهيّن. وفي كلاهما، قصصٌ وحكايا وأخبار لرجلٍ استثنائيّ لم يعرف اليأس والتعب. هو فتى طرابلس، مرتع صباه الذي تفتحت فيها مداركه من منزل والده الشغوف بالقضايا القوميّة ومن مدرسته "النجاح الوطنيّة"، التي اشتهرت بحماستها الوطنيّة. وهو رفيق وحليف الرئيس صدام حسين الذي بقي حتى الساعات الأخيرة من إعدامه مؤمناً بقدرته على مواجهة أميركا في احتلال العراق.

وفي رحلةٍ طويلة، بدأت منذ أن هاجر الرافعي إلى القاهرة بمنحة دراسية، في العام 1945، وقبلها الحرب العالمية الثانية، ثم تقسيم فلسطين والعدوان الثلاثي على مصر. وعاش النكسات العربية وانشقاق حزب البعث الذي انتسب إليه رسميّاً عام 1957 إلى بعثين، سوري وعراقي. فاضطر الرافعي إلى أن يتخلى عن موقعه في قيادة البعث في لبنان، وعاش منفياً في بغداد، بعد اشتباكات مسلحة دارت مع القوات الموالية لسوريا وأخرى مع حركة التوحيد الإسلامية. وهناك، في العراق، اندمج في القيادة القومية لحزب البعث الذي كلّفه بمهمات عدّة.

عاد الرافعي إلى طرابلس بعد تخرجه طبيباً عام 1953، وكان قد أسس عشيّة تقسيم فلسطين عام 1947، مع مجموعة من زملائه، "رابطة الطلاب العرب" ARABIA، التي انتُخب أمين سر لها لثلاث دورات، ثم رئيساً لدورتين. لكنّ رحلته مع "البعث"، بدأت إثر العدوان الثلاثي عام 1956، حيث كان يبحث عن متنفسٍ مع رفاقه، الذين وزعوا دساتير الأحزاب على بعضهم بعضاً، فكان حزب البعث من نصيبه. ترشح إلى الانتخابات النيابيّة في دورة عام 1972 حاملاً شعارات القومية العربية، ففاز منفرداً في وجه لائحتي رشيد كرامي ومحمد حمزة وتقدّم على كرامي بـ543 صوتاً.

غير أنّ الرافعي لم يستطع البقاء في طرابلس طويلاً. فبعدما فرض الجيش السوري سيطرته على لبنان إثر اجتياح القصر الجمهوري عام 1990، سافر متنقلاً في الخارج بسبب مخاطر الاعتقال التي كانت تحوم حول "البعثيين العراقيين" من قِبَل الأجهزة السوريّة، إلى حين عودته عام 2003.

اتسمت حياة الرافعي بـ"الترحال" في ظلّ الترهيب الذي كان يواجهه من النظام السوري وحركة التوحيد الإسلامية. فمنزلاه في طرابلس وبيروت احتلّا أكثر من مرة، وهُجِّر من مدينته مرّات عدّة، ثم إلى بغداد على مرحلتين، وجرى اعتقال المئات من رفاقه، من دون أن يتزعزع في مواقفه وسلوكه وإلتزامه.

الخميس، في 13 تموز، يُدفن الزعيم الشعبي، كما يراه محبّوه، في مثواه الأخير في طرابلس، الذي كان حافظاً لجزئياتها السياسيّة والاجتماعية رغم غربته عنها لعقدين من الزمن. فهو، في سنواته الأخيرة، اختار البقاء في منزله القديم، عند طلعة الرافعيين في منطقة أبي سمراء في طرابلس، مُحاطاً بصورتيه مع ياسر عرفات يرفع شارة النصر، ومع صدام حسين مبتسماً له، وإلى جانبه موسوعة "كتاب الأغاني" للأصفهاني، ليكون في رحيله الأخير: قوميّاً حتّى الرمق الأخير.

* المصدر: المدن

تعليقات: