قصة نجاح عائلة البابا مع البقلاوة


السكر فرنسي والطحين أميركي والوصفة عثمانية...

بيروت: لا تغيب قطع البقلاوة بأشكالها وألوانها وأصنافها عن المناسبات السعيدة فتتحول ضيفا ومضيفا في آن واحد. ولا تكتمل الجلسات والافراح والليالي الملاح الا بحضورها! وغالبا ما يسارع الاهل والاصدقاء والمحبون الى ابتياع هذه الحلويات التقليدية للتهنئة بولادة أو بنجاح دراسي أو الاحتفاء بزواج. من هنا تستمد قطع الحلوى هذه اهميتها، لذلك من يدرك مكانتها يحرص على شراء الاجود منها. وبينما يفيد الواقع ان صناعة البقلاوة منتشرة في دول عدة عربية واوروبية، فإن تاريخها ضبابي وليس موثقا. فهناك شعوب وأعراق متنوعة ادعت انها هي من ابتكرها، ولكن المرجح ان تكون ذات اصول تركية، خصوصا ان لتركيا الفضل الاكبر في تطوير شكلها الحالي. ذلك انه مع تأسيس السلطنة العثمانية واستقرارها واتساع نفوذها، تسنى للاتراك التفرّغ للتفنن في صنع الحلويات. ويقال إن الشكل الحالي لهذه القطع أرسي في مطابخ السلطان في قصر توبكابي في اسطنبول. واوردت موسوعة «ويكيبيديا» على شبكة الانترنت ان السلطان العثماني درج على تقديم البقلاوة الى جنود الانكشارية في الخامس عشر من رمضان خلال احتفال تقليدي يسمى «بقلاوة آلايي». والبعض يرجع اصل هذه الحلوى الى الآشوريين وبلاد ما بين النهرين، لكن هذا يبقى غير مثبت.

ومع الاستعمار العثماني طوال قرون انتقلت هذه الحلوى الى السوريين واللبنانيين. لكن هؤلاء لم يكتفوا بنقل ما صنعه الاتراك فأخذ كل منهم يطوّع هذه القطع ويضيف إليها لمساته الخاصة. واللبنانيون برعوا في هذا المجال وتمكنوا من إضفاء ثقافتهم الخاصة على هذه الحلوى لتكتسب طعما فريدا. كل ذلك بفضل مثابرة عدد من العائلات اللبنانية الشمالية والطرابلسية والجنوبية واصرارها على الاعتناء بهذه الحلويات، الى ان اكتسبت مع الوقت هوية لبنانية يمكن التعرف اليها بحواس النظر والشم والذوق. ومن بين هذه العائلات، عائلة البابا الصيداوية التي تمكنت من تطوير البقلاوة والتفنن في اشكالها وأحجامها وأصنافها حتى انهم أوجدوا بقلاوة «دايت» لكي يتسنى لمرضى السكري والكوليستيرول و«هواة» الريجيم التلذذ بطعمها الفريد. ولهذا الغرض اسسوا مختبرا في مصنعهم الرئيسي حائزا شهادة وزارة الصحة اللبنانية ويخضع لمعايير جودة عالية.

ويروي رئيس مجلس ادارة «حلويات البابا الممتازة» عوني البابا لـ «الشرق الأوسط» ان «اللبنانيين ركزوا على التفنن في شكل هذه القطع فقدموا الاصابع والكول وشكور والبقج والقطع الرباعية الاضلاع. أما في ما يخص النكهات فقدموا قطع الفستق الحلبي والجوز والصنوبر والكاجو والحدف. وصحيح اننا نشتهر بها ونتغنى بصنعها، لكننا نستورد مكوناتها من دول عدة، فالسكر فرنسي والطحين اوروبي أو اميركي. السمنة اوروبية، الفستق الحلبي من ايران والكاجو من الصين واللوز من كاليفورنيا، فيما الصنوبر لبناني». ويضيف: «طعم البقلاوة في تركيا يختلف وكثيرون لا يحبونه، فهو ليس مقرمشا كما في لبنان بل يبقى طريا واقرب الى العجين. أما نحن عائلة البابا فنمد العجين حتى يصبح رقيقا للغاية ونضع 18 طبقة الواحدة فوق الاخرى ونفصل بينها برش النشا. وهذا يتطلب مهارة يدوية. كذلك نحرص على ثبات المقادير وثبات نوعية المكونات، فنستورد الاجود دائما لئلا تتسبب بحرقة، فضلا عن اننا نستخدم السمن البقري من دون شحم أو اضافات. كذلك نقلل كمية السكر والقطر حتى يتسنى لمتذوقها تناول قطعتين أو ثلاث او اكثر والتمتع بطعمها من دون الشعور بطعم الحلو المفرط. والسر في طعم البقلاوة التي نقدمها هو طريقة وضع السمنة والقطر فإضافة الى المقادير المحددة، نضيفها بعد خبز هذه القطع ولدى خروجها من الفرن فتشرب الكمية اللازمة». هذه العائلة التي ذاع صيتها، خاضت هذا المجال منذ عام 1934 مع محمد بشير البابا وهو الاب المؤسس. وقد تعلم المهنة طوال 15 عاما لدى اقرباء له من عائلة السنيورة الى ان قرر في عام 1950 الاستقلال وتأسيس محله الخاص. ويروي نجله عوني البابا قصة العائلة والدرب الشاق الذي سلكته الى ان بلغت مرحلة الازدهار الحالية. فيقول انه في ذاك العام «كان خوض غمار هذه المهنة صعبا بسبب التعتيم الذي كان يلفها للحفاظ على سرية الوصفات. كان يخبرني والدي ان الطهاة درجوا على حجز انفسهم في غرف مقفلة لتحضير الوصفة خوفا من تناقلها. وفي بداية الخمسينات كانت مدينة صيدا تعرف ازدهارا وتوسعا ففتح والدي محله في شارع المطران الذي يربط القلعة البحرية بالقلعة البرية. ورافقه اخوه محمود بشير البابا حتى عام 1974 حين اسس حلويات البابا الشهيرة».

لكن الانفصال لم يحل دون متابعة الطريق ذلك ان الابناء أخذوا ينضمون تباعا الى والدهم محمد البابا. وقال عوني البابا: «حاولنا منذ البداية العمل على تطوير الحلويات التقليدية رغم الحفاظ على العمل اليدوي. ففي النهاية هذه المهنة بالنسبة الينا اشبه بصناعة حرفية تستدعي الاهتمام وطول الاناة والاشراف على كل المراحل لكي نقدم حلويات ذات جودة عالية. وفي عام 1984، وبعد اجتياز مرحلة التأسيس الصعبة، اتجهنا نحو انشاء مؤسسة عبر فتح محل اكبر من الاول في شرق صيدا. ومع انضمام اخي الرابع الى العمل معنا، بدأنا نفكر في توسيع الاصناف فقدمنا معمول المد بالقشطة وزدنا اصناف البقلاوة والمعمول، فضلا عن خوض الاصناف الاجنبية من الحلويات. وفي بداية عام 1994 فتحنا المصنع الرئيسي في صيدا ومساحته 4 آلاف متر مربع. وهو يزود الفروع بالاصناف الرئيسية، وفي عام 1996 فتحنا فرع قريطم في بيروت. وفي بداية 2003 فتحنا الفرع الرئيسي في منطقة الطيونة في بيروت. واليوم أصبح دور الجيل الاول استشاريا فيما يمسك الجيل الثاني بمفاصل الادارة، وقد انهى الجيل الثالث من العائلة دراساته الجامعية وانضم الشبان منهم الى العمل المطبخي والفتيات الى الادارة والتسويق». ومن لبنان الى دبي حيث فتحت العائلة في عام 2002 مصنعا وفرعا لبيع هذه الحلويات الشهية. وفي 2005 اسسوا فرعا آخر في ابو ظبي ويخططون للتوسع اكثر في الامارات ثم السعودية والكويت.

* وصفة البقلاوة: (الكمية تكفي 14 شخصا)

* المقادير:

كوب من السمن او الزبدة غير المملحة 2/1 كيلو من الرقاق الخاص بالبقلاوة (الفايلو) Phyllo ما يساوي رقاقة 4040x 4 اكواب من الجوز المطحون خشنا او الفستق الحلبي المطحون خشنا كوب سكر 2/1 كوب من الفستق الحلبي الناعم 4 اكواب من القطر طريقة التحضير:

- تعد صينية مستطيلة (2540x) سنتيمترا. وتقص الرقاقات ويعدل قياسها بحسب الصينية.

- يذوب السمن او الزبدة على نار خفيفة. ويحمى الفرن الى درجة 325ْ ف.

- يمسح قعر الصينية المعدة للخبز بالسمن او بالزبدة الحلوة اما بفرشاة خاصة او بباطن الكف.

- توضع رقاقة واحدة في الصينية ثم تدهن بالسمن جيدا بواسطة الفرشاة الخاصة.

- توضع رقاقة اخرى وتدهن بالسمن بالطريقة السابقة نفسها وهكذا حتى يصبح عدد الرقاق 6.

- ينقى الجوز ويفرم فرما ناعما ويضاف اليه السكر ويخلط جيدا.

- يوضع خليط الجوز فوق الرقاق ويمد بالتساوي فوق الرقاق. ينثر ربع كوب من السمن فوق الجوز.

- توضع رقاقة فوق الحشو وتدهن بالسمن ثم تدهن بقية الرقاق حتى يصبح عدد الرقاق فوق الحشو 12 رقاقة. يبلل باطن اليد بالماء ويمسح وجه الرقاق قليلا بالماء. ثم يمسح جيدا بالسمن. تقطع البقلاوة بسكين حادة جدا الى قطع (حسب الطلب).

- توضع الصينية في فرن حار لنصف ساعة او الى ان يصبح لون البقلاوة ذهبيا.

- ترفع الصينية من الفرن ويضاف القطر الى البقلاوة وهي ساخنة.

- تزين البقلاوة بالفستق الحلبي الناعم وتقدم باردة.

تعليقات: