ندوة في مدينة صور حول رواية حرير مريم للكاتبة وداد طه


بدعوة من الحركة الثقافية في لبنان، أقيمت ندوة حول رواية "حرير مريم" للكاتبة الفلسطينية وداد طه وذلك في مركز باسل الأسد الثقافي في مدينة صور، بمشاركة الكاتب محمد علي سرور، الكاتب يوسف رقة، الشاعر والناقد إسكندر حبش، وقدّم الندوة الإعلامي بسام فقيه، بحضور عدد من الأدباء والشعراء والإعلاميين ومهتمين بالشأن الثقافي والأدبي وأصدقاء الكاتبة.

افتتحت الندوة بالنشيدين اللبناني والفلسطيني، ثم رحّب الإعلامي بسام فقيه بالحضور وقال: هل تموت الذاكرة، هل تمحى أم تجد لها ميلاداً جديداً في كل ليلة أو لحظة أو كلمة، أو حتى مدينة، حرير مريم رواية الكاتبة الفلسطينية وداد طه، رحلة في حيوات أُناس الحرب، أولئك الذين ماتوا وعاشوا في ما بين لهاث هروبهم وأنّات أوجاعهم.

فلسطين ولبنان وألمانيا، مخيم تل الزعتر والقدس، أماكن جالت بهم لمى وكانت مريم بحرير حكاياتها تتمشى في روح الكلام التي امتدت على صفحات الرواية.

أصوات أولاد المخيم نصبت خيمتها فوق كلام الرواية، وذاكرة التشرد، وصراع الضمير مد فراشه في أرضها.

أما الأستاذ الشاعر محمد علي سرور فجاء في كلمته: اقرأوا حرير مريم، اقرأوا رواية الصديقة وداد طه، سوف تشعرون بأن الحرير شوك على الجسد المفجوع، وفستان العرس هوية لأعراس لم تبتق إلا على الجراح والغربة.

لفلسطين أبجديتها إذاً...فمنذ كانت استعارات ورموزاً وتوريات لملحمة القهر المستمرة...منذ خلت ميعار من أنسها.

لقد أجدت خياطة روايتك "حرير مريم" بخيط الحرص والانتماء وحرفية اللغة وتقنية السرد، أعجبني التنقل بين نوبات الألم، أعجبني تجاوزك التقليد، مما أكسب قفزاتك الزمانية والمكانية حداثة رصينة وانتماء إلى التجديد الذي نحتاجه جداً، مباركة وندعو المتخلفين إلى اللحاق بركبه لأننا نريد فلسطين بحلة جديدة، حلة استفزاز الوجدان، إيقاظه من جمود وضمور وتنح، ولا يجيد ذلك إلا الاستفزاز الجميل.. إلا مخيلة بارعة.

كلمة الحركة الثقافية قدمها الأستاذ يوسف رقة قال: أرغب أن استهل مداخلتي باستعادة كلام للشاعر الراحل محمود درويش الذي قال: ما هو الوطن؟ هو الشوق إلى الموت من أجل أن تعيد الحق والأرض، الوطن ليس أرضاً فحسب، إنه الأرض وإنه الحق، أن تكون فلسطينيا يعني أن تصاب بأمل لا شفاء منه.

وداد طه، في رواية "حرير مريم" تختبىء وراء الغيوم لتلامس شمس الحقيقة المشرقة، قلت لها في نقاش دار بيننا: "أنا لا اكترث للفصول الأربعة التي وردت في روايتك، ما وصلني كمتلق هو فصل واحد هو ذلك الألم والنزوح الذي عانى منه الشعب الفلسطيني منذ العام 1948 وحتى اليوم .

وداد طه، لم تعتمد المفهوم الروائي التقليدي في رواية "حرير مريم"، فالرواية عادة تنقل الواقع عبر خيال الكاتب في إطار ما يعرف بـ "الفكرة"، العقدة والحل، إلا أن كاتبة "حرير مريم" تجاوزت التلقيدية لتمزج حبكة الواقع مع الخيال وتبتدع أحداثا يتقدم بعضها على البعض الآخر، ويتأخر في أحايين كثيرة.

كما نجد بأنّ شخصيات الرواية تمزج بين صيغة المتكلم أحياناً، وصيغة الغائب أحياناً أخرى في خلطة هي قريبة من التقطيع السينمائي والسيناريو.

لغة الرواية تحمل لغة الواقع البسيطة ومفرداتها المحكية وإن سمت أحيانا إلى مفردات بلاغية بديعة ... أما الأحوال السردية لشخصيات الرواية فهي وإن بدت للوهلة الأولى بأنها شخصيات متباعدة غير أننا نجدها مجتمعة في خط درامي واحد لشخص واحد ليظهر ماساة شعب واحد.

حرير مريم، رواية تلامس قضايا الانسان، وتحمل المعيار "الوطني" في التصنيف ذلك لانها تلخص حكاية شعب يبحث عن الحرية إذا لم نقل عن المصير، رواية فيها الكثير من عناصر التشويق والإثارة والصراع والتناقضات.

رئيس الحركة الثقافية في لبنان الأستاذ بلال شرارة يبارك رواية الكاتبة وداد طه، ومحبته إلى الزملاء المشاركين في إحياء هذا الحفل، ولكم مني التحيات والتقدير والمحبات.

ثم قدم الشاعر والممثل سليم علاء الدين والفنان طارق بشاشة مشهدية من وحي الرواية، تلاهما كلمة الشاعر والناقد إسكندر حبش حيث قال:

يٌشكل اسم "مريم" – وبعيدا عمّا يحمل، للوهلة الأولى، من دلالات وإشارات تُحيل إلى الرمز الديني – نوعا من ثيمة روائية نجدها حاضرة في عدد كبير من الروايات الصادرة في السنوات الأخيرة الماضية. بالتأكيد، ليس الاسم هنا، نوعا من تزيين بلاغي أو لغوي، بل علينا – ومهما كان من أمر – ألاّ ننزعه، من سياقه المعرفي والتاريخي، لذا نجدنا، وحين يطالعنا أي عنوان يحمل في طياته هذا الاسم، نسير رأسا إلى تأويل مسبق محدد بشرطنا المعرفي، وبالتأكيد بشرطنا "الديني".

لا تزال شخصية السيدة مريم، تملك ذلك الحضور الوافر، الذي يأخذنا معه برحلة في الزمان والمكان، ليصبح بذلك صورة أبدية عن المرأة "المقدسة" التي لا يمكن تجاهلها أو تخطيها، فهي قد تكون المرأة الوحيدة المتفق عليها (إذا جاز القول) في الكتب المقدسة، في الأناجيل كما في القرآن الكريم. فهي مريم العذراء والدة المسيح، وهي مريم بنت عمران والدة النبي عيسى، وقد اتفق الكتابان على انه لم يمسسها رجل، وقد أنجبت بلا دنس، لهذا فإن أي ذكر لاسم مريم في أي عمل أدبي، لا بدّ أن يقودنا إليها مباشرة، وأن يجعلها الإطار العام الذي لا بدّ أن يحيط بقراءتنا، مع العلم أن ثمة "مريميات" أخريات، لكنهن مغيبات، أقصد أن هناك ست مريميات ذكرن في الكتاب المقدس (بالإضافة إلى العذراء مريم)، لكنهن لا يحضرن لا في الذاكرة، ولا في هذا السياق الأدبي الذي يميل إليه الكتّاب: شعرا أو نثرا. هل لأن الأدب هو في النهاية فن كتابة الوجع. أقول ذلك وفي بالي المعنى القديم لاسم مريم، إذ مثلما يقال إن معناه الآتي من العبرية القديمة، هو "المرارة".

هي المرارة إذاً، أو لنقل هو الوجع الذي تقودنا إليه الكاتبة وداد طه في روايتها الثالثة "حرير مريم" الصادرة مؤخرا عن "دار الفارابي" في بيروت. هو الوجع الفلسطيني، والتيه الطويل، عبر سير متشابكة لأشخاص، تتقاطع حيواتهم، ليشكلوا لنا لوحة ما عن هذه المرارة التي لا يزال الشعب الفلسطيني يعيشها ويتنفسها لغاية اليوم. وجع يمرّ إلى هذه اللحظة الراهنة بأربع مراحل، وفق تقسيم الكاتبة في روايتها حسب فصول الكتاب.

رواية تعيد تصويب بعض البوصلات عن راهنية الهجرة الفلسطينية، بالأحرى رواية تعيد تذكيرنا بهذا الإنسان الفلسطيني التائه، العالق بين برزخين، لا يجد في أي منهما مكان لممارسة إنسانيته إلا بالموت.

وتحدّثت الكاتبة وداد طه مقدمة الشكر لكل من شاركها في الندوة وقالت: قد لا تختزل مريم كلّ نساء فلسطين ولكنّها تحمل العالم أجمع في قلبها، بحكايتها الصّغيرة يمكنها أن تدمرنا وأن تعيد خلقنا من جديد.

لم أسعَ في حرير مريم إلى استجرار عطف القارئ أو ابتزاز مشاعره ليتضامن مع مريم في حزنها الطّويل، وتالياً مع شعب فلسطين، أنا فقط أردت أن أحكي قصّة صغيرة عن امرأة عادية ككل النّساء، صارت بحجم فلسطين بل الوجود حين خسرت أبناءها بصمت.

أما لماذا؟ فلأنني كنت طفلة صغيرة حين جاء ذلك التابوت إلى البيت، وارتمت جدّتي أرضاً، تتلوى ومازالت قدما آمنة اللتين حفرتا الأرض رفضاً وقهراً حينها، تصرخان وتحرُثان قلبي.

بعد الجنازة بأيام زرناها، كانت تجلس عند شباكها غائبة، مرّت جنازة أمامها لم تحرك ساكناً، لم تبك، ولكن لأيام بعدها فقدت صوتها وقال الطّبيب إنها لمّا رأت تلك الجنازة صرخت من دون صوت.

لا أدّعي أنني أعي لمَ كتبت حرير مريم تماماً لأنني لا أعي حقيقة أي لحظة تعبرني، ولكنني لم أنج من سطوة تلك اللحظة عليّ، ولم أستطع ألا أكتب عن جدتي وعن النّسوة اللواتي يشبهنها، لعلّني كتبت "حرير مريم" قبل أن أعيها وأقرر كتابتها، وأسميت بطلتي مريم لأنها مقدسة، ولأن العالم صلب أبناءها ووطنها، وجعلتها خياطة لأنني أردتها أن تغزل رؤيتنا للعالم وتحيك لنكبتنا ونكباتنا اليومية قميصاً يبشر بقيامتنا الآتية...قيامة فلسطين.

وفي الختام وقّعت الكاتبة وداد طه روايتها "حرير مريم" للحضور.




















تعليقات: