أزمات تمويل الاعلام اللبناني أعمق من الصحف الورقية

تخلت معظم القنوات في إطار المنافسة على جذب المعلنين عن الإخلاقيات
تخلت معظم القنوات في إطار المنافسة على جذب المعلنين عن الإخلاقيات


خيم هاجس التمويل وتراجع دور الاعلام التقليدي في مقابل الإعلام الجديد على المؤتمر الدولي الأول لقسم الإعلام في جامعة بيروت العربية والذي حمل عنوان "الإعلام.. الواقع والتحديات"، وناقش على مدى يومين أبرز التحديات التي تواجه الإعلام بينها هواجس الصحافة والإعلام في لبنان ومخاوفها التي تحولت الى أمر واقع دون أن تنجح في استدراك الأمر قبل أن يقع المحظور.

الأزمة التي ضربت صحيفة "السفير"، لا تزال ارتداداتها تلاحق باقي الصحف المحلية التي تتبع سياسة صرف العاملين وتأخير الرواتب لضمان بقائها أطول فترة ممكنة، وهو ما لم يعد مضمونا بفعل تكاثر العوامل التي تحبط هذه المحاولات، وهو ما عبر عنه رئيس تحرير صحيفة "اللواء" صلاح سلام.

التشاؤم لا يزال يحيط بمستقبل الصحافة الورقية في لبنان، التي يراها سلام في مسيرة تراجعية منذ الحرب الأهلية حتى اليوم، منتقداً دور الدولة اللبنانية في عدم تقديم الدعم اللازم لاستمرار الصحافة، فيما الاعلانات تتراجع والكوادر هاجرت الى الصحف الخليجية، وتحولت صحف لبنان الى المحلية بعدما كانت ممثلة للطيف العربي بكل ألوانه.

وتدفع الصحف اليوم ثمن تلكؤها في قراءة المستقبل، وعدم التعلم من تجارب الصحف الغربية التي تحول معظمها الى مواقع الكترونية تتابع الخبر على مدار الساعة، وتقدم خدماتها الإخبارية بمقابل مادي، فيما أنشأت الصحف اللبنانية مواقع إخبارية تقدم خدمة قراءة مضمون الصحيفة الورقية نفسه لكن مجاناً، وبمردود إعلاني متدنٍ.

مشكلة الصحافة اللبنانية اليوم أن أزمة التمويل تمتد الى قطاعات الإذاعة والتلفزيون والى الصحافة الالكترونية التي تمثل مستقبل الصحافة، لكنها لا زالت تعاني من شح المردود الإعلاني بسبب ضعف ثقافة التسوق الالكتروني في لبنان من جهة، وضعف أداء هذه المواقع من جهة ثانية لجهة الكادر البشري والقدرة على التحول من ناقل للخبر الى صانع له.

حتى أن الإعلانات التي هجرت الصحافة، وانحسر مردود التلفزيون منها، لم تذهب الى المواقع الالكترونية. وفي هذا الصدد كشفت أستاذة الإعلام في الجامعة العربية الدكتورة ايمان عليوان في ورقة بحثية قدمتها أنه حتى على المستوى العالمي احتكر موقع "فايسبوك" ومحرك البحث "غوغل" حوالي 98% من سوق الإعلانات الالكترونية.

وفي المؤتمر كشف جوزف سمعان رئيس تحرير "النشرة" الالكترونية، أن رئيس مجلس إدارة "النشرة" أرز المر لا يزال يدفع من جيبه بين خمسين وستين في المئة من التكاليف، فيما لا تؤمن الإعلانات أكثر من أربعين بالمئة من تمويل الصفحة السياسية الأكثر نشاطا.

كما أن هذه المواقع غير قادرة على استيفاء البدل المادي للخدمة الإخبارية التي تقدمها، من المتلقي. وهو ما شددت عليه دراسة عليوان التي أجرتها على مجموعة من العاملين في مهنة الصحافة، حيث أشارت الى أن اعتماد الصحف الالكترونية على البدلات المادية للمواد الاخبارية ليس منظوراً، وأن موقع صحيفة "النهار" وحده الذي سيذهب في هذا الاتجاه قريبا.

وكان محزنا أن يصرح مدير إذاعة "صوت لبنان" أسعد مارون أن بقاء الإذاعة رهن بوجود زحمة السير، كون حصتها من سوق الإعلانات انخفضت الى أربعة في المئة وهو انخفاض مرهون بانخفاض عدد المستمعين.. فخروج الراديو من المنازل لصالح التلفزيون بالدرجة الأولى ثم انحسار مستمعيه بشكل أكبر لصالح الهواتف الذكية والأجهزة شكل ضربة قاضية للإذاعة.

اليوم لا تملك الإذاعة الا أن تناضل بالحد الأدنى من الامكانات حتى حلول موعد الاقفال، فإذا كانت الحلول المطروحة بالنسبة لباقي القطاعات صعبة، فلا حلول مطروحة أمام الإذاعة التي تلاشى دورها.

بدوره تحول التلفزيون في لبنان من رائد في انتاج البرامج الترفيهية التي غزت العالم العربي في فترات ماضية، الى مروج للجنس عبر الانتاجات الصغيرة غير المبهرة والتي ما كان معظمها قادراً على جذب الجمهور لولا المحتوى الجنسي الذي تقدمه، وهو توجه أيضاً ناتج عن خروج القنوات اللبنانية من السوق العربية الى السوق المحلية وميزانيتها الاعلانية الضيقة، الى جانب شح التمويل السياسي.

وتخلت معظم القنوات في إطار المنافسة على جذب المعلنين، عن الإخلاقيات التي اعتبرها رئيس تحرير الأخبار في المؤسسة اللبنانية للارسال جان فغالي أمراً نسبياً، لافتاً الى أن البرامج الثقافية لا تجذب الجمهور وبالتالي أي برنامج لا يحقق نسب مشاهدة يتم توقيفه تلقائياً.

* المصدر: المدن

تعليقات: