قلق في «أوجيرو»: احتكار «الفايبر أوبتك» يهدّد وظائفنا




القرار هو ترجمة لأهداف القانون 431 ولكن مع تعديل يرمي إلى القضاء على «ليبان تيليكوم» (هيثم الموسوي)

تسيطر حالة من القلق داخل هيئة «أوجيرو». العاملون فيها، ويتخطّى عددهم الـ 3 آلاف، خائفون من تشريدهم كنتيجة مباشرة للقرار 365/1 الصادر عن وزير الاتصالات جمال الجرّاح. فيما إدارة الهيئة راضخة للقوى التي أتت بها ولا تريد أي تحرك مضاد لقرار منح «احتكار» الفايبر أوبتك لشركة خاصة

أعلن المجلس التنفيذي لنقابة موظّفي وعمّال المواصلات السلكيّة واللاسلكيّة الدوليّة في لبنان، في بيانه الصادر في 27 أيار الحالي، رفض النقابة منح شركة «غلوبال داتا سيرفيسز» حق مدّ شبكة ألياف بصريّة خاصّة بها في المسالك الهاتفيّة المحليّة، وحدد يوم الأربعاء المقبل موعداً لاعتصام جميع العاملين في كلّ مراكز «أوجيرو» في كلّ المناطق اللبنانيّة، بالتزامن مع مؤتمر صحافي توضّح فيه النقابة موقفها وخطواتها اللاحقة.

إلا أن بعض العاملين في "أوجيرو" يشككون بقدرة النقابة حالياً على إدارة تحرّك واسع في "أوجيرو"، ولا سيما أن هذه النقابة لا تزال محسوبة على رئيس الهيئة السابق، عبد المنعم يوسف، وهو الذي اتهمه وزير الاتصالات بالوقوف خلف الحملة الاعتراضية على قراره. يتوقع هؤلاء العاملون أن تنجح الهيئة في تعطيل التحرك وإعادة ضبط الوضع والسيطرة على المعترضين، وهو ما مهّدت له بالبيان الصادر عن مكتبها الإعلامي، الذي استنكر ما سمّاه «الحملة المُغرضة التي تتعرّض لها وزارة الاتصالات والهيئة بهدف إبراز مواقف لا تمّت إلى الحقيقة لدقّ إسفين التباين بينهما»، وأعلن «التأييد التامّ للسياسة العامّة والاستراتيجيّة التي وضعها وزير الاتصالات، والتي من شأنها أن تنقل قطاع الاتصالات في لبنان إلى مصاف الدول المتقدّمة»، بحسب تعبيره.

تصعيد حتى إلغاء القرار

يرفض رئيس النقابة، جورج إسطفان، في اتصال مع «الأخبار»، تحديد مطلب النقابة المباشر قبل المؤتمر الصحافي، مكتفياً بالاشارة الى اتصالات جرت مع رئيس الهيئة عماد كريدية واتصالات ستجرى مع وزير الاتصالات بهدف "إيجاد مخرج ينصف العاملين في الهيئة". توضح مصادر في النقابة أن «قرار وزير الاتصالات هو بداية جلوسنا في منازلنا وحلول القطاع الخاصّ مكاننا»، مشيرة إلى «اجتماع عقد منذ أيام مع المدير العام للهيئة عماد كريديّة، ولم يتمّ التوصل خلاله إلى ما يمكن البناء عليه، بانتظار اجتماع آخر سيُعقد مع وزير الاتصالات، كون القرار المُخالف للدستور والقوانين والمراسيم التي استند إليها، يجرّد الهيئة من وظيفتها والوزارة من صلاحياتها ويهدّد بتشريد آلاف المهندسين والموظفين والعمال، فضلاً عن انعكاساته على قطاع الاتصالات والمستهلكين والخزينة العامّة». ترى المصادر النقابية أن «ما يحصل اليوم هو أننا نحصد نتيجة ما زرعه عبد المنعم يوسف من عرقلة لمسار تطوّر الاتصالات، فهو دمّر القطاع تمهيداً لبيعه.

احتكار شركة خاصّة واحدة

للألياف البصريّة سيمكّنها من اكتساح السوق بكامله

ببساطة، أدى المطلوب منه تنفيذاً للسياسة التي رسمها الحريري الأب في التسعينيات. أما الخلاف الحاصل اليوم بين السنيورة (ومعه يوسف) والحريري (ومعه كريديّة والجرّاح) فهو على هوية المستفيد من القطاع، الذي يدرّ مليارات الدولارات سنوياً. فالفريق الأوّل كان يمنّ النفس بتحويل «أوجيرو» إلى نواة لشركة «ليبان تيليكوم» المُناطة بحسب القانون 431 بامتلاك الشبكة الثابتة وإدارتها واستثمارها، على أن يكون يوسف على رأسها، فيما الفريق الثاني يريد تنفيذ الخصخصة خلافاً للقانون عبر شركة «غلوبال داتا سيرفيسز»، شقيقة «سيبيريا» المملوكة من الحريري، والتي فيها حصص لمحسوبين على رئيس الجمهورية، ويسعى إلى تقديم القطاع كاملاً لها ومجاناً، أي إهدائها منفعة عامّة لتحويلها إلى منفعة خاصّة من دون أي سقف زمني».

تبريرات «أوجيرو»: القرار لتحسين الأداء

في البيان الوزاري لحكومة سعد الحريري الأولى، تم الإقرار بأن وزارة الاتصالات و«أوجيرو» تعملان كجسم واحد، وأن الثانية هي الذراع التنفيذية للوزارة. في حكومته الثانية، يبدو أن الأمور تتجه نحو كسر هذه الذراع التنفيذيّة تمهيداً لإلغاء دور وزارة الاتصالات، وتطبيق الخصخصة المشرّعة في القانون 431 إلى مرحلة التنفيذ. وهو ما لا ينفيه مصدر مسؤول في هيئة «أوجيرو»، معتبراً أن «التحرّكات التي يقوم بها العمّال هي ذات طابع سياسي من دون أي مطالب واضحة، ويقف وراءها عبد المنعم يوسف. هم لا يتعاطون مع المسألة بطريقة موضوعيّة لفكّ القيود وتحرير القطاع وتطبيق القانون 431»، ويتابع المصدر نفسه «لا يمكن للسياسة أن تقف حائلاً أمام تطوير القطاع، وخصوصاً أن هيئة «أوجيرو» لم تقم بدورها طوال السنوات الماضية، سواء لناحية الصيانة أو حتى تطوير الإنترنت. وهو واقع يلمسه المستهلك مباشرة. هذه حملة موجّهة ضد وزير الاتصالات، من دون وجود أي مخاوف جدّية على مستقبل العمّال المهني تبرّر هذه الحملة، وخصوصاً أن أحد أهداف هذا المشروع تحفيز المنافسة بين الشركات وأوجيرو، التي ستكون ملزمة بتحسين أدائها على الصعد التسويقيّة والبيعيّة والفنيّة والتنفيذيّة. إنّه تحدٍ لنا، لذلك من غير المسموح أن يدخلنا أي تحرّك في صراع مع وزير الوصاية».

مسار الخصخصة

يحكم التخلّف شبكات الاتصالات السلكيّة الثابتة والخلوية. وهذه السياسة حكمت القطاع منذ عام 1994، عندما قرّرت الدولة إعادة الاستثمار في الشبكة الثابتة بعد الحرب اللبنانيّة، فأعادت بناءها من دون أن تراعي التطور التكنولوجي النامي في تلك الفترة، مقابل تسويق الخلوي باعتباره نموذجاً للتطوّر، فاحتكرت شبكتاه شركتين من القطاع الخاصّ، وهو ما انعكس تردياً في نوعيّة الخدمة وارتفاعاً في الأسعار. حينها، برز مشروع السيطرة على الاتصالات ذات الأرباح الطائلة واشتدّ الصراع عليه، فألغيت عقود شركتي الخلوي في عام 2002 قبل ثلاث سنوات من انتهاء العقود، ودفعت تعويضات للشركتين بمئات ملايين الدولارات، وصدر في عام 2002 قانون الاتصالات 431 الذي نصّ على الخصخصة، تماشياً مع المصالح المتصارعة والشهية المفتوحة على قطاع الاتصالات «الربيح»، وذلك عبر إنشاء هيئة منظّمة مستقلة عن الوزارة، وإنشاء شركة «ليبان تيليكوم» لتحل مكان وزارة الاتصالات و"أوجيرو" وتمتلك الشبكة، ويكون لديها الحقّ الحصري في إدارتها وتشغيلها، مع إمكانيّة بيعها جزئياً بعد سنتين بنسبة 40% لشريك استراتيجي، وخصخصتها بالكامل لاحقاً. هذا المشروع تعرقل نتيجة الخلاف على الصفقة وتوزيع الحصص، ولاعتبارات أمنيّة برزت بعد اغتيال رفيق الحريري، والمخاوف التي تولّدت عن احتمالات اختراق إسرائيل للاتصالات وقضية تسليم داتا الاتصالات للمحكمة الدولية والأجهزة الأمنية. وفي الوقت نفسه، كان عجز الخزينة العامة يتنامى باطراد ومعه مديونيّة الدولة، فتحوّل هذا القطاع إلى مصدر جباية للضرائب والرسوم.

ما يحصل اليوم، هو استكمال للخطة المرسومة منذ التسعينيات. وترجم ذلك، خلال العقد السابق، بتنامي سلطة «أوجيرو» وهي متعهّد يعمل لحساب وزارة الاتصالات، وتحوّلها إلى رديف ومنافس لها في التحكم بشبكة الاتصالات الثابتة والإنترنت. أمّا اتباعها سياسة العرقلة في عهد عبد المنعم يوسف لكل نهج تطويريّ للاتصالات، فلم يكن إلّا استكمالاً لمسار تسليم الشبكة الثابتة للقطاع الخاص، والترويج لفشل الدولة في الإدارة، تماماً كما حصل مع شبكة الخلوي. فعلى الرغم من إطلاق مشروع الـ 3G على الشبكة الخلويّة والمرحلة الأولى من الألياف البصريّة على الشبكة الثابتة التي وصلت السنترالات بعضها ببعض، في عهد الوزير شربل نحّاس عام 2010، إلّا أن المشروع توقف عند هذه المرحلة. ودخول «غلوبال داتا سيرفيسز» هو الترجمة الفعليّة لأهداف القانون 431 ولكن مع تعديل جوهري فيه، مخالف للقانون نفسه، وهو القضاء على «ليبان تيليكوم» قبل إنشائها، وبدلاً من أن تنتقل «أوجيرو» لتصبح نواة لها كما في المخطّط الأوّل، تحوّل المشروع إلى القضاء على «أوجيرو» لمصلحة الشركة التي فازت بالاحتكار.

مواجهة الصفقة – الفضيحة!

عملياً، إن احتكار شركة خاصّة واحدة للألياف البصريّة سيمكّنها من اكتساح السوق بكامله، وتقليص الطلب على خدمات الخلوي والشبكة الثابتة، لينطلق عصر البرودباند والبنية الأساسيّة لتكنولوجيا الاتصالات المتطوّرة وهو في قبضة شركة واحدة. كلّ ذلك يحصل من دون أي اعتراض جديّ في لجنة الاتصالات النيابيّة، ومن دون اكتراث مجلس الوزراء أساساً على الرغم من وضوح المخالفات الدستوريّة والقانونيّة في القرار، بما فيها مخالفته للمراسيم التي يستند إليها.

هناك سبب يترّدد لعدم الاعتراض وترك القرار يأخذ طريقه إلى التنفيذ، وهو أن «صفقة ما تمّت قبل الانتخابات الرئاسيّة، وكلّ الحديث الذي سبق هذه الانتخابات عن إعادة توزيع المكاسب التي تشمل الاتصالات، والكهرباء، والنفط والغاز، وحاكمية مصرف لبنان، ها هي تنفّذ تباعاً، وخصوصاً أن الحريري ليس المستفيد الوحيد من قرار الجرّاح الذي منح الاحتكار لشركة «غلوبال داتا سيرفيسز"، فهناك مالكون آخرون في هذه الشركة وهم من المحسوبين على رئيس الجمهوريّة.

تؤكّد مصادر في لجنة الاتصالات النيابيّة أن «الموضوع لم ينتهِ بعد، بل هو موضع متابعة، بانتظار أن يقدم وزير الاتصالات تقريراً مالياً مفصّلاً لنتائج أعمال الوزارة وأوجيرو، والنتائج المتوقّعة في حال استمراره على حاله، والنتائج المتوقّعة في حال تنفيذ القرار 365». في المقابل، تشير مصادر في نقابة عمّال «أوجيرو» إلى «توافق بين كلّ الأحزاب على التحرّك، باستثناء تيار المستقبل الذي يؤيّد القرار وقد حيّد نفسه عن المواجهة، بانتظار ما سيؤول إليه تحرّك الأربعاء والجولات التي سنقوم بها على المرجعيّات السياسيّة».

------------- -------------- ---------------

ترخيص احتكار شركة للألياف البصريّة = خسارة 8 مليارات دولار



عدا عن مخالفته الدستور والقوانين المرعية والمراسيم والاتفاقيّات المعمول بها، ينتج من القرار 365/1 الذي أصدره وزير الاتصالات، جمال الجرّاح، وأجاز بموجبه لشركة «غلوبال داتا سيرفيسز» تمديد شبكة ألياف بصريّة خاصّة بها واستعمال المسالك العامة، خسائر مباشرة وغير مباشرة بمليارات الدولارات تتكبّدها الخزينة العامّة والمستهلكون والاقتصاد، نتيجة هذا الامتياز الاحتكاري الذي فرضه الجرّاح كسياسة عامّة في الاتصالات ومسار للتطوّر التكنولوجي في لبنان

فيفيان عقيقي

عبّر الجراح عن ذلك صراحة خلال اجتماع اللجنة يوم الثلاثاء الماضي، فلدى مطالبته بالعودة إلى مجلس الوزراء لتحصين قراره، وفق الأصول القانونيّة، أصرّ على قراره، بل أعلن أنه سيفتح المجال أمام الشركات الراغبة في الحصول على حقّ مماثل، علماً بأن هذا التعهّد لا يبدو قابلاً للتحقّق ولا يعدو كونه محاولة لتغطية الفضيحة، وفق خبراء في الاتصالات، أولاً بسبب عدم قدرة معظم المسالك الهاتفيّة والشبكة التحتيّة اللبنانيّة على تحمّل أكثر من كابل ألياف بصريّة واحد، وقد حصلت «غلوبال داتا سيرفيسز» على حصريّة مدّه، وثانياً لأن السيناريو المرسوم لتسليم هذا القطاع «الربيح» للشركة بدأت مراحل تنفيذه تباعاً، بدءاً من إصدار القرار المطعون بقانونيته بسريّة تامّة، وصولاً إلى إعداد مرسوم لخفض تعرفة السعات الدوليّة وفقاً للشطور، التي تعطي سعراً أقل لمن لديه سعات أكثر، وهو ما سيحرم شركات توزيع الإنترنت الصغيرة من إمكانيّة المنافسة، لمصلحة الشركات المسيطرة على السوق، وهي لا تتخطّى الخمس، تستحوذ كلّ من «سيبيريا» و«IDM» على الحصة الأكبر منها، وهاتان الشركتان شقيقتان لشركة «غلوبال داتا سيرفيسز»، وجميع هذه الشركات مجتمعة في شركة هولدنغ واحدة هي "غلوبال كوم هولدنغ". إذاً، سيناريو الاحتكار المكتمل العناصر، سيتيح لشركة واحدة التحكم بسوق الإنترنت والاتصالات في لبنان، ما ينسف عنصر المنافسة وشروط تحسين الاستثمار والخدمات، وينعكس مباشرة على الأسعار، وتالياً على المستهلك المتضرّر الأكبر.

خسائر الخزينة

ينطوي قرار الجرّاح على خسائر ماليّة واقتصاديّة فادحة، فهو عملياً قدّم هذه الامتياز مجاناً لشركة «غلوبال داتا سيرفيسز»، المنضوية ضمن مجموعة تضمّ شركات تقدّم خدمات مختلفة متصلة بعالم المعلوماتيّة والإنترنت، متيحاً لها إمكانيّة جني مئات مليارات الدولارات لقاء تقديم هذه الخدمات، وحارماً بالتالي الخزينة العامّة من حقوق وأرباح وواردات مباشرة، تتمثّل 1- ببدل التنازل لهذه الشركة عن حصريّة الدولة في استعمال واستثمار خدمات البريد والبرق والهاتف بموجب المرسوم الاشتراعي 126/1959، وبدل الترخيص لها بمدّ شبكة ألياف بصريّة خاصّة فيها مجاناً خلافاً لقانون الاتصالات والأعراف الدوليّة. 2- خفض القيمة الاقتصاديّة لشركة «ليبان تيليكوم» (المزمع تأسيسها والمملوكة من الدولة) وهي صاحبة الترخيص والحقّ الحصريّ لمدّة 20 سنة على الشبكة الثابتة، بحسب المادتين 44 و45 من قانون الاتصالات الرقم 431/2002. 3- خلق نزاع مالي لمصلحة الشركة المُحتكرة التي حصلت على حقّ مدّ ألياف بصريّة ووجود في السنترالات والترابط على الشبكة من دون وجود أسعار ورسوم وتعرفات محدّدة في القوانين والمراسيم اللبنانيّة، عكس ما يشير الجرّاح في البندين الأول والثاني من المادة الرابعة من قراره. 4- الحصول على 20% من قيمة الفواتير بحسب البند الثالث من المادة الرابعة في القرار بعد حسم التكاليف المترتبة على الشركة في البندين الأولين خلافاً للمرسوم 9288/1996 الذي استند إليه لإصدار قراره والذي ينصّ على استيفاء 20% من قيمة الفواتير من دون حسم أي مبالغ أخرى، وتقاضي مبلغ مقطوع قدره 100 مليون ليرة لبنانيّة سنوياً لقاء استعمال الحزمات الهرتزيّة (فيما كلفة استعمال المسالك والبنى التحتيّة والألياف البصريّة أكبر بكثير).

يقدّر خبراء في الاتصالات «بدل الترخيص لبناء شبكة محليّة ثانية على أصول الدولة، واستعمال مرفق عام بنته الدولة للقيام بنشاط تجاري عبر مواردها وسكانها، بأكثر من 8 مليارات دولار لمدّة عشرين سنة»، ويرتكز هؤلاء على «مؤشّرات السوق والمعطيات المتوافرة والمتمثّلة بالإيرادات السنويّة التي تؤمّنها خدمات الشبكة الثابتة سنوياً والمقدّرة بنحو مليار ونصف مليار دولار أميركي، إضافة إلى خسارة قيمة إدخال شريك استراتيجي في شركة «ليبان تيليكوم» بحسب قانون الاتصالات، والذي خسرته الخزينة نتيجة إعطاء حقّ لشركة خاصّة أخرى بمشاركة «ليبان تيليكوم» في حقّها الحصري، وهو ما يعدُّ فعلياً قتلاً لمستقبل الشركة التي سترث قسماً من موجودات وزارة الاتصالات و"أوجيرو"، فضلاً عن عدم إمكانيّة تنفيذ القرار لعدم وجود مراسيم تعرفة ورسوم نافذة»، وهو ما تصفه المصادر بـ«محاولة التذاكي وتشويه الحقيقة، ما يعني أن الوزارة أعطت حقاً للشركة قبل تحديد سعره والرسوم المفروضة عليه وقبل إجراء أي دراسة تضمن مصلحة الدولة، إضافة إلى أخذ بدلات ورسوم من جهة وإعادتها إلى الشركة من جهة أخرى».

أضرار على الشركات والاقتصاد والمستهلكون

لا تنحصر أضرار هذا القرار فقط في الأموال التي خسرتها الخزينة العامّة، وإنما تنسحب على المستهلك والاقتصاد نتيجة هذا الاحتكار الذي سيمكّن مالكه من التحكّم بكامل القطاع نظراً إلى قدرته على إمرار معطيات وداتا مئات المرّات أكثر من الكوابل النحاسيّة، ما يمهّد إلى إفلاس الشركات الأخرى وإغلاقها وتشريد مئات العائلات، وصولاً إلى رفع أسعار الإنترنت والخدمات المرتبطة بها على المستهلك، مع تدني مستواها ونوعيتها، تماماً كما يحصل في خدمة الخلوي، إضافة إلى حرمان المناطق البعيدة أو ذات المردود الربحي القليل من هذه الخدمة وحصرها بالمستهلكين «الدسمين» والمناطق ذات الربحيّة العاليّة، وذلك خلافاً لقانون الاتصالات ولمبدأ الإنماء المتوازن، وخلافاً للمادة 21 من مذكّرة التفاهم الموقّعة بين الوزارة والقطاع الخاص والتي يستند إليها الوزير وتحدّد بوضوح أن استعمال الألياف البصريّة في شكل انفرادي من الشركات الخاصّة له انعكاسات سلبيّة على الخدمة والكلفة وعلى حصريّة الوزارة.

تنسحب الخسائر أيضاً على شركات نقل المعلومات المنافسة وعددها خمس، والتي تجزم أن «مصيرها سيكون الإغلاق نتيجة هذا الاحتكار الذي مُنح بطريقة مشبوهة وبعيدة عن الشفافيّة، ودون إعلامهم مسبقاً، فسحاً في المجال أمام المنافسة وتقديم عروض والدخول في مشروع الألياف البصريّة الذي يعدُّ من أهم الخدمات في قطاع الاتصالات في العالم، إذ تستعدّ هذه الشركات باستثناء سوديتيل (المملوكة بنسبة 50% من الحكومة اللبنانيّة) لتقديم طعون أمام مجلس شورى الدولة، كون هذا القرار خالف مذكّرة التفاهم والمراسيم الممنوحة لها والتي حدّدت الخدمات المتاح تقديمها بالـ DSL وحق المرور على الشبكة اللاسلكية، ولم تشمل بناء شبكة فايبر». وفيما يرفض رئيس مجلس إدارة سوديتيل باتريك فراجيان التعليق على القرار، فضّل رئيس مجلس إدارة سيدركوم عماد طربيه «التزام الصمت راهناً، بانتظار القرارات التي ستصدر عن الوزير ومجلس الوزراء». في المقابل، يشير المدير العام لشركة وايفز ناصيف بشارة إلى أن «الشركة لن تسكت عن هذا القرار المجحف». أمّا رئيس مجلس إدارة بيسكو روني قدوم، فيؤكّد أن «هناك أضراراً اقتصاديّة مترتبة عن هذا الاحتكار، فخلافاً لما يقوله الوزير عن فتح المجال لشركات أخرى لمدّ شبكاتها، إلا أن الأمر غير قابل للتنفيذ لعدم قدرة المسالك على تحمّل أكثر من شبكة، وعدم قدرة مسالك أخرى على تحمّل أي شبكة حتى، إضافة إلى أن هذه الشركة ستسارع إلى مدّ ألياف في المناطق التي تعطيها الربحيّة الأكبر، وإذا أتيح لنا لاحقاً مدّ ألياف بصريّة فستكون ضمن المناطق البعيدة أو ذات الربحيّة الأقل، علماً بأن شبكة ألياف بصريّة واحدة قادرة على تغطية كلّ السوق اللبناني. ما يعني أنه وضعنا أمر احتكار الأمر الواقع دون وجود أي تنظيم لهذه العلاقات الناشئة بين الدولة والشركات والمستهلكين».

مرسوم التعرفة: تكملة الاحتكار

لتكتمل حفلة الاحتكار، كان لا بد من تعديل تعرفة ورسوم خدمات الإنترنت ذات الحزمة العريضة (broadband services)، وهو موضوع مرسوم أعدّته وزارة الاتصالات، ومرّ عبر «هيئة التشريع والاستشارات» في وزارة العدل, ومجلس «شورى الدولة»، ووصل إلى مجلس الوزراء، وتضمّن في المادة الثامنة منه، ما لا يتصل بعنوانه، وهو الإقرار بإعطاء شركات نقل المعلومات الحائزة مراسيم تعطيها حق المرور والربط على الشبكة اللاسلكيّة، حقاً مماثلاً للألياف البصريّة لربط مشتركيها بمراكزها، مقابل رسم قدره 1500 ليرة سنوياً عن كلّ متر من الألياف.

تنوي الشركات المتضررة تقديم طعون بالقرار أمام مجلس شورى الدولة

يعتمد المرسوم تعرفة تنازليّة لسعر السعات الدوليّة وفقاً للشطور، أي كلما ارتفع استخدام الخطوط خفّت التعرفة، فقد حدّد سعر الشطر الأوّل (بسرعة 100 إلى ألفين ميغابايت) بـ 225 ألف ليرة لكلّ 2 ميغابايت، سعر الشطر الثاني (2100 إلى 5 آلاف) بـ 150 ألفاً، سعر الشطر الثالث (5100 إلى 10 آلاف) بـ 135 ألفاً، سعر الشطر الرابع (11 ألفاً إلى 20 ألفاً) بـ 120 ألفاً، سعر الشطر الخامس (21 ألفاً إلى 40 ألفاً) بـ 105 آلاف، سعر الشطر السادس (41 ألفاً إلى 60 ألفاً) بـ 90 ألفاً، وسعر الشطر السابع (61 ألف ميغابايت وما فوق) بـ 75 ألفاً.

كيف يترجم هذا المرسوم؟ ما يحصل اليوم هو محاولة لإعطاء "غلوبال كوم هولدنغ" أكبر عدد ممكن من الامتيازات خلافاً لكلّ القوانين وعلى حساب المال العام وعلى حساب المواطنين، كون هذا المرسوم يحمل في طيّاته تقليصاً لعمل «أوجيرو» والحدّ من هامش حريّتها التسويقيّة والتجاريّة لمصلحة الشركات الكبرى، ومساعي لقتل شركات توزيع الإنترنت الصغيرة لمصلحة هذه الشركات نفسها.

عملياً، يوجد في لبنان نحو 75 شركة توزيع إنترنت، 70 منها تندرج في خانة الشطر الأوّل أي ستدفع 225 ألف ليرة لقاء كل 2 ميغا، فيما تحصل الشركات الخمس الأخرى على أسعار أكثر تفاضليّة بحسب نسبة استحواذها على السوق، وهو ما يؤدي بحسب خبراء في الاتصالات إلى «انعدام المنافسة وإغلاق الشركات الصغيرة كحلّ أول، أو شراء السعات الدوليّة من الشركات بدلاً من أوجيرو بأسعار تنافسيّة، علماً بأن «غلوبال كوم هولدنغ» تملك شركتي توزيع إنترنت، ما يعني أنها ستستحوذ على سعات دوليّة بأسعار أكثر تفاضليّة بين الشركات الكبرى، وبفرق لا يقل عن 25%، وستكون المستفيد الأول من تعرفة الشطور».

وتضيف مصادر نيابيّة أن «الأخطر هو جعل وزارة الاتصالات بكاملها أقل تنافسيّة من شركة «غلوبال داتا سيرفيسز»، وغير قادرة على استثمار وتسويق التوظيفات الماليّة في الكوابل البحريّة، وستحلّ الشركة مكانها في بيع وتسويق واستثمار المشاريع التي قامت بها الوزارة من المال العام. أي أن الوزارة تنفق وتوظّف المال العام في السعات الدوليّة والكوابل البحريّة، وهذه الشركة تستثمر وتجني الأرباح من دون أي توظيف مالي وعلى حساب المال العام.

يشير رئيس مجلس إدارة "بيسكو" إلى أنه «لا يمكن تحديد حجم الخسائر راهناً، ولكن إدخال شركة واحدة وتمليكها شبكة ألياف بصريّة، يعني أنها ستصبح أكبر من أوجيرو وأقوى من الدولة نفسها، نظراً إلى كونها شركة يتفرّع عنها شركات عدّة متخصّصة في تقديم خدمات الاتصالات والتكنولوجيا والتي ستستفيد من الألياف البصريّة لإيصال خدمات ثوريّة إلى المستهلكين وتغطية السوق بكامله. إضافة إلى استفادتها من مرسوم تعرفة السعات الدوليّة المطروح لبيع الإنترنت بسعر تنافسي لا يمكن لأحد تحقيقه. إنه احتكار الأمر الواقع. لقد أهدوا السوق بكامله لهذه الشركة، التي بات لديها أفضلية بسعر الإنترنت وبالوصول إلى المستهلكين من خلال الألياف البصريّة، ما سينعكس على الأسعار والتحكم بها، ويؤدي إلى إغلاق كلّ الشركات الأخرى».

ما هي المخالفات في القرار 365/1؟

ينطوي القرار 365/1 الصادر عن وزير الاتصالات في 11 أيار الحالي على مجموعة من المخالفات الدستوريّة والقانونيّة:

- المادة 89 من الدستور اللبناني التي تنص على عدم جواز منح أي التزام أو امتياز لاستغلال مورد من موارد ثروة البلد الطبيعيّة أو مصلحة ذات منفعة عامّة أو أي احتكار إلّا بموجب قانون وإلى زمن محدود.

- المواد 2 و8 و9 من قانون تنظيم عمليات الخصخصة الرقم 228/2000 والتي تنصّ على أن تحويل ملكيّة المشروع العام أو إدارته إلى القطاع الخاصّ تتمّ بقانون ينظّم القطاع الاقتصادي المعني ويحدّد أسس التحويل والمراقبة، على أن يتأمن عنصر المنافسة المجدية، وحماية مصالح المستهلك من حيث الأسعار وجودة السلع والخدمات، وحماية المال العام عبر تقييم أصول وممتلكات المشروع وفق الأسس الاقتصاديّة الدوليّة. وفي حال أدّت الخصخصة إلى منح القطاع الخاصّ تراخيص ذات طبيعة احتكاريّة، يجب أن يتضمّن الترخيص آليّة معلنة لتقدير الأسعار وتعديلها دورياً لحماية مصالح المستهلك.

- المواد 18 و19 و20 و25 و27 و29 و35 و44 و45 من قانون الاتصالات الرقم 431/2002 والتي تنصّ على تأمين مبدأ المساواة تحقيقاً للمنافسة في منح التراخيص خدمات الاتصالات للشركات الخاصة، بموجب مرسوم يتخذ في مجلس الوزراء، وبعد إجراء مزايدة عامّة وفقاً لدفتر شروط تعدّه الهيئة الناظمة للاتصالات، على أن لا يجوز لأي شخص توفير هذه الخدمات إلّا بموجب أحكام هذا القانون، وأن يمنح الترخيص لمدّة أقصاها 20 سنة، فيما تحدّد الهيئة موجبات البيع الثانوي لخدمات هذه الشركة دون قيد، علماً بأن استعمال الملك العام لتأمين خدماتها لا يعني التمتع به. إضافة إلى تأسيس شركة «ليبان تيليكوم» التي تمنح الحقّ الحصري والترخيص لتوفير خدمات الاتصالات كافة لمدة 20 سنة.

- المادة 189 من المرسوم الاشتراعي الرقم 126/1959 الذي يحصر بوزارة البريد والبرق والهاتف (وزارة الاتصالات) حقّ إنشاء شبكات المواصلات السلكيّة واللاسلكيّة وإدارتها وصيانتها واستثمارها وتأجير الاتصالات، ولا يحقّ لأي كان سواها أن يقوم بذلك إلّا بإذن خاصّ يعطى بمرسوم.

- المادة الأولى والرابعة من المرسوم الاشتراعي 127/1959 التي تنيط صلاحيات إنشاء الشبكات الهاتفيّة واستثمارها وإدارتها بوزارة الاتصالات بما يضمن الحصر الهاتفي ويستثني منه الإنشاءات التي يقوم بها الجيش أو من لديه رخصة بموجب قانون.

- المادة الأولى والثالثة والخامسة من المرسوم 9288/1996 والذي أعطى شركة «داتاسات» حق إقامة وإدارة واستثمار شبكة لاسلكيّة فقط لنقل المعلومات لمدّة خمس سنوات تجدّد سنة فسنة، على أن يمنع تجديد الرخصة عندما تنشئ الدوائر السلكيّة واللاسلكيّة في القطاع العام (وهو ما حصل)، إضافة إلى منع التنازل عن الترخيص إلى أي شخص طبيعي أو معنوي (كما حصل بالتنازل عنها لشركة غلوبال داتا سيرفيسز)، واستيفاء 20% من قيمة الفواتير دون حسم أي مبالغ ومبلغ مقطوع بقيمة 100 مليون ليرة (فيما قرار الوزير نصّ على استيفاء 20% من الفواتير وحسم المبالغ المترتبة على الشركة).

- المادة الأولى من المرسوم الرقم 9862/1997 الذي سمح لداتاسات إضافة أجهزة V-SAT على أجهزتها، لا مدّ شبكة ألياف بصريّة.

- المادة الأولى من المرسوم الرقم 4328/2000 الذي منح شركة داتاسات حق الترابط والمرور باستخدام الشبكة المحليّة العائدة لوزارة الاتصالات لربط محطاتها وربط المشتركين بشبكتها، لا مدّ شبكة ألياف بصريّة.

- المادة 21 من مذكّرة التفاهم بين وزارة الاتصالات والشركات الخاصّة الرقم 21/أ/2 الموقّعة عام 2006 التي تشير إلى أن استعمال الألياف البصريّة بشكل انفرادي من الشركات الخاصّة له انعكاسات سلبيّة على الخدمة والكلفة وعلى حصريّة الوزارة.

- رأي هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل الرقم 143/2014 الذي يؤكّد أن الترخيص لشركات خاصّة باستخدام شبكات الهاتف الخلوي العائدة ملكيّتها للدولة لإيصال خدمة الإنترنت وخدمة نقل المعلومات إلى المشتركين، يجب أن يصدر بقرار يتخذه مجلس الوزراء بناءً على اقتراح وزير الاتصالات، سنداً إلى الفقرة الأولى من المادة 19 من قانون الاتصالات الرقم 431/2002.

------------- -------------- ---------------

وزير الاتصالات «يبيع» الأرقام المميّزة على هواه



فيفيان عقيقي

أصدر وزير الاتصالات جمال الجرّاح في 20 كانون الثاني الماضي الكتاب رقم 5288/1/M الذي يعلن فيه موافقته على إخراج الرقم 78.888888 من المزاد العلني، ووضعه ضمن خانة الأرقام الماسيّة، بناءً على طلب رئيس مجلس إدارة شركة «تاتش» بدر الخرافي، بموجب رسالته رقم 1239 المُرسلة إلى وزارة الاتصالات في 30 كانون الأوّل 2016.

ينطوي قرار الجرّاح على إساءة في استعمال السلطة الممنوحة له، فهو أقدم بقراره على تكبيد الخزينة العامّة خسائر تقدّر بآلاف الدولارات نتيجة إخراج الرقم من المزاد العلني ووضعه ضمن خانة أدنى، بما يتعارض مع الطريقة المُعتمدة لتصنيف هذه الأرقام بطريقة شفّافة، والتي تهدف أولاً إلى زيادة موارد الخزينة، وثانياً منع احتكار الأرقام المميّزة أو الاتجار بها.

كيف تصنّف أرقام الخلوي؟ الأرقام الخلويّة هي جميعها ملك لوزارة الاتصالات ويحصل عليها المشتركون لمدّة زمنيّة، وتصنّف وفقاً لآلية برمجة أوتوماتيكيّة تحدّدها أنظمة برمجة (software) موجودة في الإدارة، وهي ترتب الأرقام على الخانات المختلفة المُعتمدة، بعد تحديد المعايير الخاصّة بها، بحسب ما تشير مصادر في وزارة الاتصالات.

وهذه الخانات هي: 1- الأرقام العادية العشوائيّة ويدفع لقاء الحصول عليها 25 دولاراً للخط المسبق الدفع، و50 دولاراً للرقم اللاحق الدفع أو الثابت. 2- الأرقام العادية من الفئة (أ)، مقابل بدل بقيمة 100 دولار. 3- الأرقام البرونزيّة مقابل 150 دولار. 4- الأرقام الفضيّة ويدفع لقاء الحصول عليها مبلغ بقيمة 400 دولار. 5- الأرقام الذهبيّة مقابل 800 دولار. 6- الأرقام الماسيّة يدفع مقابل الحصول عليها 5 آلاف دولار. 7- الأرقام البلاتينيّة والتي لا يمكن الحصول عليها إلّا في المزاد العلني، ما يعني أن الوزير حدّد سعر هذا الرقم بـ5 آلاف دولار أميركي، حارماً الخزينة من مبالغ أكبر كان من المُمكن أن تُجبى لمصلحتها عند بيع الرقم في المزاد العلني، خصوصاً أن أرقاماً شبيهة له بيعت في مزادات سابقة بمبالغ تتخطّى هذا المبلغ بعشرات آلاف الدولارات.

علامَ اعتمد الوزير لاتخاذ قراره القاضي بإخراج هذا الرقم من المزاد العلني، وإعادة تصنيفه وفق هواه ضمن خانة الأرقام الماسيّة المُحددة بـ5 آلاف دولار فقط؟

حاولت «الأخبار» الاتصال بوزير الاتصالات لكن من دون نتيجة، فيما تشير مسؤولة العلاقات العامّة في شركة «تاتش»، غادة بركات، إلى أن «آلية تحديد الأرقام المُصنّفة وكيفيّة الاشتراك بها تعودان حصراً إلى وزارة الاتصالات، أمّا الشركة فهي تفعّل الاشتراك بهذه الفئة من الخطوط وفق التعليمات التي تتلقاها من وزارة الاتصالات»، من دون إيضاح الأسباب الموجبة لطلب الشركة.

يشير وزراء اتصالات سابقون، اتصلت بهم "الأخبار"، إلى أن ما من قانون محدّد يرعى هذه العمليّة، لكن المنطق والآليات المُعتمدة للتصنيف تمنع الوزير من تبديل تصنيفات الأرقام تحقيقاً لمنفعة خاصّة، خصوصاً أن الدستور يفرض عليه أولاً الحفاظ على المصلحة العامّة، واحترام القوانين المرعية التي تضع حدوداً للسلطة الممنوحة له خلال ممارسة وظيفته بما لا يسمح له بتجاوزها. يقول وزير الاتصالات الأسبق نقولا الصحناوي أن «تصنيفات الأرقام تحدّدها البرمجيات الموجودة داخل الوزارة، ويمكن للوزير أن يعدّل في الجداول في حال كان هناك أرقام يرى أنها تستحقّ تصنيفاً مختلفاً، لكن وفقاً للمعايير نفسها التي برمجت على أساسها، ولا يجوز تالياً أن يبدّل تصنيف رقم واحد محدّد»، فيما يشير وزير الاتصالات السابق بطرس حرب إلى أن «الأمور تعود إلى نهج الوزير وحسن أدائه، خصوصاً أن ما من قانون يمنعه من ذلك». ويضيف حرب «عادة، تضع الإدارة جداول لهذه الأرقام لتعزيز عائدات الخزينة العامّة، وعلى الوزير أن يلتزم بها، إلّا في حال وجد أن هناك ما يعيق بيع هذه الأرقام، أي لسبب وجيه يرتبط بالمصلحة العامة، أو ربّما لأمر متعلّق بمنفعة خاصّة أو شخصيّة أو تجاريّة»

------------- -------------- ---------------

وزير الاتصالات يمكّن شركة خاصة من احتكار الإنترنت السريع: يرحم إيامك يا عبد المنعم!



ظهرت أولى بوادر «الصفقة» التي قضت بتسليم جميع مراكز السلطة في قطاع الاتصالات للرئيس سعد الحريري، والتي صوّرت أنّ ذلك كان ثمناً لا بد من تسديده للتخلص من عبد المنعم يوسف. فقد صدر منذ أيام قرار عن وزير الاتصالات، جمال الجرّاح، يمنح احتكاراً وامتيازاً لبيع خدمة نقل المعلومات للمشتركين عبر شبكة الألياف البصرية إلى شركة «غلوبال داتا سرفيسز»، التي تُعَدّ جزءاً من «كارتيل» واسع، قام على اندماج شركات عدّة، أبرزها شركة «سيبيريا» التي يملكها الحريري نفسه عبر شركة «أوجيه تيلكوم». هذا القرار المخالف للقوانين والأنظمة سيمكن الشركة من التحكم بقطاع «الإنترنت السريع» وجميع النشاطات الاقتصادية والاستهلاكية المتصلة به، وسيدرّ بالتالي مئات ملايين الدولارات كأرباح مباشرة وغير مباشرة على حساب الدولة والمشتركين

فيفيان عقيقي

هكذا! بقرار صادر عن وزير الاتصالات، جمال الجرّاح، وبصمت مطبق من الجميع، منحت شركة «غلوبال داتا سرفيسز» احتكاراً موصوفاً وامتيازاً لاستغلال مصلحة ذات منفعة عامة، خلافاً للدستور (المادة 89) والقوانين والأنظمة المرعية الإجراء، وبما يتجاوز صلاحيات الوزير وحدود وظيفته.

هذا القرار، الذي حمل رقم 365/1، والصادر في 11 أيار الجاري، ينطوي أيضاً على خصخصة سافرة لشبكة «الألياف الضوئية» (من السنترالات إلى المشتركين) وخدماتها المنتظرة منذ وقت طويل، وينطوي أيضاً على تعدٍّ واضح على الأملاك العامّة التي حددها القرار رقم 144/S الصادر في 1925/6/10، وضمنها «الخطوط التلغرافية والتلفونية وتوابعها التي تستثمرها مصلحة عمومية»، وهو، في حال السماح بتطبيقه، سيدرّ أرباحاً وريوعاً سنوية على أصحاب الشركة المذكورة بمئات ملايين الدولارات، على حساب الدولة والشركات والمشتركين الأفراد، الذين يلحّون في طلب توفير خدمات «البرودباند» أو «الإنترنت السريع»، لتطوير أعمالهم واستهلاكهم. فهذه الخدمات باتت تمثّل سوقاً كبيراً في العالم يمتد من الاستخدامات البسيطة للإنترنت إلى إنترنت الأشياء، مروراً بالألعاب الإلكترونية والبث التلفزيوني وتوزيع الأفلام والرعاية الصحية والخدمات المالية والإعلام الرقمي... بهذا المعنى ينطوي قرار الوزير الجراح أيضاً وأيضاً على تمكين شركة واحدة من التحكّم بسوق محلية على هذا القدر من الأهمية والاتساع والتشعب واحتمالات النمو السريع والمرتفع، أي التحكّم بما يسمى «اقتصاد المعرفة»، الذي يروّج له في لبنان ليكون الركيزة الثالثة للاقتصاد اللبناني إلى جانب القطاع المالي وقطاع النفط والغاز.

ماذا في القرار؟

المسألة إذاً، على هذا المستوى من الأهمية، وهو ما تخفيه الصياغة «التبسيطية» للقرار، الذي جاء فيه أنه «تطبيقاً لحق المرور باستخدام شبكة المسالك المحلية لوزارة الاتصالات، يجاز لشركة غلوبال داتا سرفيسز (...) تمديد ألياف بصرية في المسالك الهاتفيّة المحليّة، من المراكز الهاتفيّة إلى المواقع المعروفة بـ Hand Holes، أي التي تمثل نقاط ربط الكوابل الآتية من المباني بالشبكة الهاتفيّة المحليّة.

وكذلك تركيب التجهيزات اللازمة (Optical Splitter) داخل هذه النقاط ومتمماتها بما يكفي حاجات المشتركين الحالية والمرتقبة. كذلك يجاز لها تمديد ألياف بصريّة في المسالك الهاتفية المحلية لربط هذه النقاط بالمباني حسب حاجات المشتركين أيضاً (...) ويُسمح للشركة بوضع تجهيزاتها الضرورية في كل مركز هاتفي، وتقوم الوزارة بتوفير الطاقة الكهربائية والتبريد لتلك الأجهزة (...) ووصل هذه الأجهزة في المراكز المختلفة عبر شبكة الألياف البصرية التابعة للوزارة، وحسب السعات المطلوبة من قبل الشركة لتأمين الخدمة للمشتركين (...)».

في مقابل كل ذلك، جاء في قرار الوزير الجرّاح أن الشركة «ستدفع مبلغاً سنوياً عن كل متر مستعمل بحسب مراسيم التعرفة ذات الصلة لقاء مرور كوابلها. كذلك ستدفع رسم ربط شهري حسب التعرفة المعتمدة، ولن تستوفي الوزارة من الشركة إلا نسبة 20% فقط لا غير من فواتير المشتركين الذين ستقوم الشركة بربطهم على الشبكة، وذلك بعد أن تحسم الشركة من قيمة هذه الفواتير المبالغ التي تكبدتها على تجهيزاتها لتركيب القنوات الفرعيّة».

انتهاك حصرية الدولة

يحاول قرار الجراح الإيحاء بأنه قرار تنظيمي عادي لا يمسّ «الحصرية» التي تتمتع بها الدولة في قطاع الاتصالات. وهو ما يشير إليه مصدر مسؤول في هيئة «أوجيرو»، الذي قال لـ«الأخبار» إن الهيئة تسلمت القرار منذ يومين، و«ما يرد فيه لا ينمّ عن خصخصة للقطاع، لكوننا نتعاطى مع ترخيص يتيح المرور عبر الشبكة المحليّة العائدة للدولة لتبادل المعلومات لا الصوت، وهو ما تملك فيه الدولة حصريّة». ويضيف المصدر أن «الوزارة ستشرف على كلّ الدراسات التي ستُجرى في خلال مراحل التنفيذ، وهو قرار وزاري يستند إلى مرسوم صادر في عام 2000 وإلى مذكرة تفاهم أبرمتها الوزارة في عام 2006 مع نحو 6 شركات من القطاع الخاصّ لتقديم خدمة الإنترنت السريع، وهذه الشركات بالإضافة غلوبال داتا سرفيسز، بيسكو، سيدركوم، وكايبل 1 وسوديتيل، ووايفز».

إلا أن مسؤولاً سابقاً معنياً بقطاع الاتصالات يشرح أن القرار يعطي حصرية لشركة واحدة باستغلال الشبكة العامة لمدّ كوابلها، وبالتالي لا يمكن تصوّر كيف سيُعطى «الامتياز» نفسه للشركات الأخرى، فالواضح أن مضمون القرار ينطوي على الخصخصة والاحتكار معاً، وهو مخالف جملة وتفصيلاً للقانون 431 (قانون الاتصالات)، الذي نص على نقل ملكية الشبكة إلى شركة «ليبانتيلكوم» المزمع إنشاؤها.

يصرّ رئيس مجلس إدارة شركة «غلوبال داتا سرفيسز»، حبيب طربيه، على اعتبار القرار بمثابة «إذن مباشر لتنفيذ الرخصة التي حصلت عليها الشركة في عام 2000 من مجلس الوزراء بعد سنوات من العرقلة والتأخير، وهي تعطينا حقّ المرور على شبكة الاتصالات التي تملكها الدولة. وتالياً نحن لا نتحدث عن صفقة أو امتياز، بل عن استثمار ندفع الملايين لإنجازه، كما ندفع للدولة 20% مما نحصّله لقاء العمل فيه». لكن كيف سينفّذ هذا المشروع؟ يردّ طربيه مناقضاً تبريره الأوّل: «باستخدام مسالك الدولة لمدّ شبكة خاصّة بالشركة، من سنترالات الدولة إلى المشتركين وتجهيزها، على أن نكون ملزمين، بموجب الترخيص، بالسماح للشركات الأخرى التي تبيع خدمة الإنترنت باستعمال الشبكة، مقابل بدلات ورسوم نفرضها عليها».

كلام طربيه يوضح المسألة كلّها ويُسقط نهائياً كلام المصدر المسؤول في «أوجيرو»، فالشركة ستستخدم الأملاك العامة وستبني شبكتها الخاصة إلى المشتركين، وستحتكر الحقوق عليها، بحيث إن أي شركة أخرى تريد استعمالها ستكون مضطرة لتدفع لها رسوم «حقوق ملكية».

المخالفات قانونية بالجملة

يرتكز الجرّاح في قراره إلى المرسوم 9288 الصادر عام 1996، والمُعدّل بموجب مرسومين لاحقين هما المرسوم 9862 الصادر عام 1997 والمرسوم 4328 الصادر عام 2000. يسمح المرسوم الأول لشركة DATASAT (التي تزعم «غلوبال داتا سيرفيسز» أنها صارت ضمن موجوداتها)، ولمدّة خمس سنوات، قابلة للتجديد سنة فسنة، بقرار صادر عن وزير الاتصالات، بإقامة واستثمار شبكة لاسلكيّة لنقل المعلومات على الأراضي اللبنانيّة. ويسمح المرسوم الثاني بربطها بالشبكة الدوليّة التابعة للإدارة، مع إمكانيّة إضافة جهاز V-SAT، التي تقوم في شكل حصري بالاتصال بشركات توزيع الوصلات الفضائيّة اللازمة لذلك. اللافت أن المرسومين المذكورين ينصان بوضوح على شرط «منع تجديد الترخيص بعد إنشاء دوائر المواصلات السلكيّة واللاسلكيّة في القطاع العام شبكة خاصة بها تؤمّن جميع الخدمات». أمّا المرسوم الثالث، فيعطي الشركة (التي لم تعد موجودة) من أجل تأمين خدماتها، حق الترابط والمرور باستخدام الشبكة المحليّة العائدة للوزارة بغية ربط محطّات الشركة بعضها ببعض وربط المشتركين بشبكتها.

يعلّق وزير الاتصالات السابق، شربل نحّاس، بأن «المراسيم التي ارتكز عليها الوزير الجراح مُلغاة حكماً، باعتبار أن الدولة أنشأت شبكتها الخاصّة، وبالتالي لم يعد ممكناً تجديد الترخيص. كذلك إن مضمون هذه المراسيم مختلف تماماً عن القرار الأخير، فهي تتعلّق بإعطاء الشركة المذكورة حقّ نقل المعلومات (لاسلكياً) عبر الشبكة العامّة، لا إنشاء شبكة خاصّة بها رديفة للأولى». والمعروف أن المراسيم السابقة صدرت في ظروف لم تعد موجودة، إذ إن الشبكة العامة لم تكن قد أُنجزت بعد، وكانت البلاد خارجة من الحرب وظهرت بعض الحاجات، ولا سيما لدى المصارف، لبناء قدرة اتصال بين فروعها عبر شبكات اتصال لاسلكية.

في هذا السياق، سبق أن صدر الرأي الاستشاري رقم 143 عن «هيئة التشريع والاستشارات» في وزارة العدل، في 27 شباط 2014، يؤكد عدم صلاحية وزير الاتصالات في إعطاء القطاع الخاص تراخيص لنقل المعلومات، فكيف الحال بإنشاء شبكة خاصّة واستغلال شبكة عامة ومراكز هاتفية واحتكار خدماتها؟

صدر هذا الرأي بناءً على كتاب وزير الاتصالات السابق بطرس حرب، الذي تلقى طلباً مماثلاً (للطلب الذي تلقاه الجراح ومنح على أساسه الترخيص) في خلال فترة توليه الوزارة، فلجأ إلى الهيئة لتبيان الرأي القانوني في الأصول والشروط القانونيّة والسلطة الصالحة بمنح تراخيص لاستثمار خدمات نقل المعلومات وخدمات الإنترنت على شبكتي الهاتف الخليوي لشركات من القطاع الخاص. وأشارت الهيئة في رأيها إلى أن «الترخيص لشركات خاصّة باستخدام شبكات الهاتف الخليوي العائدة ملكيّتها للدولة لإيصال خدمة الإنترنت وخدمة نقل المعلومات إلى المشتركين، يجب أن يصدر بقرار يتخذه مجلس الوزراء بناءً على اقتراح وزير الاتصالات، سنداً إلى الفقرة الأولى من المادة 19 من قانون الاتصالات رقم 431/2002».

هذا الرأي يجزم بأن الجراح تجاوز صلاحيّاته، وأصدر قراراً يعطي شركة خاصّة حقّ استثمار ملكيّة عامّة دون العودة إلى مجلس الوزراء لإصدار مرسوم بذلك، ودون إجراء مزايدة عامّة وفقاً لدفتر شروط، كما دون الحصول على ترخيص من الهيئة المنظّمة للاتصالات كما ينصّ قانون الاتصالات رقم 431.

يعلق مصدر نيابي على ذلك بالقول: «إن لجنة الاتصالات النيابية لم تناقش بعد هذا القرار، ولكن هناك سلسلة من الأسئلة التي نتوقف عندها، من ضمنها محتوى المرسوم 4328 الصادر في عام 2000، الذي يعطي الشركة حقّ المرور على الشبكة، لا مدّ شبكة ألياف ضوئيّة»، ويرى المصدر أن القرار يحتاج إلى دراسة ولكن الواضح، في موقف أولي، أن مثل هذه الإجازة تحتاج لمرسوم يصدر في مجلس الوزراء، بحسب القانون 431/2002.

يلفت المستشار القانوني لوزير الدولة لشؤون مكافحة الفساد، المحامي وديع عقل، إلى مسألة أخرى مهمة، هي أن القرار لزّم الشركة رضائياً بمدّ هذه الشبكة من دون إجراء أي مناقصة، ومن دون استدراج عروض، ومن دون أي احترام لقانون المحاسبة العموميّة، «ما يعني أن الشركة اختيرت تحديداً لهذه الغاية ما يسقط عن القرار صفات الشفافيّة واحترام القانون».

مصير شبكة الألياف البصرية

في خلال السنوات السابقة، أنهت وزارة الاتصالات مراحل عدّة من مشروع توسعة شبكة الهاتف بواسطة الألياف بصريّة، وصولاً إلى ربط كلّ السنترالات بعضها ببعض، وتوقفت عند هذا الحدّ، أي قبل مدّ شبكة ألياف تربط المشتركين بهذه السنترالات للاستفادة من خدمة إنترنت سريعة. وعدت وزارة الاتصالات مراراً وتكراراً باستكمال المشروع، إلا أن «الشهية» كانت مفتوحة على الدوام لقنصه وتحويله إلى منفعة خاصة، وهو ما ظهر بوضوح في عرقلة تشغيل ما أُنجز من شبكة الألياف الضوئية وحبس السعات الهائلة التي تسمح بتوزيعها. وهو ما يظهر الآن في قرار الجراح الذي يستعيض عن دور الدولة في هذا المجال، من خلال تفويض واجباتها وصلاحياتها وأملاكها إلى شركة «غلوبال داتا سيرفسز» الخاصّة رضائياً، لمدّ شبكة خاصّة، من السنترالات إلى المشتركين.

هذه الشركة لن تمتلك شبكتها الخاصة فحسب، بل هي ستبيع الخدمة إلى المشتركين عبر شركات أخرى تملكها. وهو ما يترتب عنه، بحسب مصادر في السوق: نسف عنصر المنافسة مع الشركات الأخرى المُلزمة إذا أرادت استعمال الشبكة بالمرور عبر الشركة المحتكرة، والانصياع لشروطها وللأسعار التي ستفرضها. وكذلك الحيلولة دون ضمان إنماء متوازن بين المناطق ومساواة في استفادة المواطنين كافة من هذه الخدمة، لأن الشركة ستتعامل مع الموضوع وفق مصلحتها التجاريّة، وهو ما يؤكّده طربيه، الذي قال إن شركته ستمدّ شبكتها وخدماتها في المناطق التي تتسم بجدوى اقتصادية، اي بمعنى اوضح بمعدلات ربحية مقبولة من الشركة.

يشير نحّاس إلى معضلات أخرى مهمة ينطوي عليها القرار، إذ يمكن التلاعب بالأموال التي ستجبيها الدولة. يقول نحّاس إن «القرار يحدّد النسبة التي ستستوفيها الوزارة من فواتير المشتركين بـ20%، لكن بعد حسم المبالغ المترتبة على الشركة بحسب البندين 1 و2 من القرار. ما يعني أن هذه النسبة لن تقتطع من ناتج الأعمال بل بعد حسم المترتبات الماليّة التي قد تدّعي الشركة أنها تكبّدتها، دون معرفة عدد المستخدمين وكيفيّة التدقيق ومن سيقوم بهذه العمليّة. فضلاً عن أن هذه الشركة التي تتفرّع منها شركات عدّة لتقديم خدمات الإنترنت، ستكون مالكة ومشغّلة لشبكة اتصالات ثابتة، قادرة على احتكار قطاع تقديم خدمات الإنترنت المختلفة على الأراضي اللبنانيّة كافة».

قطاع دسم

تقدّر الإيرادات الصافية التي تحصل عليها الخزينة العامّة من قطاع الاتصالات بنحو 2000 مليار ليرة سنوياً، إلا أنّ هذه التقديرات لا تعكس قيمة القطاع الفعلية، كذلك لا تشمل أعمال شركات الإنترنت الخاصة وأرباح الموزعين... بحسب مصادر السوق تقدّر القيمة الإجمالية لفواتير الاتصالات والإنترنت التي يسددها المشتركون في لبنان بأكثر من 3 مليارات دولار سنوياً حالياً، وهي ترتفع سنوياً بمعدّلات عالية.

بحسب التقديرات، يوجد في لبنان نحو 4.6 ملايين مُشترك في خطوط الهواتف الخلوية، فيما يبلغ عدد المُشتركين في خطوط الهاتف الثابت نحو 970 ألفاً، بالاستناد إلى إحصاءات عام 2015. وتشير المؤسسة العامة لتشجيع الاستثمارات «إيدال» في دراسة لها إلى ارتفاع نسب اشتراكات الهواتف الخلوية في خلال السنوات الماضية بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 5.71% بين عامي 2010 و2015، ويعود جزء مهم من هذا النمو إلى تزايد أعداد اللاجئين السوريين.

«الأخطبوط» الذي يمتلك الشركة

بحسب الموقع الإلكتروني لمجموعة «غلوبال كوم هولدنغ ش.م.ل.»، تعدّ شركة «غلوبال كوم داتا سرفيسز» (GDS) إحدى الشركات التابعة لهذه المجموعة، إلى جانب شركات أخرى معروفة في مجالها، وهي IDM و«سيبيريا» و«انتراسكي» و«ايكو نت» وRight & Rights، وتتوزع هذه الشركات على نشاطات متنوعة في مجالات نقل البيانات والاتصالات السلكية واللاسلكية وعبر الأقمار الاصطناعية وتوزيع الإنترنت وشبكات التلفزيون المدفوع وتمثيل حقوق توزيع المحتوى التلفزيوني.

تشكلت هذه المجموعة من اندماجات بين عدد من الشركات، أبرزها شركة «سيبيريا» التي تمتلكها «أوجيه تيليكوم»، وهي جزء من مجموعة «سعودي أوجيه»، التي يمتلك الرئيس سعد الحريري معظم أسهمهما.

لا يظهر اسم الحريري كواحد من المساهمين في المجموعة، كذلك لا يظهر اسمه في السجل التجاري لشركة GDS التابعة، إلا أنه أحد الملّاك من خلال حصته في «سيبيريا»، ويبدو من تتبع السجلات التجارية للمجموعات والشركات المساهمة أنه أخفى ملكيته عبر الطريقة المعهودة من خلال شركات مكتومة أو مسجلة في الخارج ومن خلال ممثلين له، منهم بسام جابر وآخرون تظهر أسماؤهم في تتبع الملكيات. علماً أن اسم طه عزمي ميقاتي يظهر من ضمن المؤسسين في المجموعة الرئيسة.

لا يشير السجل التجاري لشركة GDS إلى أنها جزء من مجموعة «غلوبال كوم هولدنغ»، إذ يظهر أنها مملوكة من شركة «سي كوم هولدينغ» (120583 سهماً) و«تيلي إنفست هولدينغ» (سهم واحد)، فيما لا تملك «غلوبال كوم هولدينغ» مباشرة فيها سوى سهم واحد وحبيب طربيه (3 أسهم) وجمانة الأشقر (3 أسهم) ومارون الشماس (3 أسهم) وبسام جابر (3 أسهم) وأنطوان فاضل (3 أسهم).

يمتلك «سي كوم هولدينغ» كل من «ت - كوم هولدينغ» (337674 سهماً) وشركة «ميدل إيست إنترنت كومباني ليمتد» (64318 سهماً) وعماد أيوب وبسام جابر وجورج نقولا الشماس وأنطوان فاضل وحبيب طربيه ومارون الشماس وجمانة سركيسيان (سهم واحد لكل منهم).

ليس واضحاً من يمتلك الأسهم في «ميدل إيست إنترنت كومباني ليمتد»، لكونها مسجلة في الخارج، إلا أن «ت - كوم هولدينغ» يمتلكها «غلوبال كوم هولدنغ» (727 سهماً) و«تيلي إنفست هولدينغ» (216 سهماً) وأنطوان فاضل وحبيب طربيه وجمانة سركيسيان ومارون الشماس وجورج الشماس (سهمان لكل منهم). أما «تيلي إنفست هولدينغ»، فتملكها «ابني هولدينغ» (500 سهم) ومارون الشماس (498 سهماً)، ويمتلك مارون الشماس «ابني هولدينغ» (49998 سهماً) ومعه مي عازوري ورنا عازوري (سهم لكل منهما).

هذه التركيبة الضبابية والمتشعبة لشركة GDS ستظهر أكثر في تتبع ملكيات المجموعة الرئيسة، وسيتبين أن هناك ما يشبه أذرع «الأخطبوط»، حيث تتداخل أسماء الشركات والأشخاص أنفسهم في كل التركيبات بطريقة مريبة، وستتشعب الملكيات إلى درجة يصعب فيها التوصل إلى الملّاك الفعليين الذين لا يظهرون في السجلات التجارية إلا بأسماء شركات لا يمكن معرفة أصحابها.

بحسب السجل التجاري لمجموعة «غلوبال كوم هولدنغ» الرئيسة، فهي مملوكة مناصفة (تقريباً) من مجموعتي «كونكت ليبانون» (5092 سهماً) و«ليدمد ش.م.ل. هولدنغ» (4900 سهم)، بالإضافة إلى ملكيات رمزية لأغراض التمثيل في مجلس الإدارة يحملها «هولكوم ش.م.ل. هولدينغ» (سهمان) وجمانة إيلي الأشقر سركيسيان (سهمان) وأنطوان جان فاضل (سهمان) وحبيب هنري طربيه (سهمان). يرأس فاضل مجلس الإدارة الذي يضم طربيه وسركيسيان.

إدارة المجموعة يتولاها حبيب طربيه (CEO)، وهو يشغل أيضاً منصب رئيس مجلس الإدارة - المدير العام لشركة GDS، ويشغل عضوية مجالس إدارة والمدير التنفيذي في بقية الشركات التابعة. ويشغل مارون شماس منصب رئيس مجلس إدارة IDM وعضوية مجالس إدارة والمدير التنفيذي GDS وسيبيريا. ويشغل بسام جابر منصب رئيس مجلس الإدارة - المدير العام لشركة سيبيريا وعضوية مجالس الإدارة والمدير التنفيذي في بقية الشركات التابعة للمجموعة. وتتولى رنا زخور الإدارة المالية. فيما تشغل تريز خيرالله منصب المديرة العامة لشركة IDM، وتتولى إدارة العمليات في المجموعة. وتتولى سمر خليل إدارة الشبكات في المجموعة. ويشغل نعيم عون منصب المدير العام لشركة انتراسكي. ويشغل طوني معوض منصب المدير العام - مراقب أمن النقل.

يُظهر السجل التجاري أن «كونكت ليبانون»، التي تمتلك نصف الأسهم في «غلوبال كوم هولدنغ ش.م.ل.»، مملوكة بالكامل من «ا.ت.ج هولدينغ»، وهذه الأخيرة مملوكة من شركة «هولكوم هولدينغ» (45997 سهماً) و«م.د.س ش.م.ل هولدينغ» (35000 سهم) و«CHAHINVEST HOLING LTD»

(5000 سهم) وأنطوان جان فاضل (1000 سهم) وريمون جورج أبو عضل (3 أسهم) وصونيا عليا خوري (2500 سهم) ونيلا زوفيغيان (1000 سهم) وجمانة إيلي الأشقر (500 سهم).

أما «ليدمد هولدنغ» التي تمتلك النصف الثاني من الأسهم في «غلوبال كوم هولدنغ ش.م.ل.»، فهي مملوكة من شركة «هولكوم هولدينغ» (12234 سهماً) وجمانة سركيسيان (1200 سهم) وريمون أبو عضل أيضاً (3 أسهم) وروفائيل المعروف باسم رالف إبراهيم عودة (3 أسهم) وأنطوان فاضل أيضاً (10560 سهماً).

بالاستناد إلى السجل التجاري أيضاً، يتبين أن «هولكوم هولدينغ» تمتلك أسهماً مباشرة وبطريقة غير مباشرة في المجموعتين الأساسيتين المالكتين لمجموعة «غلوبال كوم هولدينغ»، وهي مملوكة بدورها من شركة «هولفين هولدينغ» (1781994 سهماً) وأنطوان فاضل (99000 سهم)، كذلك ياسر حسن شاهين (99000 سهم) وجمانة سركيسيان (20000 سهم)، وهي أيضاً يتكرر اسمها في تركيبة بعض الشركات.

أما شركة م.د.س ش.م.ل هولدينغ، التي تمتلك حصة من «ا.ت.ج هولدينغ» مالكة «كونكت ليبانون»، فهي مملوكة بدورها من MIDIS GROUP LTD المسجلة في جزر بريطانيا العذراء (19991 سهماً) وصونيا سليم العليا الخوري (3 أسهم) وأنطوان فاضل مجدداً (3 أسهم) ونبيل جوزيف بسترس (3 أسهم).

لا تتوافر معلومات عن مالكي «CHAHINVEST HOLING LTD» وهي الشركة الثالثة المالكة في «ا.ت.ج هولدينغ».

وبحسب السجل التجاري أيضاً، يظهر أن «هولفين هولدينغ» (المساهم الأكبر في «هولكوم ش.م.ل هولدينغ»)، مملوكة من «فيندال هولدينغ» (979989 سهماً) و«ا.ر عودة» (1019990 سهماً) وريمون أبو عضل أيضاً (10 أسهم) ورالف عودة (9 أسهم) وشارل أبو عضل (سهم واحد) ونبيل بسترس (سهم واحد). لا يظهر في السجل التجاري من يمتلك الأسهم في «فندال هولدينغ»، أمّا «ا.ر عودة» فيملكها رالف عودة (44900 سهم) ونبيل بسترس (5000 سهم) وكاتيا الشويري (100 سهم).

تعليقات: