ما بين العادة والعقيدة


لكل انسان عادات يكتسبها من مجتمعه وعقيدة يؤمن بها في قلبه...

بدون شك انه أحيانا قد تحدث صدامات بينهما واحيانا أخرى يعيش الانسان معهم بإطمئنان .

نعم الفروق شاسعة بين العادات والعقيدة, فالعادات تتفق عليها مجموعة من الناس, اما العقيدة فهي منزلة من السماء وغير قابلة للتغيير.

الحكمة وحسن التصرف ان يوفق الانسان بين الجهتين وهذا أحيانا يتم وأخرى ينعدم..

يقولون: ان النية تسبق العمل, ويقولون أيضا انما الاعمال بالنيات, وآخرون يقولون: صفِّ النيّة ونام في البريّة.

اقوال متعارف عليها وهي صائبة على العموم ولو بعد حين...

اليك عزيزي/تي القارىء/ة هذه القصة والتي حدثت معنا انا وصديقي اثناء تواجدنا قبل عدة سنوات, كنّا بمعية اخرين بزيارة لابناء طائفتنا في الأردن(12/1999).

في اليوم الثاني, وبعد ان انتهينا من البرنامج المُعد لذلك اليوم, طلب مني صديقي مرافقته لزيارة صديق له مريض في مدينة الزرقا.

لا مانع في ذلك, انها فرصة ملائمة اجبته.

على الطريق تحدثنا فيما بيننا عن الزيارة واللقاء المرتقب...

يا صديقي, بدون شك صديقك سيرحّب بنا افضل ترحيب, ولا بد انه سيحضّر وليمة على شرفنا, فنحن من بلاد وهو من أخرى, ولا بد ان تتجلى الضيافة العربية لديه على اتم وجه ... ولكن من جهة أخرى فنحن معروفيون, نذهب لعيادة المريض, ولا يجوز ممالحتة لانه طريح الفراش . علينا ان نخفف عنه, وهذا عرفنا ومسلكنا ولا بد لنا من ان نحافظ على خصوصيتنا.

فماذا نعمل؟ وكيف يمكننا ان نوفق بين الزيارة كعادة اجتماعية محبّذة وعقيدتنا بوجوب التخفيف عن المريض؟.

نعم... وجدناها نحن الاثنين : انا اتصرف بموجب العقيدة التوحيدية, القاضية بعيادة المريض وبدون أي تكليف, وانت تتعامل مع صديقك كضيفه وتجابره العشاء .

انت تعود للفندق دون الحاجة الى وجبة عشاء ثانية, وانا ادبّر لنفسي طعاما ما, وان وصلنا الى الفندق بعد موعد العشاء...

وصلنا بيت المريض في احد احياء مدينة الزرقا وكانت ساعة المساء.

استقبلنا المضيف احسن استقبال وفي الحال دعانا لتناول طعام العشاء, (المنسف) وبعد تبادل اطراف الكلام الملائم, اقنعنا المضيف بوجهة نظرنا. صديقه ضيف الرحمان وانا زائر للمريض.

بعد ان تمت الزيارة عدنا ادراجنا الى الفندق, وعلى الطريق نتحدث فيما بيننا بين المزاح والجد .

خسرت عشاء شهيا يا رفيقي وعسا نجد بعض ما يبقى من طعام العشاء في الفندق لتناوله.

كل ساعة ودُبّارها منها وفيها, لنصل أولا ومن ثم ...

بالفعل وصلنا, وما شدني اكثر من أي شيء آخر, ان ادخل غرفة الطعام وعلى امل ان اجد بعض الطعام, بما انه كانت الساعة متاخرة .

وما حدث, اني رأيت من بعيد شخصا آخر (يبدو انه متأخر كحالتي), يجلس بالقرب من احدى الطاولات, فاقتربت منه وجلست قبالته وتبادلنا التحية.

قد لا يُصدّق, فان هذا الرجل هو ذاته صاحب الفندق! والعاملون منشغلين باعداد مائدة ملائمة له...

جلسنا سويا وتناولنا عشاء مميزا, وتعرفت على الشخص, فتبيّن انه من اصل فلسطيني, من منطقة جبل نابلس, ودعاني لمكتبه في اليوم التالي لتناول قهوة الصباح.

نعم هذا ما حدث معنا انا وصديقي, زرنا المريض, وحافظنا على العادة والعقيدة وتوفّقنا بعشاء فاخر والتعرف على اشخاص محترمين بالفندق.

الحديث عن فندق في عمان يسمى بالاجنحة العربية, وما زلنا الى أيامنا هذه نتذكر انا وصديقي هذه الحادثة والعبرة منها...

نعم ما في مثل الاستقامة والعقلانية, ويمكن التوفيق بين العادات والعقائد ومن يحترم عقيدته وعاداته يعيش محترما وموفقا ويفوز في دنياه وآخرته.




تعليقات: