«محرقة» لوعي اللاجئ الفلسطيني: «إسرائيليّون» في «الأونروا»!


ضاق العالم بالقضيّة الفلسطينيّة، وقد حار قديماً، ويَحار يوميّاً، في كيفيّة طيّ صفحة هذا «الكابوس» الأبدي. لم يعد الفرق شاسعاً في هذا السعي، بين عدو وبين حليف عدو و«حيادي» و«شقيق»... فـ«البيت الفلسطيني» نفسه ليس بعيداً عن هذا. وصل الأمر إلى وكالة «الأونروا»، التي أنشئت لـ«إغاثة وتشغيل» اللاجئين الفلسطينيين. هذه تُريد الآن أن تغير مناهج تدريس «أطفال القضيّة» ليُصبح اسم بلادهم «يقطين»! وأن تُشطب مِن وعيهم أي خريطة لبلادهم تحت شعار «الحضّ على السلام»! الوكالة، التي تُعاقب اللاجئين وتطردهم مِن عملهم لديها إن أبدوا تعاطفاً، علنيّاً، مع قضيّتهم بحجّة «عدم التحيّز»، تسمح بأن يكون على رأس هرم إدارتها مَن له علاقات بالمؤسسة الأمنية الإسرائيلية وكذلك الأميركية. أياً يكن، هناك مَن لا يزال يرفض أن يموت، ومن هؤلاء مَن سرّب «الفضيحة» الأمميّة، فعطّلوا الخطّة مرحليّاً. هؤلاء، ومعهم كلّ مقاوم في الداخل والخارج هم الذين يتمنّى «كبار العالم» موتهم منذ دهر، لكنّهم فكرة فضلاً عن قضيّة... والأفكار دوماً مضادة للرصاص

في تمّوز 2016، زار الأمين العام السابق للأمم المتّحدة، بان كي مون، مدرسة تابعة لـ«وكالة الأمم المتّحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى» (الأونروا) داخل قطاع غزّة في فلسطين. كانت هناك لوحة طوليّة لخريطة فلسطين، كلّ فلسطين، تلك التي «من النهر إلى البحر». حدث أن جاء «أحدٌ ما» وغطّى تلك اللوحة بقماشة بيضاء قبل وصول الزائر إلى المدرسة، كأنّها عار لا يُراد للعين الأجنبيّة أن تراه!

مَن فعل ذلك؟ ظلّ الأمر مبهماً. الفلسطينيّون الغاضبون اتهموا «الأونروا» بذلك، فيما نفى المتحدّث باسم الأخيرة الأمر، ثم أتت «اللجان الشعبيّة للاجئين» وقالت في بيانها إن مَن فعلها «جهة مِن الطابور الخامس في وكالة الأونروا... هذا العمل المشبوه والمخزي». كل ذلك كان قبل الوثيقة السياسيّة الجديدة لـ«حماس». قبل أن تعلن الحركة، منهجيّاً، قبولها دولة على ما يُعرف بأراضي عام 1967.

«الأونروا» وتغيير المناهج

قبل نحو شهرين، علت أصوات فلسطينيّة، مِن الداخل والخارج، ضدّ «الأونروا» بعدما همّت بتغيير المناهج الدراسيّة للطلاب في مدارسها. مسؤولون في الوكالة رفضوا، بداية، التعليق على المسألة. لاحقاً سيأتي المفوّض العام للوكالة، بيير كرينبول، ليجتمع برئيس الوزراء الفلسطيني (رام الله) رامي الحمدالله، ثم بوزير التربية والتعليم صبري صيدم، وذلك للبحث في قضيّة المناهج المُثارة. بالمناسبة، لولا تسريبات مِن داخل الوكالة نفسها، لكانت مرّت التغييرات وأصبحت واقعاً.

هذه التسريبات، التي حصلت «الأخبار» على نسخ عنها، تتضمن المناهج التي كان يُعمل عليها، إذ كانت كلمة «فلسطين» في واحد مِن كتب المرحلة الابتدائيّة ستُصبح «يقطين»! أمّا الخريطة الفلسطينيّة، فكانت ستتبخّر تماماً. والأم التي كانت تتعاون مع ابنتها في «تطريز خريطة فلسطين» ستُصبح، بعد التعديل، تتعاون مع ابنتها في «تطريز ثوب فلسطيني». أيضاً، كانت ستتبخّر تماماً كلمة «احتلال» مِن إحدى الصفحات، وكذلك التمرين المتعلّق بـ«يوم الأسير الفلسطيني». وفي مكان آخر، في أحد دروس اللغة العربيّة، سيحلّ «الأمير» مكان «الأسير». ستُستبدَل جملة «القدس عاصمة فلسطين» بجملة «القدس مدينة الديانات السماويّة». السجن سوف يُصبح «بلديّة»... اللائحة طويلة، لكنّ الفصل الأخير مِن هذه المسرحيّة التافهة سيُحيل رسم جدار الفصل العنصري إلى هيئة «شلّال»!

رئيس الوزراء الفلسطيني سيُعلن، بعد لقائه كرينبول، أنّه «تم الاتفاق خلال الاجتماع على أنّه لا تغيير على المناهج التي تُدرّس في مدارس الوكالة، وأيّ تعديل عليها سيتم بالمشاورات الكاملة مع وزارة التربية والتعليم». في اليوم التالي، بعد اجتماع المسؤول الأممي مع وزير التربية والتعليم في رام الله، سيُصرّح الأخير قائلاً: «نؤكد العلاقة الوثيقة والتاريخيّة التي تربط الوزارة بالوكالة، والحرص على تعزيز التواصل بما يضمن خدمة التعليم لأبناء اللاجئين وتحسين مخرجاته... ونشدّد في الوقت نفسه على ضرورة احترام المناهج الوطنيّة ومنع أيّ محاولات قد تمسّ المناهج ومضامينها».

لم يمر تغيير المناهج

وشطب فلسطين منها، لكنه سيبقى موضوعاً حاضراً

أما كرينول، فقال إن الوكالة «تعدّ شريكاً رئيسياً لوزارة التربية، خاصة في المجال التعليمي، ونؤكد حق الأطفال الفلسطينيين في تلقي تعليم نوعي والحفاظ على مقومات الهوية والثقافة، وإنّ أي إثراء للكتب المدرسيّة الفلسطينيّة سيكون بالتنسيق بين الوزارة والوكالة».

هكذا، إنّه «الإثراء». كلّ المسألة في هذا «الإثراء». إلى هنا تكون الوكالة، في الظاهر، تراجعت عن خطوة تغيير المناهج كما كان يُعدّ لها، علماً بأن الاجتماع الأخير بين المفوّض العام للوكالة والوزير الفلسطيني حضره عدد مِن الخبراء والمستشارين، مِن الطرفين، ومِنهم حكم شهوان (احفظوا هذا الاسم) مِن مكتب المفوّض. وبالمناسبة، كانت الوكالة قد عقدت في العاصمة الأردنيّة، نهاية العام الماضي، منتدى لـ«تعزيز الجهود الرامية إلى تنفيذ إطار المناهج» (كما أعلنت على موقعها الإلكتروني). ومما جاء في بيانها آنذاك أنّ المناقشات في المنتدى «ركّزت على كيفيّة ضمان استخدام إطار المناهج على نحو فعّال، مع التركيز على قضايا مثل تجنّب التحيّز والتزام قيم الأمم المتحدة». تذكّروا معزوفة «تجنّب التحيّز»، وكذلك «قيم الأمم المتّحدة».

العين الإسرائيليّة على «الأونروا»

قبل منتدى الوكالة المذكور، وقبل فضيحة المناهج، كانت دراسة إسرائيليّة قد صدرت ــ أعدّها رئيس «مركز أبحاث سياسات الشرق الأوسط» الإسرائيلي دافيد بادين ــ وحُرّض فيها على «الأونروا» والمناهج الدراسيّة التي تدرّسها. دعا بادين دول العالم المانحة إلى الكفّ عن تمويل الوكالة، مستشهداً بتصريح لرئيس «لجنة الخارجيّة والأمن» في الكنيست آفي دختر، وفيه أنّ «100% مِن موظّفي الأونروا أعضاء في المنظّمات الفلسطينيّة المسلّحة». لاحقاً، في مطلع العام الجاري، نشرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيليّة تعليقات على دراسة أعدّها أرنوس غروس بالتعاون مع روني شكيد، جاء في خلاصتها أنّ «المناهج الدراسيّة المقررة في مدارس الأونروا تعدها وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، وتعتمد أساساً نزع الشرعية عن إسرائيل وتشويهها».

بعدما ترجم غروس الكتب المدرسيّة كلّها إلى العبرية، لفحصها ونشرها، خلص إلى الآتي: «هناك 11 كتاباً من مناهج الأونروا دولة إسرائيل غير موجودة فيها، كما ورد في أحد كتب التاريخ أن الصهيونيّة حركة استعماريّة، وكذلك الكتب المذكورة لا تتحدث عن أي صلة للعلاقات الدينية والتاريخية لليهود بهذه الأرض والقدس، وفي جميع كتب الأونروا لا يظهر أي اعتراف بالأماكن المقدسة لليهود مثل الحرم القدسي، وحائط المبكى (البراق)، أو قبر راحيل، بل يتم عرضها كأماكن مقدسة للمسلمين، ويريد اليهود السيطرة عليها».

(يا حرام!)، غروس يزعجه أن يصف أحدهم الصهيونيّة بالحركة الاستعماريّة كأنّها مؤسسة لتوزيع الورود! المُهم، هذه الدراسة قُدّمت إلى الكنيست، كما ذكرت الصحيفة، التي أضافت أنّه «يجب التوضيح للولايات المتحدة والدول الأوروبية أين تُنفَق أموالهم، والطلب منهم وقف ما تقوم به الأونروا».

في نيسان الماضي، عاد بادين، صاحب الدراسة الأولى، ليُكرّر هجومه على مناهج «الأونروا». وادعى أنّ الوكالة «جمعت في مرحلة سابقة تبرعات مالية لإعداد خطط دراسية، تشمل تدريس المحرقة النازية ضد اليهود في الحرب العالمية الثانية ضمن مناهجها التعليمية، لكنها ما وفَت بتعهداتها». الخطير في الأمر أنّ «الأونروا» لم تردّ ولم تعلّق. أكثر مِن هذا، الأخطر أن بادين نقل عن «مسؤول كبير في الأونروا» قوله إنّه «لم تكن هناك نية أصلاً لتدريس المحرقة، لكننا أردنا تحسين صورتنا لدى الجالية اليهودية في الولايات المتحدة وإسرائيل». وختم الباحث الإسرائيلي قائلاً: «في ظلّ خشية الأونروا من تقليص واشنطن إسهاماتها المالية المقدمة إليها، غيرت بوضوح في سياستها، وأرسلت رسائل بأنها بصدد إعداد خطط دراسية تحض على السلام، والتخلص من التحريض الذي طالما قالت إنه غير موجود في مدارسها».

يُذكر أن الولايات المتّحدة الأميركيّة هي المساهم الأوّل في تمويل «الأونروا»، وهذه مسألة تاريخية، ولهذا كتب البروفسور الإسرائيلي آريه الداد، بعيد انتخاب دونالد ترامب رئيساً، أنّه «على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أن يطلب مِن ترامب وقف تمويل وكالة الأونروا وإغلاق هذه المنظمة المعادية». وكلّ هذا الضجيج الإسرائيلي كان قد انطلق قبل تسريب نماذج المناهج المدرسيّة المزمع اعتمادها.

مَن هو حكم شهوان؟

لا تكفّ «الأونروا» في بياناتها وتصريحات مسؤوليها عن التذكير بمبدأ «الحياد» و«عدم التحيّز»... في السياسة وغيرها. فتمنع على موظّفيها (مِن اللاجئين الفلسطينيين) أن يكون لديهم انتماءات سياسيّة، بل حتّى التعبير عن ميولهم الوطنيّة، بل تُعاقب وتطرد مَن يُعبّر مِنهم عن مواقفه الوطنيّة على مواقع التواصل الاجتماعي، والشواهد كثيرة، وهي قضية دوماً حاضرة في سجلات الموظفين وملاحظات مديريهم.

حسناً، مَن هو حكم شهوان، الفلسطيني الذي عيّنته الوكالة مديراً لها في لبنان لعدّة أشهر بين عامي 2016 و2017؟ مَن هو هذا «الخبير في فنون التواصل» الذي شبك علاقات مع مختلف الفصائل والقوى الفلسطينية، في لبنان والخارج، وأصبح «محبوب الجميع»؟ إنّه حامل شهادة الماجستير في الأمن والديبلوماسيّة مِن «جامعة تل أبيب». هذا كلّ شيء؟ كلا، مَن هم الذين كانوا أساتذته في الجامعة، وأيّ برامج خضع لها، وما «المُنتَج» الذي أصبح عليه؟

الجامعة المذكورة ــ على موقعها ــ تعلن في برنامجها للشهادة التي حصل عليها شهوان الآتي: «اكتسب خبرة لا مثيل لها في زيارات ميدانيّة إلى حدود إسرائيل المختلفة، ومكاتب وزارة الدفاع (الأمن) الإسرائيليّة الحكوميّة التي يقودها عميد متقاعد في الجيش الإسرائيلي». وتضيف الجامعة في سيرته: «لقاءات واجتماعات مع سفراء يديرها مدير عام سابق في وزارة الخارجيّة الإسرائيليّة. لقاءات مع محترفين في الأمن والديبلوماسية».

«التحيز» لا يطاول المناصب

العليا التي يشغلها ذوو

ارتباطات بإسرائيل

أما رئيس البرنامج، البروفيسور عازار جات، فيقول: «يستند الماجستير الدولي في الأمن والديبلوماسيّة إلى الجمع بين كبار علماء هيئة التدريس والممارسين الرائدين مِن القوات المُسلّحة الإسرائيليّة والأجهزة الأمنيّة. وتشمل الرحلات الميدانيّة للجبهات الرئيسيّة للصراع العربي الإسرائيلي والقوات المسلّحة الإسرائيليّة، فضلاً عن الاجتماعات مع السفراء الأجانب». وفي خانة «أي نوع مِن الفرص الوظيفيّة» للطالب (بعد الخضوع البرنامج)، فإنّ الجامعة تقول إنّها «تُعدّ الطلاب للقفز مباشرة إلى وظائف في مجالات الأمن والديبلوماسيّة، وحتى الآن حصل المتخرجون على وظائف في القطاع الخاص ومع الحكومات في جميع أنحاء العالم. تشمل مواقعهم مناصب مع الأمم المتحدة والشركات العالمية الرائدة في مجال تخفيف المخاطر، إضافة إلى وسائط الإعلام ومنظّمات الدعوة ــ مجموعات الضغط واللوبيات، والحملات السياسية ومراكز التفكير والخدمات المسلّحة».

حكم شهوان اليوم، بعد قضاء «مأموريّته» في لبنان بين اللاجئين الفلسطينين، عاد إلى مكتب المفوّض العام لـ«الأونروا» في عمّان، في موقع «كبير المستشارين». جال كثيراً في لبنان، وتفحّص كل كبيرة وصغيرة داخل المخيمات وخارجها، وفي ما يتعلّق بالشأن الفلسطيني. لم يبق فصيل فلسطيني لم يفتح له أبوابه، فضلاً عن «الافتخار» به «كفلسطيني ناجح»، وهو المقدسي، كما يتشدّق دوماً بهذه الهويّة التي تسهل اللعب على العواطف. وشهوان يكتب شهادة في جامعته والبرنامج الذي خضع له كطالب نجيب

، قائلاً: «إن إسرائيل تعيش في قلب مناطق الصراع وتشارك في عدد مِن هذه الصراعات... وأنا لم أشعر (خلال دراستي) بأي عدائية أو عمل تمييزي». هل هذا هو «الحياد» يا «حضرة الأونروا»؟

مهزلة «الحياد»!

يُطرد الفلسطيني اللاجئ، العامل في وكالة «الأونروا» عندما يُظهر «تحيّزاً» لبلاده ولقضيّته، لكن «عادي جدّاً» أن يكون أحد المسؤولين الكبار فيها «ناشطاً» مع ضبّاط وقادة في الجيش الإسرائيلي! البحث يطول عن شهوان، الذي عمل «معاوناً» في السابق لقوات الغزو الأميركي في العراق تحت ستار «بعثات الأمم المتحدة» وما شاكل، ولم يتردّد في التقاط صور له وهو يحمل الأسلحة الأميركيّة وينشرها متباهياً.

ليس وحده، عملت معه، آنذاك، ساندرا ميتشيل، الأميركية التي أصبحت نائباً للمفوّض العام في «الأونروا»، وهي على علاقة مباشرة بالخارجيّة الأميركيّة وباستخبارات بلادها!

الدكتور صلاح الدين الهواري، وهو عضو «المجلس الوطني الفلسطيني»، كان حازماً في حديثه مع «الأخبار» حول القضيّة المثارة، إذ قال: «إدارة الأونروا تارة تقلّص الخدمات الصحيّة والإغاثة الاجتماعيّة، وتارة تشدّد في ضغوطها على الموظّفين والعاملين فيها، فتحظر عليهم المشاركة في أيّ نشاط وطني تحت طائلة المحاسبة بالحسم المالي أو التجميد أو الفصل، إرضاء للمغتصب الصهيوني، وإلغاء للحسّ الوطني عند أبناء الشعب الفلسطيني الذين بدأت تلك الإدارة تحاربهم بلقمة عيشهم». وعن مسألة المناهج، يقول الهواري: «لعلّ محاولتها (الأونروا) الخبيثة لتغيير مناهج التعليم، وشطب اسم فلسطين وخريطتها وتاريخها وجغرافيتها هي الأخطر ضمن ما تمارسه بحق شعبنا، لأنّها موجهة إلى أطفالنا وأجيالنا المقبلة، والهدف إلغاء فكرة فلسطين الوطن والهويّة والانتماء، وفي النتيجة تكريس وجود الكيان الصهيوني على أرض فلسطين».

في السياق، يرى الباحث الفلسطيني علي هويدي أنّ «المجتمع الدولي لديه رغبة في إنهاء الأونروا... التي تحوّلت مع الوقت إلى شوكة في حلق كلّ مَن هو ضدّ حق العودة، لكن علينا دائماً أن نُذكّر بأن الأمم المتحدة تتحمل مسؤولية تشريد الشعب الفلسطيني، ولذلك هي معنية بدعم الأونروا الدائم، ولهذا هناك خشية لدينا مِن نيات لشطب الوكالة وتحويل اللاجئين الفلسطينين إلى جداول المفوّضيّة الدوليّة لشؤون اللاجئين، حيث يضيع حق العودة في برامج الترحيل إلى دول مختلفة»، وذلك في إشارة إلى أنّ كلّ لاجئي العالم تُعنى بشؤونهم «المفوضيّة الدوليّة لشؤون اللاجئين»، باستثناء اللاجئ الفلسطيني، الذي أنشئت «الأونروا» خصيصاً له.

وحول مسألة تغيير المناهج، يلفت هويدي في حديث مع «الأخبار»، إلى أن «الأمر كان يمكن أن يمر لولا الضجّة التي حدثت، وعلينا الانتباه أيضاً إلى جماعة يو أن ووتش (التابعة للأمم المتحدة) التي ترصد سلوكات وتعليقات الموظفين في الأونروا على مواقع التواصل الاجتماعي، مثل حالة المتحدثة باسم مكتب الأونروا في أميركا ليلى مخيبر، التي أُجبرت على إقفال حسابها على تويتر لأنها غرّدت ضد الفصل العنصري الإسرائيلي».

اللعب بالنار

الوكالة (الأونروا) التي أنشأتها «الأمم المتحدة» عام 1947 لمعالجة آثار تشريد الشعب الفلسطيني وتداعيات «النكبة»... لا تمنّ على الفلسطينيين بأن يعملوا لديها، وهي، في اسمها، تحمل صفة «رعاية وتشغيل اللاجئين». هؤلاء اللاجئون مَن هم؟ إنّهم مِن الشعب الفلسطيني. فكيف يُطلب مِن هؤلاء أن يكونوا على الحياد وألّا يتحيّزوا إلى قضيّتهم! ما هذه البلطجة، المهزلة! على «الأونروا» أن تفهم أنّ دورها هو رعاية وحماية وتشغيل اللاجئين، فقط، لا أن تتدخّل في قضيّتهم، وليس لها هنا أي منّة أو جميل على الفلسطيني، فهذا أقل القليل مِن حقّه على «المجتمع الدولي» الذي استدام تشريده وقهره، وعليها أن تفهم أن لا مكان لتخويف هذا الشعب وترهيبه، ومعها أميركا ووساوس نتنياهو لترامب عبر طلب شطب الوكالة وتوقيف عملها، لأنّ الجميع يعلم أن هذا شرارة لبركان لن يُحبّ أحد في العالم رؤية نتائجه. طبعاً، باستثناء الذين يُريدون، بصدق، انتصار قضيّة هذا الشعب والنيل مِن الظالم الذي طال ظلمه. إذاً، لا تبيعوا الناس أوهاماً، بالتهديد، وبمعنى آخر: لا تبيعوا الشعب الفلسطيني سمكاً في البحر.

■ مجموعة من التعديلات المسربة كما عرضتها وكالة «الرأي» الحكومية في غزة

ما هي «الأونروا»؟

هي «وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى»، وكان لها محاولة سابقة في تغيير اسمها إلى «وكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين»، ما أثار ضجة جعلها تتراجع عن ذلك. وفي تعريفها أن عليها أن تُقدّم المساعدة والحماية وكسب التأييد لنحو خمسة ملايين لاجئ من فلسطين في الأردن ولبنان وسوريا والأراضي الفلسطينية المحتلة (الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة وفق نصّها)، وذلك إلى أن يجري التوصل إلى حل لمعاناتهم (مضى على هذه الديباجة 68 عاماً).

أما تمويلها، فهو يعتمد كلياً ــ وتقريباً ــ على التبرعات الطوعيّة للدول الأعضاء في الأمم المتحدة (الوكالة الوحيدة التابعة للأمم المتحدة التي لا تموّل مباشرة مِن صندوق الأمم المتحدة، بل تُرِك الأمر للدول المانحة، ما جعل السيطرة عليها والتحكّم بها أكثر سهولة، ومِن هنا يُفهم سبب كون الولايات المتحدة الدولة المانحة الأولى).

وتشتمل خدمات الوكالة على «التعليم والرعاية الصحية والإغاثة والبنية التحتية، إضافة إلى تحسين المخيمات والدعم المجتمعي والإقراض الصغير والاستجابة الطارئة، بما في ذلك في أوقات النزاع المسلح». هل يحدث هذا؟ ليس تماماً. نظرة سريعة إلى حال المخيمات «المطلوب تحسينها» تعطينا الجواب. ودائماً تشكو الوكالة نقصاً في التمويل، وغالباً ما «يستجدي» الأمين العام للأمم المتحدة الدول لزيادة مساهماتها.

وكانت «الأونروا» قد تأسّست في أعقاب نكبة عام 1948 بموجب القرار رقم 302 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 8 كانون الأول 1949، وذلك بهدف «تقديم برامج الإغاثة المباشرة والتشغيل للاجئي فلسطين». بدأت عملياتها في الأول من أيار 1950. وتقول إنّه «في غياب حل لمسألة لاجئي فلسطين، عملت الجمعية العامة بشكل متكرر على تجديد ولاية الأونروا، وكان آخرها تمديد عمل الأونروا لغاية 30 حزيران 2017، وبما أنه كان يتوخى أصلاً أن تكون منظمة مؤقتة، فقد عملت الوكالة تدريجاً على تعديل برامجها للإيفاء بالاحتياجات المتغيرة للاجئين».

ووفق التعريف العملياتي للوكالة، فإن «لاجئي فلسطين هم أولئك الأشخاص الذين كانت فلسطين هي مكان إقامتهم الطبيعي خلال الفترة الواقعة بين حزيران 1946 وأيار 1948، الذين فقدوا منازلهم ومورد رزقهم نتيجة الصراع العربي الإسرائيلي عام 1948». وتضيف أيضاً في تعريف مهماتها: «إنّ خدمات الأونروا متاحة لكافة أولئك الذين يعيشون في مناطق عملياتها والذين ينطبق عليهم ذلك التعريف، والمسجلين لدى الوكالة وبحاجة إلى المساعدة. إن أبناء لاجئي فلسطين الأصليين والمنحدرين من أصلابهم مؤهلون أيضاً للتسجيل لدى الأونروا. وعندما بدأت الوكالة عملها في عام 1950، كانت تستجيب لاحتياجات ما يقارب من 750 ألف لاجئ فلسطيني. أمّا اليوم، فإن نحو خمسة ملايين لاجئ يحق لهم الحصول على خدمات الأونروا».

هل «الأونروا» وكالة شرّيرة بحق اللاجئين الفلسطينيين؟ ليس تماماً بالضرورة، وذلك بلحاظ ما تسدّه مِن حاجة، وخاصّة أكثر في ظلّ غسل «الأشقاء» أيديهم مِن «القضيّة» برمّتها، الذين لو كانوا قد تكفّلوا بالشعب الفلسطيني، قديماً، لما كان هناك مِن حاجة إلى «أونروا» أصلاً. لكنها تبقى، ككلّ الوكالات الأمميّة الشبيهة، ساحة رخوة (مع افتراض حسن الظن) للاختراق السافر أو المقنّع، وهذا ما حدث ويحدث.

تعليقات: