مزارع شبعا، ردّ على عاموس جيلباو

الأستاذ   منيف الخطيب (نائب دائرة مرجعيون – حاصبيا سابقاً)
الأستاذ منيف الخطيب (نائب دائرة مرجعيون – حاصبيا سابقاً)


نشرت "النهار" في 24-12-2007 في صفحة "قضايا النهار" موضوعاً يتعلق بمزارع شبعا تحت عنوان: "مزارع شبعا: مقاربة اسرائيلية" للمحلل الاسرائيلي عاموس جيلباو ورد فيه الكثير من المغالطات والمجافاة للحقيقة خدمة للمخططات الاسرائيلية وأرى من واجبي ايراد الايضاحات والحقائق الآتية:

1 - يبدأ جيلباو حديثه عن سبب الاحتلال في نهاية حرب 1967 فيقول ان مدير العمليات العسكرية عازار وايزمان طلب من وزير الدفاع موشي دايان مكافأة للقوى الجوية فأجابه دايان بالتأكيد أطلبوا اي شيء. فاشار وايزمان الى جبل حرمون وقال: "اريد ان يكون لنا موقع هناك اي النقطة التي يمكن رؤية دمشق منها" وبعد مشاورات مع داني اغمون مسؤول الاستخبارات ودراسة الخرائط وتحديد مكان موقع القوات الاسرائيلية وقعت مشكلة حيث يمتد الخط حتى الحدود اللبنانية، ويشير المحلل الى تمركز عدد من الجنود على قمم التلال البارزة على طول الحدود كما يشير الى ان طاقم الامم المتحدة لاحظوا ان الخط الذي رسمته القوات الاسرائيلية على خرائطها يتبع الحدود الدولية بين سوريا ولبنان، ثم يضيف لاحقا ان القوات الاسرائيلية غادرت المنطقة.

2 - يعتبر المحلل وبكل بساطة ان احتلال تلك المنطقة كان مكافأة للقوات الجوية الاسرائيلية وكأن اراضي الدولة اللبنانية التي لم تدخل في حينه في حرب مع اسرائيل أرض سائبة يمكن ان تقدم هبات وهذا يشكل اقرارا اسرائيليا بان تلك التلال هي اراض لبنانية وحدودها واضحة.

3 - لم يتطرق المحلل الى الاطماع الاسرائيلية بتلك المنطقة وكأن الاستيلاء عليها امر طارئ وليس من ضمن مخطط اسرائيلي عمره قرن ونصف وهنا نرى وجوب الاشارة الى المخططات الصهيونية منذ العام 1861 حتى اليوم ولا سيما مراكز الدراسات الاستراتيجية كمركز جافي او تصاريح القادة الصهاينة ونورد على سبيل الذكر لا الحصر:

أ - لقد قامت اول بعثة صهيونية بزيارة الشرق العربي عام 1861 وحددت في دراستها حدود دولة اسرائيل التي تضم بالاضافة الى فلسطين بكاملها جنوب لبنان حتى نهر الاولي وجبل الشيخ والبقاع الغربي وراشيا والجولان في سوريا والضفة الغربية من الاردن.

ب – اعترضت الحركة الصهيونية على اتفاقية سايكس – بيكو والتي كانت مشاركة وبشكل فعال في وضعها وعملت على تغييرها بين عامي 1920 و1923 حيث تم استبدالها باتفاقية ترسيم الحدود المعروفة باتفاقية "نيو كامب بوليه" والتي فقد بموجبها لبنان مساحة 129 كيلومتراً مربعاً تشمل حوالى ثلاثين قرية ومزرعة اهمها القرى السبع فضلا عن اصبع الجليل وتل دان في مزرعة المغر والحولة التي يملكها اهالي بلدة شبعا حيث نبع الدان من اغزر ينابيع نهر الاردن.

وقد حددت اتفاقية "نيو كامب بوليه" الحدود اللبنانية الفلسطينية من الناقورة حتى شمال بلدة بانياس السورية وعدد النقاط 39 نقطة حدودية، ثم الحدود السورية الفلسطينية من النقطة 39 حتى النقطة 71 على الحدود الاردنية السورية، وبالرغم من ذلك الاجحاف الذي لحق بلبنان فان الحركة الصهيونية اعترضت على الحدود بين النقطة 38 و39 حيث تبدأ مزارع شبعا وجبل الشيخ وقد تنبه القنصل الفرنسي غاستون مورغان الى هذا الامر وكتب الى رئيس وزراء فرنسا مشيرا الى الاطماع الصهيونية بجنوب لبنان، كما اصدر حاكم لبنان الكبير فند برغ القرار 2700 تاريخ 17-9-1924 يمنع بموجبه التملك في اقضية الحدود الاربعة وهي حاصبيا – راشيا – مرجعيون – صور الا اذا حصلوا على ترخيص من حاكم لبنان الكبير. وقد صادق المفوض السامي ويغان على هذا القرار في 19-9-1924 برقم 2856. وفي العام 1934 صادقت عصبة الامم المتحدة على اتفاقية "نيو كامب بوليه" ولكن الحركة الصهيونية رفضت ذلك واعترضت عليه. وفي العام 1941 طلبت الوكالة اليهودية رسميا من الحكومة البريطانية اطلاق يد اليهود في فلسطين كلها وضم جنوب لبنان حتى الليطاني مقابل دعمهم للمجهود الحربي البريطاني، وقد رفض تشرشل هذا العرض، اما بن غوريون فيقول في رسالة الى وزير خارجية بريطانيا (1941) يجب ان تكون اراضي النقب بالاضافة الى مياه الاردن والليطاني داخل حدودنا. كذلك يقول الباحث الاسرائيلي موشة برافر إن الحدود الجديدة لاسرائيل يجب ان تصل الى منطقة تعلو 2224 متراً من جبل الشيخ حيث تمس الحدود اللبنانية السورية. وفي تقرير مركز الدراسات الاستراتيجية جافي يؤكد الدكتور شاؤول كوهين ان التعديلات الاقليمية التي من شأنها ان تساعد اسرائيل في المستقبل تقضي بأن تبسط اسرائيل سيادتها على كامل منابع جبل الشيخ.

4 - يقول جيلباو إن القوات الاسرائيلية غادرت المنطقة الواقعة على الحدود اللبنانية السورية ولكن في مطلع السبعينات وبدء العمل الفدائي في المنطقة (فتح لاند) استولت القوات الاسرائيلية عليها وعبدت طريقا واقامت سلسلة مواقع هناك وغيرت اسم جبل الروس وسمته باسم الكابتن الاسرائيلي دوف الذي قتل في احدى المعارك، وفي هذه الفترة غادر المزارعون منازلهم ومنذ ذلك الوقت المزارع فارغة من السكان. يتبين من اقوال المحلل الاسرائيلي الامور التالية:

أ - إن القوات الاسرائيلية تمركزت على التلال والقمم التي تشكل الحدود السورية اللبنانية ومنها القمم التي تطل على دمشق وذلك يشكل إقراراً اسرائيليا بهذه الحدود.

ب – إن القوات الاسرائيلية انسحبت من هناك ثم عادت واحتلت منطقة "فتح لاند" عام 1970 حيث غادر السكان منازلهم وهذا اقرار بان اسرائيل احتلت المزارع عام 1970 وليس عام 1967 كما تدعي، فضلا عن الاقرار بان هذه المزارع لبنانية لانها ضمن "فتح لاند" والمعروف عن "فتح لاند" انها منطقة لبنانية بالكامل، والسؤال هنا لماذا التشكيك بصحة هذه الحدود ولبنانية المزارع؟ ولن نتحدث هنا عن المعاملة الطيبة لاصحاب هذه المزارع وما تعرضوا له من قصف وطردهم من ارضهم وتدمير كامل المنازل وآبار المياه وزرائب الماعز والماشية في جميع المزارع بالاضافة الى تدمير حارة كاملة في بلدة شبعا عام 1970 المعروفة بحارة السنديانة فضلا عن انها غيرت اسماء المناطق، باسماء اسرائيلية كجبل الروس الذي اسمته جبل دوف وهو ملك لاهالي كفرشوبا وشبعا.

بعد الاقرار باحتلال خط الحدود اللبنانية السورية يتحدث جيلباو عن المشكلة الاساسية الا وهي الحدود مع لبنان التي رسمت عام 1923، ونحن نسأل هل المشكلة حقا مشكلة حدود، وهي معروفة لدى اسرائيل، ام تجهيل موفع الحدود لتبرير احتلال الارض وضمها الى كيانها؟ وهذا ما فعلته اسرائيل اذ قامت بضم مناطق واسعة من جبل الشيخ الى كيانها المغتصب وتشمل:

1 - مزارع شبعا الاربع عشرة،

2 - خراج بلدة كفرشوبا لا سيما المرج – شانوح – والروس،

3 - خراج بلدة شبعا في النقار – سدانا – الشحل – مرج ابو عبدالله – مقاصر الدود حيث اقامت مركز التزلج وسواها،

4 - جزء من خراج بلدة الهبارية في سدانا والروس،

5 - قرية النخيلة،

6 - شريط القمم،

وهنا لا بد من التذكير بان اسرائيل تعتمد سببين واهيين لتبرير احتلالها وعدوانها هما امن اسرائيل والحدود المجهولة.

ويتابع جيلباو تحليله ليقول ان هناك حقيقتين تاريخيتين اساسيتين الاولى عدم وجود اتفاق رسمي بين سوريا ولبنان الثانية عدم حصول ترسيم متفق عليه للحدود، والحدود الحالية بين سوريا ولبنان وضعها الفرنسيون عام 1920 عند انشاء دولة لبنان الكبير وهنا نورد الحقائق الآتية:

1 - إن الحدود اللبنانية السورية حددتها المادة الثانية من القرار 318 تاريخ 31 آب 1920 الصادر عن الجنرال غورو بصفته ممثل الدولة المنتدبة على كل من سوريا ولبنان من قبل مؤتمر الصلح في سان ريمو، والتي تنص صراحة على ان حدود لبنان الجنوبية وفق الاتفاقات الدولية والحدود الشرقية للبنان هي حدود الاقضية الاربعة اي حاصبيا – راشيا – البقاع الاوسط – بعلبك.

2 - الحدود الجنوبية كانت خاضعة لاتفاقية "سايكس بيكو" التي تم استبدالها باتفاقية ترسيم الحدود "نيو كامب – بوليه" نتيجة الضغط البريطاني خدمة للحركة الصهيونية وهذه الاتفاقية رغم اجحافها الفاضح بحق لبنان لم تقبل بها الحركة الصهيونية وما زالت اسرائيل تمارس الضغوط والعدوان للاستيلاء نهائيا على جبل الشيخ. والحدود اللبنانية الفلسطينية واضحة كما اشرنا ولكن اسرائيل لا تقبل فكان احتلال المزارع وتشريد آلاف المواطنين.

3 - الحدود اللبنانية السورية في منطقة جبل الشيخ واضحة وهي حدود قضائي حاصبيا وراشيا اي رؤوس القمم في جبل الشيخ، وهي واضحة في العهد العثماني والعهد الفرنسي وحتى الآن وقد جرى ترسيمها وتثبيتها نهائيا عام 1934. والنقاط الحدودية معروفة بالاسم بدءا من قمة جبل الشيخ المعروفة بقصر عنتر والتي تعلو 2814 متراً عن سطح البحر مرورا بنقطة عقبة الفرس – الشحلة الزرقاء – النشبة المقبلة – الفوار – مرج ابو عبد الله – وادي المنجرة – اسفل وادي العسل وصولا الى الدرجة الحمراء حيث تتصل بالنقطة 39 من خط "نيو كامب – بوليه" وقد وضعت فرق المساحة في حينه معالم في هذه النقاط تشير الى الحدود اللبنانية السورية، وقد ازالتها القوات الاسرائيلية لتخفي معالم الحدود. ويتابع جيلباو حديثه بالتشكيك بكل الوثائق والمستندات التي قدمتها الحكومة اللبنانية بعد ان اقر في مطلع بحثه ان الاحتلال الاسرائيلي الاول كان للقمم التي تشكل خط الحدود اللبنانية السورية، وكأني به يقول صباحا قد اشرقت الشمس ثم يعمد الى وضع مظلة او غشاوة على عيون جميع الناس ويقول لهم لا يوجد نور للشمس فقط لان اسرائيل تريد ذلك.

ولا بد من الاشارة الى وجود الكثير من الوثائق والخرائط التي تؤكد لبنانية المزارع وسائر الاراضي المحتلة في جبل الشيخ وان المشكلة ليست مشكلة حدود ووثائق بل اطماع بالارض والماء.

(نائب دائرة مرجعيون – حاصبيا سابقا -مؤلف كتاب "مزارع شبعا حقائق ووثائق")

تعليقات: