رعبُ قصة حنان: لعنة المغتصِب حين يُصبح زوجاً


انحنت على قبرها للمرة الأولى وتركت وردة حمراء كوجع النزيف ربما أو احتراق العمر. لا يمكن الحديث أن يُختَصر بقتل حنان طفلتها، أو يُوجَّه حصراً نحو هذا الرعب. رعبٌ أعمق عاشته في سنّ الخامسة عشرة. آنذاك كانت وحيدة في المنزل. الأهل في واجب عزاء، وهي مع طفولتها البريئة، أحلامها وفروض المدرسة. دخل واغتصبها. سكتت. خافت. كبرت فجأة. ثم انتفخ بطنها. حنان حامل من مغتصِبها. زوّجوها إياه. المغتصِب أصبح زوجها! الحياة تستحق رفسة. أو صفعة من صميم القلب.

"أحمر بالخط العريض" ("أل بي سي آي") يوجع مجدداً. حنان أمام مالك_مكتبي تتذكّر. صورة تلو الصورة. خنجر تلو الخنجر. ودموع على الوجه. دموعٌ ربما ساخنة كقسوة الجمرات. تكلّمت حنان مُفرغة حزن روحها. لم تطلب يوماً سوى أذن تسمع. وقلب يتفهّم. وإنسان بدل الذئاب. سمعها مكتبي. كان الجهة القادرة على جعلها تستريح. وهي في حاجة إلى لحظة استراحة. أرهقها التعب. تعب الحياة والذنب والحظوظ الملعونة. حين اطمأنت إلى وجودها خارج ظلم الآخرين واستغلالهم، قالت كلّ شيء: بأنّها اغتُصبت وهي قاصر فزوّجوها المغتصِب لتُنجب طفلها. عنّفها. أبوه تحرّش بها. انتفخ بطنها مرة أخرى. لا! إنها طفلة! أنجبتها في المنزل. نزفت كثيراً وأحدٌ لم يُسعفها. حتى الأهل تخلّوا عنها في عمق وجع الاغتصاب. زوّجوها من أجل تفاهة تُسمّى "السترة". "إنه خطأكِ، عودي إلى بيت زوجك". حنان وحيدة، تستعيد شريط عمر مرعب. حين خرجت طفلتها إلى الضوء قتلتها! خنقتها بـ"إيشارب". جنّبتها كؤوساً مسمومة. استبقت مأسوية القدر. بلغت بها أقصى الحبّ الصافي.

لا تزال حنان تبكي. مكتبي يدرك أيّ الأسئلة تُخرج الأعباء من صدرها. يستمع ويتيح لها التقاط أنفاسها. بيدها قصاصة من حديث أدلت به والدتها يوماً إلى "النهار". عن المعاناة والابنة المظلومة. وباليد الأخرى صورة من طفولتها. كلّ الذكريات تُرمى كبحر تتضارب أمواجه. أُدخلت حنان السجن بسبب "جريمة". إنها قاتلة طفلة لم تحضنها. أنهت حياتها ووضعتها في جارور لعلها تختفي ككذبة. قتلت مرآتها. صورتها أمام ذاتها. قتلت كره الحياة في داخلها. "السجن أرحم من الحياة"، واجهت مكتبي بكلمات موجوعة. وأخبرته عن زوج لم يصدّقها حين صارحته بتحرّش أبيه. مغتصِب هو السبب، كما الجهل والقوانين الهزيلة ومجتمع الذكورة والخوف من العار و"الفضيحة". من سجن الطفولة المسلوبة والأمومة البائسة إلى قضبان وجدت فيها "حرّيتها". بكاء وجراحات بلوعة موت الطفلة. وحده البوح بالعذاب وإخراجه من حُفر الذاكرة منحها جرأة زيارة قبرها للمرة الأولى. وردة حمراء وثلاث كلمات: "سامحيني يا إمي".

في يوم المرأة، قصة حنان كقصص مخفية عن نساء مغتَصبات أنينهنّ لا يُسمع. بدت بمثابة تذكير بالمناسبة من دون خطاب وتمجيد وشعارات ضاحكة. لم يفت البرنامج تقديم المساعدة. أمّن لها فرصة عمل وإعادة تأهيل اجتماعي هي في أمسّها. هل من بداية ثانية بعد موت يبلغ ذروته؟ من قبر الطفلة ستولد بداية حقيقية.

تعليقات: