مكتبة المربّي أبو هزار عبد الأمير علي مهنا


ماذا عسانا نقول بالصديق المرحوم أبي هزار، المثقّف، الودود، المرح، الوطنيّ، الطيّب، المشاغب، المؤرّخ، الأديب، الباحث والاجتماعيّ...؟

هو من مؤسّسي البيت الخياميّ في بيروت حين كان أهالي الخيام منتشرين في أصقاع الوطن لا يجمعهم سوى التهجير والمصيبة، فكان هذا البيت كمسجد للخياميين، وداراً يأوي قضاياهم وتعازيهم وشؤونهم.. ولمّا يزل..

كانت الخيامُ همَّ أبي هزار الدائم، وقضيَّته، كمن يحرص على أولاده من غدر الزمان وويلات المتربّصين. وضع كتاباً عن الخيام ليؤرّخها، وليضيءَ على بعض قضاياها. وثّق وجمع كتباً في التاريخ والإسلام والأدب، ونقّحها، وجمعها، فكان أديباً ومؤرّخاً.

وضع كتاباً عن مرض البروستات الذي عانى منه فترة زمنيّة. فكان بمثابة الطبيب الذي يبحث عن علاج لهذا المرض المزعج عدوّ الحبّ والإنسان والرجولة. كتب عن رحلته إلى الحاج في الديار المقدّسة، فجاءت مُفعمة بالإيمان والتقوى.. ملأ زاوية "نحن معك" في صحيفة السفير بشكاواه وقرفه من أمور شتى، وأحياناً بأسماء مستعارة. رفد موقع الخيام الالكتروني ببعض كتاباته وآرائه...

كان متذوّقاً نهماً للفن التشكيليّ، رافقني في كلّ معارضي الفنيّة التي أقمتها في لبنان، فكان بمثابة أمّ الصبيّ، وأعطى رأيَه، وسأل واستفهم. أحبّ الفنّ التجريديَّ بعد أن فهم مفاتيحَه وأسرارَه. ملأ منزلَه بملصقاتٍ ولوحاتٍ فنيّة وصورٍ كان للخيام منها نصيبُها الأكبر.

زوّد مكتبةَ الخيام في "حي البركة" بكتب كثيرة، وكان مهندسَها ومايسترو إنطلاقتِها، وكاد يكون الوحيدَ من مريديها في البلدة، كما صرّح لي ذات مرّة، وفي نفسه غصّة. نقترح بهذا الخصوص تسمية هذه المكتبة باسمه: مكتبة المربّي أبو هزار عبد الأمير علي مهنا..

كان محبّاً للحياة، دائم الأناقة، ولشدّة هذا التعلّق كان يخاف المرض والألم وخيانة الجسد له.

كان جريئاً في مواقفِه السياسيّةِ والوطنيّةِ، ومن كان يجرؤ على انتقادِ البك في الستينيّات؟ فهو فعلها في قلب المسجد حين صرخ أمام البك، وعلى مرأى ومسمع الجميع بأنهم ضحايا هذا البك المنافق. كنتُ موجوداً حينها، وكنت صغيراً في السنّ لا أفقه الأشياء، بل أذكر البلبلة التي حصلت حينها، وكانت بداية لانهيار البك المعبود وانهيار إسطورته..

إلتصق بالخيام بعد التحرير، ولم يتركها، والتصق بها أكثر بعد تقاعده من الوظيفة، وها هو جسده يُعانق ترابها، وروحه تحلّق في هوائها وسمائها لترسم حبّه الأبديّ لها..

رحل أبو هزار على عجل، ومعه يرحل جزءٌ من تاريخ الخيام، ومن الصداقات لتبقى ذكراه أمانةً في قلوب محبّيه وأهل بلدته.. لروحه الرحمةَ والراحةَ والسلام، ولعائلتِه أحرّ التعازي..

أ. د. يوسف غزاوي

مقالات الكاتب عبد الأمير علي مهنا على موقع الخيام الالكتروني





تعليقات: