كذب المنجمون ولو صدقوا


دجالون ام صادقون؟ هذا هو السؤال الاساسي الذي يطرحه المرء على نفسه حين يستمع الى العديد من الاشخاص الذين يطلقون على أنفسهم فلكيين، يتنبأؤن بالمستقبل وما ستشهده السنة الجديدة من احداث.

المتابع لهؤلاء يلاحظ انهم يتحدثون بشكل عام لكي لايقعوا في التحديد، تظهر بالتالي عدم صدق توقعاتهم فيقولون ان العام المقبل سيشهد كوارث طبيعية وهزات ارضية وهو ما يحصل كل عام. وقليلة جدا جدا التوقعات التي تصيب، مما يعني رجحان كفة التدجيل في عملهم.

أحدهم جزم ان العام 2007 سيشهد انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان لكن لا الرئيس انتخب ولا الجمهورية اصبح لها رئيس وبقيت الكرسي شاغرة واالله اعلم الى متى... زميل آخر له قال ان لا نتخابات رئاسية في العام 2007 وهذا ماحصل بالفعل لكن لايعني ذلك انه أصاب خصوصا وان التحليل السياسي البسيط كان يقود الى هذه النتيجة بسبب التعقيدات الحاصلة في لبنان.

في احدى المرات قصدت احد العاملين في مجال التنجيم لاجراء مقابلة معه، ويعتبر من المعروفين في هذا المجال، ويزين جدار مكتبه بشهادات عليا من جامعات اجنبية في مجال الفلك، واذكر انه قال لي انه يتوقع حربا اهلية قريبة في لبنان وان فضائح ستطال سياسيين لبنانيين يخرجون من الحكم الى المحكمة. لكن لم يحدث شيء من ذلك وعندما تسأله عن سبب عدم حصول توقعاته يقول ان التوقع ليس لسنة انما لفترة اطول. وذكرني كلامه بما نشرته احدى الصحف الايطالية مرة عن وفاة بابا الفاتيكان لكن الخبر لم يكن صحيحا وصادف ان توفي البابا بعد مرور شهر على مانشرته الصحيفة فخرجت الصحيفة الايطالية مشيرة الى انها حققت سبقا صحفيا في خبرها.

ويذهب المنجمون ان اخذ المشاهد او السامع على حين غرة حين يقولون ان الكوكب الفلاني موجود في البرج الفلاني فاذا كان ذلك يشكل سعدا لمواليد البرج وفق توقعات المنجمين فان احداثا سعيدة سيشهدونها وتكرّ سبحة التوقعات فاما ان يكون ترقية في العمل او ربح مادي او تجارة مربحة الى زواج وحب جديد والى ما هنالك. ومن المعلوم ان مواليد البرج هم ملايين الاشخاص حول العالم ويتفاوتون بالفئة العمرية بين الاشهر والمئة سنة. ومن عند ذلك سيقول ان المنجم كاذب ودجال ويلعب على الكلام. واذا كان انتقال كوكب معين الى برج معين ووجهة نظر المنجم ان ذلك ليس جيدا عندئذ يقوم بتحذير مواليد البرج من احداث ماساوية تنظرهم.

وللطرافة قال لي احد الاشخاص وهو من برج العقرب انه قرأ في كتاب لاحد المنجمين ان اليوم " الفلاني" لمواليد برج العقرب سيكون من اسعد ايام حياتهم، في حين كان هذا اليوم بالتحديد من اسوأ ايام حياته على اثر اصابته بازمة قلبية كادت تقضي على حياته. المهم في كل ذلك القول ان اهتمام الناس بتوقعات المنجمين يزداد مع تزايد مشاكلهم على انواعها. ومن المثير أنه يوجد حوالي عشرة الآف شخص في الولايات المتحدة يعملون في مجال التنجيم كوظيفة دائمة وحوالي 200 ألف يعملون بعض الوقت في هذا المجال على خلفية بث التوقعات للناس وتشكيل شخصية الفرد.

ويحاول المنجمون أقناعك انهم يقرأون الطالع سواء عن طريق الكف او من خلال حركة النجوم والكواكب ومن سيناقش في ذلك لان النجوم تبعد عن الارض ملايين السنيين الضوئية ونحن نرى بعض الضوء من هذه النجوم والتي لابقاء لها ولربما قد انفجرت أو أختفت أكثرها منذ الآف أو ملايين السنين الماضية فهل يمكن قبول فكرة تحكم هذه النجوم في شخصية الفرد أو تركيبه؟ وان كل شخص يتمتع بعلامات متعلقة بوقت ميلاده وأجداده وهي بالتحديد ما كان ظاهرا منها في الافق الشرقي وقت ميلاد الشخص. ويقول المنجمون ان الأنسان هو محصلة مجموعة من العلامات المرتبطة بدائرة البروج أو ما يسمى "الزودياك".

وذاعت شهرة التنجيم مع نوستردامس وهو واحد من السحرة الذي عاش من عام 1503-1566 في سانت ريمي بفرنسا من عائلة يهودية تحولت للكاثوليكية فيما بعد. لقد كانت تكهناته مؤسسة على الادعاءات غير منطقية مبنية على احداث تمت تاريخياُ فعاد نوسترادموس يتنبأ بحدوثها ثانية في المستقبل البعيد الذي يصل الي مئات السنين القادمة حين تكون النجوم في موقع معبن. لقد قال شئ مثل "سيتكرر حدوث غزو لاسبانيا من جهة البحر الابيض على شواطئ أوربا حين يكون موقع النجوم في مكان ودرجة محددة، طبقا لنوسنرادموس. ولقد قام نوسترادموس بدراسة موقع الكواكب المختلفة وقت احداث تاريخية معينة واستخدام كتب تحتوي علي الجدوال المتعلقة بتلك الكواكب مثل جداول "الفونسين" والتي دونتها "جبن دي مارز" وكانت متوفرة للعامة منذ القرن الرابع عشر أو جداول "دي ماجنس كونيستثاس" في القرن التاسع والتي استخدامها نوسترادموس من حين لاخر وبني تكهنات بحدوث احداث متشابهة على اساس أن التاريخ يعيد نفسه ,كما ترك أيضا مجالاً للقارئ ليستشف أو يتوقع أحداث أخرى من ذاته. وقد أعتبر علماء الفلك نوسترادموس رجلاً تنقصة الكفاءة والمؤهلات ليكون واحداً منهم. وذكر بيتر بيمرير أن الحقيقية الواضحة هي أن نوسترادموس لم يكن عالما فلكيا أو منجما وكل تنبؤاته التي تفوه بها انتابها على الأقل خطأ واحد كما أن نصف نبواته الاخرى تضمنت اخطاء عديدة ولذلك كان نوسترادموس يشترط على عملائه أن يأتوا ومعهم جداولهم الفلكية والتي يقوم بأعدادها علماء الفلك قبل زيارته. لقد أثارذلك العجب في أذهان البعض والتساؤل عن حاجاتهم الي نواسترادموس وهذا يشبه مريض ذهب ليأخذ رأي طبيب ثاني بعد ان شخص الاول حالته. ولا مجال للانكار ان نوسترادموس اصاب في التنبؤ عن احداث كانت قد تمت في الماضي وتوقع تكرارها مرة اخرى في المستقبل، الا انه اخطأ كثيرا لكن الناس كانت دائما تعطيه عذرا في ذلك او لا تلتفت الى اخطائه فمثلا فقد تنبأ بوفاة أثنين من الباباوات في عام 1554 وقد تم هذا بالفعل لكن في السنة اللاحقة لهذا التاريخ. ومن المنطقي أن كلا منهما كان قد وصل الي سن متقدم وهما في حالة صحية سيئة فلابد ان يكون عمرهما قد شارف على النهاية. واخيرا اذا كان ابو المنجمين نوسترادموس كاذبا فكيف بتلامذة تلامذته حاليا.فقد كذب المنجمون ولو صدقوا.

* كاتب صحفي

تعليقات: