وزارة الخارجية اللبنانية: الأبعدون أولى بالجنسية.. من المرأة

في البرازيل وحدها 7 ملايين لبناني ووصل منهم ميشال تامر للرئاسة (غيتي)
في البرازيل وحدها 7 ملايين لبناني ووصل منهم ميشال تامر للرئاسة (غيتي)


على الرغم من كون آذار شهر المرأة والأم، قررت الحكومة اللبنانية منح اللبنانيات هدية مميزة عبر تذكيرهنّ بعدم قدرتهن على منح الجنسية لأطفالهن.

فخبر إطلاق الحكومة اللبنانية موقعاً إلكترونياً مخصصاً لـ"استعادة الجنسية" لم يأتِ كصدمة على الاطلاق لمعظم من تابع تكرار عبارة "استعادة الجنسية" خلال السنوات القليلة الماضية. بل يجزم البعض بأنها خطوة متوقعة ولو أتت متأخرة.

فقد أطلقت وزارة الخارجية موقعاً إلكترونياً بأربع لغات هي الانكليزية والفرنسية والاسبانية والبرتغالية يتوجه إلى اللبنانيين ولبنانيي الأصل في المهجر، محاكياً اهتمامهم بالعودة إلى وطنهم وذلك من خلال تسهيل استعادتهم للجنسية اللبنانية عبر بعض الخطوات التي يسهل إتمامها على الموقع نفسه.

يستقبلك الموقع بتصميم مصغر لجواز السفر اللبناني الذي يصوّر وكأنه بطاقة لولوج العالم.

في الصفحة الاولى صورة لجدٍ مع حفيده، يليها نص صغير يقول: "أذكر قصص جدي عن الصيف في لبنان، الايام المشمسة والليالي الهادئة، السهرات العائلية والضحك". ثم يحثّ الموقع المتصفحين على "اكتشاف قصصهم" والمطالبة باستعادة جنسيتهم. كل ذلك دون ذكر من هم الذين يحق لهم استعادتها، لتأتي المفاجأة في الصفحات التالية حيث لا ذكر واضحاً للمرأة وأصول أطفالها اللبنانية. فمن هم المخولون بطلب استعادة الجنسية؟

* المصدر: المدن

يُجيب الموقع عن ذلك بنفسه: "إن كان لديك والد أو جد من أصول لبنانية وقد غادروا لبنان دون تسجيل أولادهم كمواطنين لبنانيين، أو، إن كنتِ أجنبية متزوجة من لبناني".

ولكن ماذا عن المرأة اللبنانية المتزوجة من أجنبي وعلى سبيل المثال لا الحصر: بريطاني، أميركي، فلسطيني، سوري، كوري أو صيني، وماذا عن حق أطفالهما باختيار الجنسية التي تناسبهم؟ وماذا عن حقها بمنح الجنسية اللبنانية لأولادها؟ يسمح الموقع لنفسه بمنح جنسيتنا لنساء أجنبيات تزوجن من لبناني، في وقت نُحرم نحن اللبنانيات من منح ما اكتسبناه "وابتلينا به" إن صح التعبير، لأطفالنا.

قد يعتبر البعض أن ما حصل نتيجة متوقعة وعادية ومحقة تسمح لكل من ينتمي الى لبنان بالمطالبة بورقة وجنسية تثبت انتمائه. الا أن ما يغفله المجتمع هنا هو حجم التمييز الذي ترسخه خطوة وزارة الخارجية التي عمدت بعد أيام قليلة من يوم المرأة إلى تجاهل وجودها كلياً في مجتمع تصارع فيه الأخيرة لتفادي التهميش والمطالبة بأبسط حقوقها.

يعود الموقع ليناقض نفسه بنفسه، حيث تستوقفك جملة: "تراثي اللبناني جزء من هويتي ومني، قد لا يعرّف ذلك عني بشكل كامل، ولكنه جزء أساسي أريد أن أستكشفه".

وبالتأكيد يمكنك استكشافه عزيزي المغترب ولكن ليس إن كانت والدتك لبنانية ووالدك أجنبي. هُنا، يُفضل أن تذهب لاستكشاف ثقافة أُخرى وتراث آخر، لأنك لا تليق بلبنان، ولأن الحكومة اللبنانية "حرّة" وقد اختارت لك ذلك بنفسها، دون أن تسألك أو أن تسأل والدتك، خوفاً من التجنيس، وحرصاً على الأصوات الانتخابية.

يحاول الموقع من خلال عباءته "التعددية" إخفاء الطائفية المضمرة بين سطور كل عبارة مكتوبة، بهدف إبعاد المتصفحين أيضاً عن النظرية المتداولة أخيراً في لبنان والتي تنحصر أهدافها بالسياسة والانتخابات فقط لا غير، وهي "اجتذاب مسيحيي المهجر للمشاركة في الحياة الانتخابية والتصويت"، ذلك أنه، وبحسب الإحصاءات، فان الأكثرية اللبنانية في المهجر وتحديدا أميركا الجنوبية من الطائفة المسيحية.

وتضم أميركا الجنوبية 17 مليون متحدّر من أصل عربي، معظمهم من أصول لبنانية وسورية. ويُقال إنّ في البرازيل وحدها 7 ملايين لبناني، رغم أنّ بعض المصادر تعتبر هذه الأرقام تقريبية.

مواطنون من أصول لبنانية في البرازيل وأستراليا وإسبانيا تفاعلوا بإيجابية مع الموقع معبّرين عبر مواقع التواصل عن اهتمامهم بالخطوة، داعين الأصدقاء والاقارب الى زيارة الموقع المذكور وتفقد الخطوات والتقدم بطلبات استعادة الجنسية، حيث كشفت محركات البحث تداولاً واسعاً "التجنيس اللبناني" و "استعادة الجنسية" في شبكات التواصل وتحديداً خارج لبنان.

المقاربة بين توقيت إطلاق الموقع والحديث عن الانتخابات في لبنان، يبدو ضرورياً بعد مراجعة بسيطة لمعظم العناوين التي تتحدث عن الوجود المسيحي في لبنان والتي نُشرت منذ العام 2015. فالتخوف المسيحي من "انتشار وتكاثر الآخر" بدا جلياً مرات عديدة من خلال عناوين إخبارية مثل "هل يصبح المسيحيّون 12% من اللبنانيّين؟"، المادة التي نشرها موقع قناة أخبار لبنانية العام 2015 تُختتم بالتالي: "التوقعات المستقبليّة في العام 2080 في حال عدم حصول أمور طارئة أو استثنائيّة كالترحيل والتجنيس".

لذا، استعادة الجنسية موضوع مستجد وإطلاق الموقع يعكس مصالح سياسية لا أكثر. ذلك أن السياسيين في لبنان يسعون لاستغلالك على الرغم من أن أجدادك كانوا قد غادروا لبنان منذ سنوات هرباً من ذلك الاستغلال نفسه، ولكن التاريخ لا بد أن يعيد نفسه، فلكَ أن تكتشف ذلك بنفسك.

تعليقات: